الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فيقول الامام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في الرسالة التبوكية فصل لما فصلت عير السير واستوطن المسافر دار الغربة وحيل بينه وبين مألوفاته وعوائده المتعلقة بالوطن احدث له ذلك نظرا اخر فاجال فكره في اهم ما يقطع به منازل سفره الى الله وينفق فيه بقية عمره فارشده من بيده الرشد الى ان اهم شيء يقصده انما هو الهجرة الى الله ورسوله فانها فرض عين على كل احد في كل وقت وانه لا انفكاك لاحد من وجوبها وهي مطلوب الله ومراده من العباد اذ الهجرة هجرتان هجرة بالجسم من بلد الى بلد. وهذه احكامها معلومة وليس المراد الكلام فيها والهجرة الثانية هجرة بالقلب الى الله ورسوله وهذه هي المقصودة هنا وهذه الهجرة هي الهجرة الحقيقية وهي الاصل وهجرة الجسد تابعة لها وهي هجرة تتضمن من والى فيهاجر بقلبه من محبة غير الله الى محبته ومن عبودية غيره الى عبوديته. ومن خوف غيره ورجائه والتوكل عليه الى خوف الله ورجائه قولي عليه ومن دعاء غيره وسؤاله والخضوع له والذل له والاستكانة له الى دعاء ربه وسؤاله والخضوع له والذل والاستكانة له وهذا هو بعينه معنى الفرار اليه قال تعالى ففروا الى الله فالتوحيد المطلوب من العبد هو الفرار من الله اليه الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله واصحابه اجمعين. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما واصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا الى انفسنا طرفة عين اما بعد هذا فصل عظيم عقده الامام ابن القيم رحمه الله تعالى في رسالته هذه المباركة الرسالة التبوكية بين فيه مسألة مهمة عظيمة بل هي فريضة من فرائض الله سبحانه وتعالى وهي الهجرة الى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم هجرة الى الله جل وعلا بالاخلاص والاذعان والعبودية والذل والخضوع وحسن التوكل على الله وحسن الاقبال عليه جل في علاه وهجرة الى رسوله صلى الله عليه وسلم باتباعه واتخاذه اسوة وقدوة وبالاهتداء بهديه ولزوم نهجه وترسم خطاه صلوات الله وسلامه عليه وهذه الهجرة فريضة على كل مسلم ومسلمة ويستشعر قيمتها وعظم شأنها عندما يستشعر او عندما يتأمل في المدخل الذي دخل منه ابن القيم رحمه الله في هذا الفصل بالحديث عن موضوع الهجرة وهو تصوير حال المسلم بانه في هذه الدنيا كالمسافر ولعل من ابين ما يبين هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم كن في الدنيا كأنك غريب او عابر سبيل فالمؤمن في هذه الدنيا في سفر ولا يزال مع مر الايام والشهور والاعوام يمتد هذا السفر ومن بعده الرحيل الى الله ولقائه سبحانه وتعالى فيحتاج هذا المقام ان ان يتيقظ هذا المسافر وان يستشعر عظم شأن هذا السفر الذي هو فيه وهو السير الى الله سبحانه وتعالى والدار الاخرة فينظر ماذا عليه ان يحمله من زاد للقاء الله سبحانه وتعالى ويتصور نفسه في هذه الدنيا كالغريب او عابر السبيل وانتم تعلمون ان الغريب اذا دخل الى بلد واشد منه العابر للبلد عبورا لا يكون شأنه فيها كشأن المقيم المستوطن وهذا فيه ان هذا المسافر الى الله سبحانه وتعالى لا ينبغي له ان تشغله الدنيا الزائلة الزائفة وان يشغله زخرفها عن هذا السفر الذي من بعده لقاء الله سبحانه وتعالى من هنا دخل ابن القيم رحمه الله تعالى للحديث عن الهجرة واهميتها قال فارشده من بيده الرشد سبحانه وتعالى الى ان الى ان اهم شيء يقصده اي يقصده انما هو الهجرة الى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والهجرة الى الله سبحانه وتعالى الاخلاص الاقبال على الله وبالذل والخضوع والانكسار بين يديه وتحقيق العبودية له جل في علاه والهجرة الى الرسول عليه الصلاة والسلام بالاتباع والائتساء والاقتداء بهديه الكريم نهجه القويم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه قال فان هذه الهجرة فرض عين على كل احد على كل مسلم ومسلمة وفي كل وقت هذه الهجرة لا تتعلق بزمن ولا تتعلق مكان وانما هي مطلوبة في كل زمان وفي كل مكان من كل مسلم ومسلمة ولا انفكاك لاحد عن وجوبها فهي واجبة وجوبا عينيا على كل مسلم ومسلمة في كل وقت وكل زمان والهجرة المعنية هنا هي كما بينها ابن القيم رحمه الله هجرة بالقلب الى الله ورسوله لان الهجرة نوعان هجرة بالبدن وهجرة بالقلب هجرة البدن من ديار الكفر الى ديار الايمان او من ديار الخوف الى ديار الامن هذه لها احكام معروفة وتقرر كثيرا ولا سيما في كتب الفقه لكن هذه الهجرة الاخرى هجرة القلب قليل من يتحدث عنها كما ينبه على ذلك ابن القيم رحمه الله تعالى مع عظمها واهميتها هجرة بالقلب الى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. قال وهي المقصودة هنا وهذه الهجرة هي الهجرة الهجرة الحقيقية وهي الاصل وهجرة الجسد تبع لها ولهذا سبحان الله يوضح لك هذه التبعية ان من كان مثلا في ديار الكفر فحصل لقلبه هجرة الى الله ورسوله انعم الله عليه واكرمه بهجرة قلبه الى الله ورسوله ما الذي سيحدث للبدن امر ينتهي لان البدن تابع للقلب كما قال عليه الصلاة والسلام الا ان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله الا وهي القلب فالبدن تابع للقلب والقلب متبوع في الخير والشر ان صلح واستقام صلح البدن واستقام وان فسد واعوج فسد البدن واعوج فالبدن لا ينفك عن متابعة القلب فالهجرة الحقيقية هجرة القلب الهجرة الحقيقية هي هجرة القلب الى الله والى رسوله الى الله والى رسوله الى الله بالعبودية والى الرسول بالمتابعة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه وهي هجرة تتضمن من والى مثل ما ان هجرة البدن من والى من بلد الى بلد. هجرة القلب ايضا من والى من ماذا والى ماذا ذكر امثلة توضح قال يهاجر بقلبه من محبة غير الله الى محبة الله ومن عبودية غير الله الى عبودية الله ومن خوف غيره ورجائه والتوكل عليه الى خوفه وحده سبحانه ورجائه والتوكل عليه ومن دعاء غيره وسؤال غيره والالتجاء لغيره والخضوع لغيره والذل لغيره الى الخضوع له والذل له والاستكانة له. وافراده وحده سبحانه وتعالى الدعاء وصدق الالتجاء وهذا هو بعينه معنى الفرار اليه. في قوله سبحانه وتعالى تفروا الى الله ففروا الى الله قال فالتوحيد المطلوب من العبد هو الفرار من الله الى الله سبحانه وتعالى نعم قال رحمه الله تعالى وتحت من والى في هذا سر عظيم من اسرار التوحيد فان الفرار اليه سبحانه يتضمن افراده بالطلب والعبودية ولوازمها من المحبة والخشية والانابة والتوكل وسائر منازل العبودية فهو متظمن لتوحيد الالهية التي اتفقت عليها دعوة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين واما الفرار منه اليه فهو متضمن لتوحيد الربوبية واثبات القدر وان كل ما في الكون من المكروه والمحظور الذي يفر منه الذي يفر منه العبد فانما اوجبته مشيئة الله وحده فانه ما شاء الله كان ووجب وجوده بمشيئته وما لم يشأ لم يكن وامتنع وجوده لعدم مشيئته فاذا فر العبد الى الله فانما يفر من شيء الى شيء وجد بمشيئة الله وقدره فهو في الحقيقة فار من الله اليه نعم يقول رحمه الله وتحت من والى ما تقدم الهجرة تحتاج من والى وضرب على ذلك امثلة توضح المراد تحت من والى في هذا سر عظيم من اسرار التوحيد هذا السر الذي يتحدث عنه هو في شأن الفرار الى الله الفرار الى الله سبحانه وتعالى وهو الهجرة التي يتحدث عنها رحمه الله تعالى قد قال الله سبحانه ففروا الى الله اني لكم منه نذير مبين ولا تجعلوا مع الله الها اخر اني لكم منه نذير مبين هذا الفرار الى الله سبحانه وتعالى يتضمن ويندرج تحته نوعي التوحيد توحيد الالوهية الذي هو الذل والخضوع لله سبحانه وتعالى وافراده سبحانه وتعالى العبادة كما قال ابن القيم يتضمن افراده بالطلب والعبودية وهذا وهذا يسمى التوحيد الطلب او التوحيد العملي توحيد الارادة والطلب او توحيد العبودية يتضمن افراده بالطلب والعبودية ولوازمها من المحبة والخشية والانابة والتوكل وسائر منازل العبودية. فهو متضمن توحيد الالهية التي اتفقت على عليه دعوة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين مثل ما قال الله ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت قال تعالى وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحي اليه انه لا اله الا انا فاعبدون قال تعالى واسأل من ارسلنا من قبلك من رسلنا اجعلنا من دون الرحمن الهة يعبدون فهذا موطن اتفاق هي دعوة جميع المرسلين بل ان اول ما يقرع الاقوام من انبيائهم اول ما يقرع سمع الاقوام من انبيائهم هو هذا اعبدوا الله ما لكم من اله غيره وهو معنى لا اله الا الله كلمة التوحيد كما انه يتضمن توحيد الربوبية واثبات القدر تضمن توحيد الربوبية وهو افراد الله سبحانه وتعالى بافعاله وانه وحده المدبر وان الخلق كلهم طوع تسخيره وتدبيره لا خروج لهم عن نفوذ مشيئته وشمول قدرته فما شاء كان ما لم يشأ لم يكن لا مانع لما اعطى ولا معطي لما منع ولا قابض لما بسط ولا باسط لما قبض ولا معز لمن اذل ولا مذل لمن اعز ولا خافظ لمن رفع ولا رافع لمن خفظ الامر امره كل يوم هو في شهر سبحانه وتعالى واذا ايقن هذا ايقن المسلم او كان المسلم من هذا على يقين لم يجد الا الفرار الى الله الا الفرار الى الله سبحانه وتعالى الفرار الى الله من كل شيء يكون هو المفزع هو الملجأ ويكون المؤمن على يقين انه لا ملجأ من الله الا اليه ولا مفر الا اليه سبحانه وتعالى فهو متضمن لتوحيد الربوبية واثبات القدر وان كل ما في الكون من المكروه والمحذور والامور المخوفة التي يفر منها الناس فانما اوجبته مشيئة الله لان الامر لان الامر كله بقدره سبحانه وتعالى كل شيء بقدر فانه ما شاء الله كان ووجب وجوده بمشيئته وما لم يشأ لم يكن. وامتنع وجوده لعدم مشيئته فاذا فر العبد الى الله فانما يفر من شيء الى شيء فانما يفر من شيء الى شيء وجد بمشيئة الله وقدره فهو في الحقيقة فر من الله الى الله نعم قال رحمه الله تعالى ومن تصور هذا حق تصوره فهم معنى قوله صلى الله عليه وسلم واعوذ بك منك وقوله صلى الله عليه وسلم لا ملجأ ولا منجى منك الا اليك فانه ليس في الوجود شيء يفر منه ويستعاذ منه ويلجأ منه الا وهو من الله خلقا وابداعا فالفار والمستعيذ فار مما اوجبه قدر الله ومشيئته وخلقه الى ما تقتضيه رحمته وبره ولطفه واحسانه. ففي الحقيقة هو هارب من الله اليه. ومستعيذ بالله منه نعم قال ومن تصور هذا حق تصوره فهم معنى قوله صلى الله عليه وسلم واعوذ بك منك وقوله لا ملجأ ولا منجى منك الا اليك هذان دعاءان كلاهما ثابت عن نبينا صلى الله عليه وسلم الاول في باب التعوذ والثاني في باب السؤال فيهما المعنى الذي قرره ابن القيم رحمه الله تعالى وان العبد اذا حقق الايمان بالقدر وان الامور كلها بمشيئة الله وان ما شاء الله كانوا وما لم يشأ لم يكن وانه لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم لم يكن فزعه في اي نائبة ولم يكن فراره في اي حدث او نازلة الا الى الله سبحانه وتعالى فيستعيذ بالله ويلتجأ الى الله سبحانه وتعالى ويصمد اليه وحده. فهو الذي تصمد اليه الخلائق وهذا من معاني اسمه الصمد سبحانه وتعالى الذي تصمد اليه الخلائق اي تلتجأ اليه وتعتصم به. ومن يعتصم بالله فقد هدي الى صراط مستقيم قال فهو معنى قوله واعوذ بك منك ومعنى لا ملجأ ولا ولا منجى منك الا اليك وهذا في كل امر يستعاذ منه وفي كل امر يفر منه وفي كل امر يطلب المرء النجاة منه والخلاص لا مفر في شيء من ذلك الا الى الله ولا مفزع الا الى الله سبحانه وتعالى لا ملجأ ولا ولا منجى منك الا اليك. هذا جاء في حديث البراء الذي يقال في كل مرة يأوي فيها المسلم الى فراشه هو تجديد لهذا الايمان وهذا الالتجاء في كل ليلة من الليالي يجدد المرء هذا الايمان وهذا التسليم وهذا الالتجاء الى الله سبحانه وتعالى فالفار الفار والمستعيذ فار مما اوجبه قدر الله ومشيئته وخلقه. الى ما تقتضيه رحمته وبره ولطفه واحسانه ففي الحقيقة هو هارب من الله اليه ومستعيذ بالله منه. نعم وهذا انما يكون على ما بين رحمه الله تعالى عند تحقيق الايمان بالقدر ونفوذ المشيئة وشمول القدرة وان الله سبحانه وتعالى هو المدبر لهذا الخلق وان الخلق كلهم طوع تدبيره وتسخيره جل في علاه مشيئتهم فيهم نافذة وقدرته شاملة جل وعلا نام قال رحمه الله وتصور هذين الامرين يوجب للعبد انقطاع علق قلبه من غير الله بالكلية خوفا ورجاء ومحبة فانه اذا علم ان الذي يفر منه ويستعيذ منه انما هو بمشيئة الله وقدرته وخلقه لم يبق في قلبه خوف من غير خالقه وموجده فتضمن ذلك افراد الله وحده بالخوف والحب والرجاء ولو كان فراره مما لم يكن بمشيئة الله ولا قدرته لكان ذلك موجبا لخوفه منه مثل من يفر من مثل من مثل من يفر من مخلوق الى مخلوق اخر اقدر منه فانه في حال فراره من الاول الى الاخر خائفا منه حذر الا يكون الثاني يعيذه منه بخلاف ما اذا كان الذي يفر اليه هو الذي قظى وقدر وشاء ما يفر منه فانه لا يبقى في القلب التفات الى غيره بوجه. نعم وكل هذا انما يتحقق للعبد مع تمام الايمان بالقدر وان الامور كلها بمشيئة الله سبحانه وتعالى وانه لا يمكن ان يقع في في هذا الكون شيء الا بمشيئة الله فاذا كان هذا الايمان متحققا في قلب العبد تحقق في قلبه هذا الفرار الى الله والفزع اليه وتحقق هذا الايمان والالتجاء لا ملجأ ولا منجى منك الا اليك كل هذه انما تتحقق مع تحقق الايمان بالقدر وان الامور كلها بمشيئة الله سبحانه وتعالى نعم قال رحمه الله فتفطن لهذا السر العجيب في قوله صلى الله عليه وسلم اعوذ بك منك ولا ملجأ ولا منجى منك الا اليك فان الناس قد ذكروا في هذا اقوالا وقل منهم من تعرض لهذه النكتة التي هي لب الكلام ومقصوده. وبالله التوفيق فتأمل كيف عاد الامر كله الى الفرار من الله اليه وهو معنى الهجرة الى الله تعالى ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم المهاجر من هجر ما نهى الله عنه ولهذا يقرن سبحانه بين الايمان والهجرة في القرآن في غير موضع لتلازمهما واقتضاء احدهما للاخر والمقصود ان الهجرة الى الله تتضمن هجران ما يكرهه واتيان ما يحبه ويرضاه واصلها الحب والبغض فان المهاجر من شيء الى شيء لابد ان يكون ما يهاجر اليه احب اليه مما يهاجر فيؤثر احب الامرين اليه على الاخر واذا كان نفس العبد واذا كان نفس العبد وهواه وشيطانه انما يدعوه الى خلاف ما يحبه الله ويرضاه وقد بلي بهؤلاء الثلاث فلا تزال تدعوه الى غير مرضاة ربه وداعي الايمان يدعوه الى مرضاة ربه فعليه في كل وقت ان يهاجر الى الله ولا ينفك في هجرة حتى الممات. اورد هنا رحمه الله تعالى قول النبي عليه الصلاة والسلام المهاجر من هجر ما نهى الله عنه. وهذا فيه بيان الهجرة وهذه الهجرة هي فريضة على كل مسلم هذه الهجرة فريضة على كل مسلم ومتعينة على كل مسلم ان يهجر ما نهاه الله عنه وهجر ما نهاه الله عنه بتركه وعدم قربانه مبني على هجرة القلب كما سبق البيان فان القلب اذا استقامت له او استقام بهذه الهجرة اه الى الله استقام البدن فعل ما يحبه الله سبحانه وتعالى والاقبال عليه ومجانبة ما يسخط الله ويغضبه جل في علاه قال عليه الصلاة والسلام والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه وهذا الحديث يمكن ان يكون مقياسا للمرء وميزانا في هذا الباب باب باب الهجرة الواجبة المتعينة لان ظعفه وقصوره وتقصيره في هجر ما نهى الله سبحانه وتعالى عنه هو من ضعف هجرة قلبه الى الله ومن ضعف هجرة قلبه الى الله سبحانه وتعالى عبودية والى الرسول صلى الله عليه وسلم متابعة تأسيا واقتداء بهديه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه قال والمقصود ان الهجرة الى الله تتضمن هجران ما يكره واتيان ما يحب هجران ما ما يكره التي هي المعاصي والذنوب بانواعها واتيان ما ما يحب ويرضى وهي الطاعات والقرب بانواعها قال واصلها الحب والبغض ولهذا قال عليه الصلاة والسلام اوتق عرى الايمان الحب في الله والبغض في الله وقال في الحديث الاخر من احب لله وابغض لله واعطى الله ومنع الله فقد استكمل الايمان قال فان المهاجر من شيء الى شيء لابد ان يكون ما يهاجر اليه احب اليه مما يهاجر منه فيؤثر احب الامرين اليه على الاخر. وهذا يوضح لنا المعنى الذي في الحديث المهاجر من هجر ما نهى الله عنه فيبغض الذنوب والمعاصي ويمقتها بقلبه ويكرهها فيهجرها لله تعبدا وطلبا لرظا الله يتركها من اجل الله ويحب الطاعات والقرب ويفعلها تقربا الى الله وطلبا لمرضاته جل في علاه وفي الدعاء المأثور اللهم اني اسألك حبك وحب من يحبك والعمل الذي يقربني الى حبك قال واذا كان نفس العبد وهواه شيطانه انما يدعوه الى خلاف ما يحبه الله ويرضاه وقد بلي بهؤلاء الثلاث فلا تزال تدعوه الى غير مرضاة الله وداع الايمان يدعوه الى مرضاة الله فعليه كل وقت ان يهاجر الى الله ولا ينفك في هجرة حتى الممات لان هذه الثلاث لا تزال متسلطة على العبد النفس والهوى والشيطان. لا تزال متسلطة على العبد تثنيه في سيره. وتعيقه في آآ سفره الى الله سبحانه وتعالى وتقطعوا عليه طريق التزود لنيل مرظاة الله سبحانه وتعالى لا تزال هذه الثلاث تتسلط على العبد فيحتاج العبد الى هجرة متجددة احتاج العبد الى هجرة آآ متجددة بمجاهدة عظيمة للنفس ليسلم لينجوا ليس العجب ممن هلك كيف هلك ولكن العجب ممن نجا كيف نجا هذه اشياء كلها متسلطة على العبد تسلطا عظيما فيحتاج الى مجاهدة عظيمة حتى تستقيم له هذه الهجرة ويحتاج الى مداومة حتى يبقى على هذه الهجرة الى ان يموت كما قال الله تعالى واعبد ربك حتى يأتيك اليقين اي الموت كما قال تعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون نعم قال رحمه الله فصل وهذه الهجرة تقوى وتضعف بحسب قوة داعي المحبة وضعفه فكلما كان داعي المحبة في قلب العبد اقوى كانت هذه الهجرة اقوى واتم واكمل واذا ضعف الداعي ضعفت الهجرة حتى انه لا يكاد يشعر بها علما ولا يتحرك بها ارادة محور الهجرة محور الهجرة الذي عليه تدور واساسها الذي عليه تقوم المحبة محبة الله سبحانه وتعالى وهذه المحبة لله جل وعلا كلما قويت في القلب قويت الهجرة قويت هجرة القلب الى الله وكلما ضعفت ضعفت هجرة القلب الى الله سبحانه وتعالى فاحتاج مقام الهجرة الى الله سبحانه وتعالى الى تقوية المحبة في القلب تقوية المحبة محبة الله سبحانه وتعالى في القلب لان كلما قويت قويت الهجرة وكلما ضعفت ضعفت الهجرة فاحتاج هذا المقام الى مداواة القلب ومعالجته بتقوية محبة الله فيه هذه المحبة محبة الله في في في القلب لها جوانب لها جوانب تجلبها الى القلب فيحتاج العبد الى عناية بهذه الجوانب وهي عديدة اهمها عشرة امور ذكرها ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين عند كلامه على منزلة المحبة وهي عظيمة جدا يحتاج العبد الى ان يعتني بها قراءة وتأملا وتحقيقا فهذه الجوانب المحبة محبة محبة الله في القلب تقوي المحبة في القلب واذا قويت المحبة قويت الهجرة قويت هجرة القلب الى الله عبودية وذلا خظوعا لله سبحانه وتعالى واذا ضعفت ظعفت الهجرة اذا ضعف الداعي ضعفت الهجرة. الداعي هو هو المحبة ظعفت الهجرة حتى انه لا يكاد يشعر بها علما ولا يتحرك بها ارادة يعني لا تكون فيه لا من حيث لا من الناحية العلمية ولا من الناحية العملية نعم قال رحمه الله والذي يقضى منه العجب ان المرء يوسع الكلام ويفرع المسائل في الهجرة من دار الكفر الى دار الاسلام وفي الهجرة التي انقطعت بالفتح وهذه هجرة عارظة ربما لا تتعلق به في العمر اصلا. واما هذه الهجرة التي هي واجبة على مدى الانفاس فانه لا يحصل فيها علما ولا ارادة وما ذاك الا للاعراض عما خلق له والاشتغال وما ذاك الا للاعراض عما خلق له والاشتغال بما لا ينجيه وحده. الاشتغال والاشتغال بما لا ينجيه وحده عما عندك بما اي نعم ها بما عندك نعم او الاشتغال عما لا ينجيه غيره انت عندك ماذا والاشتغال بما لا ينجيه وحده عما لا ينجيه غيره. نعم وهذه حال من غشيت بصيرته وضعفت معرفته بمراتب العلوم والاعمال والله المستعان وبه التوفيق لا اله غيره ولا رب سواه. نعم يعني يذكر ان الهجرة بالمعنى الاول آآ التي اهي هجرة البدن هجرة الجسم يكثر الحديث عنها لا ملامة في ذلك لا ملامة في ذلك ولا سيما اذا كان الحديث عنها في ضوء الادلة تحقيقا للمسائل في ضوء الادلة. لا ملامة في ذلك لكن ان كان هذا الاشتغال اذا كان هذا الاشتغال ينصرف به المرء عن هذه الهجرة التي هي فريضة على على كل مسلم ومسلمة التي هجرة القلب الى الله عبودية هجرة القلب الى الرسول اتباعا صلى الله عليه وسلم وهي واجبة على مدى الانفاس فينقطع عن الاشتغال بها لا علما ولا ارادة فهذا هو الذي يتحدث عنه ابن القيم رحمه الله انتقادا لمن كان كذلك قال وما ذلك الا للاعراض عما خلق له. والاشتغال عما لا ينجيه غيره. هذا الذي ينجيه ولا تكون النجاة الا بهذه الهجرة التي هي فريضة على كل مسلم ومسلمة. نعم قال رحمه الله فصل واما الهجرة الى الرسول صلى الله عليه وسلم فمعلم لم يبق منه سوى رسمه ومنهج لم تترك منه بنيات الطريق سوى اسمه ومحجة سفت عليها السوافي فطمست رسومها واغارت عليها الاعادي فغورت مناهلها وعيونها فسالكها غريب بين العباد فريد بين كل حي وناد. بعيد على قرب المكان وحيد على كثرة الجيران مستوحش مما به يستأنسون. مستأنس مما به يستوحشون. مقيم اذا ظعنوا ظاعن اذا قطنوا منفرد في طريق طلبه لا يقر قراره حتى يظفر بارضه. فهو الكائن معهم بجسده البائن منهم بمقصده نامت في طلب الهدى اعينهم وما ليل مطيه بنائم وقعدوا عن الهجرة النبوية وهو في طلبها مشمر قائم. يعيبونه بمخالفة ارائهم. ويزرون عليه ازراء على جهالاتهم واهوائهم قد رجموا فيه الظنون واذكوا عليه العيون وتربصوا به ريب المنون فتربصوا انا معكم متربصون قال ربي احكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون نحن واياكم نموت ولا افلح عند الحساب من ندما والمقصود ان هذه الهجرة النبوية شأنها شديد وطريقها على غير المشتاق وعير بعيد. نعم هذا الفصل يتحدث فيها الامام ابن القيم رحمة الله عليه عن النوع الثاني من الهجرة هجرة القلب الى الرسول صلى الله عليه وسلم باتباعه ولزوم سنته واقتفاء اثاره صلوات الله وسلامه وبركاته عليه يرجى الحديث عنه الى لقاء الغد باذن الله سبحانه وتعالى نسأل الله الكريم ان ينفعنا بما علمنا وان يزيدنا علما وتوفيقا وان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين انه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو اهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل احسن الله اليكم لطلب بعض الاحبة ندعوا الله سبحانه وتعالى في هذه الساعة ونسأله باسمائه الحسنى وصفاته العليا وبانه الله الذي لا اله الا هو ان يشفي مرضانا ومرضى المسلمين. نسأل الله عز وجل ان يشفي مرضانا ومرضى المسلمين. نسأله سبحانه وتعالى باسمائه الحسنى وصفاته العليا ان يشفي مرضانا ومرضى المسلمين بمنه وكرمه نعم احسن الله اليكم وبارك فيكم ونفعنا الله بما قلتم وغفر الله لنا ولكم وللمسلمين يقول السائل ما المناسبة بين الاية التي اوردها ابن القيم رحمه الله في مطلع كتابه وتعاونوا على البر والتقوى وهذا الفصل الذي ذكره في الهجرة؟ آآ هذا السؤال آآ قيم والامام ابن القيم رحمه الله تعالى في في هذه الرسالة يتحدث عن الهجرة حتى ان بعض من طبع هذا الكتاب من اهل العلم سماه زاد المهاجر الاصل اه في في في هذا الكتاب هو الحديث عن الهجرة وبيان معالمها وصفتها ما ازدادوا فيها وما الامور المعينة على تحقيقها الكتاب كله في الاصل حديث عن هذه الهجرة الوصية بها والاية جعلها مدخلا هذا الامر لانه لا يستقيم امر الهجرة الا بهذا المعنى الذي ذكر في الاية. هو التعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الاثم والعدوان فاذا تحقق هذا التعاون بين عباد الله والتآزر التناصح استقامت امورهم وصلحت هجرتهم الى الله اخلاصا والى رسوله صلى الله عليه وسلم اتباعا نعم الله اليكم يقول اشكل علي قول ابن القيم رحمه الله وان كل ما في الكون من المكروه والمحظور الذي الذي يفر منه العبد فانما اوجبته مشيئة الله وحده وبين قوله صلى الله عليه وسلم والشر ليس اليك. الحديث الذي اه ذكر السائل لا علاقة له بالمعنى الذي ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى فان الامور كلها بقدر الله وان تؤمن بالقدر خيره وشره تؤمن بالقدر خيره وشره فالامور كلها بقدر لا يمكن ان يكون شيء في هذا الكون ليس بمشيئة الله ولا تشمله قدرة الله سبحانه وتعالى واما ما جاء في الحديث والشر ليس اليك نعم الشر ليس في اوصافه سبحانه وتعالى ولا نعوته ولا اسماء الحسنى ونعوته العظيمة فان اسماؤه كلها حسنى وصفاته كل اه كلها سبحانه وتعالى كمال الشر في المفعولات المخلوقات التي اوجدها سبحانه وتعالى بقدره لحكمة لحكمة بالغة فلا يمكن ان يكون في هذا الكون من خير او سر نفع او ضر الا بقدر وعن حكمة لله سبحانه وتعالى الحكمة البالغة ولو شاء لهداكم اجمعين لكن له سبحانه وتعالى في خلقه حكم واسرار والمرء في في في هذا الباب يقف عند حد النصوص ولا ولا يتجاوز النصوص آآ قيد انملة ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في الحديث اذا ذكر القدر فامسكوا والمقصود بالامساك هنا اي ان يخاض في القدر برأي او بعقل مجرد او ان يخاض فيه باعتراظ على اقدار الله سبحانه وتعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون لكن الخوظ فيه في في حدود الادلة فهما لها وعقلا لمعانيها فهذا مأمور به ومطلوب من العبد نعم احسن الله اليكم يقول هل عدم هجرة البدن من بلاد الكفر الى بلاد الاسلام؟ دليل على ضعف هجرة القلب؟ نعم هو القلب هو هو المحك وهو الاساس وقل ذلك في كل الاعمال قل في دا اقول ذلك في كل الاعمال فان ظعف المرء في عمله وتعبده لله وايضا في مقارفته الذنوب المعاصي كل ذلك عائد الى ضعف في القلب واشرت الى ان الذي يوضح ذلك ويبينوا قول النبي صلى الله عليه وسلم الا ان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله الا وهي القلب نعم الله اليكم يقول ما معنى قول يحيى ابن معاذ رحمه الله حقيقة الحب في الله الا يزيد بالبر ولا ينقص بالجفاء حقيقة الحب في الله لا يزيد بالبر ولا ينقص بالجفاء في التعامل اي في التعامل بين الناس اه بعظ الناس يزيد الحب عنده آآ بر الشخص به واحسانه اليه وينقصه ما يقع منه من جفاء فحقيقة الحب في الله هو حب مجرد لله لو وقعت من اخيك هفوة لاحظ المعنى الذي ربما يوضح المقصود لو وقعت من اخيك هفوة او جفوة بطبعه وقصوره الانسان لا يسلم احيانا يقع من اخيك ما تظنه جفوة وهو ليس جفوة وانما غفلة او عدم انتباه احيانا تمر على احد اخوانك وتلقي عليه السلام وهو في هم عظيم ولا يشعر بك ولا شعر اصلا انك مررت من عنده او انك القيت عليه سلاما فتظن ان هذه جفوة وهي في الحقيقة ليست جفوة اصلا ما انتبه لك فهل تلغي حبك له في الله لهذا الامر العارض الحب في الله لا لا يزيده بر لا يوسع في القلب البر لانه حب لله عز وجل ولا ينقصه جفوه لا ولا ينقصه جفوة بل هو حب لله خالص يتقرب به العبد الى الله سبحانه وتعالى. من مقتضيات هذا الحب التغاضي والتغافل والعمل على تنمية هذا الحب لا على قطعه وجده من اصله وهذا الكلام كلام عظيم جدا عدم فقها كثير له اوقع وحشة بين الاخوان وتقاطع اشياء كثيرة احيانا يخطئ اخ مع اخيه في العبارة تخونه العبارة ويضعف عن اختيار عبارة مناسبة تليق مثلا بالمقام فيقطع اخوه ما بينه وبينه من محبة لا لا لا لا تقطع المحبة آآ جفوة عارظة وكما قلت احيانا لا تكون جفوة مقصودة احيانا عدم انتباه اذكر في المسند للامام احمد قصة عجيبة ان عمر بن الخطاب مر بعثمان ابن عفان رضي الله عنه والقى عليه السلام فما رد عثمان وذهب عمر الى ابي بكر وقال واروي بالمعنى عادي به قديم قال ارأيت اخي عثمان مررت به والقيت عليه السلام فما رد علي فاخذه ابو بكر وانطلق الى عثمان فقال له ابو بكر ان اخاك القى عليك السامة قال والله ما شعرت به قال ما شعرت به فسأله ابو بكر ما الذي اهمك يعني ما الذي شغل قلبك هذا الانشغال قال افكر كنت افكر في نجاة الامر كيف ننجو مبشرين بالجنة قالوا فكر في نجاة مشغول باله كيف النجاة قال سألت سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال والحديث ارويه بالمعنى من قال لا اله الا الله من قلبه كانت له نجاة يوم القيامة او كما قال صلوات الله وسلامه عليه. الحاصل ان احيانا تكون امور كثيرا من هذا القبيل الانسان ما ينتبه او يكون مذهول او مشغول او الى غير ذلك كما يكون جفوة في نظرك لا يقطع المحبة بل التمس لاخيك العذر وابحث له عن ولا تظن بكلمة آآ قال اخيك سوءا وانت تجد لها في الخير محملة هذا الامر اذا لم يفقه على بابه يقع التهاجر والتقاطع والتدابر الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لا تباغضوا ولا تدابروا قال وكونوا عباد الله اخوان نسأل الله الكريم ان ينفعنا اجمعين وان يجمع قلوبنا على البر والتقوى والتحاب في الله والتعاون على طاعته وان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك. اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد واله وصحبه