شهر رمضان الذي فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان بسم الله الرحمن الرحيم. الدرس الحادي والعشرون. الاعتكاف واحكامه. الحمدلله المتفرد بالجلال والبقاء والعظمة والكبرياء. والصلاة والسلام على رسوله محمد وعلى اصحابه النبلاء. وبعد فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الاواخر من رمضان الى ان توفاه الله. ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الاواخر من رمضان حتى توفاه الله. ثم اعتكف ازواجه من بعده اعتكاف من الشرائع القديمة الموجودة عند الامم السابقة. ويدل لذلك قول الله تعالى لابراهيم وعهدنا الى ابراهيم اسماعيل ان طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود. فهذا يدل على ان الاعتكاف موجود منذ زمن ابراهيم عليه الصلاة والسلام. وفي الصحيحين عن عمر رضي الله عنه قال يا رسول الله اني نذرت في الجاهلية ان اعتكف في المسجد الحرام. قال اوف بنذرك. وهذا دليل على ان الاعتكاف كان معروفا قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وفيما يأتي نبذة موجزة عن ابرز احكام الاعتكاف الاعتكاف لغة لزوم الشيء واصطلاحا لزوم المسجد لطاعة الله تعالى ويسمى جوارا كما جاء ذلك في بعض الاحاديث. واجمع العلماء على مشروعيته وهو مشروع في حق الرجال وكذلك في حق النساء عند امن الفتنة. فقد كان ازواج النبي صلى الله عليه وسلم يعتكفن معه في مسجده وافضل اوقات الاعتكاف العشر الاواخر من رمضان. لان الله تعالى ذكر الاعتكاف في اخر ايات الصيام. وهذا فيه اشارة الى انه ينبغي ان يكون الاعتكاف في اخر شهر الصيام. ولان النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الاواخر من رمضان والحكمة من الاعتكاف الانقطاع عن الدنيا والتفرغ للعبادة طلبا لليلة القدر. لان الانسان وهو في مشاغل للحياة قد يقسو قلبه ويغفل ويذهل. فهو بحاجة الى وقت ينقطع فيه عن اشغال الدنيا التي لا تنقضي وان تفرغ فيه للعبادة ويلتمس فيه ليلة القدر. قال ابن القيم رحمه الله وشرع لهم الاعتكاف الذي مقصود وروحه عكوف القلب على الله تعالى وجمعيته عليه والخلوة به والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والاشتغال قالوا به وحده سبحانه ولا حد لاقل الاعتكاف بل يصح كل ما يسمى اعتكافا عرفا ولو لساعات. وبناء على ذلك اذا لم يتيسر لك ان تعتكف في جميع العشر الاواخر من رمضان فيمكن ان تعتكف في بعض الليالي التي ترجى فيها ليلة بالقدر ويشترط لصحة الاعتكاف اولا ان يكون في مسجد. فلا يصح ان يكون في غير المسجد. ويصح في جميع المساجد حتى في غير الجوامع فيصح في المسجد الذي لا تقام فيه الجمعة. واذا اتى وقت الجمعة يخرج المعتكف الى المسجد الجامعي ثم يعود الى معتكفه. وبناء على ذلك لا يصح ان تعتكف المرأة في بيتها. فاذا ارادت المرأة ان تعتكف لا بد ان في مسجد من المساجد. واما ساحة المسجد فقد ذكر الفقهاء ان رحمته المحوطة بسوره تأخذ حكمه يجوز الاعتكاف فيها. اما رحمته غير المحوطة بسوره فليست منه ولا يصح الاعتكاف فيها. ثانيا المكث في المسجد وينافيه الخروج منه. والخروج منه بالنسبة للمعتكف له ثلاثة احوال. الحال الاولى ان يكون خروجا لما لا بد منه كقضاء الحاجة او احضار الطعام فهذا جائز ولا يقطع الاعتكاف باتفاق العلماء. الحال الثانية ان يكون خروجا لما له منه بد كعيادة المريض وشهود الجنازة فليس له ذلك. وقال بعض اهل العلم الا اذا اشترط ولكن القول الاشتراط محل نظر لانه ليس عليه دليل ولم يؤثر عن اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا هو مذهب المالكية وقول عند الحنابلة والاقرب والله اعلم انه اذا اراد ان يخرج لعيادة المريض وحضور الجنازة فاذا كان هذا المريض او الميت له حق متأكد كابيه او امه ونحوهما فله الخروج. اما اذا لم يكن له عليه حق متأكد فليس له الخروج الحال الثالثة ان يكون الخروج لما لا يحتاج اليه. وليس مطلوبا شرعا كالامور الدنيوية. فهذا يبطل الاعتكاف وعلى هذا من كان موظفا فخروجه لوظيفته يقطع الاعتكاف. لكن بامكانه ان يعتكف بعض الليالي. اي انه يعتكف في الليل اما في النهار فيخرج لوظيفته وبهذا ينتهي اعتكافه. وفي الليلة الثانية يعتكف مرة اخرى من جديد وهكذا ويبطل الاعتكاف بامرين الاول الخروج من المسجد الثاني الجماع ومقدماته. لقول الله سبحانه ولا تباشروا وانتم عاكفون في المساجد. فهذا فيه اشارة الى ان الجماع ومقدماته يبطل الاعتكاف. وينبغي معتكفيا يشتغل بما هو طاعة لله عز وجل. واعظم ما يشتغل به في ليالي العشر الاواخر من رمضان الصلاة. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم هذه الليالي. وعلى المعتكف ان يبتعد عما يشغله عن العبادة. ومن ذلك الانشغال وسائل التواصل الاجتماعي او المكالمات الهاتفية او كثرة السواليف مع من يكون معه في المسجد ونحو ذلك. ومن المساجد التي يكثر السؤال عنها حكم طلب المعتكف الطعام من المطعم عن طريق الهاتف او التطبيق داخل المسجد. والجواب ان هذا لا يعتبر بيعا ولا شراء ولا بأس به داخل المسجد. لان هذا مجرد طلب. فهو يطلب طعاما من المطعم ولم يعقد عقد بعد بدليل ان هذا الطلب غير لازم. ولو اراد الغاه ولو اراد صاحب المطعم الغاه كذلك. ولو كان عقدا لازما لم يكن له الحق في الغائه لان البيع عقد لازم. وكل هذه وعود ولا يترتب عليها اثار عقد البيع ثم اذا وصل مندوب المطعم الى المسجد يخرج له المعتكف ويبرم العقد بالايجاب والقبول. ويكون ذلك خارج المسجد عندما يريدوا ان يستلم الطلب ويسلم له المبلغ. لكن يوجد تطبيقات يكون دفع فيها مقدما مع عدم امكانية استرداد المبلغ فهذا يكون بيعا وعند الطلب عبر التطبيق يكون خارج المسجد. اللهم وفقنا لما تحب وترضى من الاقوال واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه به وسره وصحبه وسلم