بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فالحديث عما جاء في لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث صفته وانواعه والوانه ونحو ذلك مما يتعلق به وينبغي ان يعلم ان الاصل في اللباس الاباحة فان للانسان ان يلبس ما شاء من الثياب متجنبا ما جاء النهي عنه في الشريعة ولهذا صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم انه قال كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير اسراف ولا اخرجه البخاري معلقا في كتاب اللباس وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما انه قال كل ما شئت والبس ما شئت ما اخطأتك اثنتان سرف او مخيلة اي البس ما شئت من الثياب لكن احذر من الاسراف واحذر ايظا من المخيلة وهي الخيلاء وجاءت السنة بذكر بعض المحاذير فيما يتعلق باللباس امر النبي صلى الله عليه وسلم باجتنابها منها الاسبال وهو ان ينزل ثوب الرجل اسفل من كعبيه فقد جاء في هذا وعيد في احاديث كثيرة ولهذا عده جماعة من اهل العلم في الكبائر ومما جاء فيه من الوعيد ما ثبت في صحيح مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر اليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم. المسبل والمنان والمنفق سلعته الحلف الكاذب وفي الباب احاديث كثيرة فيها التحذير من الاسبال وبيان خطورته وقد نهى صلى الله عليه وسلم الرجال عن لبس الحرير وعن اتخاذ لباس الشهرة وهو ان يلبس الانسان لباسا يتميز به بين اهل بلده ولهذا كان الاصل في الانسان ان يلبس مثل لباس اهل بلده مما ليس فيه مخالفة شرعية اما اذا وجدت المخالفة فانه يجب ان يجتنب ومما جاء النهي عنه في امر اللباس قوله صلى الله عليه وسلم من تشبه بقوم فهو منهم فالالبسة التي يختص بها الكفار ويعرفون بها لا يحل للمسلم ان يلبسها وعن ام سلمة رضي الله عنها قالت كان احب الثياب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم القميص. اخرجه الترمذي القميص هو الثوب المعروف الذي له كمان تدخل فيهما اليدان وله جيب يدخل فيه العنق وقد قيل في سبب حب النبي صلى الله عليه وسلم للقميص لانه سهل في لبسه سهل في خلعه مريح في تحرك به بخلاف بعض الالبسة التي تحتاج عند التحرك فيها الى تعاهد مثل الازار ولانه استر ولانه قطعة واحدة يلبسها الانسان مرة واحدة فهي اسهل من ان يلبس الازار اولا ثم يلبس الرداء وعن اسماء بنت يزيد قالت كان كم قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الرسغ اخرجه الترمذي وابو داوود والرسخ هو المفصل بين الكف والساعد فكان كم قميص النبي صلى الله عليه وسلم اليه لا يتجاوزه وعن معاوية بن قرة عن ابيه قال اتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من مزينة لنبايعه وان قميصه لمطلق او قال زر قميصه مطلق قال فادخلت يدي في جيب قميصه فمسست الخاتم. اخرجه ابو داوود وابن ماجة قوله في رهط من مزينة لنبايعه الرهط من القوم هو ما بين الثلاثة الى العشرة قوله وان قميصه لمطلق او قال زر قميصه مطلق اي زر قميص النبي صلى الله عليه وسلم غير مغلق قول فادخلت يدي في جيب قميصه فمسست الخاتم اي ان قرة رضي الله عنه ادخل يده في جيب القميص وهو موضع ادخال الرأس من القميص وقد سبق ذكر ما يتعلق بالخاتم في بابه واغلاق زر القميص هو الاصل واذا كان هناك حاجة لاطلاقه اطلق وعن انس بن مالك ان النبي صلى الله عليه وسلم خرج وهو يتكئ على اسامة بن زيد عليه ثوب قطري قد توشح به فصلى بهم اخرجه احمد الثوب القطري هو نوع من البرود اليمانية. له خطوط مقلمة قوله قد توسح به اي وضعه على عاتقيه قوله فصلى بهم اي اماما وعن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا استجد ثوبا سماه باسمه عمامة او قميصا او رداء ثم يقول اللهم لك الحمد كما كسوتنيه اسألك خيره وخير ما صنع له واعوذ بك من شره وشر ما صنع له اخرجه الترمذي وابو داوود هذا دعاء مبارك يشرع للمسلم ان يقوله عندما يكرمه الله سبحانه وتعالى بلباس جديد. قميصا كان او عمامة او نحو ذلك قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا استجد ثوبا اي اذا لبس ثوبا جديدا قوله سماه باسمه فسره بقوله عمامة او قميصا او رداء ثم يقول اللهم لك الحمد كما كسوتني والمعنى انه عندما يدعو يقول اللهم لك الحمد كما كسوتني هذه العمامة او هذا القميص او هذا الرداء يسميه باسمه مستحظرا منة الله سبحانه وتعالى عليه به وليس المراد انه يطلق على الكساء الجديد اسما او العمامة الجديدة اسما يبدأ اولا بحمد الله على هذه النعمة ولا شك ان الكساء الذي يواري سوءة العبد ويستر عورته ويتجمل به ويكون زينة له نعمة عظيمة ومنة كبيرة من الله سبحانه وتعالى بها على عباده قال تعالى يا بني ادم قد انزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ولهذا اذا استجد الانسان ثوبا ينبغي ان يتجدد معه ذكر المنعم وحمده سبحانه وكثير من الناس عندما يستجد ثوبا يذهب مذهبا اخر فتجد ذهنه منصرفا عن الحمد الى جدارته مثلا في تحصيل الثوب او براعته في انتقائه او مهارة حائكه او غير ذلك من المعاني التي ينشغل بها وبذكرها عن حمد المنعم والمتفضل سبحانه وتعالى قوله اللهم لك الحمد كما كسوتني اي يا الهي لك الحمد كما تفضلت ومننت علي بهذا الكساء يواري سوءتي ويستر عورتي واتجمل به وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى مذكرا عباده بهذه النعمة يا عبادي كلكم عار الا من كسوته فاستكسوني اكسكم. اخرجه مسلم قوله اسألك خيره وخير ما صنع له اي اسألك خير هذا الكساء خيره مفرد مضاف والقاعدة عند اهل العلم ان المفرد المضاف يعم لان الخير الذي يكون بالكساء ليس خيرا واحدا بل خيرات متعددة فهو يواري السوءة ويتجمل به ويتقى به من البرد في الشتاء وغير ذلك من المنافع العظيمة فهو صلى الله عليه وسلم يسأل الله تعالى جميع الخيرات التي تحصل له بهذا الكساء قوله واعوذ بك من شره وشر ما صنع له الشر هنا ايضا مفرد مضاف فيعم وفي هذا دليل على ان في لبسي بعض الثياب شرورا فمن انواع الشرور فيها ان يلبسها الانسان من اجل الشهرة او من اجل الخيلاء والكبر او يكون على ثيابه صور محرمة او يكون الثوب ضيقا يحجم العورة او ينزل ازاره تحت الكعبين وفي هذا ايضا افتقار العبد الى الله عز وجل في كل احواله وجميع شؤونه بما في ذلك الكساء الذي يلبسه فهو مفتقر الى الله في وجود الكساء ومفتقر الى الله في خيرات الكساء ومنافعه ومفتقر الى الله بالاعاذة من شرور الكساء واضراره فلو ان من ابتلي بالاسبال مثلا او بغيره من الامور المحرمة التي تتعلق باللباس يتفكر في هذا الدعاء ويتأمل في مضامينه لكان فيه شفاء له من الوقوع فيما وقع فيه فان الثياب فيها خير وفيها شر والعبد مطالب بتحصيل خيرها واتقاء شرها وقد روى الامام ابو داوود هذا الحديث في سننه وزاد قال ابو نظرة فكان اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اذا لبس احدهم ثوبا جديدا قيل له تبلي ويخلف الله تعالى قيل له ان يقولوا له من يراه تبلي ويخلف الله اي لا تزال متمتعا بالعمر والصحة والعافية في هذا الثوب حتى يبلى ثم يعوضك الله عز وجل عنه اذا بلي بغيره او متضمن للدعوة له ان يعيش حياة حميدة طيبة لان الثوب انما يبلى بعد مدة طويلة من الزمان وما ذكره ابو نظرة هنا جاء نحوه مرفوعا في صحيح البخاري من حديث ام خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص قالت اوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بثياب فيها خميصة سوداء قال من ترون نكسوها هذه الخميصة فاسكت القوم قال ائتوني بام خالد فاوتي بي النبي صلى الله عليه وسلم فالبسها بيده وقال ابلي واخلقي وفي هذا بيان لما ينبغي ان يكون عليه المسلم مع اخيه عندما يرى عليه ثوبا جديدا وهو يشعر بما تنطوي عليه القلوب المخلصة من محبة الخير للاخرين كما يدل على سلامة هذه القلوب وصفائها بخلاف حال من انطوى قلبه على الحسد او الغل فمثله يعجز لسانه ان يدعو لاخيه بمثل هذه الدعوات العظيمة النافعة وبمعنى ما تقدم وفيه عظيم ثواب من اتى بهذا الحمد اذا استجد ثوبا ما رواه الحاكم عن معاذ بن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اكل طعاما فقال الحمد لله الذي اطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه ومن لبس ثوبا فقال الحمد لله الذي كساني هذا من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه ونسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين انه سميع ابن مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته