بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد ذكر ما جاء في خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلق هو ما يتعلق باداب الانسان الباطنة مثل الصبر والحياء والكرم وما يتعلق بادابه الظاهرة كحسن المعاملة وصدق اللهجة وطلاقة الوجه وغير ذلك والخلق ينقسم الى خلق حسن وخلق سيء الخلق الحسن هو التحلي بالفظائل بالاتصاف بها وملازمتها وحمل النفس على الانضباط بضوابطها والتخلي عن الرذائل بالبعد عنها ومجانبتها والخلق السيء هو ضد ذلك وخلق النبي صلى الله عليه وسلم هو اكمل الخلق واحسنه واطيبه فكان خلقه القرآن فلا تجد في القرآن من خلق وادب ومعاملة طيبة ودعوة لفضيلة ونهي عن رذيلة الا والنبي صلى الله عليه وسلم متصف بذلك اتم الاتصاف واكمله وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم احاديث كثيرة في الحث على مكارم الاخلاق والدعوة اليها وبيان فضلها وعظيم ثوابها عند الله وبيان وصف الاخلاق وحقيقتها وجماعها في اربعة احاديث من حفظها وحققها جمع اصول الاخلاق والاداب الاول ما رواه الشيخان من حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا او ليصمت والثاني ما اخرجه الترمذي من حديث علي ابن الحسين ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه والثالث ما رواه البخاري من حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم اوصني قال لا تغضب فردد مرارا قال لا تغضب والرابع ما رواه الشيخان من حديث انس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يؤمن احدكم حتى حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه قال ابو محمد ابن ابي زيد القيرواني جماع اداب الخير وازمته تتفرع من اربعة احاديث وذكرها وفي الحديث الاول الارشاد الى ظبط اللسان بالتفكر والتدبر فيما سيقوله المرء قبل ان يتكلم فان كان فيه خير نطق به وان كان فيه شر امسك عنه وان اشتبه عليه فلا يدري اخير هو ام شر؟ امسك عنه ومن لم يحسن ضبط لسانه لم يكن من اهل الخلق الحسن وفي الحديث الثاني الارشاد الى ترك الفضول من القول والسماع والنظر ونحو ذلك وفي الحديث الثالث الارشاد الى ظبط النفس وعدم الانسياق مع انفعالاتها ورعونتها وفي الحديث الرابع الارشاد الى سلامة القلب تجاه المسلمين فلا يكون فيه غل ولا حقد ولا حسد ولا غير ذلك من الدواء القلوب عن انس بن مالك رضي الله عنه قال خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي اف قط وما قال لشيء صنعته لم صنعته ولا لشيء تركته لما تركته وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من احسن الناس خلقا ولا مسست خزا ولا حريرا ولا شيئا كان الين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شممت مسكا قط ولا عطرا كان اطيب من عرق النبي صلى الله عليه وسلم اخرجه البخاري ومسلم قوله خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين هذا تمهيد لما سيقوله لان الخدمة عشر سنوات كافية في ان تكشف للخادم بجلاء خلق مخدومه قوله فما قال لي اف قط مع انه لابد ان يحصل تقصير او خطأ ولا سيما مع طول المدة ومع ذلك كله ما قال له النبي صلى الله عليه وسلم اف قط اي ولا مرة واحدة فما اعظم خلقه عليه الصلاة والسلام قوله وما قال لشيء صنعته لما صنعته ولا لشيء تركته لما تركته اي لم يقل لشيء صنعه لما صنعته اي على هذا الوصف ولا لشيء لم يصنعه لما لم تصنعه وهذا فيما يتعلق بالخدمة والاداب لا فيما يتعلق بالتكاليف الشرعية فانه لا يجوز ترك الاعتراظ على المقصر فيها وفيه ايضا مدح لانس فانه لم يرتكب امرا يتوجه اليه من النبي صلى الله عليه وسلم بسببه اعتراض مع طول هذه المدة قوله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من احسن الناس خلقا وهذا اجمال بعد تفصيل فكان صلى الله عليه وسلم من احسن الناس خلقا في اقواله وافعاله وادابه وتعاملاته قوله ولا مسست خزا ولا حريرا ولا شيئا كان الين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم الخز نوع من القماش مكون من حرير وغيره فكانت كفه لينة بل هي الين من الخز والحرير وكل شيء لين مسته يد انس رضي الله عنه قول ولا شممت مسكا قط ولا عطرا كان اطيب من عرق النبي صلى الله عليه وسلم دنا عرقه عليه الصلاة والسلام طيب الرائحة هذا مما اكرمه الله سبحانه وتعالى به وعن عائشة رضي الله عنها قالت لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا في الاسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح. اخرجه الترمذي قولها لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا اي لم يكن الفحش من هديه عليه الصلاة والسلام ولا من خلقي فلم يكن فاحشا في الاقوال ولا متفحشا في الافعال قولها ولا صخابا في الاسواق الصخاب هو الذي يرفع صوته قولها ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح اي اذا اساء اليه احد لا يقابل سيئته بسيئة مماثلة لها مع ان مجازاة السيئة بسيئة مماثلة لها مباح لقوله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها والافضل من هذا والاكمل هو الذي كان يفعله عليه الصلاة والسلام من العفو والصفح لقوله تعالى في تتمة الاية السابقة فمن عفا واصلح فاجره على الله انه لا يحب الظالمين وعن عائشة رضي الله عنها قالت ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده شيئا قط الا ان يجاهد في سبيل الله ولا ضرب خادما ولا امرأة اخرجه مسلم قولها ولا ضرب خادما ولا امرأة هذا تخصيص بعد تعميم. لانه داخل في قولها ما ظرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده شيء قط الا ان يجاهد في سبيل الله فما كان النبي عليه الصلاة والسلام يعالج الاخطاء بالضرب بل لا ربى اصحابه تربية عظيمة بحيث كان لا يواجه احدا بما يكره بل يتغير وجهه فيعرف اصحابه كراهته لذلك من رؤيتهم لوجهه وهي تربية ليس لها نظير وعن عائشة رضي الله عنها قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصرا من مظلمة ظلمها قط ما لم ينتهك من محارم الله شيء فاذا انتهك من محارم الله شيء كان من اشدهم في ذلك غضبا وما خير بين امرين الا اختار ايسرهما ما لم يكن مأثما. متفق عليه قولها ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصرا من مظلمة ظلمها قط اي ما كان يغضب لنفسه او ينتصر لنفسه ما لم ينتهك من محارم الله تعالى شيء فاذا انتهك من محارم الله شيء كان من اشدهم في ذلك غضبا فاذا انتهك شيء من محارم الله غضب عليه الصلاة والسلام غضبا شديدا وما خير بين امرين الا اختار ايسرهما ما لم يكن مأثما اذا خير صلى الله عليه وسلم بين امرين يفعل احدهما ليفعل احدهما فانه صلى الله عليه وسلم يختار الايسر منهما ما لم يكن من الامور التي توقع في الاثم فالامور التي توقع في الاثم كان عليه الصلاة والسلام يتحاشاها ويجانبها عن عائشة رضي الله عنها قالت استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا عنده فقال بئس ابن العشيرة او اخو العشيرة ثم اذن له فالان له القول فلما خرج قلت يا رسول الله قلت ما قلت ثم النت له القول فقال يا عائشة ان من شر الناس من تركه الناس او ودعه الناس اتقاء فحشه. اخرجه البخاري ومسلم قولها استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا عنده قيل ان الرجل هو عيينة بن حصن وقيل هو مخرمة بن نوفل وفقه الحديث لا يترتب عليه معرفة اسمه وهذا الرجل استأذن ليدخل على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته فقال بئس ابن العشيرة او اخو العشيرة المعنى واحد والعشيرة هي القوم والقبيلة وفي هذا تنبيه الى ما عند هذا الرجل من فظاظة ثم اذن له اي اذن له ان يدخل فلما دخل الان له القول اي اخذ صلى الله عليه وسلم يتحدث اليه بكلام لين فلما خرج قلت يا رسول الله قلت ما قلت ثم النت له القول كانها رضي الله عنها تستغرب من حال الرجل التي وصف النبي صلى الله عليه وسلم من شأنه ما وصف ثم الانة القول له ومقابلته بالبشاشة وطلاقة الوجه والترحيب فلما سألته عن ذلك قال يا عائشة ان من شر الناس من تركه الناس او ودعه الناس اتقاء فحشه اي من تركه الناس لما عنده من فحش فمثل هذا اذا قوبل بغير اللين صدرت منه امور عظيمة من كرة فالاولى والاسلم ان يقابل بالحسنى دفعا بالتي هي احسن واتقاء لشره قال النووي رحمه الله وفي هذا الحديث مداراة من يتقى فحشه وجواز غيبة الفاسق المعلن فسقة ومن يحتاج الناس الى التحذير منه ولم يمدحه النبي عليه الصلاة والسلام ولا ذكر انه اثنى عليه في وجهه ولا في قفاه انما تألفه بشيء من الدنيا معالين الكلام واما بئس ابن العشيرة او رجل العشيرة فالمراد بالعشيرة قبلة اي بئس هذا الرجل منها ونسأل الله عز وجل ان يصلح شأننا كله وان يهدينا اليه صراطا مستقيما وان يهدينا لاحسن الاخلاق لا يهدي لاحسنها الا هو وان يصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها الا هو انه سميع قريب مجيب. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته