بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فلا يزال الحديث عن شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم والحديث سيكون عما جاء في شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم والشيب هو تحول لون الشعر من لونه الاصلي السواد او غيره الى البياض والحديث هنا يتعلق بشيب رسول الله صلى الله عليه وسلم هل وجد في شعره عليه الصلاة والسلام شيب وما مقدار ذلك والذي دلت عليه الاحاديث الصحيحة ان الشيب الذي وجد في شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء يسير جدا ونبذ قليلة في ثلاثة مواضع اشار اليها انس رضي الله عنه حيث قال لم يختضب رسول الله صلى الله عليه وسلم انما كان البياض في عنفقته وفي الصدغين وفي الرأس نبذ اخرجه مسلم والصدق هو ما بين العين والاذن والعنفقة هي ما بين الذقن والشفة السفلى عن قتادة قال قلت لانس بن مالك رضي الله عنه هل غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لم يبلغ ذلك انما كان شيبا في صدريه ولكن ابو بكر رضي الله عنه غضب بالحناء والكتم متفق عليه قول قتادة لانس رضي الله عنه هل غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم اي هل حصل ان استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم الخطاب والخطاب هو تغيير لون الشيب بالحناء والكتم او نحو ذلك قول انس رضي الله عنه لم يبلغ ذلك اي ما وجد من شيبه صلى الله عليه وسلم شيء يسير جدا لا يبلغ ان يخضبه صاحبه وبالحناء والكتم قوله انما كان شيبا في صدريه اي انما كان شيبه صلى الله عليه وسلم شيبا يسيرا في صدغيه وتقدم في حديث انس رضي الله عنه المواضع الثلاثة التي كان فيها شيبه صلى الله عليه وسلم قوله ولكن ابو بكر خضب بالحناء والكتم اي غير ابو بكر رضي الله عنه الشيب الذي كان فيه بالحنة والكتم وهما شجرتان معروفتان تستعملان في الصبغ وتغيير اللون الحنة يغير الشيب الى الحمرة. والكتم يغيره الى السواد فاذا جمع بينهما بان يضعا قدرا من الحناء وقدرا من الكتم كما ورد في هذا الحديث وغيره تغير لون الشيب الى لون وسط بين السواد والحمرة فلا يكون اسود خالصا وقد ورد النهي عن التغيير بالسواد ولا يكون كذلك احمر صرفا وانما يكون بين ذلك وفي هذا الحديث نفى انس رضي الله عنه ان يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد غضب شعر رأسه او لحيته وستأتي الاشارة الى خلاف الصحابة رضي الله عنهم في ذلك وعن انس رضي الله عنه قال ما عددت في رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحيتي الا اربع عشرة شعرة بيضاء اخرجه احمد في المسند بهذا الحديث يخبر انس رضي الله عنه ان الشيب الذي وجد في شعر رأسه صلى الله عليه وسلم ولحيته شيء يسير جدا بلغ عدده اربع عشرة شعرة وجاء في الصحيحين من طريق ربيعة ابن ابي عبد الرحمن عن انس رضي الله عنه انه قال توفاه الله وليس في رأسه عشرون شعرة بيضاء اي لا يبلغ عدد الشيب الذي كان في رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحيته عشرين شعرة وهذا العدد يعتبر عددا يسيرا جدا ولهذا قال انس رضي الله عنه فيما تقدم لم يبلغ ذلك اي لم يبلغ عدده الحاجة الى الخطاب لقلته وعن جابر ابن سمرة رضي الله عنه وقد سئل عن شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كان اذا دهن رأسه لم يرى منه شيب. واذا لم يدهن رؤيا منه اخرجه مسلم قوله كان اذا دهن رأسه لم يرى منه شيب اي ان الشيب يختفي مع وجود الدهن فلا يتبين وذلك لقلته واذا لم يدهن رؤيا منه وهذا الحديث يدل على ما دل عليه حديث انس السابق من ان الشيب الذي كان في شعر لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسي اشعارات يسيرة لا تبلغ عشرين شعرة فكان اذا دهن لحيته او رأسه اختفى لقلته وعن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال انما كان شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا من عشرين شعرة بيضاء وهذا فيه ان شيب النبي صلى الله عليه وسلم كان بهذا العدد فهو قليل وهو يتفق معه حديثي انس وجابر رضي الله عنهما المتقدمين وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال ابو بكر يا رسول الله قد شبت قال شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعما يتساءلون واذا الشمس كورت وعن ابي جحيفة قال قالوا يا رسول الله نراك قد شبت قال قد شيبتني هود واخواتها اخرجهما الترمذي في جامعه الشاهد من الحديثين قوله صلى الله عليه وسلم شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعما يتساءلون واذا الشمس كورت قوله صلى الله عليه وسلم شيبتني هود واخواتها اي اخواتها من سور القرآن التي فيها ذكر لاهوال يوم القيامة وشدائده فهذه السور المذكورة فيها وصف لاهوال ذلك اليوم ولذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال من سره ان ينظر الى يوم القيامة كأنها رأي عين فليقرأ اذا الشمس كورت واذا السماء انفطرت واذا السماء انشقت اخرجه الترمذي لان هذه السور تصف تلك الاهوال والشدائد العظيمة التي سيلقاها الناس في ذلك اليوم فالشيب اليسير الذي وجد في شعره صلى الله عليه وسلم لم يكن لاهتمام بامور الدنيا او فوات شيء من مصالحها او تعلم بها او رغبة في المزيد منها او نحو ذلك ما هو الحال لدى كثير من الناس ممن يحصل لهم الشيب بهذا السبب بل كان اهتماما لامر الاخرة قوله قد شبت اي ظهر الشيب في شعرك والمراد هو السؤال عن سبب ذلك قوله قد شيبتني هود واخواتها اي ان سبب هذا الشيب انما هو الاهتمام بامر الاخرة وفيه بيان لعظم اثر القرآن وكبر منفعته لمن تدبره وعقل معانيه وعرف دلالاته فمن فعل ذلك حصل له الاثر البالغ في صلاحه وزكائه وفلاحه في دنياه واخراه فمن تدبر القرآن حق تدبره ربطه باليوم الاخر وصرف اهتمامه وعنايته لذلك اليوم العظيم دون تفويت لمصالحه الدنيوية ولهذا كان من دعائه صلى الله عليه وسلم اللهم لا تجعل الدنيا اكبر همنا اخرجه الترمذي وهذا يفيد ان الانسان لا بأس ان يهتم بدنياه ومصالحه ومعاشه وحاجاته وحاجات اولاده لكن الخطأ ان تطغى اهتماماته الدنيوية على الامر الذي خلق لاجله وهو توحيد الله والاستعداد للقائه والتزود اليوم المعاد ويستفاد منه ايضا ان القرآن طب للقلوب وشفاء للنفوس وصلاح للاحوال فكلما كان للعبد عناية بالقرآن تدبرا وتأملا لمعانيه ودلالاته اوجد فيه صلة بالله واهتماما باليوم الاخر واستعدادا وتهيؤا وتزودا لذلك اليوم العظيم ومن اخر ما نزل على نبينا صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله فمن تدبر القرآن حق تدبره اورثه التقوى والتزود ليوم المعاد والاستعداد له بخلاف حال من شغلته الدنيا فاصبحت اكبر همه ومبلغ علمه فيشيب من اجلها ولاجلها يمرظ ويغتم ويهتم فيصدق عليه قوله صلى الله عليه وسلم تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة ان اعطي رضي وان لم يعطى له لم يرض. اخرجه البخاري وعن سماك ابن حرب قال قيل لجابر ابن سمرة رضي الله عنه اكان في رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم شيب قال لم يكن في رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم شيب الا شعرات في مفرق رأسه اذا ادهن واراهن الدهن قول السائل اكان في رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم شيب؟ يعني هل كان في شعر رأسه صلى الله عليه وسلم شيب فاجابه جابر رضي الله عنه بقوله لم يكن في رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم شيب الا شعرات في مفرق رأسه ومفرق الرأس هو وسط الرأس وهذا المعنى يتفق تماما مع ما سبق من قول انس رضي الله عنه انما كان البياض في عنفقته وفي الصدغين وفي الرأس نبذ يعني شيء يسير جدا قوله اذا ادهن وراهن الدهن يعني من قلتهن انه صلى الله عليه وسلم اذا دهن رأسه بزيت او طيب او نحو ذلك لم يتبين الشيب بل يختفي مع الدهن فائدة وصف الصحابة رضي الله عنهم لشيب النبي صلى الله عليه وسلم الذي في رأسه دليل على انه صلى الله عليه وسلم كان يحسر عن رأسي احيانا بل انه قد يكون واجبا كمن اراد ان يمسح على رأسه اثناء الوضوء اذ ما لا يتم الواجب به فهو واجب وكذلك في الحج حال الاحرام وفائدة اخرى وهي ان الشيب نذير لصاحبه ومؤذن بدنو الاجل كما قال الشاعر الا فامهد لنفسك قبل موت فان الشيب تمهيد الحمام وقد جد الرحيل فكن مجدا بحق الرحل في دار المقام وقوله تمهيد الحمام اي تمهيد الموت ونذير بدنو الاجل نسأل الله الكريم طيب العمل وحسن الختام. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته