بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد ذكر ما جاء في ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم اي ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم من الدنيا وما تركه النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك الانبياء السابقون عليهم الصلاة والسلام فهو صدقة فانهم لم يورثوا درهما ولا دينارا وانما ورثوا العلم عن عمرو بن الحارث اخي جبيرية له صحبة قال ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الا سلاحه وبغلته وارضا جعلها صدقة. اخرجه البخاري فيه ان ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم انما هو شيء يسير يعد على اصابع اليد وجعله صلى الله عليه وسلم صدقة قال الحافظ ابن كثير رحمه الله فان الدنيا بحذافيرها كانت احقر عنده كما هي عند الله. من ان يسعى لها او يتركها بعده ميراث صلوات الله وسلامه عليه وعلى اخوانه من النبيين والمرسلين وسلم تسليما كثيرا دائما الى يوم الدين ان انتهى كلامه رحمه الله وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال جاءت فاطمة رضي الله عنها الى ابي بكر رضي الله عنه فقالت من يرثك فقال اهلي وولدي. فقالت ما لي لا ارث ابي فقال ابو بكر رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا نورث ولكني اعول من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوله وانفقوا على من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق عليه. اخرجه الترمذي في هذا الحديث ان فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت الى ابي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي امر المسلمين من بعد وفاته تطلب نصيبها من ميراث والدها ولعله لم يبلغها ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا نورث فقال التمهيدا لحاجتها ولطلبها من يرثك اي اذا مت فمن الذي يرثك فقال اهلي وولدي اي اذا مت يرثني اهلي وولدي فقالت مالي لا ارث ابي اذا كنت يرثك اهلك وولدك فلماذا لا يكون لي ميراث ونصيب من والدي فقال ابو بكر رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا نورث فلذلك لم يقسم رضي الله عنه ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم بين اقربائه وازواجه فلما سمعت رضي الله عنها الحديث من ابي بكر لم تتجاوزه وهذا مما يؤكد انها لم تسمع به من قبل والا لما جاءت تطلبه رضي الله عنه قوله ولكني اعول من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوله وانفق على من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق عليه يعني انه لن يقطع عنها النفقة. بل سينفق على كل من كان ينفق عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لانه قام مقامه في مصالح المسلمين وحاجاتهم وعن ابي البختري ان العباس وعليا جاء الى عمر يختصمان يقول كل واحد منهما لصاحبه انت كذا انت كذا فقال عمر لطلحة والزبير وعبد الرحمن ابن عوف وسعد انشدكم بالله اسمعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل ما لي نبي صدقة الا ما اطعمه انا لا نورث وفي الحديث قصة قوله ان العباس وعليا جاء الى عمر يختصمان العباس هو عم النبي صلى الله عليه وسلم وعلي هو ابن عمه. جاء الى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يختصمان عنده. لانه قام بما قام به ابو بكر رضي الله عنه من نفقة على اقارب النبي صلى الله عليه وسلم من ارضه التي تركها صدقة ثم انه رأى بعد ذلك ان يجعل النظارة على الارض مقسومة بين العباس وعليا رضي الله عنهما فحصل بينهما شيء من الخلاف في ذلك فاختصما الى عمر ابن الخطاب الخليفة رضي الله عنه يقول كل واحد منهما لصاحبه انت كذا انت كذا اي كل واحد منهما يذكر الشيء الذي حصل بينهما حول الارض وكأنهما يرغبان ان تقسم واذا قسمت كانت اشبه ما تكون بالميراث فنبههما عمر رضي الله عنه الى اصل الامر وهو ان الانبياء لا يورثون ولهذا قال مستشهدا بمن عنده. فقال عمر لطلحة والزبير وعبد الرحمن ابن عوف وسعد وهؤلاء من اكابر الصحابة بل كلهم من العشرة المبشرين بالجنة انشدكم بالله اي اسألكم بالله اسمعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل ما لنبي صدقة الا ما اطعمه انا لنورث فشهدوا بذلك وانهم سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك وعن عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركنا فهو صدقة متفق عليه قالت هذا عائشة رضي الله عنها مع انها من ورثة النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يورث وهذا دليل على انصافها وصدقها ونصحها رضي الله عنها وعن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يقسم ورثة دينارا ولا درهما ما تركته بعد نفقة نسائي ومؤنتي عاملي فهو صدقة متفق عليه هذا بمعنى الاحاديث المتقدمة فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يورث فلا يقسم لورثتي لا دينار ولا درهم. بل ما تركه صلى الله عليه وسلم يؤخذ منه نفقة لنسائه واخرى لعامله قيل المراد بالعامل اي الذي يلي امر المسلمين بعده وقيل المراد به خادمه. وقيل المراد به العامل على الصدقة. وقيل المراد به العامل على نخل الارض. وقيل غير ذلك ورجح الحافظ ابن حجر رحمه الله القول الاول وقال هو المعتمد وعن مالك بن اوس بن الحدثان قال دخلت على عمر فدخل عليه عبدالرحمن بن عوف وطلحة وسعد وجاء علي والعباس يختصمان فقال لهم عمر انشدكم بالذي باذنه تقوم السماء والارض اتعلمون ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركناه صدقة فقالوا اللهم نعم. وفي الحديث قصة طويلة. اخرجه البخاري ومسلم تقدم بيان ان عمر جعل للعباس وعليا رضي الله عنهما النظارة على ما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ارض ليتوليا النفقة منها على قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ابو بكر رضي الله عنه تولاها بنفسه. وكذلك عمر في اول ولايته ثم وكلها الى العباس وعلي رضي الله عنهما فحصل بينهما شيء من الخصومة في ذلك فارادا من عمر ان يقسمها حتى يتولى كل منهما قسما فامتنع من ذلك عمر رظي الله عنه واستدل بالحديث قوله وفي الحديث قصة طويلة هي مذكورة في الصحيحين. قال الامام البخاري رحمه الله حدثنا ابو اليمان اخبرنا انا شعيب عن الزهري قال اخبرني ما لك بن اوس بن الحدثان النصري ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه دعاه اذ جاءه حاجبه يرفع فقال هل لك في عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد يستأذنون؟ فقال نعم فادخلهم فلبث قليلا ثم جاء فقال هل لك في عباس وعلي يستأذنان؟ قال نعم. فلما دخل قال عباس يا امير المؤمنين اقض بيني وبين هذا وهما يختصمان في الذي افاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من بني النظير فاستب علي وعباس فقال الرهط يا امير المؤمنين اقضي بينهما وارح احدهما من الاخر فقال عمر التئدوا انشدكم بالله الذي باذنه تقوم السماء والارض هل تعلمون ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركنا صدقة يريد بذلك نفسه قالوا قد قال ذلك فاقبل عمر على عباس وعلي فقال انشدكما بالله هل تعلمان ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك؟ قال نعم قال فاني احدثكم عن هذا الامر ان الله سبحانه كان خص رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الفيء بشيء لم يعطه احدا غيره فقال جل ذكره ما افاء الله على رسوله منهم فما اوجفتم عليه من خيل ولا ركاب الى قوله قدير فكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم والله ما احتاجها دونكم ولا استأثرها عليكم لقد اعطاكموها وقسمها فيكم حتى بقي هذا المال منها فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على اهله نفقة سنتهم من هذا المال ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل ما لله فعمل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حياته ثم توفي النبي صلى الله عليه وسلم فقال ابو بكر فانا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضه ابو بكر بكر فعمل فيه بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتم حينئذ فاقبل على علي وعباس وقال تذكران ان ابا بكر فيه كما تقولان والله يعلم انه فيه لصادق بار راشد تابع للحق ثم توفى الله ابا بكر فقلت انا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وابي بكر فقبضته سنتين من امارتي. اعمل فيه بما عمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر والله يعلم اني فيه صادق بار راشد تابع للحق ثم جئتماني كلاكما وكلمتكما واحدة وامركما جميع فجئتني يعني عباسا فقلت لكما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث. ما تركنا صدقة فلما بدا لي ان ادفعه اليكما قلت ان شئتما دفعته اليكما على ان عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيه بما عمل فيه طول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر وما عملت فيه منذ وليت والا فلا تكلماني فقلتما ادفعه الينا بذلك فدفعته اليكما. افتلتمسان مني قضاء غير ذلك والله الذي باذنه تقوم السماء والارض لا اقضي فيه بقضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة فان عجزتما عنه فادفعا الي فانا اكفيكماه وعن عائشة رضي الله عنها قالت ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا قال واشك في العبد والامة. رواه احمد فيه بيان ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك شيئا من الدنيا يذكر. وهو بمعنى الاحاديث السابقة والدنيا كانت عنده احق قرن من ان يعمل على جمعها او ان يتركها ميراثا وانما كان همه ونصبه نشر دين الله وابلاغ وحيه سبحانه وتعالى فورث العلم فمن اخذ بالعلم اخذ بحظ وافر ومن لطيف وجميل ما يروى في هذا الباب ما جاء عن ابي هريرة رضي الله عنه انه مر بسوق المدينة فوقف عليه. فقال يا اهل السوق ما اعجزكم؟ قالوا وما ذاك؟ يا ابا هريرة قال ذاك ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم وانتم ها هنا لا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه قالوا واين هو؟ قال في المسجد فخرجوا سراعا الى المسجد ووقف ابو هريرة لهم حتى رجعوا فقال لهم ما لكم؟ قالوا يا ابا هريرة فقد اتينا المسجد فدخلنا فلم نرى فيه شيئا يقسم فقال لهم ابو هريرة اما رأيتم في المسجد احدا؟ قالوا بلى رأينا قوما يصلون وقوما يقرأون القرآن وقوما يتذاكرون الحلال والحرام فقال لهم ابو هريرة ويحكم. فذاك ميراث محمد صلى الله عليه وسلم رواه الطبراني في المعجم الكبير. ونسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته