الحمد لله الحمد لله الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له اقرارا بحمده وتوحيدا واشهد ان محمدا عبده ورسوله ارسله ربه بالهدى والحق مبشرا ونذيرا وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا اما بعد اوصيكم عباد الله باعظم الوصايا واهناها واجلها وانقاها وهي وصية الله للاولين والاخرين ومبدأها ومنتهاها حيث يقول ولقد وصينا الذين اوتوا الكتاب من قبلكم واياكم ان اتقوا الله ايها المسلمون ان ايام النبي محمد صلى الله عليه وسلم فيها احداث وعبر والهجرة من الايام المشهودة التي فيها العظات وحسن المعتبر وكلما تناولنا الهجرة بالتأمل والتدبر نجد فيها الدروس وحسن الاثر والمقامات العالية بالدعوة بكل فعل واثر ان هجرة النبي صلى الله عليه وسلم كانت فاتحة امل لميدان رحب في الدعوة الى الله تعالى وهي الخطوة الاولى للفتح الاكبر فتح مكة. بعد خروجه صلى الله عليه وسلم منها قال الله تعالى له وهو في مكة يهم بالخروج الى المدينة. ان الذي فرظ عليك القرآن لرادك الى معاد اي الى مكة يعيده كما خرج منها ومنذ ان نزل على النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى اقرأ باسم ربك الذي خلق بدأت هجرة القلوب الى علام الغيوب. فمكث النبي صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو قومه الى الهدى وينهاهم عن الشرك وسبل الردى فما امن معه الا قليل من النساء والرجال. واذاه الاكثر من المشركين بالقول وجسيم الفعال وساموه صلى الله عليه وسلم وساموه صلى الله عليه وسلم واصحابه صنوف العذاب والنكل ولم يكن ذلك مانعا من دعوتهم بالحسنى بل زاده ذلك صبرا وثباتا على الهدى فبحث عن ديار بديلة لعل ارضا تحتويه او بلدا يؤويه فيبلغ رسالة ربه بكمال الامل فيمم نحو الطائف لكن الرد كان اقسى مما امل فسمع صلى الله عليه وسلم منهم ما يكره واوذي شديدا وبالحجارة ادمه واخرج من الطائف مردودا ولم يجد منهم الا صدودا دخل اليهم وحيدا وخرج عنهم طريدا قد تجاوز الخمسين من العمر ما زاده ذلك الا صبرا واحتسب ثم قام بعرض نفسه على قبائل العرب في مواسم الحج وكل ارب ويقول الا رجل يحملني الى قومه فان قريشا قد منعوني ان ابلغ كلام ربي. رواه ابو داوود وردت خمس عشرة قبيلة دعوته ولم يفتر عن اصراره في مهمته ولم يهن لما اصابه في سبيل الله وفي سبيل نشر رسالته حتى فتح الله له قلوبا طاهرة صدقوه ورجالا صادقين نصروه وقلوبا رحبة فآووه. واناس صدق عند الحروب عزروه تمت بيعة العقبة الاولى والثانية مع الانصار في خيامهم وصارت المدينة من ليلتها محضنا رحبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه المهاجرين منهم فبعث النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير معهم الى المدينة يعلمهم ليهيأ الاجواء الشيشة البناء بهم واثناء هذه الايام كان صناديد الشرك في مكة تذيق نبينا صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين الوانا من الاذى وفي ليلة يرى نبينا صلى الله عليه وسلم في منامه دار الهجرة طيبة المطيب بالمصطفى. فيقول عليه الصلاة والسلام اني اريت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين وهما الحرتان. اخرجه البخاري سمع الصديق رضي الله عنه بهذا الخبر فادى جهازه ومتاع سفره واراد المبادرة الى هذا المعتبر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم على رسلك فاني ارجو ان يؤذن لي يريد ان يبقي الصديق لنفسه. ويصطفيه لصحبته وكان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم ان يأتي الى ابي بكر كل يوم مرتين بكرة وعشية. قالت عائشة رضي الله عنها فبين نحن يوما جلوس في بيتنا في نحر الظهيرة. فقال قائل لابي بكر هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا متقنعا في ساعة لم يكن ياتينا فيها. قال ابو بكر فدا اللكابي وامي. فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذن فاذن له فدخل فقال حين دخل لابي بكر اخرج من عندك قال انما هم اهلك بابي انت يا رسول الله قال فاني قد اذن لي في الخروج قال فالصحبة بابي انت وامي يا رسول الله؟ قال نعم اخرجه البخاري. وكان المشركون قد احاطوا وارادوا قتله في داره فخرج ليلا ودعا عليهم فلم يروه وابقى عليا مكانه ليؤدي الامانة عنه استأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا كافرا وهو عبد الله ابن اريقط وكان هاديا خريجا ماهرا بالطريق وواعده في غار ثور بعد ثلاث ليال على التحقيق فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ابي بكر رضي الله عنه صاحبه ثم اصبح يتوجه الى مكة يلقي نظرة الوداع على بلد الصبا على بلد الصبا والذكريات فهنا مولده ونشأته بين الفلوات وها هنا رعى غنمه واشترى حال الصخرات وذاك بيت خديجة انسه وبهجته وقت المفزعات. وهذا محل مسراه وبذاك الجبل نزل جبريل فناداه وفوق هذا كله انها المشاعر المقدسة واذا بها تختلج مع مشاعر الفراق في قلوب المفارق لبلده والحزن يفيض من فؤاده حزنا على البلد الحرام فراقه ويترجم النبي صلى الله عليه وسلم المعاني كله فيقول علمت انك علمت انك خير ارض الله واحب الارض الى الله ولولا ان اهلك اخرجوني منك ما خرجت اخرجه الامام احمد اخوة الاسلام والايمان اشتد طلب المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه في كل شعب وواد حتى بلغوا غار ثور متيمنين واحاطوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه في لحظة البسوا الانفاس مهبطا ومصعدا. فاصاب الهم ابا بكر رضي الله عنه. فقال من خوفه على رسول الله الى يا رسول الله لو ان احدهم نظر الى قدميه ابصرنا فيجيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثقة ان من ربه وامان متيقنة. يا ابا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما اخرجه الشيخان وانزل الله ثاني اثنين اذ هما في الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا رجع الاعداء ولم ينالوا من عند غار ثور ما ارادوا. وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثة ايام واهل السير ما زادوا. وجاء عبدالله بن اريقط في الموعد المحدد فارتحلوا وسلكوا طريق الساحل المشدد فاصاب اليأس قلوب المشركين بكل حد فجعلوا لمن جاء بهما جائزة قدرها مئة ناقة معد فاتسعت دائرة البحث والطلب وكثر طالبوه صلى الله عليه وسلم في كل ناحية وجدد وكان من هؤلاء صراخة ابن مالك الجعشمي الذي لبس سلاحه وانطلق مسرعا في اثر الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه وكان قاسيا مدركا حتى قرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه سمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فلما حس به عليه الصلاة والسلام دعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فساخت يدا الفرس في الارض وما كان له من فكاك ولا عوظ فقال ادعوا الله لي ولكما علي ان ارد الناس عنكما فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطلق فرحا ورجع يقول للناس قد كفيتكم ها هنا فانقلب حال سراقة من عدو مطارد في اول النهار الى حارس مانع في اخره كيف لا وعز ربنا ينجي الابرار. ايها المسلمون في طريق الهجرة يمر الرسول صلى الله عليه وسلم بخيمة ام معبد الخزاعية. فيمسح بيده على ضرع شاة هزيلة لا لبنية ويدعوه فتفجرت عروقها باللبن هنية فسقى المرأة واصحابه ثم شرب صلى الله عليه وسلم بروية. ثم حلب لها في الاناء وارتحل عنها بكل باكرام وعلية ولما اقترب النبي صلى الله عليه وسلم المدينة نزل في قباء واسس مسجدها ووضع لها البناء فكان اول مسجد بني في الاسلام على الرخاء وصلى فيه باصحابه اول جماعة ظاهرا بلا خفاء وفي المدينة بلغ شوق الانصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم مبلغه وخرجوا ينتظرون قدومه خارج المدينة على طريق مكة كل نهار منتظرين مقدمه فاذا اشتد حر الشمس عادوا الى ديارهم يأملون تشريفه. وينتظرون قدومه قال ابن القيم رحمه الله فلما كان يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الاول على رأس ثلاث عشرة سنة من نبوة خرجوا على عادتهم فلما حمي حر الشمس رجعوا وصعد رجل من اليهود على اطم اي حصن من من اقام المدينة لبعض شأنه فرارى رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه فصرخ باعلى صوته يا بني قيلة هذا صاحبكم قد جاء. هذا جدكم اي حظكم الذي تنتظرونه اي والله هو جدنا هو حظنا بابي هو وامي صلى الله عليه وسلم فبادر الانصار الى السلاح ليتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت الرجة والتكبير في بني عمر ابن عوف وكبر المسلمون فرحا بقدومه صلى الله عليه وسلم وخرجوا للقائه فتلقوه وحيوه بتحية النبوة وهم يكبرون ويهللون فاحدقوا به مطيفين حوله والسكينة تغشاه والوحي ينزل عليه. فان الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين. والملائكة بعد ذلك ظهير اي عباد الله كان ممن خرج حينها حبر اليهود عبدالله بن سلام حيث يقول لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ان جفل الناس اليه اي ذهبوا مسرعين نحوه فجئت في الناس لانظر اليه فلما استبنت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت ان وجهه ليس في وجه كاذب عرفت ان وجهه ليس بوجهي كذاب. وكان اول وكان اول شيء تكلم به. ان قال يا ايها الناس افشوا السلام واطعموا الطعام وصلوا والناس نيام تدخلون الجنة بسلام اخرجه الترمذي يا له من مقالة عظيمة وتأسيس اخلاق عالية عليها بني الاسلام. وبانتشر الاسلام قال انس بن مالك رضي الله عنه فما رأيت يوما قط انور ولا احسن من يوم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر المدينة اخرجه احمد كيف لا وقد وجدهم متفرقين فجمعهم فاغناهم وظلالا فهداهم. دعا لهم بالبركة في مدهم وصاعهم. فبالاسلام اعزهم وجعل بلا توافق وفود العرب مدينتهم ومأرز الايمان قريتهم قال انس رضي الله عنه لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة اضاء منها كل شيء اخرجه الترمذي بارك الله لي ولكم بالقرآن والسنة ونفعني واياكم بما فيهما من الايات والحكمة. اقول ما تسمعون واستغفر الله لي لي ولكم من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم الحمد لله على احسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه واشهد ان محمدا عبده ورسوله الداعي الى رضوانه صلى الله عليه وعلى اله وصحبه واخوانه. اما بعد ايها المؤمنون بهجرة نبوية اشرق الامل بنجاح دعوة الاسلام وتأسيس دولته. وان يعبد الله وحده لا شريك له بما شرع بريته فقد اصبحت المدينة فاتحة خير في انطلاق الاسلام الى الافاق بكل رحابته. وصارت وجهة الوفود للمدينة بكل اريحية. ومنها ينطلق سفراء الاسلام الى الملوك والرؤساء بكل عزة. وهي بشارة للمظلومين والمستضعفين بقيام حضارة العدل والامن ومن المدينة شع نور الاسلام والايمان. فبدأ بناء امة عظيمة مبدأها المدينة ومنتهاها فتح قلوب العالم بالايمان. فتهاوت الظلمات ودول الظلم والطغيان اصبح رعاة الغنم رعاة الامم وما ذاك الا باخلاق الاسلام. وتربية نبيهم امامهم وتزكية رسول الله لهم وتعليمه صلى الله عليه وسلم اياهم فبابي هو وامي ما اعظمه من معلم وبابي وامي هم ما اعظمهم من متعلمين. عليهم قامت سواعد الاسلام وقواعد الاسلام واسس الاسلام وبهم انتشر الاسلام من مدينة الاسلام. لعظم تاريخ الهجرة على الاسلام ادرك الخليفة الراشد عمر رضي الله عنه بفراسة مكانتها وبحسن فقهه منزلتها فقد قدمها على احداث غيرها فجعل الاعتداد بالهجرة هو بداية التاريخ الاسلامي دون غيره. قال سهل بن سعد رضي الله عنه ما عدوا من مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ولا من وفاته ما عدوا الا من مقدمه المدينة اخرجه البخاري. فانه اليوم الذي فرق الله فيه بين دولة الاسلام الكفر ايها الاخوة المسلمون اذا كانت هجرة الابدان قد انتهت بعد الفتح فهناك هجرة لا تنتهي. قال ربنا عز من قائل علي والرجز فاهجر. فهجرة الذنوب والسيئات. وترك الشبهات والشهوات. اكدوا في زماننا هذا وهو حري بالصالحين والصالحات قال النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه. متفق عليه. وتتحقق هذه الهجرة بنبذ العصاة وهجر مجالسهم وترك العتاة. قال الله في محكم الايات واصبر على ما يقولون اجرهم هجرا جميلا وهو الذي لا عتاب فيه. بل يكون فيه الشكوى لرب البريات واعظم الناجين واعظم الناجين عند رب العالمين. هم من هاجروا بقلوبهم الى الله ورسوله. فعملوا بمرضاة راغبين وراهبين له. اما ما يدعيه بعض الناس اليوم من الذهاب الى بلاد الكفر. ويسمون ذلك هجرة فما ذاك لله ولا هو ومن ما هو لغير الله. فمن كانت هجرته الى الله ورسوله. فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها. او امرأته ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه. ايها المسلمون اعلموا رحمني الله واياكم ان الهجرة مقاصدها عظيمة واثارها في الامة جسيمة. فانظروا في تاريخ نبيكم واقرأوا سيرة امامكم وقدوتكم ودعوا عنكم بنيات الطريق. اللهم انا نسألك ان ترزقنا حب نبيك اللهم ارزقنا حب نبيك اللهم ارزقنا الحشر مع نبيك. اللهم صل وسلم على عبدك المصطفى ورسولك المجتبى وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين ابي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة اجمعين وعن جميع الال والتابعين باحسان الى يوم الدين. اللهم اعز الاسلام والمسلمين. واذل الشرك والمشركين. ودمر اعداء الدين. اللهم تقبل مساعينا وزكيها وارفع درجاتنا واهلها واحفظ بلادنا وارعها. اللهم ايد بالحق اميرنا وولي عهده بعناية وهداك وامدد جنودنا بنصرك وعونك وعطائك. اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك وبفظلك عمن سواك وتوفنا مسلمين يا ارحم الراحمين واهدهم على الكويت وسائر بلاد المسلمين نعمة الامن والايمان والسلامة والاسلام واجمع كلمة اهلها جميعا على الحق واعنهم على نفع الخلق. واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين