بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فان شمائل نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم وخصاله المنيفة وصفاته الشريفة واخلاقه الرفيعة وادابه الكريمة ومعاملاته الطيبة الحسنة تعد ازكى الشمائل وافضلها. كيف لا وهي شمائل خليل الله ومصطفاه ومجتباه اكمل عباد الله عبادة وازكاهم خلقا واطيبهم نفسا واحسنهم معاملة واعظمهم معرفة بالله سبحانه وتعالى. وتحقيقا لعبوديته اصطفاه الله عز وجل ليكون سفيرا بينه وبين عباده وواسطة بينه وبين الناس في الدلالة على الخير والدعوة الى الهدى واختاره سبحانه وتعالى على علم من افضل واعرق حق البشرية نسبا وخصه باكمل صفات البشر من حيث الخلق والخلق وخصه باجمل الصفات في هيئته البهية وطلعته الجميلة ومحياه المشرق وصفاته العالية الرفيعة صلوات الله وسلامه عليه وخصه باكمل الخلال واجمل الاخلاق واطيب الاداب وجعله سبحانه اسوة للعالمين وقدوة لعباد الله اجمعين قال تعالى لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا وهذه الاية كما قال الامام الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره اصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في اقواله وافعاله واحواله ومن المعلوم معاشر الاحبة الكرام ان التأسي به صلى الله عليه وسلم والاقتداء فرع عن العلم بشمائله وخصاله وخلاله اذ لا يتأتى اقتداء به ولا اتباع لنهجه ولا لزوم لهديه الا بعد معرفة سيرته وشمائله وخصاله وخلاله العظيمة ولهذا كان متأكدا على كل مسلم ان يعنى بدراسة سيرة هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وشمائله عناية مقدمة على العناية بغيره من البشر لانه صلى الله عليه وسلم ازكى البشرية وخير العباد وقدوة العاملين وسيد ولد ادم اجمعين وفي دراسة شمائله صلى الله عليه وسلم ومعرفة خصاله وخلاله فوائد عظيمة منها اولا ان من واجبات اهل الايمان الايمان به صلى الله عليه وسلم ولا يكون ذلك الا بمعرفته فكلما ازدادت المعرفة به صلى الله عليه وسلم ازداد الايمان به وازداد الاتباع له. اذ ان من موجبات الايمان به معرفة ما هو عليه من الاخلاق العالية والاوصاف الكاملة فان من عرفه حق المعرفة لم يرتب في صدقه وصدق ما جاء به من الكتاب والسنة والدين الحق اذ ان اوصافه الحميدة وشمائله الجميلة واقواله الصادقة النافعة وافعاله الرشيدة اكبر داع الايمان به ولهذا حث الله سبحانه على تدبر احوال الرسول صلى الله عليه وسلم واوصافه الداعية للايمان به فقال قل انما اعظكم بواحدة ان تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكر ما بصاحبكم من جنة ان هو الا نذير لكم بين يدي عذاب شديد ثانيا ان محبته صلى الله عليه وسلم فريضة افترضها الله سبحانه وتعالى على عباده بل انه يجب ان تقدم محبته على محبة الوالد والولد والناس اجمعين بل على النفس وذلك عقد من عقود الايمان الذي لا يتم الا به ولا ريب ان معرفته صلى الله عليه وسلم ومعرفة شمائله وخصاله تزيد القلب حبا له وتعظيما واجلالا ومعرفة لقدره العظيم ومكانته العلية فان العبد كلما اكثر من ذكر المحبوب واستحضاره في قلبه واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه تضاعف حبه له وتزايد شوقه اليه وعليه فكم للعناية بمناقبه العظيمة وشمائله الكريمة وصفاته الحميدة واخلاقه وادابه وهديه وسيرته من الاثر البالغ في ازدياد محبته في القلوب وقوتها ثالثا ان الله عز وجل جعله قدوة للعباد واسوة للناس. وامر باتباعه والسير على منهاجه بل والامام الاعظم والقدوة الاكمل. قال الله تعالى لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا وقال عز وجل وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وقال عز وجل قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ومتابعته صلى الله عليه وسلم والائتساء به فرع عن معرفته ومعرفة خصاله وخلاله وشمائله رابعا ان الله قد جعله اولى بالمؤمنين من انفسهم ففي البخاري من حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من مؤمن الا وانا اولى به في الدنيا والاخرة. اقرأوا ان شئتم النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم فهو اولى بهم من انفسهم لانه صلى الله عليه وسلم بذل لهم من النصح والشفقة والرأفة ما كان به ارحم الخلق وارأفهم فكان بذلك اعظم الخلق منة عليهم من كل احد اذ لم يصل اليهم مثقال ذرة من الخير ولا اندفع عنهم مثقال ذرة من الشر الا على يديه وبسببه فلذا وجب عليهم ان يعرفوا له مكانته العظيمة ومنزلته العلية وان يعرفوا من شمائله وخلاله ما يزيدهم حبا له واتباعا لنهجه ووفاء بحقه خامسا ان الله عز وجل اقسم في القرآن الكريم على كمال خلق النبي صلى الله عليه وسلم وعظمه فقال سبحانه نون والقلم وما يسطرون. ما انت بنعمة ربك بمجنون. وان لك لاجرا غير ممنون وانك لعلى خلق عظيم وهذا شرف عظيم لعبد الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم حيث نعته ربه جل وعلا بذلك. ولما سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلقه صلى الله عليه وسلم قالت كان خلقه القرآن. اخرجه مسلم فهذه كانت اخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم المقتبسة من مسكاة القرآن. فكان كلامه مطابقا للقرآن تفصيلا له وتبيينا وعلومه علوم القرآن وارادته واعماله ما اوجبه وندب اليه القرآن واعراضه وتركه لما منع منه القرآن ورغبته فيما رغب فيه وزهده فيما زهد فيه وكراهته لما كرهه ومحبته لما احبه وسعيه في تنفيذ اوامره وتبليغه والجهاد في اقامته فترجمت ام المؤمنين رضي الله عنها لكمال معرفتها بالقرآن وبالرسول صلى الله عليه وسلم وحسن تعبيرها عنها هذا كله بقولها كان خلقه القرآن وفهم هذا السائل لها عنها هذا المعنى فاكتفى به واشتفى وهكذا الشأن في كل من وفق لدراسة الشمائل والعناية بها يحصل له هذا الاكتفاء والاستفاء سادسا ان الله عز وجل امر العباد بالصلاة والسلام عليه اقتداء به وبملائكته وجزاء له على بعض لحقوقه عليهم فقال ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين امنوا صلوا عليه عليه وسلموا تسليما وكلما ازداد المرء بصيرة بشمائله وقوة في معرفته ازدادت صلاته عليه وحسنته ولهذا كما يقول ابن القيم رحمه الله كانت صلاة اهل العلم العارفين بسنته وهديه المتبعين له عليه خلاف صلاة العوام عليه. الذين حظهم منها ازعاج قضائهم بها ورفع اصواتهم واما اتباعه العارفون بسنته العالمون بما جاء به فصلاتهم عليه نوع اخر فكلما ازدادوا فيما جاء به معرفة ازدادوا له محبة ومعرفة بحقيقة الصلاة المطلوبة من الله تعالى لا سادسا ان شمائله وسيرته العطرة صلى الله عليه وسلم تعد منهج حياة لكل مسلم يرجو لنفسه الخير والرفعة والحياة الكريمة في الدنيا والاخرة يربى عليها الابناء وينشأ عليها الاجيال واذا حاد النشء عنها حصل لهم الضياع كما هو حال كثير من الشباب والشابات عندما يمموا في قراءاتهم للسير والاخبار نحو سير التافهين والتافهات. كيف ترتب على ذلك الانحراف في العقائد والعبادات والانحلال في الاداب والاخلاق والاختلال في القيم والموازين فما احوج هؤلاء الى العودة الصادقة الى هذه السيرة العطرة والشمائل المباركة ليقفوا على هذا المعين المبارك والمنهل العذب الذي من وقف عليه واهتدى بهداه تحقق له وتمام الصلاح والفلاح والسعادة باذن الله فالله سبحانه علق سعادة الدارين بمتابعته. وجعل شقاوة الدارين في مخالفته فلاتباعه الهدى والامن والفلاح والعزة والكفاية والنصرة والولاية والتأييد وطيب العين اشي في الدنيا والاخرة ولمخالفيه الذلة والصغار والخوف والضلال والخذلان والشقاء في الدنيا والاخرة ثامنا ان معرفته صلى الله عليه وسلم من اعظم الامور التي تزيد الايمان بل انها من اعظم الامور التي توجب الايمان في حق من لم يؤمن وزيادة الايمان في حق من امن. كما قال سبحانه على ام لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون اي ان معرفته صلى الله عليه وسلم موجبة وسبب عظيم لحصول الايمان في حق من لم يؤمن ومن الناس في زمانه صلى الله عليه وسلم من ظل ردحا من الزمان ليس على وجه الارض ابغض اليه من صلى الله عليه وسلم بسبب الدعايات الكاذبة والاشاعات الاثمة فما ان رأى محياه صلى الله عليه وسلم ووقف على سيرته عن كسب ورأى ادبه ومعاملته الا وقد تحول من ساعته وليس على وجه الارض احد احب اليه منه ومن يطالع السيرة النبوية يجد في قصص كثير ممن اسلم ان سبب اسلامهم هو الوقوف على شمائله واخلاقه وادابه صلى الله عليه وسلم وهذا معنى قول الله عز وجل فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من الى غير ذلك من الفوائد العظيمة والثمار الجليلة التي يجنيها من يكرمه الله سبحانه ويوفقه لدراسة بشمائل النبي صلى الله عليه وسلم وعليه فمن اراد اكمل الاداب واطيب الاخلاق فلن يجدها الا في خلقه وهديه وادبه صلى الله عليه وسلم. وهذا مما يتطلب مزيد عناية شمائله واخلاقه وادابه صلوات الله وسلامه عليه وفي هذا الموضع ايها الاحبة الكرام انقلوا نصين عظيمين احدهما لسفيان ابن عيينة رحمه الله فيما رواه عنه الخطيب البغدادي في مقدمة كتابه الجامع لاخلاق الراوي وادابه السامع باسناده اليه انه كان يقول ان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الميزان الاكبر فعليه تعرض الاشياء على خلقه وسيرته وهديه فما وافقها فهو الحق وما خالفها فهو الباطل الثاني للامام ابن القيم رحمه الله في كتابه زاد المعاد حيث قال وهو يبين مكانة الرسل عليهم صلوات الله وسلامه قال فهم الميزان الراجح الذي على اقوالهم واعمالهم واخلاقهم توزن الاقوال والاخلاق والاعمال وبمتابعتهم يتميز اهل الهدى من اهل الضلال فالضرورة اليهم اعظم من ضرورة البدن الى روحه والعين الى نورها والروح الى حياتها والحاصل معاشر الاحبة الكرام ان من نعم الله عز وجل على عبده العظيمة ان ييسر له الارتباط والصلة بشمائل المصطفى صلى الله عليه وسلم وخصاله الكريمة فهذا باب عظيم من ابواب الخير وكرامة ومنة من الله سبحانه وتعالى يمن بها على من شاء من عباده ومن خلال هذا البرنامج باذن الله يقدم عرض مفصل لشمائل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم اعتمادا على كتاب الشمائل للامام الترمذي رحمه الله. مجردا من اسانيده مقتصرا على ما صح وثبت مع تفصيل وشرح وبيان. ومن الله وحده نستمنح التوفيق ونستمد العون. وصلى الله وسلم على نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته