بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فلا يزال الحديث في ذكر ما جاء في بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال اخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنة له تقضي احتضنها فوضعها بين يديه فماتت وهي بين يديه وصاحت ام ايمن فقال اي رسول الله صلى الله عليه وسلم اتبكين عند رسول الله فقالت الست اراك تبكي قال اني لست ابكي انما هي رحمة انما المؤمن بكل خير على كل حال ان نفسه تنزع من بين جنبيه وهو يحمد الله عز وجل. اخرجه احمد قوله اخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنة له تقضي اي في النزع قيل ان هذه الابنة هي ابنة بنته زينب رضي الله عنها من زوجها ابي العاص بن الربيع وكانت وفاتها في السنة التاسعة للهجرة قوله فاحتضنها اي ظمها صلى الله عليه وسلم الى حضنه رحمة منه ورأفة بها قوله وصاحت ام ايمن فقال اي رسول الله صلى الله عليه وسلم اتبكين عند رسول الله فقالت الست اراك تبكي بكاء النبي صلى الله عليه وسلم هو ان عينه تدمع وقلبه يخشى ولا يقول الا ما يرضي الرب فدمع عينه عليه الصلاة والسلام بسبب الرحمة بمن قبضت روحها لذلك قال لها صلى الله عليه وسلم اني لست ابكي انما هي رحمة اي ان هذا الدمع وهذا التأثر رحمة بهذه التي قبضت روحها فليس بكاؤه صلى الله عليه وسلم بكاء اعتراض او تسخط وانما هو بكاء رحمة بهذه التي قبضت روحها فجمع صلى الله عليه وسلم بهذا بين الرضا بقضاء الله فلم يقل الا ما يرضي الله وبين الرحمة بمن قبضت روحها وهذه الحال اكمل من حال من لا تدمع عينه لقوة رضاه وضعف رحمته قوله ان المؤمن بكل خير على كل حال اي ان المؤمن امره كله خير على كل حال فهو على خير في سراءه وعلى خير في ضراءه ففي الاول يفوز بثواب الشاكرين وفي الثانية يفوز بثواب الصابرين قوله ان نفسه تنزع من بين جنبيه وهو يحمد الله عز وجل تجد كثيرا من الصالحين تنزع نفسه وهو يحمد الله عز وجل فلم حمد الله حتى في هذه اللحظة الشديدة وتجده ايضا يعاني امراظا مؤلمة ولسانه رطب بذكر الله وحمده وعن عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل عثمان بن مظعون وهو ميت وهو يبكي او قال عيناه تهراقان. اخرجه الترمذي وابو داوود وابن ماجة وهذا بكاء رحمة والله سبحانه وتعالى يرحم من عباده الرحماء وفي الحديث دلالة على جواز تقبيل الميت وقد قبل ابو بكر الصديق رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم بعدما توفي وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال شهدنا ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله جالس على القبر فرأيت عينيه تدمعان فقال افيكم رجل لم يقارف الليلة قال ابو طلحة انا قال انزل فنزل في قبرها. اخرجه البخاري قوله شهدنا ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم اي شهدنا جنازتها والصلاة عليها ودفنها وهذه الابنة هي ام كلثوم زوجة عثمان ابن عفان رضي الله عنهما ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر اي في الوقت الذي ارادوا ان ينزلوا الجنازة فيه كان جالسا على القبر قوله فرأيت عينيه تدمعان دمع العينين في هذه الحال دمع رحمة كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم فلا يتنافى مع الصبر والرضا لان النبي صلى الله عليه وسلم امام الصابرين وامام الراضين قوله فقال افيكم رجل لم يقارف الليلة قال ابو طلحة انا قال انزل فنزل في قبرها اي هل فيكم من لم يجامع اهله الليلة وفي هذا دليل على ان من جامع اهله ليلة لم يشرع له في صبيحتها ان ينزل ميتة في قبرها بل الذي ينزل في القبر لادراج الميتة فيه هو من لم يقارف ذكر ما جاء في فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الفراش هو ما يبسطه الانسان تحته اذا اراد ان يجلس او ينام وكلما كان اكثر راحة للانسان كان مدعاة لطول النوم وكثرة الخمول والكسل بينما اذا كان على خلاف ذلك فان الانسان ينام عليه حاجته فقط والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له الفرش الوفيرة وانما كان له كساء من الصوف ينام عليه وكان نومه صلى الله عليه وسلم نوم حاجة لاراحة البدن يأوي الى فراشه بقدر ما يحتاج جسمه من الراحة ولا يزيد على ذلك لان له في الحياة مهمة عظيمة فهو رسول رب العالمين وقدوة عباد الله اجمعين وعن عائشة رضي الله عنها قالت انما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينام عليه من ادم حشوه ليث اخرجه البخاري ومسلم قولها انما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم انما هذا من اساليب الحصر فهي تؤكد بهذه الصيغة رضي الله عنها ان فراش النبي صلى الله عليه وسلم كان بهذه الصفة ولم يكن بصفة اخرى قولها الذي ينام عليه في بيان لهذا الفراش وانه المعد لنومه وراحته والفراش الذي ينام عليه الانسان عادة يكون الين شيء عنده قولها من ادم جمع اديم وهو الجلد المدبوغ فكان فراشه صلى الله عليه وسلم من جلد مدبوغ حشوه ليف الليف هو الذي يستخلص من جذوع النخل ذكر ما جاء في تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم التواضع هو لين الجانب وخفض الجناح وطيب المعاملة والبعد عن التعالي على الناس والترفع عليهم وتواضع النبي صلى الله عليه وسلم ظاهر في اخلاقه وفي تعاملاته مع الناس كما يأتي بيانه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تطروني كما اطرت النصارى ابن مريم انما انا عبد فقولوا عبد الله ورسوله. اخرجه البخاري ومسلم قوله لا تطروني كما اطرت النصارى ابن مريم الاطراء هو تجاوز الحد في المدح والثناء والنصارى غلوا في ابن مريم عليه الصلاة والسلام فمنهم من جعله الها ومنهم من جعله ابنا للاله. تعالى الله عما يقول الظالمون المعتدون علوا كبيرا ومع هذا النهي الصريح الواضح الا ان بعض الناس لم يرض لنفسه الا الغلو بل وصل الامر ببعضهم الى ان اظاف الى النبي صلى الله عليه وسلم من الصفات والحقوق ما لا يليق الا بالله وهذا يكثر عند اهل الغلو فتجدهم يهتمون بالمغالاة في مدح النبي عليه الصلاة والسلام والثناء عليه بما لا يمدح به الا الله. ولا يثنى به الا على الله ولا يهتمون بباب الاتباع والاقتداء بالرسول الكريم عليه الصلاة والسلام قوله انما انا عبد تقول عبد الله ورسوله فالواجب علينا ان نرظى باختياره صلى الله عليه وسلم وهذا من تمام حبه عليه الصلاة والسلام ولو تأملنا في هذه الكلمة التي اختارها صلى الله عليه وسلم نجد انها جاءت في مقام الوسط والاعتدال لان فيها الايمان بامرين يتعلقان به عليه الصلاة والسلام وهما العبودية والرسالة وهو صلى الله عليه وسلم اكمل عباد الله عبودية لله وتحقيقا لطاعته وبلغ عليه الصلاة والسلام البلاغ المبين فما ترك خيرا الا دل الامة عليه. ولا شرا الا حذرها منه فهو عبد الله والعبد لا يعبد ولا يعطى شيئا من خصائص الرب ولا من حقوقه مهما ارتفعت مكانته ورسوله والرسول حقه ان يطاع وان يتبع وان يسار على منهاجه وان يقتفى اثره فكلمة عبد الله ورسوله تبعد العبد عن جانبي الغلو والجفاء وتحقق له الوسطية فلا افراط ولا تفريط فالبعد عن الغلو يكون بتحقيق الايمان بانه عبد والبعد عن الجفاء يكون بتحقيق الايمان بانه رسول وعن انس ان امرأة كان في عقلها شيء فقالت يا رسول الله ان لي اليك حاجة فقال يا ام فلان انظري اي السكك شئت حتى اقضي لك حاجتك فخلى معها في بعض الطرق حتى فرغت من حاجتها. رواه مسلم وهذا فيه تواضع النبي عليه الصلاة والسلام لهذه المرأة في سماع حاجتها وترك اختيار المكان لها فلم يقل لها تأتيني في مكان كذا بل اختارت هي المكان واستمع اليها عليه الصلاة والسلام حتى انتهت من ابداء كل ما عندها وكان صلى الله عليه وسلم هديه التواضع للصغير والكبير والمرأة والعبد والخادم مما كان له عظيم الاثر في قبول دعوته عليه الصلاة والسلام والله يقول فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ونسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين انه سميع الدعاء وهو اهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته