بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فلا يزال الحديث عما جاء في قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ام هانئ رضي الله عنها قالت كنت اسمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل وانا على عريشي اخرجه ابن ماجة العريش او العرش هو الشيء المرتفع ويسمى السرير عريشا او عرشا لارتفاعه وقد قال بعض الشراح ان ذلك السماع كان قبل الهجرة وعن معاوية ابن قرة قال سمعت عبدالله ابن مغفل رضي الله عنه يقول رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على ناقته يوم الفتح وهو يقرأ انا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال فقرأ ورجع قال وقال معاوية بن قرمة لولا ان يجتمع الناس علي لاخذت لكم في ذلك الصوت او قال اللحن متفق عليه قوله رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على ناقته يوم الفتح المراد بالفتح هنا صلح الحديبية قوله وهو يقرأ انا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال فقرأ ورجع الترجيع هو ترديد الصوت يقال رجع اذا ردد صوته بالقراءة لكن المراد به هنا كما يدل عليه السياق هو تحسين الصوت بالقراءة قوله لولا ان يجتمع الناس علي لاخذت لكم في ذلك الصوت او قال اللحن فهذا يوضح والله تعالى اعلم ان المراد بالترجيع هنا تحسين الصوت بالقرآن وفيه دليل على ان ارتكاب ما يوجب اجتماع الناس عليه اجتماعا يؤدي الى فتنة او معصية امر مذموم وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم ربما يسمعها من في الحجرة وهو في البيت. اخرجه ابو داوود قوله ربما يسمعها من في الحجرة وهو في البيت هذا يوضح ما سبق من انه صلى الله عليه وسلم اذا جهر بالقراءة في صلاة الليل انما يكون بقدر ما يسمعه من كان قريبا منه لا انه يرفع صوته عاليا ذكر ما جاء في بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اعبد الناس واكثرهم خشية لله لذا حصل منه صلى الله عليه وسلم بكاء في مواضع لاسباب متنوعة قال ابن القيم رحمه الله واما بكاؤه صلى الله عليه وسلم فكان من جنس ضحكه لم يكن بشهيق ورفع صوت كما لم يكن ضحكه بقهقهة ولكن كانت تدمع عيناه حتى تهمل ويسمع لصدره ازيز وكان بكاؤه تارة رحمة للميت وتارة خوفا على امته وشفقة عليها وتارة من خشية الله وتارة عند سماع القرآن وهو بكاء اشتياق ومحبة واجلال مصاحب للخوف والخشية ولما مات ابنه ابراهيم دمعت عيناه وبكى رحمة له وقال تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول الا ما يرضي ربنا وانا بك يا ابراهيم لمحزونون. متفق عليه وبكى لما شاهد احدى بناته ونفسها تفيض وبكى لما قرأ عليه ابن مسعود سورة النساء وانتهى فيها الى قوله سبحانه وتعالى فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا وبكى لما مات عثمان بن مظعون وبكى لما كسفت الشمس وصلى صلاة الكسوف وجعل يبكي في صلاته وجعل ينفخ ويقول ربي الم تعدني الا تعذبهم وانا فيهم وهم يستغفرون ونحن نستغفرك وبكى لما جلس على قبر احدى بناته وكان يبكي احيانا في صلاة الليل عن مطرف ابن عبد الله ابن الشخير عن ابيه رضي الله عنه قال اتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه ازيز كازيز المرجل من البكاء. اخرجه ابو داوود قوله ولجوفه ازيز كازيز المرجل من البكاء اي ولصدره صوت كغليان القدر المتخذ من النحاس اذا كان على النار وهذا الصوت بكاء خشية وشوق ومحبة لله عز وجل وعن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ علي فقلت يا رسول الله اقرأ عليك وعليك انزل قال اني احب ان اسمعه من غيري فقرأت سورة النساء حتى بلغت وجئنا بك على هؤلاء شهيدا قال فرأيت عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم تهملا اخرجه البخاري ومسلم قوله صلى الله عليه وسلم اني احب ان اسمعه من غيري وهو صلى الله عليه وسلم سمع القرآن من جبريل وسمعه من بعض اصحابه رضي الله عنهم وتأثر الانسان بالقرآن تارة يكون بتلاوته له وتارة بسماعه من غيره قوله فقرأت سورة النساء وهذا يستفاد من انه لا يكره ان يقال سورة النساء او سورة البقرة ولا حاجة ان يقال السورة التي يذكر فيها النساء او السورة التي تذكر فيها البقرة قوله حتى بلغت وجئنا بك على هؤلاء شهيدا والله عز وجل جعل على كل امة من الامم شهيدا وهو النبي الذي بعث فيهم وهذا من كمال عدل الله سبحانه وتعالى ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم شهيد على هذه الامة فلما وصل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قراءته لهذا الموضع قال فرأيت عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم تهملان اي تسيلان من الدمع وبكاء النبي صلى الله عليه وسلم هنا كان عند سماعه للقرآن من غيره وبكاء في الحديث السابق كان عند تلاوته هو صلى الله عليه وسلم للقرآن وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال انكسفت الشمس يوما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حتى لم يكد يركع ثم ركع فلم يكد يرفع رأسه ثم رفع رأسه فلم يكد ان يسجد ثم سجد فلم يكد ان يرفع رأسه ثم رفع رأسه فلم يكد ان يسجد ثم سجد فلم يكد ان يرفع رأسه فجعل ينفخ ويبكي ويقول ربي الم تعدني الا تعذبهم وانا فيهم ربي الم تعدني الا تعذبهم وهم يستغفرون ونحن نستغفرك فلما صلى ركعتين انجلت الشمس فقام فحمد الله واثنى عليه ثم قال ان الشمس والقمر ايتين من ايات الله لا ينكسفان لموت احد ولا لحياته فاذا انكسف فافزعوا الى ذكر الله تعالى اخرجه احمد في المسند قوله انكسفت الشمس يوما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم المراد بانكساف الشمس ذهاب ضوئها الكامل او بعضه والشمس كسفت في حياته صلى الله عليه وسلم مرة واحدة وذلك في السنة العاشرة من الهجرة ووافق ذلك الوقت ان توفي ابراهيم رضي الله عنه ابن النبي صلى الله عليه وسلم وكان من عقيدة اهل الجاهلية ان الشمس والقمر ينكسفان اما لموت عظيم او لحياة عظيم فلما خطب الناس صلى الله عليه وسلم بهذه المناسبة بين ان الشمس والقمر ايتان من ايات الله يخوف بهما عباده لا ينكسفان لموت احد ولا لحياته وخرج النبي صلى الله عليه وسلم يجر درعه فزعا كأنما قامت الساعة وامر من ينادي الصلاة جامعة فاجتمع الناس في المسجد فصلى بالناس صلاة الكسوف فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حتى لم يكد يركع ثم ركع يعني قام صلى الله عليه وسلم يقرأ طويلا حتى لم يكد يركع من طول القراءة ثم ركع واطال الركوع حتى لم يكد يرفع رأسه من طوله ثم رفع فاعتدل قائما واطال القيام حتى لم يكد يسجد لطوله ثم سجد فاطال السجود حتى لم يكد يرفع رأسه من طوله ثم رفع وهكذا يطيل صلى الله عليه وسلم كل ركن من اركان هذه الصلاة وقد ذكرت صفة صلاة الكسوف في هذا الحديث على انها ركعتان كالصلاة المعتادة مع طول الاركان والجهر فيها بالقراءة وهذا يعد شادا والمحفوظ ما رواه البخاري وغيره عن عائشة وغيرها رضي الله عنها وعن الصحابة اجمعين ان الشمس خسفت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس فقام فاطال القيام ثم ركع فاطال الركوع ثم قام فاطال القيام وهو دون القيام الاول ثم ركع فاطال الركوع وهو دون الركوع الاول ثم سجد فاطال سجود ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الاولى ثم انصرف وقد انجلت الشمس فخطب الناس فجعل في كل ركعة ركوعين وهذا هو المحفوظ كما ذكر اهل العلم وهي صفة اختصت بها هذه الصلاة قوله فجعل ينفخ ويبكي ان يسمع لصدره صوت يبكي صلى الله عليه وسلم في صلاته ومناجاته لربه ويقول ربي الم تعدني الا تعذبهم وانا فيهم ربي الم تعدني الا تعذبهم وهم يستغفرون ونحن نستغفرك يتأول صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون فكان في هذه الامة امانان من العذاب النبي صلى الله عليه وسلم والاستغفار فاما النبي صلى الله عليه وسلم فقد ذهب واما الاستغفار فباق ويستفاد من هذا ايضا انه يستحب عند الكسوف الاكثار من الاستغفار قبل الصلاة وبعدها والاستغفار فيه زوال الهموم وكشف الغموم وتيسير الامور بل ان خيراته وبركاته على المستغفرين في الدنيا والاخرة لا تعد ولا تحصى قوله فقام فحمد الله تعالى واثنى عليه ثم قال ان الشمس والقمر ايتين من ايات الله لا ينكسفان لموت احد ولا لحياته خلافا لما يعتقده المشركون في الجاهلية فاذا انكسف فافزعوا الى ذكر الله اي من الصلاة والتسبيح والتهليل والاستغفار واللجوء الى الله سبحانه وللحديث عن بكائه صلى الله عليه وسلم صلة ونسأل الله سبحانه وتعالى ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله انه تبارك وتعالى سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته