بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد ذكر ما جاء في صفة مزاح رسول الله صلى الله عليه وسلم المزاح هو الملاطفة والمؤانسة والمداعبة والهدف منه ادخال السرور على النفوس وزيادة الالفة والمحبة ونحو ذلك من المعاني العظيمة ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يداعب اصحابه ويمازحهم بقدر الحاجة ولا يقول الا حقا وينبغي ان يكون المزاح مثل الملح في الطعام فاذا لم يكن في الطعام ملح لا تقبله النفوس ولا تستسيغه. واذا ملئ به الطعام كان سببا لعدم الانتفاع به فكذلك المزاح ينبغي للانسان ان يكون فيه وسطا فلا يقبل عليه بالكلية ولا يعرظ عنه بالكلية والا يقول في مزاحه الا حقا وان يتجنب في مزاحه الاساءة للاخرين والاستهزاء بهم قال النووي رحمه الله قال العلماء المزاح المنهي عنه هو الذي فيه افراط ويداوم عليه فانه يورث الضحك وقسوة القلب ويشغل عن ذكر الله والفكر في مهمات الدين ويؤول في كثير من الاوقات الى الايذاء ويورث الاحقاد ويسقط المهابة والوقار واما ما سلم من هذه الامور فهو المباح الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله عن انس بن مالك رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا ذا الاذنين اخرجه الترمذي وابو داوود قال ابو اسامة احد رواة الحديث يعني يمازحه قيل معنى الحديث الحظ والتنبيه على حسن الاستماع لما يقال له لان السمع بحاسة الاذن. ومن خلق الله له الاذنين وغفل ولم يحسن الوعي لم يعذر وقيل ان هذا القول من جملة مداعباته صلى الله عليه وسلم ولطيف اخلاقه ولا يمنع ايضا ان يكون في هذه الكلمة نوع من المدح والثناء لانس رضي الله عنه بمعنى ان له اذنين يسمع ويطيع ويعي ما يقال له ثم انسا رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يمنع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم من ممازحته بينما بعض الناس يستنكف ان يمازح خادمه او سائقه ويرى ان هذا يقلل من مكانته ومنزلته وهذا خلاف هدي النبي عليه الصلاة والسلام وخلاف ما يقتضيه التواضع الذي ينبغي ان يكون عليه المسلم وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال ان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخالطنا حتى يقول لاخ لي صغير يا ابا عمير ما فعل النغير اخرجه البخاري ومسلم قال الترمذي رحمه الله وفقه هذا الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يمازح وفيه انه كنا غلاما صغيرا فقال له يا ابا عمير وفيه انه لا بأس ان يعطى الصبي الطير ليلعب به وانما قال له النبي صلى الله عليه وسلم يا ابا عمير ما فعل النغير؟ لانه كان له نغير يلعب به فمات فحزن الغلام عليه فمازحه النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا ابا عمير ما فعل النغير قوله ان كان ليخالطنا من معاني المخالطة الممازحة. يقال خالطه اذا مازحه والمعنى ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يمازحنا حتى يقول لاخ لي صغير وهو اخ له من جهة الام يا ابا عمير ما فعل النغير وابو عمير كان عنده طائر صغير يلعب به واللعب بالطير مباح اذا لم يكن فيه ايذاء له ولا اظرار به اما اذا لعب به على وجه يؤذيه فهذا لا يجوز ولما مات طير ابي عمير حزن عليه فاراد النبي صلى الله عليه وسلم ان يؤنسه ويزيل عنه الحزن فقال له على وجه المداعبة فيا ابا عمير ما فعل النغير وفيه بيان لتواضع النبي صلى الله عليه وسلم وكمال خلقه وملاطفته للصغار ومؤانسته لهم وادخاله السرور على قلوبهم وفي هذا الحديث فوائد كثيرة عدد المصنف رحمه الله فيما تقدم بعضها وقد جمعها ابو العباس احمد بن ابي احمد الطبري المعروف بابن القاص والفقيه الشافعي صاحب التصانيف في جزء مفرد واوصلها الى ستين فائدة وقد لخصها ابن حجر رحمه الله في فتح الباري مستوفيا من مقاصده ثم اتبعه بما تيسر من الفوائد الزوائد عليه وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال قالوا يا رسول الله انك تداعبنا قال اني لا اقول الا حقا. اخرجه الترمذي قوله صلى الله عليه وسلم اني لا اقول الا حقا اي حتى في المزاح والمداعبة فكان صلى الله عليه وسلم يمازح اصحابه لكنه لا يقول الا حقا اي عدلا وصدقا وعن انس بن مالك رضي الله عنه ان رجلا استحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اني حاملك على ولد ناقة فقال يا رسول الله ما اصنع بولد الناقة فقال صلى الله عليه وسلم وهل تلد الابل الا النوق اخرجه الترمذي قول انس ان رجلا استحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم اي طلب منه ان يعطيه ناقة تحمله ويركبها فقال صلى الله عليه وسلم اني حاملك على ولد ناقة فهم الرجل ان النبي صلى الله عليه وسلم سيعطيه ولد ناقة صغيرا وهو لا يركب فقال يا رسول الله وما اصنع بولد الناقة اي اذا اعطيتني ولد الناقة كيف يمكن ان اركبه فقال صلى الله عليه وسلم وهل تلد الابل الا النوق ولد الناقة يطلق على الصغير من الابل والكبير فاراد النبي صلى الله عليه وسلم ان يعطيه من الابل ما هو مهيأ للركوب لكنه داعبه قبل ذلك هذه المداعبة اللطيفة وعن انس بن مالك رضي الله عنه ان رجلا من اهل البادية كان اسمه زاهرا وكان يهدي الى النبي صلى الله عليه وسلم هدية من البادية فيجهزه النبي صلى الله عليه وسلم اذا اراد ان يخرج فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان زاهرا باديتنا ونحن حاضرون وكان صلى الله عليه وسلم يحبه وكان رجلا دميما فاتاه النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره فقال من هذا؟ ارسلني فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم فجعل لا يألو ما الصق ظهره بصدر النبي عليه الصلاة والسلام حين عرفة فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول من يشتري هذا العبد فقال يا رسول الله اذا والله تجدني كاسدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لكن عند الله لست بكاسد او قال انت عند الله غال اخرجه احمد قول وكان يهدي الى النبي صلى الله عليه وسلم هدية من البادية يعني اذا جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم يأتي له بهدية من الاشياء الموجودة عند اهل البادية مثل اقط والسمن ونحو ذلك قوله فيجهزه النبي صلى الله عليه وسلم اذا اراد ان يخرج اي ان النبي صلى الله عليه وسلم يكافئ الهدية بهدية احسن منها اذا اراد زاهر ان يخرج الى باديته اهداه عليه الصلاة والسلام قوله ان زاهرا بادية ونحن حاضرون فالذي في البادية يحتاج الى الذي في الحاضرة والذي في الحاضرة ايضا يحتاج الى الذي في البادية فكل يكمل الاخر بما يسر الله سبحانه وتعالى له قوله وكان يحبه وكان رجلا دميما يقال رجل دميم بالدال ويقال ايضا دميم بالذال والفرق بينهما ان الدمامة تكون في الصفات الخلقية والدمامة في الصفات الخلقية فالدميم لا يلام لانه ليس من كسبه بخلاف الذميم فهو يلام لانه من كسبه قوله فاتاه النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره اي ظمه عليه الصلاة والسلام الى صدره وهو لا يرى من الذي ظمه ولا يدري من هو. فقال من هذا؟ ارسلني اي من الذي امسكني؟ اتركني فالتفت فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم وهذا نوع من المزاح يستفاد من ان المزاح لا يكون بالكلام فحسب بل يكون ايضا بالفعل اذا كان يدخل على الممازح سرورا وفرحا وليس عليه فيه ضرر فلما التفت زاهر رضي الله عنه عرف ان ممازحه والنبي صلى الله عليه وسلم فرح به فرحا عظيما فجعل لا يلو ما الصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفة من شدة فرحه بكون هذا الممازح له هو النبي عليه الصلاة والسلام. اصبح لا يألو ان يرجع فيلصق ظهره على صدر النبي عليه الصلاة والسلام ومقصد هذا المزاح ادخال السرور والفرح قوله فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول من يشتري هذا العبد مداعبا له وممازحا فقال يا رسول الله اذا والله تجدني كاسدا التجارة الكاسدة هي التي لا يرغب في شرائها احد ومراده انه لن يشتريه احد. ولهذا قال انس رضي الله عنه من قبل وكان رجلا دميما تمهيدا لقوله اذا والله تجدني كاسدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لكن عند الله لست بكاسد او قال انت عند الله غال وفي هذا منقبة لهذا الصحابي الجليل رضي الله عنه وعن الحسن قال اتت عجوز الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ادع الله ان يدخلني الجنة فقال يا ام فلان ان الجنة لا تدخلها عجوز قال فولت تبكي فقال اخبروها انها لا تدخلها وهي عجوز. ان الله يقول انا انشأناهن انشاء فجعلناهن ابكارا عربا من اترابا وهذا حديث مرسل لكن له شاهد عند الطبراني في الاوسط من حديث عائشة رضي الله عنها قوله ان الجنة لا تدخلها عجوز. مراد النبي صلى الله عليه وسلم ان المرأة العجوز تنشأ يوم القيامة ان شاء وتكون بنت ثلاث وثلاثين سنة كما جاء في حديث معاذ رضي الله عنه عند الامام احمد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يدخل اهل الجنة الجنة جردا مردا مكحلين بني ثلاثين او ثلاث وثلاثين نسأل الله عز وجل ان يرزقنا اجمعين الجنة وان يوفقنا لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله انه سميع قريب مجيب. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته