بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد ذكر ما جاء في صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم والصوم اصله في اللغة الامساك والمنع وحبس النفس وهو في الشرع الامساك عن المفطرات من طلوع الفجر الى غروب الشمس والحديث سيكون عن صوم النبي صلى الله عليه وسلم الواجب والمستحب سواء ما كان منه متكررا بتكرر الاسابيع كصيام الاثنين والخميس او كان متكررا بتكرر الشهور كصيام ثلاثة ايام من كل شهر او كانوا متكررا بتكرر السنوات ومنه صيام شهر رمضان وهو ركن من اركان الاسلام وكذلك صيام بعض الايام كصيام يوم عاشوراء وصيام يوم عرفة وصيام الست من شوال والصيام مدرسة تربوية ايمانية يتلقى فيه اهل الايمان العبر العظيمة والدروس البالغة ولهذا قال الله سبحانه وتعالى يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تكون فهو طاعة جليلة تغرس في القلوب تقوى الله وتحيي في القلوب قوة الصلة بالله عز وجل وتبعث في النفوس البعد عن الحرام واتقاء الاثام وهو جنة لصاحبه والصيام الواجب نوعان صوم عن المفطرات التي هي الطعام والشراب وشهوة الفرج فهذا فرض على العباد في نهار رمضان من طلوع الفجر الى غروب الشمس في كل يوم من ايامه وصوم عن الحرام والاثام وهذا واجب في جميع الاوقات ولهذا كان على كل جارحة من جوارح العبد صيام فالاذن عليها صيام وهو الكف عن سماع كل محرم واللسان عليه صيام وهو البعد عن الاثام من الكذب والغيبة والنميمة والسخرية ونحو ذلك وقس على ذلك سائر الاعضاء عن عبد الله ابن شقيق قال سألت عائشة رضي الله عنها عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت كان يصوم حتى نقول قد صام ويفطر حتى نقول قد افطر قالت وما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا كاملا منذ قدم المدينة الا رمظان اخرجه مسلم قولها كان يصوم حتى نقول قد صام اي يستمر صائما في الايام حتى يقول بعضنا لبعض او نحدث انفسنا ونقول مضى واستمر صائما وقولها ويفطر حتى نقول قد افطر ان يستمر اياما مفطرا حتى نقول سوف يمضي مفطرا وقولها وما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا كاملا منذ قدم المدينة الا رمضان لما اشارت في اول حديث الى كثرة صيامه صلى الله عليه وسلم نبهت رضي الله عنها انه مع كثرة صيامه في بعض الشهور مثل المحرم ومثل شعبان لم يصم شهرا تاما كاملا الا رمظان وقولها منذ قدم المدينة خصت هذا الوقت بالذكر لانه الوقت الذي كثرت فيه الاحكام وتتابعت بما في ذلك الصيام وعن انس بن مالك رضي الله عنه انه سئل عن صوم النبي صلى الله عليه وسلم فقال كان يصوم من الشهر حتى نرى انه لا يريد ان يفطر منه ويفطر منه حتى نرى انه لا يريد ان يصوم منه شيئا وكنت لا تشاء ان تراه من الليل مصليا الا رأيته مصليا ولا نائما الا رأيته نائما. اخرجه البخاري وهذا اعتدال وتوسط فلا صيام مستمر ولا فطرة ايضا مستمر بل صوم وفطر يبدأ الشهر صائما ويستمر فيه حتى يظن انه سيتم الشهر كله صائما ويفطر صلى الله عليه وسلم احيانا ويستمر فيه حتى يظن انه صلى الله عليه وسلم يستمر مفطرا الى امام الشهر قوله وكنت لا تشاء ان تراه من الليل مصليا الا رأيته مصليا ولا نائما الا رأيته نائما اي كان صلى الله عليه عليه وسلم معتدلا في لياليه. يعطي النوم حظه والصلاة حظها فلا افراط ولا تفريط وعن ام سلمة رضي الله عنها قالت ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين الا شعبان ورمضان. اخرجه الترمذي وابو داوود وابن ما جا فيه انها ما رأت النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتاليين الا شعبان ورمضان اما صيامه صلى الله عليه وسلم رمظان كاملا فهو امر واظح واما شعبان فان الذي ثبت عنه صلى الله عليه وسلم هو صيام اكثره لا كله وقد مر قريبا حديث عائشة رضي الله عنها انه صلى الله عليه وسلم ما صام شهرا كاملا منذ قدم المدينة الا رمضان فيحمل قول ام سلمة رضي الله عنها يصوم شهرين متتابعين اي غالب شعبان وكامل رمضان وسيأتي ايضا ما يوضح ذلك في الحديث الذي يليه عن عائشة رضي الله عنها قالت لم ارى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم في شهر اكثر من صيامه لله في شعبان كان يصوم شعبان الا قليلا بل كان يصومه كله. اخرجه البخاري ومسلم اورد الترمذي هذا الحديث في جامعه ثم قال وروي عن ابن المبارك انه قال في هذا الحديث قال هو جائز في كلام العرب اذا صام اكثر الشهر ان يقال صام الشهر كله ويقال قام فلان ليله اجمع ولعله تعشى واشتغل ببعض امره كأن ابن المبارك قد رأى كلا الحديثين متفقين تقول انما معنى هذا الحديث انه كان يصوم اكثر الشهر ويوضح ذلك لفظ الحديث عند مسلم في صحيحه فانه رواه عن عائشة رضي الله عنها انها قالت كان يصوم شعبان كله كان يصوم شعبان الا قليلا فاستثنت بقولها الا قليلا بعد قولها كان يصوم شعبان كله ولهذا قال النووي رحمه الله في تعليقه على هذا الحديث الثاني تفسير للاول اي قولها الا قليلا مفسرا لقولها يصوم شعبان كله وعن زر ابن حبيش عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من غرة كل شهر ثلاثة ايام وقل ما كان يفطر يوم الجمعة. اخرجه ابو داوود وابن ماجة في هذا الحديث حث على صيام ثلاثة ايام من كل شهر وفي هذا الصيام فضل عظيم وقد جاء في مسند الامام احمد وغيره عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال صوم شهر الصبر وصوم ثلاثة ايام من كل شهر صوم الدهر لان الحسنة بعشر امثالها وهذه الايام الثلاثة ان شاء المرء صامها من اول الشهر او من وسطه او من اخره مجتمعة او متفرقة ففي صحيح مسلم عن معاذة العدوية انها سألت عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم اكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة ايام؟ قالت نعم فقلت لها من اي الشهر كان يصوم قالت لم يكن يبالي من اي ايام الشهر يصوم قوله يصوم من غرة كل شهر ثلاثة ايام اي من بدايته. وهذا يحمل على بعض الشهور لا جميعها وقوله وقل ما كان يفطر يوم الجمعة اي انه صلى الله عليه وسلم كان يكثر من صيامه وليس معنى هذا انه كان يفرده بالصيام لما رواه البخاري وغيره من حديث ابي رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يصومن احدكم يوم الجمعة الا يوما قبله او بعده وسيأتي انه صلى الله عليه وسلم كان يتحرى صوم الاثنين والخميس وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صوم الاثنين والخميس. اخرجه الترمذي وابن ماجة فيه حرص النبي عليه الصلاة والسلام على صيام هذين اليومين الاثنين والخميس والحكمة من ذلك مذكورة في الحديث الاتي عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال تعرض الاعمال يوم الاثنين والخميس فاحب ان يعرض عملي وانا صائم. اخرجه الترمذي اي انه صلى الله عليه وسلم يصوم هذين اليومين لان الاعمال تعرض فيهما على الله فاحب صلى الله عليه وسلم ان يعرض عمله وهو صائم فعمل الليل يرفع قبل النهار وعمل النهار يرفع قبل الليل واعمال الاسبوع تعرض في يومي الاثنين والخميس واعمال السنة تعرض في شهر شعبان وقد جاء في صحيح مسلم انه صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الاثنين فقال ذاك يوم ولدت فيه وهذه حكمة اخرى لصيام يوم الاثنين وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم من الشهر السبت والاحد والاثنين ومن الشهر الاخر الثلاثاء والاربعاء والخميس. اخرجه الترمذي بهذا الحديث بيان انه صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة ايام من كل شهر واذا كانت هذه الايام ايام البيظ مثلا فانها تختلف من شهر لاخر ففي شهر توافق السبت والاحد والاثنين وفي شهر اخر توافق الثلاثاء والاربعاء والخميس وهكذا وهذا يدل ان يوم السبت اذا وافق ايام البيض او يوم عرفة او يوم عاشوراء او صيم مع يوم الجمعة فلا حرج في صيامه وانما ينهى عن صيامه اذا قصد تخصيصه بالصيام قال شيخ الاسلام ابن تيمية وعلى هذا فيكون قوله لا تصوموا يوم السبت اي لا تقصدوا صيامه بعينه الا في الفرض وعن عائشة رضي الله عنها قالت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم في شهر اكثر من صيامه في شعبان وهذا يبين ما سبق في حديثها انه صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان كله الا قليلا ونسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان ينفعنا بما علمنا وان يزيدنا علما وتوفيقا انه سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته