بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فلا يزال الحديث عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن محمد بن المنكدر قال سمعت جابر بن عبدالله يقول ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط؟ فقال لا متفق عليه قوله ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط فقال لا اي ما قال لا منعا للعطاء لكن قد يقول لا اخبارا عن عدم وجود ما سأله السائل كما في قوله تعالى ولا على الذين اذا ما اتوك لتحملهم قلت لا اجد ما احملكم عليه ليه وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اجود الناس بالخير وكان اجود ما يكون في شهر رمضان حتى ينسلخ فيأتيه جبريل فيعرض عليه القرآن. فاذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اجود بالخير من الريح المرسلة متفق عليه فيه بيان خلق النبي عليه الصلاة والسلام من جهة سخائه وكرمه وبذله وانفاقه فقوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اجود الناس بالخير اي اعظمهم كرما وسخاء وبذلا وانفاقا قد كان عليه الصلاة والسلام يعطي عطاء الملوك فكل ما جاءه انفقه وكان صلى الله عليه وسلم يبيت بعض الليالي طاويا وربما ربط على بطنه الحجر من الجوع فاذا جاءه السائل انفق ما عنده وكان صلى الله عليه وسلم يأتيه المال الكثير فلا يبيت عنده ليلة واحدة. الا وقد فرقه كله فهو صلى الله عليه وسلم اكمل الناس في كل خلق جميل وفي كل عبادة فكان عليه الصلاة والسلام اعبد الناس لله واحسنهم خلقا واكملهم ادبا واعظمهم خشية وتقوى سبحانه قوله وكان اجود ما يكون في شهر رمضان وفي هذا دليل ان لرمضان خصوصية في البذل والعطاء والانفاق كما قال بعض السلف اذا دخل رمضان فانما هو تلاوة القرآن واطعام الطعام قوله فيأتيه جبريل فيعرض عليه القرآن كان جبريل عليه السلام يأتي في رمضان في عرض النبي صلى الله عليه وسلم عليه القرآن. والعرض هو القراءة من الحفظ وهذا يتكرر في كل رمضان وهذا فيه اهمية عرض الحافظ حفظه على غيره لتثبيته ولا سيما في رمظان شهر القرآن قول فاذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اجود بالخير من الريح المرسلة الريح تكون مرسلة بالخير وتكون مرسلة بالعذاب والمراد بالريح هنا اي التي ارسلها الله عز وجل بالخير وهو الغيث فاذا ارسلت به عم الخير فسقية الارظ وروية الزروع والماشية وانتفع الناس وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخر شيئا لغد اخرجه الترمذي اي ما كان صلى الله عليه وسلم يدخر شيئا لنفسه وذلك لسخاء نفسه وثقته بربه الا ان يكون قوتا لاهله وولده فجاء عنه صلى الله عليه وسلم ما يدل على انه كان يدخره فعن عمر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يبيع نخل بني النظير ويحبس لاهله قوت سنتهم. رواه البخاري وعن عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ويثيب عليها. اخرجه البخاري فيه بيان ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ولا يردها وقبوله الهدية نوع من الكرم. وباب من ابواب حسن الخلق قوله ويثيب عليها ان يعطي الذي يهدي له الهدية مثلها او احسن منها والمراد بالثواب المجازاة واقله ما يساوي قيمة الهدية ذكر ما جاء في حياء رسول الله صلى الله عليه وسلم الحياء من اعظم خلال الدين ومن اعظم اوصاف عباد الله المؤمنين ومن اجل شعب الايمان وهو خصلة عظيمة وخلة كريمة تبعث على التحلي بالفظائل والتخلي عن الرذائل والحياة مشتق في اصله من الحياة فكلما عظمت الحياة في القلب عظم الحياء وكلما ظعفت الحياة في القلب والروح ظعف الحياء قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه من قل حياؤه قل ورعه ومن قل ورعه مات قلبه والحياء من افضل الخصال واكمل الخلال واعظمها نفعا واكبرها عائدا وكلما كان العبد متحليا بالحياء كان ذلك دافعا له وسائقا الى فعل الخيرات واجتناب المنكرات فمن كان ذا حياء حجزه حياؤه عن الرذائل ومنعه من التقصير في الحقوق والواجبات واما منزوع الحياء فهو والعياذ بالله لا يبالي اي رذيلة ارتكب واي كبيرة اقترف واي معصية اجترح ففي صحيح البخاري عن ابي مسعود البدري رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان مما ادرك الناس من كلام النبوة الاولى اذا لم تستحي فاصنع ما شئت ومنزوع الحياء لا يبالي في اعماله ولا يتوقف في اموره فهو لا يستحي من ربه وخالقه ومولاه ولا يستحي من عباد الله فمن الناس من قلة حيائه لا يبالي بارتكاب المعصية في اي مكان بل منهم من يشيعها ويشهر نفسه بها ويتحدث بها عن نفسه وكانه يتحدث عن افضل الخصال واطيب الخلال والحياء معدن الاخلاق الفاضلة ومنبع المعاملات الكريمة وهو خير كله كما اخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولا يأتي الا بخير ثبت في الصحيحين عن عمران بن حصين رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الحياء لا يأتي الا بخير وثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل من الانصار وهو يعظ اخاه في الحياء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعه فان الحياء من الايمان وثبت في الصحيحين من حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الايمان بضع وسبعون شعبة اعلاها قول لا اله الا الله وادناها اماطة الاذى عن الطريق والحياء شعبة من شعب الايمان وعن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم اشد حياء من العذراء في خدرها وكان اذا كره شيئا عرفناه في وجهه متفق عليه قوله كان النبي صلى الله عليه وسلم اشد حياء من العذراء في خدرها هذا مثل اراد به ابو سعيد الخضري رضي الله عنه ايضاح كمال حياء النبي صلى الله عليه وسلم والعذراء في خدرها يظرب بها المثل في شدة الحياء وهي البنت الصغيرة التي شارفت على سن الزواج وخدرها هو مكانها في البيت فهي من شدة حيائها لا تكاد تقدر على مقابلة النساء ومخاطبتهن فظلا عن الرجال. وهذه فطرة فيهن قوله وكان اذا كره شيئا عرفناه في وجهه هذا من كمال خلق النبي عليه الصلاة والسلام ان الصحابة رضي الله عنهم تربوا في مجلسه هذه التربية فما كان عليه الصلاة والسلام يحتاج الى زجر او نهر بل كانوا يراقبون وجهه عليه الصلاة والسلام. فان رأوا فيه غضبا او كراهية لذلك الامر علموا انه رأى منكرا فيتنبه مرتكبه وينتهي عنه واعظم الحياء شأنا واعلاه مكانة واولاه بالعناية والاهتمام الحياء من الله خالق الخليقة وموجد البرية. الحياء ممن يراك اينما تكون الم يعلم بان الله يرى ان الله كان عليكم رقيبا والله بما تعملون بصير المطلع سبحانه على سرك وعلانيتك وغيبك وشهادتك الذي لا تخفى عليه منك خافية والحياء من الله خلق كريم وخصلة عظيمة ينشأ عن امور ثلاثة الاول رؤية نعمة الله عليك ومنته وفضله والثاني رؤية تقصيرك في حقي وقيامك بما يجب له عليك سبحانه من امتثال المأمور وترك المحظور والامر الثالث ان تعلم انه تبارك وتعالى مطلع عليك في كل حال وفي اي وقت واينما تكون وهو لا تخفى عليه منك خافية فاذا اجتمعت هذه الامور الثلاثة في القلب تحرك في القلب حياء عظيم من الله ثم عن هذا الحياء ينشأ كل خير وفضيلة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام الحياء لا يأتي الا بخير فاذا وجد في القلب الحياء من الله ان كفت النفس عن الاخلاق الرذيلة والمعاملات السيئة والافعال المحرمة واقبلت على فعل الواجبات والعناية بمكارم الاخلاق وعظيم الاداء ابو جميلها والحياء من الله هو حقيقة تقوم في قلب العبد فتبعث فيه فعل الخيرات واجتناب المنكرات ومراقبة رب الارض والسماوات في كل الاحايين وجميع الاوقات ولنتأمل هذا الحديث العظيم الذي يجلي لنا هذه الحقيقة روى الامام الترمذي في جامعه عن ابي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود الهدلي رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال استحيوا من الله حق الحياء قال قلنا يا رسول الله انا نستحي والحمد لله قال ليس ذاك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء ان تحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى ولتذكر الموت والبلى. ومن اراد الاخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء ان تحفظ الرأس وما وعى. الرأس فيه السمع والبصر واللسان وفيه الشم وفيه جل حواس العبد وحفظه وما وعى يشمل حفظ السمع فلا يسمع به ما يسخط الله حياء من الله ويشمل حفظ البصر فلا ينظر فيه الى ما يغضب الله حياء من الله وحفظ اللسان فلا يتكلم به فيما يسخط الله حياء من الله والبطن وما حوى من اعظم ما حواه البطن القلب. فالقلب اعظم ما ينبغي ان يتحقق فيه الحياة من الله بل هو موطن الحياء ومنبعه اساسه واذا تحقق في القلب الحياء من الله صلحت الجوارح كلها كما قال النبي عليه الصلاة والسلام الا ان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله الا وهي القلب ومن تحقيق الحياة من الله الا ينشغل العبد بفتن الدنيا ومغرياتها وملهياتها بل يتذكر انه سيلقى الله وانه سيغادر هذه الحياة وانه سيددرج يوما من الايام في قبره وحيدا ليس معه الا عمله الصالح قال ولتذكر الموت والبلا اذا تذكر المرء انه سيموت ويبلى وانه سيقف امام الله وان الله يسأله عن ما قدم في هذه الحياة فهذه الامور كلها روافد عظيمة ودوافع قوية يحقق في قلبي المرء الحياء ويعين ايضا على تحقيق الحياء ان يكون نصب عيني العبد. الدار الاخرة. وما اعد الله تبارك وتعالى فيها من نعيم او عذاب قال ومن اراد الاخرة ترك زينة الدنيا فيكون مريدا باعماله وجه الله جل وعلا والدار الاخرة فيتحرك فيه الاعمال الصالحات فيكون مريدا باعماله وجه الله والدار الاخرة فتقبل نفسه على الاعمال الصالحات والطاعات الزاكيات والاخلاق الفاضلات ونسأل الله سبحانه ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله انه سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته