بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله واصحابه اجمعين اما بعد هذه قصيدة نافعة ومفيدة ومليئة بالحكم المتنوعات والتوجيهات النافعة والارشادات المسددات في الاخلاق والاداب واعمال القلوب مما يتحقق بالعناية بها فهما وعملا نفع عظيم وثمار كبيرة وهي تعرف بعنوان الحكم لما اشتملت عليه من الحكم العظيمة البالغة النافعة المفيدة نظمها شاعر مجيد وعالم له مكانته واعتباره قال عنه الذهبي رحمه الله شاعر وقته واديب ناحيته وهو ابو الفتح علي بن محمد ابن الحسين البستي المولودة عام ثلاث مئة وثلاثين للهجرة والمتوفى عام اربع مئة للهجرة وهذه المنظومة اعتنى بها منذ القدم طلاب العلم حفظا ومذاكرة وعقدت مجالس لتذاكر مضامينها والعناية بالحكم العظيمة التي اشتملت عليها وسنقرأ في هذه المنظومة واعلق على ابياتها بما يتيسر سائلين الله تبارك وتعالى ان ينفعنا اجمعين وان يوفقنا باحسن الاخلاق وان يهدينا اليها لا يهدي لاحسنها الا هو وان يصرف عنا سيء الاخلاق لا يصرف عنا سيئها الا هو. نعم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فيقول العلامة ابو الفتح علي ابن محمد ابن الحسين البستي رحمه الله تعالى في عنوان الحكم بسم الله الرحمن الرحيم زيادة المرء في دنياه نقصان وربحه غير محض الخير خسران وكل وجدان حظ لا ثبات له فان معناه في التحقيق فقدان يا عامرا لخراب الدار مجتهدا. بالله هل لخراب العمر عمران ويا حريصا على الاموال تجمعها انسيت ان سرور المال احزان زع الفؤاد عن الدنيا وزينتها فصفوها كدر والوصل هجران وارعي سمعك امثالا افصلها كما يفصل ياقوت ومرجان. نعم بدأ الناظم رحمه الله تعالى هذه المنظومة بقوله زيادة المرء في دنياه نقصان وربحه غير محض الخير خسران اي ان المرء اذا كانت ارباحه ارباحا دنيوية بحتة لا اهتمام له في الاخرة ولا عناية له بها الدنيا اكبر همه ومبلغ علمه فهذه الارباح التي يحصلها والزيادات ثراء وكثرة في المال وسعة فيه هو في حقيقة الامر نقصا زيادة المرء في دنياه نقصان وربحه غير محض الخير خسران اي كل الارباح التي يحصلها ان لم تكن محض الخير اي الخير الخالص فهي خسران لانها اما زائلة او صاحبها زائل عنها بينما محض الخير وهو اعمال البر وصنوف الطاعات التي يتقرب بها المسلم الى الله عز وجل ووجوه الاحسان فهذه تعد زيادة لا نقصانا ورفعة للعبد في دنياه واخراه والناظم رحمه الله تعالى ينبه بهذا البيت الذي استهل به هذه القصيدة قصيدة الحكم على ان الواجب على المسلم الا تكون الدنيا اكبر همه ولا مبلغ علمه فلا يهتم الا بها ولا يشتغل الا لاجلها ولا يعمل الا لتحصيلها فمن كان بهذه الصفة فكل زيادة يحصلها وكل ربح يجده هو في الحقيقة نقصان الا ما كان محض الخير من انواع البر وصنوف الطاعات التي كلما ازداد منها العبد زاد علوا وفظلا ورفعة ونبلا وقد جاء في الحديث في مسند الامام احمد وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال فوالله ما الفقر اخشى عليكم وانما اخشى ان تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتهلككم كما اهلكتهم فتأمل كيف ان الدنيا اذا كان التنافس عليها والهمة مشتغلة بها فقط متجهة اليها كيف انها سبيل هلكة وهو المعنى الذي عبر عنه الناظم بقوله نقصان اي انها تصل صاحبها الى النقصان والهلكة قال وكل وجدان حظ لا ثبات له فان معناه في التحقيق فقدان كل وجدان يقال وجد يجد وجدانا الشيء يبحث عنه الانسان فيجده يحصله فتحصيله للشيء الذي يبحث عنه يقال عنه وجدا فكل وجدان اي كل تحصيل للحظوظ والاطماع والرغبات وما يريده الانسان كل وجدان حظ لا ثبات له اي لا يثبت معك ولا يبقى ولا يدوم فان معناه في التحقيق فقدان لانك وان حصلته وقتا ما وفترة معينة لن يدوم لك ولن يبقى معك فاذا كل وجدان اي كل تحصيل لحظ من الحظوظ ومطلب من المطالب من صفته انه لا ثبات له يعني لا يبقى معك ولا يدوم لك فان معناه في التحقيق فقدانه كانه يشير بذلك الى مثل هذه الدنيا في كل المكتسبات التي يحصلها الانسان او ينالها من امور الدنيا البحتة وقد قال الله تعالى عنها كمثل غيث اعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما فاذا كل ما يحصله العبد ويجده مما لا ثبات له ولا بقاء ولا دوام له فانه في التحقيق فقدان اي باعتبار ان هذا الذي سيؤول اليه امره وفي القرآن يقول الله عز وجل لا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وابقى تأمل سبحان الله قوله زهرة الحياة الدنيا يعني كل ما عندهم كل ما عندهم وكل ما حصلوه اختصر في هذا المثل الكاشف لحقيقة الامر. زهرة الحياة الدنيا والزهرة كما لا يخفى تكون لها النظارة في وقت ما ثم سرعان ما تذبل وتنتهي فهو مثل عجيب جدا زهرة الحياة الدنيا. الزهرة لها نضارة في وقت ما ثم سرعان ما تذبل تلك الزهرة وتنتهي قال يا عامرا لخراب الدهر مجتهدا بالله هل لخراب العمر عمران يا عامرا لخراب الدار وفي بعض النسخ الدهر مجتهدا يعني في هذه الدنيا الفانية مشتغلا بعمارتها منصرفا عن عمارة الاخرة فاصبح اهتمامك منصبا على عمارة هذه الدنيا فيقول ناصحا من كانت هذه حاله يا عامرا لخراب الدار او الدهر مجتهدا يعني في عمارة هذه الدنيا التي مآلها الى الخراب و نهايتها الى الفناء بالله هل لخراب العمر عمران اي انك باشتغالك بعمارة الدنيا وفي الوقت نفسه منصرفا عن عمارة الاخرة انت في حقيقة الامر تعمل على خراب عمرك تبني دنياك وتخرب عمرك فيقول منبها هل لخراب العمر عمران يعني هل من يعمل على خراب عمره هل هو في الحقيقة يعمر او يهدم ويا حريصا على الاموال تجمعها اي كانت هي شغلك الشاغل واهتمامك البالغ انسيت ان سرور المال احزان يعني هل انكبابك على جمع المال وانصرافك بكليتك اليه هل انسيت ان سرور المال احزن يعني اللذة التي يحصلها المرء بتحصيله الاموال والملذات التي ايضا تكتنف ذلك انسيت انها احزان اي فيما تؤول اليه وتفضي بصاحبها اليه وهو ينبه هنا رحمه الله على الحال التي يؤول اليها من كان بهذه الصفة حريص على المال والمال هو اكبر همه ولو كان على حساب دينه لا يبالي والنبي عليه الصلاة والسلام ضرب لنا في هذا الباب مثلا عجيبا رواه الامام احمد في المسند وغيره ان النبي عليه الصلاة والسلام قال ما ذئبان جائعان ارسل في غنم بافسد لها من حرص الماء من حرص المرء على المال والشرف لدينه كيف يكون الامر لو جيء بذئبين جائعين ووضع في زريبة غنم كيف ستكون وسيصير حال الغنم في تلك الزريبة مع وجود هذين الذئبين الجائعين ومن المعلوم ان الذئب اذا هجم على الاغنام لا يكتفي باخذ واحدة منها يأكلها ويمضي بل معروف بالافساد يأكل يفسد يقتل هذه ويجرح هذه ويصيب تلك فلو وضع ذئبان جائعان في زريبة غنم ستكون الغنم جميعها ما بين قتيل وجريح وفي الغالب لن يسلم منها واحدة فهذا مثل ضربه النبي عليه الصلاة والسلام للشخص الذي انصب حرصه على المال والشرف وصار هذا هو اهتمامه مطلبه في هذه الدنيا المال او الشرف رئاسة وزعامة والى غير ذلك فحرصه على المال وحرصه على الشرف رئاسة زعامة غير ذلك لا يبالي معها بما خرب من دينه وضاع من تقربه لربه فكما ان الذئبين الجائعين يفسدان في الغنم اعظم افساد اذا جعل معها في زريبة فمثل هذا عندما يكون قلب الانسان مصبا في اهتمامه على جمع المال وتحصيل الشرف فهذا يترتب عليه من الاثار الكثيرة في ضياع دينه وفساد ايمانه ثم يقول رحمه الله ناصحا زعل فؤاد عن الدنيا ومعنى زع اي كفر زعل فؤاد عن الدنيا اي كفه عن الدنيا. كف قلبك عن الانصراف الى الدنيا والانكباب عليها امنعه من ذلك زعل فؤاده عن الدنيا وزينتها فصفوها كدر والوصل هجران صفو الدنيا كدر لان كل ما يحصله الانسان من امور الدنيا كدر في تحصيله وايضا كدر في الخوف من فقده فصفوها كدر والوصل هجران الوصل لا هي القرب من كل شيء منها وفي الحقيقة هجران وهو بهذا البيت والابيات التي قبله يحذر من الانكباب على الدنيا والانشغال بها وان تكون الدنيا هي مبلغ علم الانسان وغاية مقصودة ولا يعني ذلك تعطيل الانتفاع المباح منها او تعطيل كسب الرزق وفي الدعاء قال عليه الصلاة والسلام اللهم لا تجعل الدنيا اكبر همنا ولا مبلغ علمنا فهذا الذي هو يذم ان تكون الدنيا اكبر هم الانسان ومبلغ علمه اما كون الانسان يأخذ نصيبا من الدنيا لا يشغله عن الاخرة ولا يصرفه عن الاهتمام بما خلق له بل يجعله عونا له على ما خلق لاجله واوجد لتحقيقه فهذا يحمد ويؤجر عليه ويدخل في عمل اه العبد الصالح اذا احتسب في كسب الرزق وتحصيل المال ان يكف نفسه عن الحاجة الى الناس وان ايضا يتحقق بذلك غنى اهله واولاده وعدم احتياجهم انك ان تذر ورثتك اغنياء خير من ان تذرهم عالة يتكففون الناس فهذا كله لا يذم لكن الذي يذم هو انكباب المرء على الدنيا جعلها اكبر همه ومبلغ علمه نعم قال رحمه الله تعالى احسن الى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الانسان احسان يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته اتطلب الربح فيما فيه خسران؟ اقبل على النفس واستكمل فضائلها فانت بالنفس الجسم انسان وان اساء مسيء فليكن لك في عروظ زلته صفح وغفران وكن على الدهر معوانا لذي امل يرجو نداك فان الحر معوان واشدد يديك بحبل الله معتصما فانه الركن ان خانتك اركان من يتق الله يحمد في عواقبه ويكفه شرا من عزوا ومن هانوا من استعان بغير الله في طلب فان ناصره عجز وخذلان. من كان للخير مناعا فليس له على الحقيقة واخدان من جاد بالمال مال الناس قاطبة اليه والمال للانسان فتان. من سالم الناس يسلم من وعاش وهو قرير العين جذلان من كان للعقل سلطان عليه غدا وما على نفسه للحرص سلطان من مد طرفا لفرط الجهل نحو هوى اغضى على بحق يوما وهو خزيان. نعم يقول رحمه الله تعالى وارعي سمعك امثالا افصلها كما يفصل ياقوت ومرجان اي بعد هذه التقدمة في التحذير من الانكباب على الدنيا والافتتان بها وجعلها اكبر همي الانسان ومبلغ علمه بعد تحذيره اه رحمه الله من ذلك بدأ يصوغ حكما وينثر وصايا عظيمة في ابيات كل بيت منها بمفرده يحمل حكمة عظيمة ووصية نافعة وبدأ اول ما بدأ استرعاء الاهتمام والحث على الانتباه لهذه الوصايا بقوله وارعي سمعك امثالا افصلها كما يفصل ياقوت ومرجان هو هنا لا يمدح نفسه ولا يمدح ايظا سعره ولكنه يستحث السامع ويستنهظ الهمم لحسن الاستفادة وجميل الانتفاع ولهذا يقول وارعي سمعك اي اسمع بانصات وتأمل عناية دقيقة بفهم ما يقال لك فان في ذلك نفعا عظيما وفائدة كبيرة وارعي سمعك امثالا افصلها كما يفصل ياقوت ومرجان والياقوت والمرجان نوعان من الحلي والجمال والزينة احسن الى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الانسان احسانه بدأ اولا بالحث على الاحسان بكل وجوه الاحسان القول والفعل والاحسان امر الله جل وعلا به العباد وعد عليه عظيم الثواب واحسنوا ان الله يحب المحسنين فالناظم يحث على الاحسان احسن الى الناس اي بما تستطيع ان تحسن اليهم به وهذا ندبت اليه الشريعة وحث عليه الاسلام في نصوص كثيرة جدا قال تستعبد قلوبهم اي باحسانك اليهم يحصل من اثار ذلك وثماره ان تستميل قلوبهم وتستلطفها وتستعطفها بحيث لا تكون معك فظة ولا غليظة بل تكون معك في اجمل ما يكون من تعامل وادب وتقدير تستعبد قلوبهم ان يكونوا لك بسبب احسانك اليهم مثل حال العبيد اي من حيث الاحترام والتقدير والتوقير ونحو ذلك تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الانسان احسانه اي كثيرا ما كان ذلك ان استعبد الانسان احسان الاخرين اليه ومراد الناظم من هذا البيت واضح ان الاحسان الى الاخرين فيه ثمار ومن ثماره ان من تحسن اليه لا ينسى معروفك ولا يغيب عنه احسانك فيذكرك بالجميل ويعاملك بالحسنى ويحترمك ويعرف لك احسانك هذا هو مراده من حيث الجملة لكن البيت بهذه الصياغة التي اوردها رحمه الله تعالى عليه انتقاد من عدة وجوه اما الاول فمن جهة التعبير بقوله تستعبد قلوبهم وقوله استعبد الانسان فالعبارة هنا ليست سديدة ولا يناسب التعبير بمثل ذلك وانما يقال تستلطف او تستميل او تكسب او نحو ذلكم من آآ العبارات حتى وان كانت معنى العبودية ليس مقصودا لكن تجنب آآ العبارة مطلوب تجنب مثل هذه العبارة مطلوب ثانيا ان من يحسن الى الناس ليس هذا مقصوده وانما مقصوده الفوز برضا الله وثوابه فالاحسان الى الناس قربة من القرب وباب من ابواب اكتساب الثواب فمن يحسن الى الناس لا يحسن اليهم لاجل هذا الامر وانما يحسن اليهم طلبا لرظا الله انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ثم تأتي الاثار والثمار تباعا ليست اصالة ولا قصدا قصد الانسان باحسانه الى الناس ان يفوز برضا الله وقد مر معنا الاية الكريمة واحسنوا ان الله يحب المحسنين فهو يحسن لان الله يحب المحسنين يحسن الى الناس لان الله يحب من يحسن اليهم ويحسن الى الناس يريد ان يرضى ربه عنه. ويريد من الله ان يثيبه على على ذلك. فهو لا يحسن اليهم من اجل ان يستميل قلوبهم او غير ذلك وان كانت تأتي تلك الاشياء تبعا لا اصالة وقصدا ثالثا ان الامر من حيث الواقع واقع الناس فالناس معادن منهم من ينفع فيه الاحسان ويفيد فيه الجميل فلا ينسى جميلا ولا ينكر احسانا ومعروفا ومن الناس من سرعان ما ينسى الجميل ويتنكر للمعروف لما طبع عليه من لؤم فاذا كان يحسن الى الناس ليستميل قلوبهم سيصادف في الناس اناسا ذوي اكباد غليظة وذوي طبع لئيم فلا يستميله احسان ولا يؤثر فيه معروف اذا كان هذا قصده سيصدم بينما اذا كان قصده التقرب الى الله عز وجل لا يبالي في اثر ذلك فالناس من حيث تقديرهم له او آآ اعترافهم بجميله او ذكرهم لاحسانه لا يبالي بذلك لانه ما قصد هذا اصلا وانما قصد التقرب الى الله سبحانه وتعالى وطلب رضاه جل في علاه ثم قال يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته اتطلب الربح فيما فيه خسران في هذا البيت يذم من كانت حاله الاهتمام بخدمة نفسه من الناحية البدنية فيعتني خدمة نفسه من حيث الناحية البدنية من حيث المظهر من حيث الصورة من حيث الشكل ولا يبالي بالاهتمام بنفسه من حيث روحه وفؤاده وزكاء نفسه وصلاح قلبه هذا لا يهتم به اهتمامه بالظاهر واما الباطن فهو غير مهتم به فيقول لمن كانت هذه صفته يا خادم الجسم هو يقصد من كان عندهم مبالغة في خدمة اه الجسم كم تشقى بخدمته؟ وكم تأتي للتكثير؟ يعني كم تشقى بخدمته؟ في تضييعك للاوقات الكثيرة التي تنصب على الاهتمام بالمظهر دون المخبر والله عز وجل لما ذكر في القرآن الزينة الظاهرة ماذا قال ولباس التقوى ذلك خير وفي الدعاء المأثور اللهم زينا بزينة الايمان واجعلنا هداة مهتدين. فاذا كان الانسان يهتم بشكله ومظهره وهيئته ويضيع الحقيقة المخبر فهو فالحقيقة انما يحصل خسرانا ولهذا قال الناظم اتطلب الربح فيما فيه خسران اتطلب الربح فيما فيه خسران وهذا الاشتغال بالجسم الذي هذه نتيجته نظيره ما ذكره في البيت الثاني او في البيت الثالث يا عامرا لخراب الدهر مجتهدا بالله هل لخراب العمر عمران هذا نظيره ذاك في العمر عموما والدنيا عموما وهذا في الجسم من الناس فعلا كما اشار الناظم من يهتم بصحته وبدنه ولا يهتم بدينه وقد قيل قديما عجبا لمن يتجنب بعض الاطعمة المباحة خوفا مضرتها ولا يتجنب الذنوب خوف معرتها تجد بعض الاشخاص يقول انا عندي حمية حمية من اطعمة مباحة لو اكل منها لا يأثم شرعا ولا يضره اطلاقا في دينه. لكنه يقول من باب الحمية حفظا للبدن. وحفظا للصحة فيتجنب اطعمة مباحة خوفا على بدنه ثم لا يتجنب كثيرا من الذنوب خوف معرتها وهذا البدن الذي جنبه تلك الاطعمة المباحة خوفا عليه ورغبة في الاحسان الى البدن من باب اولى ان يكون هذا الاحسان للبدن بتجنيبه الذنوب لان ان لم يمنع البدن من الذنوب عذب عليها يوم القيامة فمن الاحسان لهذا البدن ان يجنبه الذنوب لان ايقاع البدن في هذه الذنوب موجب العقوبة بينما بعض الناس لا يفقه هذا الامر فيشتغل بعمارة بدنه ومظهره هيئته وشكله ولا يعتني ابدا آآ ما يتعلق عمارة دينه وباطنه وفي الحديث ان الله لا ينظر الى اموالكم ولا الى صوركم وانما ينظر الى اعمالكم وقلوبكم او كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم اتم رحمه الله المعنى السابق بقوله اقبل على النفس يعني يا هذا الذي انشغلت بخدمة البدن اقبل على النفس واستكمل فظائلها اي ادبها بالاداب الفاضلة والاخلاق الزاكية والخلق الرفيع وزمها بزمام الشرع اقبل على النفس واستكمل فضائلها فانت بالنفس لا بالجسم انسان لان الحركة حركة الجسم لعبا وقياما وقعودا واكلا شربا الى غير ذلك هذه كلها يشترك مع الانسان فيها بهيمة الانعام لكن امتاز الانسان هذه النفس العلية الرفيعة المتخلقة بالاخلاق الفاضلة والاداب الزاكية تميز بذلك ولهذا اذا ذهبت هذه المعاني عن النفس اصبح مثل الانعام بل اسوأ حالا منها كما قال الله تعالى انهم الا كالانعام بل هم اضلوا سبيلا قال رحمه الله وان اساء مسيء فليكن لك في عروض زلته صفح وغفرانه هذا البيت يبين لك الطريقة المثلى في التعامل مع من يخطئ في حقك ويسيء اليك كيف تتعامل معه ولا سيما تلك الزلة العارظة لان الزلة التي تكون من الناس منها زلة عارظة ومنها لا اساءات متواصلة هذه لها حكم وتلك لها حكم فهو يتحدث رحمه الله عن الزلة العارظة يعني شخص دائما يعاملك المعاملة الطيبة ولا ترى منه الا الاحسان لكن في يوم من الايام اخطأ معك في كلمة انفلتت منه عبارة لا تناسب مقامك ولا تليق في حقك او اساء اليك بفعل او قصر في واجب من الواجبات التي ترى انك جدير بان تعامل بها هذي تسمى زلة عارظة لانك تعرف هذا الشخص دوما بالتعامل الكريم والخلق الفاضل لكنها زلة عارظة فكيف يكون التعامل مع ما كان من هذا القبيل. يقول وان اساء مسيء فليكن لك في عروض زلته صفح وغفرانه يعني مثل هذه الزلات قابلها بالصفح والغفران والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين بينما اذا كان الشخص لا يعني صفته اخرى دائم الاساءة اه دائم التجني ودائم العدوان فهذا يعمل انسان على كف اذاه آآ السلامة من شره وعدوانه هذا معنى قوله رحمه الله وان اساء مسيء فليكن لك في عروض زلته صفح وغفرانه وكن على الدهر معوانا لذي امل كن على الدهر اي على مر الايام معوانا الذي امله معوان اي كثير العون لدي امل اي من يأمل حاجة عندك او مطلبا من طريقك كن معوانا لذي امل يرجو نداك ان يطمع في كرمك احسانك يرجو نداك فان الحر معوان الحر يطلق على ضد العبد الرقيق ويطلق ايضا على الخيار من الناس وهو المراد هنا الخيار من الناس وهو المراد هنا فان الحر معوان اي خيار الناس هذه من صفتهم حريصون على معاونة الاخرين مساعدتهم ثم قال رحمه الله واشدد يديك بحبل الله معتصما اي كما قال الله تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وحبل الله قيل دينه وقيل كتابه وقيل سنة نبيه صلى الله عليه وسلم والاية تنتظم ذلك كله واشدد يديك بحبل الله معتصما اي كن معتصما بحبل الله مستمسكا به محافظا عليه معتنيا به شد العناية فانه الركن اي المرجع والملاذ والمعتمد فانه الركن ان خانتك اركانه فالركن الوثيق والعروة الوثقى التي من استمسك بها نجا ومن حافظ عليها سلم هو دين الله سبحانه وتعالى والاعتصام بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ثم حث رحمه الله تعالى على التقوى وبين ثمرتها العظمى بقوله من يتق الله يحمد بعواقبه او يحمد اي هو في عواقبه من يتق الله ان يحقق التقوى بان يجعل بينه وبين ما يخشاه من سخط الله وعقابه وقاية تقيه وذلك بفعل الاوامر وترك النواهي وهذه هي حقيقة التقوى واحسن ما قيل في تعريفها قول طلق ابن حبيب رحمه الله تقوى الله ان تعمل بطاعة الله على نور من الله رجاء ثواب الله وان تترك معصية الله على نور من الله خيفة عذاب الله يقول رحمه الله من يتق الله يحمد او يحمد كله صحيح في عواقبه اي انه سيفوز بالعواقب الحميدة والمآلات السعيدة كما قال الله تعالى والعاقبة للمتقين وكما قال الله جل وعلا ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب وكما قال الله تعالى ومن يتق الله يجعل له من امره يسرا فالذي يتقي الله سبحانه وتعالى يحمد العاقبة لان عاقبة المتقي حميدة في الدنيا والاخرة ويكفيه شر من عزوا ومن هانوا ويكفيه اي الله سبحانه وتعالى لان الله مع المتقين حافظا وناصرا وكافيا ومؤيدا ومعينا فمن يتقي الله يكفيه اي الله سبحانه شر من عزوا ومن هانوا. يكفيه شر كل آآ احد سواء كان هذا المسيء اليه صاحب عز ومنعة وقوة او كان دون ذلك فالله يكفيه شر كل ذي شر وشر كل دابة من استعان بغير الله في طلب فان ناصره عجز وخذلان من استعان لغير الله اي طلب العون من غير الله واعتمد قلبه على غيره ملتجأ اليه معتمدا عليه فان من كان بهذه الصفة يخذل ويوكل الى الشيء الذي اعتمد عليه وفي الحديث من تعلق شيئا وكل اليه وانه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا فالذي يستعين بغير الله في طلب فان ناصره عجز وخذلانه اي الذي سيحصله من ممن طلب من جهته العون والنصر هو في الحقيقة عجز وخذلان ثم قال من كان للخير مناعا فليس له على الحقيقة اخوان واخدان المناع هو البخيل الشحيح فمن كان بهذه الصفة مناعا للخير اي بخيلا شحيحا مقترا لا ينفق مع ما اتاه الله ووسع عليه من المال والرزق من كان بهذه الصفة فشأنه كما قال الناظم انه ليس له على الحقيقة اخوان واخدان اي ليس له لن يكون له اخوان ولن يكون له اخدان والخدن الصديق والصاحب اي لن يكون له اخوة محبين له واصدقاء اه اوفياء معه كل هذا لن يحصله من كان للخير مناعا فليس له على الحقيقة اخوان واخدان الناظم هنا ينبه على الاثار ينبه على الاثار عندما يكون الانسان شحيحا بخيلا منوعا لا ان هذا قصد الانسان اما الذي ينفق ليس قصده بالانفاق ان يكون له اخوان واخدان وانما يقصد بالانفاق التقرب الى الله والفوز برضاه سبحانه وتعالى والانفاق الذي يبذله شيء يقدمه ليلقاه يوم يقف بين يدي الله سبحانه وتعالى على حد قوله وقدموا لانفسكم من جاد بالمال مال الناس قاطبة اليه من جاد بالمال من كان منفقا باذلا للمال سخيا كريما فالناس تميل اليه وتحبه وهذا ايضا اشارة الى شيء من الاثار التي تكون من ثمار الجود والبذل والاحسان فلما ذم البخل وبين شيئا من اثره مدح البذل والجود والعطاء وذكر ايضا شيئا من اثره. قال من جاد بالمال مال الناس قاطبة اليه والمال للانسان فتان اي المال فتنة كما قال الله سبحانه وتعالى انما اموالكم واولادكم فتنة والله عنده اجر عظيم ثم قال من سالم الناس يسلم من غوائلهم اي من يعامل الناس بالرفق والمسالمة والدفع بالتي هي احسن فانه يسلم من غوائلهم غوائلهم اي عدوانهم وبغيهم وظلمهم وفي الحديث آآ لفظ اخر ولكنه قريب في المعنى لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه من لا يأمن جاره بوائقه فمن سالم الناس يسلم من غوائلهم اي من عدوانهم وظلمهم اه بغيهم وعاش وهو قرير العين جذلان اي سيعيش حياة سعيدة عندما كان بهذه الصفة في التعامل مع الناس بالمسالمة والدفع بالتي هي احسن سيعيش قرير العين جذلان اي فرحان والله جل وعلا يقول ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم ثم قال رحمه الله من كان للعقل سلطان عليه غدا وما على نفسه للحرص سلطانهم من كان للعقل سلطان عليه من كان للعقل سلطان عليه يعني يتعامل مع الامور بالعقل والرزانة والكياسة والفطنة والاناة والنظر في العواقب من كان بهذه الصفة لا ان يتعامل مع الامور الشهوات وتتبع الملذات والاندفاع والعجلة فمن كان للعقل سلطان عليه غدا اي صار وما على نفسه للحرص سلطان اي لن يكون للحرص سلطان على نفسه سيسلم من تسلط الحرص على نفسه وقد مر معنا لم الناظم الحريص على المال. قال يا حريصا على الاموال تجمعها. فلن يكون للحرص سلطان عليه اذا كان يتعامل ويزن الامور بالاناة والرفق والحكمة والتدبر في العواقب والنظر في المآلات فانه بهذه الصفة سيحمد العاقبة بخلاف من يتعامل مع الامور بالطيش والتهور والاندفاع فهذا انما يجني على نفسه تسلط هذه اه الاشياء عليه ثم قال من مد طرفا لفرط الجهل نحو هوى اغضى على الحق يوما وهو خزيان قرأت هذا من مد طرفا لفرط الجهل نحو هوى اي مد طرفه اي بصره نحو الهوى مد نظره وبصره نحو الهوى اي نفسه للاهواء وتطلعت اليها ومالت اليها ماذا سيترتب على ذلك عندما تكون النفس بهذه الصفة والعياذ بالله مشرقبة للاهواء ميالة اليها ممتد طرفه الى نيلها وتحصيلها ماذا سيترتب على ذلك؟ قال اغضى على الحق يوما وهو خزيان اي سيكون في المقامات التي ينتصر فيها للحق سيتثاقل ويتثبط ولم ينهض وهذا اثر من اثار ركون الانسان الى الشهوات وميل نفسه الى الشهوات اذا جاء مقام من مقامات الانتصار اه الحق سيتثاقل ويغظي الطرف عن ذلك لماذا؟ لان طرفه اصبح مهتم بالشهوات والملذات وتتبعها والبحث عنها فمن كان بهذه الصفة سيغظي على الحق يوما وهو خزيان اي ذليل ونكتفي آآ بهذا القدر من هذه الابيات ونسأل الله عز وجل ان ينفعنا اجمعين بما سمعنا وان يوفقنا لكل خير وان يهدينا اليه صراطا مستقيما هل كتب احد من الاخوة شيئا نعم ابو الفتح علي ابن محمد ابن الحسين البستي قال هو من شعراء القرن الرابع بدأ حياته معلما للصبيان في بلدته بوست قال وبست كما ذكرها ابو عبد الله ياقوت الحموي في معجم البلدان مدينة من بلاد كابل بوست البلد الذي ولد فيه هذا الناظم واليه ينسب يقال له البستي نسبة الى هذا البلد وهم بلاد الافغان نعم قال وقد خرج منها اعيان الفضلاء كالخطاب احمد بن محمد البستي وابو حاتم محمد بن حبان امام الائمة وابو الفتح علي بن محمد البوستي قال عمران بن موسى ابن محمد الطولقي في ابي الفتح اذا قيل اي الارظ في الناس زينة؟ اجبنا وقلنا ابهج الارض بستها فلو انني ادركت يوما عميدها لزمت يد البستي دهرا وبستها قال واشتهر البستي بنثر وشعر يغلب عليه التجنيس والبديع ويجري مجرى الامثال والحكم ومن قصائده القصيدة المشهورة بنونية البستي وعنوان الحكم التي هي من ثلاثة وستون من ثلاثة وستين بيتا وافقت عمر النبي عليه الصلاة والسلام وهي من اروع واشهر قصائده بل من اشهر قصائد الحكمة والزهد وقد انتشرت في ونقلها الحفاظ وحفظها الطلاب وتناولها العلماء بالشروح قال من نظمه او من شعره قوله قوله اذا تحدثت في قوم لتؤنسهم بما تحدث من ماض ومن اتي فلا تعيدن حديثا ان طبعهم موكل بمعاداة المعاداة يعني ما يعاد من الكلام ويكرر نعم وقال كذلك اذا احسست في فهمي فتورا وحفظي والبلاغة والبيان فلا ترتب بفهمي ان رقصي على مقدار ايقاع الزمان قال وبالجملة فما فمحاسنه كثيرة وشعره في غاية اللطافة والرقة توفي رحمه الله تعالى سنة اربعمئة للهجرة ببخارى هذا ما تيسر جمعه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله في كلمات له آآ قصيرة فيها حكمة وعبر نقل منها ليس نضمن وانما معك من نثره قوله من اصلح فاسده ارغم حاسده ومن اطاع غضبه اضاع ادبه وقال كذلك عادات السادات سادات العادات وقال كذلك من سعادة جدك وقوفك عند حدة عند حدك وقال كذلك اجهل الناس من كان للاخوان مزلا وعلى السلطان مدلا. وقال كذلك الفهم شجاع العقل والمنية على كل له كلمات جميلة وايضا له غير هذه المنظومة ابيات كانت محل اه ثناء اهل العلم وتناقلهم وافادتهم اه منها ونرجو الله سبحانه وتعالى ان ينفعنا اجمعين بالافادة من هذه الحكم والانتفاع ما فيها من عبر وعظات وما فيها من فوائد فوائد عظيمة نافعات وان يوفقنا اجمعين آآ لكل خير انه آآ تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو اهل الرجاء هو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. جزاكم الله خيرا