بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى اله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته الى يوم الدين ايها الاخوة المستمعون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتحدث معكم في هذه الحلقة عن احكام تصرفات المريض المالية وذلك ان حالة الصحة يختلف عن حالة المرض من حيث نفوذ تصرفات الانسان في ماله وذلك ان الانسان في حال الصحة حر في ماله له ان يتصرف فيه بما شاء في حدود الشرع والرشد من غير استدراك عليه فله ان يتبرع من ماله بما شاء وله ان يتصدق بما شاء وله ان يوقف منه ما شاء بل حتى لو اوقف جميع ماله صح ذلك ما دام صحيحا رشيدا والصدقة في حال الصحة افضل من الصدقة في حال المرض واعظم اجرا قال الله تعالى وانفقوا مما رزقناكم من قبل ان يأتي احدكم الموت فيقول ربي لولا اخرتني الى اجل قريب فاصدق واكن من الصالحين ولن يؤخر الله نفسا اذا جاء اجلها والله خبير بما تعملون وفي الصحيحين عن ابي هريرة رضي الله عنه قال جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله اي الصدقة اعظم اجرا قال ان تصدق وانت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ولا تمهل حتى اذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان قال بعض اهل العلم انما كانت الصدقة في حال الصحة افضل منها في حال المرض لان الشح يكون غالبا في حال الصحة ومجاهدة النفس على اخراج المال مع قيام هذا المانع وهو الشح يدل على صحة القصد وعلى صدق النية وقوة الرغبة في التقرب الى الله عز وجل بذلك المال بخلاف حال المرض فان الانسان يزهد معه في الدنيا ويرى ان مصير المال الذي بيده سينتقل الى غيره واما تصرفات الانسان المالية في حال المرض فان المرظ ينقسم الى قسمين الاسم الاول مرض لا يخاف منه الموت عادة مرض لا يخاف منه الموت في العادة كالزكام والصداع اليسير ووجع العين والسن ونحو ذلك هذا القسم يكون تصرف المريض فيه لازما كتصرف الصحيح وتصح عطيته من جميع ما له حتى لو اشتد به المرض وتطور الى مرض مخوف ومات منه اعتبارا بحاله حال العطية لانه في حال العطية في حكم الصحيح القسم الثاني مرض مخوف ان يتوقع منه الموت عادة كمرض السرطان مثلا ان تبرعات المريض في هذه الحال وعطاياه تنفذ من ثلث المال لا من رأس المال فان كانت في حدود الثلث فاقل نفذت وان كانت اكثر من ذلك فانها لا تنفذ الا باجازة الورثة لها بعد الموت فيدل لذلك حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث اموالكم زيادة في حسناتكم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في بلوغ المرام رواه الدار قطني واخرجه احمد والبزار من حديث ابي الدرداء وابن ماجح من حديث ابي هريرة رضي الله عنه وكلها ضعيفة لكن قد يقوي بعضها بعضا انتهى كلامه رحمه الله وهذا الحديث وما ورد في معناه يدل على الاذن بالتصرف في ثلث المال عند الوفاة لانه في حال المرض المخوف يغلب موته به كانت عطيته من رأس المال تجحف بالورثة ردت الى الثلث كالوصية وتصرفات المريض المرض المخوف لا تنفذ فيما زاد عن الثلث يدل لذلك ما جاء في صحيح مسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه ان ان رجلا اعتق ستة اعبد له في مرضه لا مال له غيرهم فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم فجزأهم اثلاثا ثم اقرع بينهم فاعتق اثنين وارق اربعة وقال له قولا شديدا فاذا لم ينفذ العتق مع قوة سرايته فغيره من باب اولى وفي معنى المرض المخوف حالة الخطر فمن وقع الوباء في بلده او كان بين الصفين في المعركة او كان في لجة البحر عند هيجانه او قدم ليقتل قصاصا او غيره فانه لا ينفذ تبرعه في هذه الحال فيما زاد عن الثلث لا ينفذ تبرعه فيما زاد على الثلث الا باجازة الورثة بعد الموت ولا يصح تبرعه في هذه الحال لاحد ورثته بشيء الا باجازة الورثة ان مات في هذه الحال فان عوفي من المرض المخوف وما كان في معناه نفذت عطاياه كلها بعدم المانع قال الموفق بن قدامة رحمه الله وكذلك الحامل عند المخاض اي انه لا تنفذ عطيتها الا في الثلث فما دون لانه يحصل لها الم شديد يخاف منه التلف اشبهت سائر اصحاب الامراض المخوفة وما قبل المخاض لا يكون مخوفا انتهى كلامه رحمه الله ومن طلق زوجته في مرض الموت المخوف طلاقا بائنا بقصد حرمانها من الميراث فانها ترثه مطلقا سواء توفي وهي في العدة او بعدها ما لم تتزوج باخر او ترتد معاملة له بنقيض قصده وهذا هو المشهور عن الصحابة رضي الله عنهم فقد اخرج البيهقي في السنن الكبرى وابن سعد في الطبقات بسند صحيح ان عثمان بن عفان رضي الله عنه ورثت ماض بنت الاصبغ الكلبية من عبدالرحمن بن عوف كان قد طلقها في مرضه فبتها قد اشتهر ذلك في الصحابة فلم يمكر فكان اجماعا ولان المطلق في هذه الحال قد قصد قصدا فاسدا في الميراث فعمل بنقيض قصده كالقاتل القاصد استعجال الميراث يعاقب بحرمانه ايها الاخوة المستمعون العطية في مرض الموت وان كانت تأخذ حكم الوصية في كونها لا تكون في اكثر من الثلث ولا تصح للوارث الا باجازة الورثة الا انها تفارق الوصية في امور ومنها اولا ان المعطي لا يملك الرجوع في العطية بعد قبضها بخلاف الوصية ان الموصي يملك الرجوع فيها لانها لا تلزم الا بالموت ثانيا ان الوصية يسوى فيها بين المتقدم والمتأخر لانها تبرع بعد الموت يوجد دفعة واحدة خلاف العطية فانه يبدأ بالاول فالاول فيها لانها تقع لازمة في حق المعطي ثالثا ان العطية يعتبر القبول لها عند وجودها ويثبت الملك فيها عند قبولها خلاف الوصية فانها تمليك بعد الموت فلا حكم لقبولها قبل الموت ولا يثبت فيها ملك قبل الموت ايها الاخوة المستمعون هذا هو ما اتسع له وقت هذه الحلقة ونلتقي بكم على خير في الحلقة القادمة ان شاء الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته