بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فالكلام في هذا اللقاء عما جاء في ذكر خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث صفته ونقشه وغرض اتخاذه وغير ذلك مما يتعلق به والخاتم حلقة ذات فص من غيرها فان لم يكن لها فص فهي فتخة ونبينا صلى الله عليه وسلم اتخذ الخاتم في وقت متأخر بعد هجرته اتخذه في اواخر السنة السادسة للهجرة عندما بدأ صلى الله عليه وسلم يكاتب الملوك بالدعوة الى دين الله فلما اراد ان يكتب الى الروم قيل له انهم لا يقرأون كتابا الا ان يكون مختوما فاتخذ حينئذ الخاتم ولهذا فصل بعض اهل العلم في حكم اتخاذ الخاتم فقالوا اذا كان لحاجة لكونه مثلا قاضيا او مسؤولا يحتاج الى الختم فهو بالنسبة اليه سنة واما اذا كان عن غير حاجة فانه يكون مباحا عن انس بن مالك رضي الله عنه قال كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من ورق وكان فصه حبشيا اخرجه مسلم قوله رضي الله عنه كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من ورق الورق بكسر الراء هو الفضة فاتخذ صلى الله عليه وسلم خاتما من فضة وهو يدل على جواز لبس الرجل الخاتم من الفضة قوله وكان فصه حبشيا الفص هو الموضع الذي ينقش عليه من الختم فكان فص خاتم النبي صلى الله عليه وسلم حبشيا اي انه حجر من الحبشة او انه حبشي في صفته وطريقة نقشه وعن ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من فضة فكان يختم به ولا البسه وهذا مخالف للاحاديث العديدة التي تفيد انه صلى الله عليه وسلم كان يلبس خاتمه فمن اهل العلم من سلك مسلك التوفيق بينه وبين تلك الاحاديث ومنهم من اعله بالشذوذ لما فيه من مخالفة وقيل كان للنبي صلى الله عليه وسلم اكثر من خاتم فيلبس بعضا دون بعض فيكون سبب عدم لبسه له انه لم يكن فضة خالصا بل خالطه ما لا يجوز لبسه كالحديد مثلا جاء عن الامام احمد رحمه الله انه قال كان للنبي صلى الله عليه وسلم خاتم من حديد عليه فضة فرمى به وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتابه احكام الخواتيم ولعله هو الذي كان يختم به ولا يلبسه كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي رواه الترمذي في الشمائل ان ثبت يشير الى هذا الحديث فان صحت هذه الزيادة ولا يلبسه تحمل على حال معينة وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من فضة فصه منه اخرجه البخاري قول انس رضي الله عنه فصه منه يخالف قوله في حديثه المتقدم وكان فصه حبشيا وجمع بعض اهل العلم بينهما بانه حبشي في الصفة وصياغة نقشه وقيل في الجمع بينهما بالحمل على التعدد اي انهما خاتمان خاتم فصه حبشي وخاتم فصه منه اي من فضة وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال لما اراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يكتب الى العجم قيل له ان العجم لا يقبلون الا كتابا عليه ختم فاصطنع خاتما فكأني انظر الى بياضه في كفه اخرجه البخاري ومسلم وهذا فيه بيان سبب اتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم للخاتم وانه انما اتخذه لما اراد مكاتبة الملوك وذلك في اواخر السنة السادسة حين رجع صلى الله عليه وسلم من الحديبية فقيل له بان ملوك العجم وزعماؤهم لا يقبلون خطابا الا اذا كان عليه ختم ممن ارسله والمراد بالعجم غير العرب والختم هو الطبع والمهر وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال كان نقش خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد سطر ورسول الله سطر والله سطر. اخرجه البخاري وهذا فيه ان خاتمه عليه الصلاة والسلام كان مكونا من ثلاث كلمات. وهي محمد رسول الله وهذه الكلمات لم تكتب في سطر واحد بل في ثلاثة اسطر محمد سطر ورسول الله سطر والله سطر ولعل ذلك والله تعالى اعلم لكون الخاتم لا يحتمل ان تكتب الكلمات الثلاث فيه في سطر واحد وعن انس بن مالك رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم كتب الى كسرى وقيصر والنجاشي فقيل له انهم لا يقبلون كتابا الا بختم فصاغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما حلقته فضة ونقشه فيه محمد رسول الله قوله ان النبي صلى الله عليه وسلم كتب الى كسرى وقيصر والنجاشي اي اراد ان يكتب كما بينت ذلك الرواية السابقة لما اراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يكتب قوله فصاغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما اي امر ان يصاغ له خاتم قوله حلقته فضة اي متخذ من فضة قوله ونقش فيه محمد رسول الله كتبت في ثلاثة اسطر كما جاء مصرحا به في الرواية المتقدمة وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق فكان في يده ثم كان في يد ابي بكر ويد عمر ثم كان في يد عثمان حتى وقع في بئر اريس. نقشه محمد رسول الله متفق عليه بئر اريس بئر في حديقة قريبة من مسجد قباء وكان عثمان رضي الله عنه على البئر واخذ يحرك الخاتم في يده فسقط منه في البئر فاختلف عثمان رضي الله عنه مع اصحابه ثلاثة ايام ينزحون البئر فلم يجدوه والسنة في الخاتم ان يكون في اليد اليمنى وهو اختيار الترمذي رحمه الله حيث ساق روايات عديدة في ذلك واعل الروايات التي جاء فيها ان خاتمه صلى الله عليه وسلم كان في يساره ومن يتأمل ما ورد في هذا يجد روايات تفيد تختمه صلى الله عليه وسلم في يمينه وروايات اخرى تفيد تختمه في يساره قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد واختلفت الاحاديث هل كان في يمناه او يسراه وكلها صحيحة السند وقد احسن الحافظ العراقي حيث نظم ذلك فقال يلبسه كما روى البخاري في خنصر يمين او يسار كلاهما في مسلم ويجمع بان ذا في حالتين يقع واما الحكم في المسألة من حيث هو فيقول النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم اجمعوا على جواز التختم في اليمين وعلى جوازه في اليسار. ولا كراهة في واحد منهما واختلفوا ايتهما افضل فتختم كثيرون من السلف في اليمين وكثيرون في اليسار واستحب مالك اليسار وكره اليمين وفي مذهبنا وجهان لاصحابنا. الصحيح ان اليمين افضل لانه زينة واليمين اشرف واحق بالزينة والاكرام وعن علي ابن ابي طالب رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس خاتمه في يمينه. اخرجه ابو داوود فيه ان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم كان في يمينه. هذا منطوق الحديث ومفهومه ان الخاتم لم يكن في اليسار وقد اعتبر بعض العلماء هذا المفهوم فقالوا السنة ان يلبس الخاتم في اليمين لا اليسار بينما يرى بعض اهل العلم عدم اعتبار المفهوم لمعارضته لمنطوق حديث اخر يفيد ان النبي صلى الله عليه وسلم لبس الخاتم في يساره. وهو ما رواه مسلم في صحيحه عن ثابت عن انس رضي الله عنه انه قال كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في هذه واشار الى الخنصر من يده اليسرى ومعلوم ان المفهوم لا يقوى لمعارضة المنطوق وجمعوا بين الحديثين بفعله الامرين وعن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من فضة وجعل فصه مما يلي كفه ونقش فيه محمد رسول الله ونهى ان ينقص احد عليه وهو الذي سقط من معيقيب في بئر اريس اخرجه مسلم قوله وجعل فصه مما يلي كفه. بمعنى ان فص الخاتم لا يكون ظاهرا وانما يكون من جهة باطن الكف وهو يدل على انه صلى الله عليه وسلم لم يتخذ الخاتم للزينة وانما اتخذه للحاجة قوله وناقش فيه محمد رسول الله ونهى ان ينقص احد عليه وهذا فيه ان نقش الانسان الذي يميز خاتمه يكون خاصا به فليس لاحد ان يحاكيه فيه لانه يحدث لبسا وفيه خطورة التزوير في الختوم وهو نوع من الغش والاجرام قوله وهو الذي سقط من معيقيب في بئر اريس تقدم انه سقط من يد عثمان رضي الله عنه وقيل في الجمع بين حديثين لعل عثمان رضي الله عنه مد الخاتم لمعيقيب رضي الله عنه ليختم به او لحاجة ثم لما عاد ليناوله يا سقط في البئر ومعيقيب هو ابن ابي فاطمة الدوسي من السابقين الاولين قد شهد المشاهد كلها وكان رضي الله عنه ولي بيت المال لعمر رضي الله عنه فائدة قال النووي رحمه الله اجمع المسلمون على ان السنة جعلوا خاتم الرجل في الخنصر واما المرأة فانها تتخذ خواتيم في اصابع اي في اي اصبع شاءت من يدها لانها تتخذها للزينة والتجمل واجمعوا ايضا على تحريم اتخاذ الخاتم من الذهب للرجال فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب فكان يلبسه في يمينه فاتخذ الناس خواتيم من ذهب فطرحه صلى الله عليه وسلم وقال لا البسه ابدا فطرح الناس خواتيمهم. اخرجه البخاري ومسلم وعن علي رضي الله عنه قال اخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهبا بيمينه وحريرا بشماله ثم رفع بهما يديه فقال هذان حرام على ذكور امتي. رواه احمد هذا وبالله وحده التوفيق نسأله جل في علاه ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله انه سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته