بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد ذكر ما جاء في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الطعام وما جاء في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الطعام وبعد ما يفرغ منه الوضوء له اطلاقان اطلاق لغوي واطلاق شرعي فالاطلاق الاول يقصد به غسل الكفين وتنظيفهما مما قد يعلق فيهما من وسخ او تراب او نحوه فمن اهل العلم من يرى استحبابه قبل الاكل وبعده ومنهم من لا يرى ذلك الا ان كان في اليد ما ينبغي ازالته قبل الاكل او بعده. لعموم الادلة الواردة في النظافة والاطلاق الشرعي يقصد به التعبد لله بغسل الوجه وغسل اليدين ومسح الرأس وغسل الرجلين وهذا لا يلزم من اجل الاكل الا اذا اكل الانسان لحم الابل. فيجب عليه عندئذ ان يتوضأ هذا الوضوء قبل الصلاة عن ابن عباس رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الخلاء فقرب اليه الطعام فقالوا الا نأتيك بوضوء قال انما امرت بالوضوء اذا قمت الى الصلاة اخرجه الترمذي وابو داود قوله الا نأتيك بوضوء؟ الوضوء بفتح الواو هو الماء الذي يتوضأ به قال انما امرت بالوضوء اذا قمت الى الصلاة والوضوء بضم الواو هو فعل الوضوء فقالوا له صلى الله عليه وسلم الا نحضر لك وضوءا؟ فاجابهم بان الوضوء على من اراد الصلاة لا على من اراد الاكل والوضوء هنا الشرعي وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغائط. فاوتي بطعام فقيل له الا تتوضأ فقال ااصلي فاتوضأ؟ اخرجه مسلم قوله ااصلي فاتوضأ اي هل اردت ان اصلي حتى اتوضأ بمعنى ان الوضوء الشرعي لا يكون عند ارادة الانسان تناول الطعام وانما يكون للصلاة ومسألة غسل اليدين قبل الطعام وبعده. ان كان الانسان جنبا او كان في اليدين ما يستوجب الغسل فعليه غسلهما قبل الاكل. واما بعده فانه يغسلهما بعد لعق الاصابع ان كان بقي شيء من زفر الطعام او اثره عالقا في اليد عن ابي ايوب الانصاري رضي الله عنه قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقرب اليه طعام فلم ارى طعاما كان اعظم بركة منه. اول ما اكلنا ولا اقل بركة في اخره فقلنا يا رسول الله كيف هذا قال انا ذكرنا اسم الله حين اكلنا ثم قعد من اكل ولم يسم الله فاكل معه الشيطان اخرجه احمد في المسند واسناده فيه مقال لكن له شواهد يأتي ذكر بعضها قول كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم يوما هذا الاسلوب و نحوه المشعر بالتبعية يدل على ادب اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم معه قول فقرب اليه طعام اي قدم للنبي صلى الله عليه وسلم وادني منه. وهذا اجمل واحسن ما يكون في الكرم وهو ان يقرب الطعام ويدنى من ضيف قوله فلم ار طعاما كان اعظم بركة منه اول ما اكلنا. ولا اقل بركة في اخره لاحظ ابو ايوب رضي الله عنه هذه الملاحظة في هذا الطعام الذي اكلوه وهو انه كان في اوله بركة ثم قلت في اخرها واحسوا ان لهذا سببا فقلنا يا رسول الله كيف هذا اي كيف كانت البركة في اوله عظيمة ثم قلت في اخره فقال صلى الله عليه وسلم انا ذكرنا اسم الله حين اكلنا ثم قعد من اكل ولم يسم الله فاكل معه الشيطان اي انهم ذكروا الله تعالى كلهم في بداية الطعام فلم يجد للشيطان سبيلا ليستحله اذ لا سبيل له الى طعام ذكر اسم الله عليه ثم لما جلس معهم من لم يذكر اسم الله فتح المجال للشيطان ليأكل معه فاستحل الطعام. قال فاكل معه الشيطان ولم يقل معهم لانهم ذكروا اسم الله ولهذا جاء في حديث جابر رضي الله عنه عند مسلم وغيره ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء واذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان ادركتم المبيت فاذا لم يذكر الله عند طعامه قال ادركتم المبيت والعشاء وهذا مما يؤكد ان يحرص المسلم على ذكر اسم الله تبارك وتعالى على طعامه وعلى شرابه وعند دخوله لبيته. حتى لا يشاركه الشيطان في شيء من ذلك وقد يأتي الشيطان بشخص يلهيه ليضع يده في الطعام دون ذكر اسم الله لتحصل له عن طريقه المشاركة فقد ثبت في صحيح مسلم عن حذيفة رضي الله عنه انه قال كنا اذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم طعاما لم نضع ايدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع يده وانا حضرنا معه مرة طعاما فجاءت جارية كانها تدفع فذهبت لتضع يدها في الطعام فاخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها ثم جاء اعرابي كانما يدفع فاخذ بيده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الشيطان يستحل الطعام الا يذكر اسم الله عليه وانه جاء بهذه الجارية ليستحل بها فاخذت بيدها فجاء بهذا الاعرابي ليستحل به فاخذت بيده والذي نفسي بيده ان يده في يدي مع يدها ولهذا يجب على الانسان ان يبين لاولاده عداوة الشيطان لبني ادم ليتخذوه عدوا فلا يشاركهم في بيوتهم ولا في طعامهم ولا في شرابهم وعدم التسمية على الطعام والشراب من اسباب محق البركة ومن اسباب مشاركة الشيطان للانسان في طعامه وشرابه وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا اكل احدكم فنسي ان يذكر الله تعالى على طعامه فليقل بسم الله اوله واخره من اكل فحصل له في اول الطعام غفلة ونسيان فلم يسم ثم تذكر في اثناء طعامه نسيانه التسمية في اوله فعليه في هذه الحال ان يقول بسم الله اوله واخره فان قالها تحققت له البركة باذن الله وهذا من فضل الله جل وعلا ورحمته وعن عمر ابن ابي سلمة رضي الله عنه انه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده طعام فقال ادن يا بني فسم الله تعالى وكل بيمينك وكل مما يليك. اخرجه الترمذي وابن ماجة وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بين ثلاثة اداب للطعام وهي التسمية في اوله والاكل باليمين والاكل مما يلي الاكل وقوله صلى الله عليه وسلم ادنو يا بني فيه بيان لطفه صلى الله عليه وسلم وحسن معاشرته فانك اذا قلت لمن ليس من ابنائك يا بني شعر بلطفك معه ورحمتك به وهو يدل على جواز ان يخاطب المرء غير ابنائه بهذا الخطاب فيقول للطفل الصغير يا بني من باب التلطف والمؤانسة ولهذا عقد الامام البخاري رحمه الله في كتابه الادب المفرد ترجمة بعنوان قول الرجل للصغير يا بني وعن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا فرغ من طعامه قال الحمد لله الذي اطعمني وسقانا وجعلنا مسلمين. اخرجه ابو داوود والترمذي قوله الحمدلله الذي اطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين اي الحمدلله الذي من علينا بهذا الطعام وهذا الشراب وجعلنا من عباده المسلمين. فهذه نعمة عظيمة ان يكون العبد مسلما من اهل هذا الدين العظيم. وعنده طعام يغذيه وشراب يرويه وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم صيغ للحمد عديدة يشرع للمسلم ان يقولها بعد الفراغ من الاكل ولو قال بعد الاكل الحمد لله فانه يكفيه كما يأتي بيان ذلك لكن الافضل ان يحفظ ما تيسر من الصيغ الواردة وينوع بينها. فمرة يأتي بهذا ومرة يأتي بهذا وعن ابي امامة رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا رفعت المائدة من بين يديه يقول الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه غير مودع ولا مستغنى عنه ربنا اخرجه البخاري قوله اذا رفعت المائدة من بين يديه اي اذا فرغ من الطعام وبدأوا برفع المائدة من بين يديه يحمد الله عز وجل ويستفاد منه ان المائدة ترفع عند الفراغ منها ولا تترك قوله الحمد لله حمدا كثيرا طيبا اي الحمد لله حمدا موصوفا بالكثرة والطيب والطيب هنا يشعر بنزاهة هذا الحمد ونقاءه. فهو حمد منزه عن الرياء والسمعة فلا يراد به الا الله سبحانه والتقرب اليه قوله مباركا في البركة تعني ثبات الخير الموجود وزيادته ونماءه وقوله غير مودع ولا مستغنى عنه ربنا اي غير مودع هذا الحمد ولا مستغنى عنه وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله ليرضى عن العبد ان يأكل الاكلة او يشرب الشربة فيحمده عليها. اخرجه مسلم الاكلة المرة الواحدة من الاكل كالغداء او العشاء. وفي استحباب حمد الله تعالى عقب الاكل والشرب وان ثواب ذلك هو الفوز بمرضاة الله وقد جاء في صفة التحميد بعد الطعام والشراب صيغ متنوعة تقدم بعضها ولو اقتصر على الحمد لله حصل اصل السنة هذا ونسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين انه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله بركاته