بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فلا يزال الحديث عن تواضع النبي صلى الله عليه وسلم عن انس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود المريض ويشهد الجنائز ويركب الحمار ويجيب دعوة العبد وكان يوم بني قريظة على حمار مختوم بحبل من ليف وعليه ايكاف من ليف اخرجه الترمذي وابن ماجه وفي سنده مقال لكن ما ذكر في هذا الحديث من معاني لها شواهدها في سنته صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود المريض اي صغيرا كان او كبيرا مسلما كان او كافرا وعيادة المريض فيها تسلية له وادخال السرور على قلبه ودعوته الى الله وفيها ايضا ثواب عظيم عند الله سبحانه وتعالى ويشهد الجنائز ان يحضرها ويكون معها حتى يفرغ من دفنها ويركب الحمار وكان الحمار يعد في ذلك الوقت اقل وسائل النقل شانا فركوبه صلى الله عليه وسلم الحمار من تواضعه ويجيب دعوة العبد فلو دعاه عبد الى بيت لاجابه وبمثل هذه الاخلاق الفاضلة والاداب الرفيعة كسب القلوب عليه الصلاة والسلام وكان يوم بني قريظة على حمار مختوم بحبل من ليف قصة بني قريظة معروفة حيث انهم نكثوا العهد الذي بينهم وبين النبي عليه الصلاة والسلام وخانوه يوم الاحزاب فلما فرغوا صلى الله عليه وسلم من امر الاحزاب توجه الى بني قريظة وحاصرهم وانتهى الحصار بقتل جميع رجالهم. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ على حمار زمامه من ليف وعليه ايكاف من ليف الايكاف البرذع وهو الذي يوضع على ظهر الحمار ليركب عليه وبمثابة السرج الذي يوضع على ظهر الفرس والرحل الذي وضع على ظهر البعير فركوب النبي عليه الصلاة والسلام على مركوب بهذه الصفة يعد من تواضعه عليه الصلاة والسلام وعن انس رضي الله عنه انه مشى الى النبي صلى الله عليه وسلم بخبز شعير واهانة سلخة ولقد رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعا له بالمدينة عند يهودي واخذ منه شعيرا لاهله. رواه البخاري بهذا دلالة على كمال تواضعه صلى الله عليه وسلم فلو كان الطعام الذي دعي اليه من اقل الطعام وايسره فانه يجيب الى ذلك والاهانة كل دهن يتخذ اداما والسنخة التي حصل لها شيء من التغير في الطعم والرائحة بسبب طول المكث قوله ولقد رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعا له بالمدينة عند يهودي واخذ منه شعيرا لاهله وجاء في رواية عند البخاري ان الدرع كان من حديد وجاء في بعض المصادر ان اليهودي يقال له ابو السهم اشترى منه النبي صلى الله عليه وسلم عشرين صاعا وقيل ثلاثين صاعا من شعير ولم يكن عنده صلى الله عليه وسلم مال يشتري به فجعل درعه رهنا عنده الى ان يحظر له المال فلم يجد صلى الله عليه وسلم ما يفكها حتى مات حتى فكها ابو بكر رضي الله عنه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال حج رسول الله صلى الله عليه وسلم على رحل رث وعليه قطيفة لا تساوي اربعة دراهم فقال اللهم اجعله حجا لا رياء فيه ولا سمعة. اخرجه ابن ماجة قوله حج رسول الله صلى الله عليه وسلم على رحل رث. الرحل هو الذي يوضع على ظهر البعير ليجلس عليه الراكب والرتث هو القديم البالي قوله عليه قطيفة وهي كساء له هدب جعلها فوق الرحل قال لا تساوي اربعة دراهم وهذا من تواضعه عليه الصلاة والسلام فلما اهل صلى الله عليه وسلم من الميقات دعا بهذه الدعوة العظيمة اللهم اجعله حجا لا ري فيه ولا سمعة وهذا فيه سؤال الله التوفيق للاخلاص والله سبحانه اغنى الشركاء عن الشرك فلا يقبل من العمل الا ما كان خالصا لوجهه ومن اشرك مع الله سبحانه غيره تركه وشركه ومن اراد بحجه مدح الناس او ثنائهم لم يقبل حجه فمن رأى رأى الله به ومن سمع سمع الله به. والواجب على العبد ان يجاهد نفسه على البعد عن الرياء والسمعة وعلى تحقيق الاخلاص لله سبحانه وتعالى في عبادته وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال لم يكن شخص احب اليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وكانوا اذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهته لذلك اخرجه الترمذي قوله لم يكن شخص احب اليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا بيان مكانة النبي عليه الصلاة والسلام في قلوب الصحابة رضي الله عنهم فكان احب اليهم من انفسهم واموالهم والناس اجمعين قوله وكانوا اذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهته لذلك وذلك لان محبته صلى الله عليه وسلم تقتضي طاعته ومحبة ما يحب اما مخالفة امره بدعوى محبته فهذه ليست من المحبة في شيء الا ترى اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن شخص احب اليهم منه ويحبون القيام له اذا رأوه ولكن لم يفعلوا ذلك لما يعلمون ان محبوبهم صلى الله عليه وسلم لا يحب ذلك وهذا يعد انضباطا في الحب بخلاف احوال من عندهم حب غير منضبط كيف انهم دخلوا في منزلقات خطيرة وبدع كثيرة يمارسونها بزعم انها من تحقيق المحبة وتمام الوفاء وهي ليست من المحبة ولا من الوفاء في شيء وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو اهدي الي كراع لقبلت ولو دعيت عليه لاجبت. اخرجه الترمذي قوله لو اهدي الي كراع لقبلت الكراع هو ما دون الركبة من الساق فلو ان احدا اهداه للنبي صلى الله عليه وسلم لقبله وهذا من تواضعه عليه الصلاة والسلام وقوله ولو دعيت عليه لاجبت يعني لو دعاني احد الى بيته وكان الطعام الذي سيقدمه كراعا لقبلت ذلك وهذا من كمال تواضعه عليه الصلاة والسلام وعن جابر رضي الله عنه قال جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس براكب بغل ولا بردون اخرجه البخاري ومسلم اي جاءه النبي صلى الله عليه وسلم ماشيا على قدميه جاء الى جابر يعوده لمرض كان به فكان صلى الله عليه وسلم يعود اصحابه ماشيا وراكبا قوله ليس براك من بغل ولا بردون تخصيصه لهذين المركوبين لبيان انه صلى الله عليه وسلم كان اذا اراد زيارة احد لا يطلب احسن مركوب واجمله بل يذهب على ما تيسر والا ذهب ماشيا والبردون قيل انها دابة عظيمة الخلقة تخالف الخيل وقيل هو فرس غير عربي وعنا يحيى ابن ابي الهيثم العطار قال سمعت يوسف ابن عبدالله ابن سلام قال سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوسف واقعدني في حجره ومسح على رأسي اخرجه احمد في المسند قوله سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوسف اي لما ولد جيء به الى النبي صلى الله عليه وسلم قوله واقعدني في حجره ومسح على رأسي والمسح على الرأس فيه ملاطفة ومؤانسة للصغير وهذا كله من تواضع النبي عليه الصلاة والسلام حيث لاطف الصغار ويجلسهم في حجره عليه الصلاة والسلام وعن انس بن مالك رضي الله عنه ان رجلا خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرب منه فريدا عليه دب قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ الدب وكان يحب الدب. اخرجه مسلم قال ثابت فسمعت انسا يقول فما صنع لي طعام اقدروا على ان يصنع فيه دب الا صنع قوله ان رجلا خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا فيه اجابته عليه الصلاة والسلام للداعي ولو كان من اصحاب المهن او اصحاب الصناعات تواضعا منه عليه الصلاة والسلام قول فقرب منه فريدا عليه دبا اي على الثريد الدباء والدباء هو القرع قوله فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ الدب وكان يحب الدب و ما زال انس رضي الله عنه يحب الدب منذ رأى النبي صلى الله عليه وسلم يحبه لذلك قال ثابت فسمعت انسا يقول فما صنع لي طعام اقدر على ان يصنع فيه دب الا صنع وعن عمرة قالت قيل لعائشة ماذا كان يعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته قالت كان بشرا من البشر يفلي ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه. اخرجه البخاري في الادب المفرد سئلت رضي الله عنها عن عمل النبي صلى الله عليه وسلم في بيته فقالت كان بشرا من البشر وهذه مقدمة لما سيأتي. اي انه صلى الله عليه وسلم لم يميز نفسه عن البشر. يفلي ثوبه فلي الثوب هو تفتيش وتفقده فكان صلى الله عليه وسلم يفلي ثوبه اي يتفقده بنفسه ويحلب شاة ان يباشر صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة حلب شاته ويخدم نفسه ان يقوم صلى الله عليه وسلم على خدمة نفسه فاذا احتاج شيئا قام واتى به دون ان يأمر من عنده باحضاره وهذا كله من كمال تواضعه عليه الصلاة والسلام ونسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير انه سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته