بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله والله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد ذكر ما جاء في قيامه صلى الله عليه وسلم الليل عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتفخت قدماه فقيل له اتتكلف هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال افلا اكون عبدا شكورا؟ متفق عليه قوله صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتفخت قدماه اي صلى حتى تورمت قدماه من طول القيام فربما قرأ في الركعة الواحدة البقرة والنساء قوله فقيل له اتتكلف هذا؟ اي هذا القيام الذي يحصل به التورم للقدمين من طوله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر كما قال الله سبحانه انا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا سقيما قوله افلا اكون عبدا شكورا. اي ان غفران الله لذنب المتقدم والمتأخر نعمة من الله ومنة عظيمة تستوجب الشكر للمنعم والشكر يكون بالقلب اعترافا بالنعمة وباللسان ثناء على المنعم وحمدا له وبالجوارح تعبدا لله ذكر هنا مقامين مقام العبودية ومقام الشكر وقد اتمهما عليه الصلاة والسلام على اكمل وجه واحسن حال فكان اتقى الناس لله واعظمهم عبادة وهو امام الشاكرين وقدوة الحامدين ثمان قيام العبد حتى تتورم قدماه محمول هذا فيما اذا كان العبد لا يدخله ملل ولا سآمة والا فلا لحديث عائشة رضي الله عنها قالت كان يقول خذوا من العمل ما تطيقون فان الله لا يمل حتى تملوا واحب الصلاة الى النبي صلى الله عليه وسلم ما دوم عليه وان قلت وكان اذا صلى صلاها دواما عليها رواه البخاري قال ابن حجر رحمه الله في هذا الحديث ومحل ذلك ما اذا لم يفضي الى الملال. لان حال النبي صلى الله عليه وسلم كانت اكمل الاحوال فكان لا يمل من عبادة ربه وان اضر ذلك ببدنه بل صح انه قال وجعلت قرة عيني في الصلاة كما اخرجه النسائي من حديث انس فاما غيره صلى الله عليه وسلم فاذا خشي الملل لا ينبغي له ان يكره نفسه وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم خذوا من الاعمال ما تطيقون فان الله لا يمل حتى تملوا وعن الاسود بن يزيد قال سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل فقالت كان ينام اول الليل ثم يقوم فاذا كان من السحر اوتر ثم اتى فراشه فاذا كان له حاجة الم باهله فاذا سمع الاذان وثب فان كان جنبا افاض عليه من الماء والا توضأ وخرج الى الصلاة متفق عليه سؤال الاسود بن يزيد عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مبني على رغبة السلف رحمهم الله في معرفة صلاة النبي صلى الله عليه بالليل لان الاتباع يتوقف على معرفة هديه صلى الله عليه وسلم قولها كان ينام اول الليل يبدأ اول الليل من الغروب لكن المراد به هنا ما بعد صلاة العشاء لانه صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبلها. ويكره السمر بعدها فكان ينام بعد صلاة العشاء مباشرة قولها ثم يقوم وهذا القيام يكون بعد منتصف الليل كما جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له احب الصلاة الى الله صلاة داوود واحب الصيام الى الله صيام داوود وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ويصوم يوما ويفطر يوما فجزء الليل ستة اسداس الثلاثة الاسداس الاولى ينامها ثم يقوم السدسين الرابع والخامس ثم ينام السدس الاخير وذلك ليكون انشط لفريضة الفجر قولها فاذا كان من السحر اوتر اي اذا بقي من الليل سدسه يوتر عليه الصلاة والسلام ثم اذا اتى فراشه فاذا كان له حاجة الم باهله اي اذا كان له حاجة الى زوجه عاشرها في ذلك الوقت فاذا سمع الاذان وثب اي قام بنشاط قوي وبهمة عالية. والوثب يكون من الانسان في الامر الذي فيه رغبة جديدة من عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال يكره ان يقوم الرجل الى الصلاة وهو كسلان. ولكن يقوم اليها طلق الوجه عظيم الرغبة الفرح وعن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما انه اخبره انه بات عند ميمونة وهي خالته قال فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طولها فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اذا انتصف الليل او قبله بقليل او بعده بقليل فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يمسح النوم عن وجهه ثم قرأ العشر الايات الخواتيم من سورة ال عمران ثم قام الى سن معلق فتوضأ منها فاحسن الوضوء ثم قام يصلي قال عبدالله بن عباس فقمت الى جنبه ووضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي ثم اخذ باذن اليمنى ففتلها فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين قال معن ست مرات ثم اوتر ثم اضطجع قوله انه بات عند ميمونة وهي خالته حرصا منه رضي الله عنه ليرى بنفسه صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وعبادته بالليل قوله فاضطجعت في عرض الوسادة. نام رظي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم على وسادته ووضع رأسه في عرظ الوسادة وهو في غاية الحرص ان يشاهد قيام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل وجاء في بعض الروايات انه طلب من خالته ميمونة رضي الله عنها ان توقظه اذا قام النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينتبه لكنه بنفسه وقام قول واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طولها اي ان النبي صلى الله عليه وسلم وزوجه ميمونة اضطجع في طول الوسادة وفي هذا دلالة على كمال تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وكمال حرصه ونصحه فانه لما علم من هذا الغلام حرصه الشديد ورغبته العظيمة بمعرفة هديه تركه ينام معه في عرض الوسادة قوله فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اذا انتصف الليل او قبله بقليل او بعده بقليل. وبمعنى حديث عائشة وعبدالله بن عمرو السابقين قول فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يمسح النوم عن وجهه اي لينشط للنهوض والقيام لان الانسان اذا حرك يده على وجهه بعد قيام النوم احس بشيء من النشاط قوله ثم قرأ العشر الايات خواتيم من سورة ال عمران وهي ايات جامعة لمعان عظيمة من ذكر الله والتفكر في مخلوقاته وحسن دعائه ومناجاته وما ندب اليه من العبادة وما وعد على ذلك من الثواب وما توعد على معصيته من العقاب ليكون ذلك تنشيطا للعبادة ثم قام الى سن معلق اي قام من الفراش بعد قراءته هذه الايات الى سن معلق والشن هو القربة التي تصنع من الجلد والماء الذي يكون في السن يكون فيه شيء من البرودة والماء البارد من اسباب النشاط بعد القيام من النوم قوله فتوضأ منها فاحسن الوضوء ثم قام يصلي قال عبدالله بن عباس فقمت الى جنبه فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي ثم اخذ باذني اليمنى فتى لها اي حرك اليد على الاذن تحريكا يسيرا. جاء في بعض الروايات عن ابن عباس رضي الله عنهما انه قال انما صنع ذلك ليؤنسني بيده في ظلمة الليل استفادوا من هذا ان الحركة اليسيرة بالصلاة لا تؤثر على الصلاة قوله فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين اي صلى اثنتي عشرة ركعة بست تسليمات قال معا ست مرات ثم اوتر هذا تأكيد من الراوي على العدد ثم اضطجع هذا الاضطجاع كان في السدس الاخير من الليل ليكون انشط لاداء صلاة الفجر حتى جاءه المؤذن اي بلال رضي الله عنه فقام فصلى ركعتين خفيفتين اي نافلة الفجر التي تكون بعد الاذان والسنة فيهما ان تخفف وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ فيهما بكل يا ايها الكافرون وقل هو الله احد وذلك ليفتتح عمل النهار بالتوحيد بنوعيه العملي في سورة الكافرون والعلم في سورة الاخلاص وكان يفتتح عمل الليل بهاتين السورتين ايضا وذلك في الركعتين اللتين يتنفل بهما بعد صلاة المغرب وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة. اخرجه البخاري ومسلم فيه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاثا عشرة ركعة وسيأتي من حديث عائشة رضي الله عنها انه صلى الله عليه وسلم كان يصلي احدى عشرة ركعة ومن حديثها ايضا انه صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل تسعة ركعات وهو محمول عند اهل العلم على اوقات متعددة واحوال مختلفة فكان صلى الله عليه وسلم يصلي ثلاث عشرة ركعة وقد ينقص احيانا الاسباب فلا تعارض او ان من ذكر الاحدى عشرة ركعة لم يعد الركعتين الخفيفتين اللتين يفتتح بهما صلاته من الليل ونسأل الله الكريم ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين انه سميع الدعاء وهو اهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته