بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين صلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخليله نبينا محمد وعلى اله وصحبه ومن اهتدى بهديه الى يوم الدين ايها الاخوة المستمعون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حياكم الله تعالى في هذه الحلقة الجديدة من هذا البرنامج والتي نتكلم فيها عن جملة من احكام الوصية ونبتدأ الحديث بتعريف الوصية في اللغة فنقول الوصية في اللغة مأخوذ من وصيت الشيء اذا وصلته سميت بذلك لانها وصل لما كان في الحياة بما بعد الموت لان الموصي قد وصل بعض التصرف الجائز له في حياته ليستمر بعد موته واما معنى الوصية في اصطلاح الفقهاء فهي الامر بالتصرف بعد الموت واما الوصية بالمال فهي التبرع بالمال بعد الموت والاصل في الوصية الكتاب والسنة والاجماع اما الكتاب فقول الله عز وجل كتب عليكم اذا حضر احدكم الموت ان ترك خيرا الوصية الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين ولقول الله عز وجل في اية المواريث من بعد وصية يوصي بها او دين بالاية الاخرى من بعد وصية يوصى بها او دين واما السنة ففي الصحيحين عن سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه قال جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني في حجة الوداع من وجع اشتد بي فقلت يا رسول الله قد بلغ بي الوجع ما ترى وانا ذو مال ولا يرثني الا ابنة افاتصدق بثلثي مالي قال لا قلت فبالشطر قال لا قلت فبالثلث قال الثلث والثلث كثير انك ان تدع ورثتك اغنياء خير من ان تدعهم عالة يتكففون الناس وفي الصحيحين ايضا عن ابن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين الا ووصيته مكتوبة عنده عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث اموالكم زيادة في حسناتكم رواه الدارقطني وغيره وهو حديث حسن بشواهده وقد اجمع العلماء في جميع الامصار والاعصار على جواز الوصية كما قال الموفق ابن قدامة رحمه الله ايها الاخوة المستمعون ان الانسان لا يدري متى يفجأه الموت والموت لا يفرق بين صغير وكبير ولا يفرق بين صحيح ومريض من هنا فينبغي ان يكون الانسان متأهبا لذلك ويكتب وصيته ولذلك فان عبدالله بن عمر رضي الله عنهما لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين الا ووصيته مكتوبة عنده قال ابن عمر لم ابت ليلة الا ووصيتي مكتوبة عندي كم من انسان كم من انسان يملك الثروة الكبيرة ويملك الاموال العظيمة قد فجأه الموت فلم يتمكن من الوصية بشيء ينفعه بعد مماته والسعيد من وعظ بغيره والشقي من اتعظ به غيره ايها الاخوة المستمعون والوصية تدور عليها الاحكام الخمسة فقد تجب وقد تستحب وقد تحرم وقد تكره وقد تجوز فتجب الوصية على من عليه دين او عنده وديعة او عليه واجب يوصي بالخروج منه لان الله تعالى امر باداء الامانات الى اهلها الوصية باداء الديون والحقوق الواجبة عليه من اكبر وسائل اداء الامانات تكون الوصية بها واجبة عليه وتكون الوصية مستحبة لمن ترك خيرا وهو المال الكثير عرفا لقول الله عز وجل كتب عليكم اذا حضر احدكم الموت ان ترك خيرا الوصية فنسخ الوجوب وبقي الاستحباب في حق من لا يرث فاما الفقير الذي له ورثة محتاجون الا يستحب له ان يوصي بل تكره الوصية في حقه لان الله تعالى قال في الوصية ان ترك خيرا قال النبي صلى الله عليه وسلم انك ان تدع ورثتك اغنياء خير من ان تدعهم عالة يتكففون الناس وقال عليه الصلاة والسلام ابدأ بنفسك ثم بمن تعول قال الموفق ابن قدامة رحمه الله والذي يقوى عندي انه متى كان المتروك لا يفظل عن غنى الورثة لم تستحب الوصية لان النبي صلى الله عليه وسلم علل المنع من الوصية بقوله انك ان تدع ورثتك اغنياء خير من ان تدعهم عالة ولان اعطاء القريب المحتاج خير من اعطاء الاجنبي فمتى لم يبلغ الميراث غناهم كان تركه لهم كعطيته اياهم يكون افضل من الوصية به لغيرهم فعلى هذا تختلف الحال باختلاف الورثة في كثرتهم وقلتهم وغناهم وحاجتهم لا يتقدر بقدر من المال قد قال الشعبي ما من مال اعظم اجرا من مال يتركه الرجل لولده يغنيهم به عن الناس كلامه رحمه الله وتحرم الوصية لوارث قول النبي صلى الله عليه وسلم ان الله اعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث وتحرم الوصية لغير الوارث باكثر من الثلث قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سعد السابق الثلث والثلث كثير ولكن ان اجاز الورثة الوصية باكثر من الثلث فانها تصح الوصية حينئذ وكذلك ان اجاز الورثة الوصية للوارث فانها تصح الوصية كذلك وتجوز الوصية بجميع المال لمن لا وارث له لان المنع من الزيادة على الثلث انما كان لتعلق حق الورثة به وهذا لا وارث له بناء على ذلك فلو كان الزوج لا يرثه الا زوجته او كانت الزوجة لا يرثها الا زوجها فوصى احد الزوجين للاخر بجميع ماله اله جميع المال ارثا ووصية قال العلماء والاولى الا يستوعب الموصل وصية الثلث كله قالوا الاولى الا يستوعب الموصي الثلث بالوصية وان كان غنيا لقول النبي صلى الله عليه وسلم الثلث كثير في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لو ان الناس غضوا من الثلث فان النبي صلى الله عليه وسلم قال الثلث كثير والافضل للغني الوصية بالخمس هذا هو ظاهر قول السلف قد روي عن ابي بكر الصديق رضي الله عنه انه اوصى بالخمس وقال رضيت بما رضي الله به لنفسه اريد قول الله عز وجل واعلموا ان ما غنمتم من شيء فان لله خمسا وروي عن علي رضي الله عنه انه قال لان اوصي بالخمس احب الي من ان اوصي بالربع وعن العلاء ابن زياد قال اوصى ابي ان اسأل العلماء اي الوصية اعدل فما تتتابع عليه فهو وصية قال فتتابعوا على الخمس والافضل ان يجعل وصيته لاقاربه الذين لا يرثون اذا كانوا فقراء بقول عامة اهل العلم قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله لا خلاف بين العلماء علمت في ذلك اذا كانوا ذوي حاجة ذلك لان الله تعالى كتب الوصية للوالدين والاقربين فخرج منه الوارثون بقول النبي صلى الله عليه وسلم لا وصية لوارث وبقي سائر الاقارب على الوصية لهم واقل ذلك الاستحباب قد قال الله تعالى واتي ذا القربى حقه وقال واتى المال على حبه ذوي القربى فبدأ بهم ولان الصدقة عليهم في الحياة افضل فكذلك بعد الممات ايها الاخوة المستمعون نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة ونستكمل الحديث عن بقية احكام الوصية حلقتي القادمة ان شاء الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته