بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فبعد هذه الجولة النافعة والوقفات المفيدة مع شمائل خير الورى وسيرة سيد الاولين والاخرين اكمل عباد الله عبادة وازكاهم سيرة وارفعهم خلقا واطيبهم نفسا واحسنهم معاملة واعظمهم معرفة بالله وتحقيقا لعبوديته لا شك ان الشوق يعظم الى الظفر برؤية صاحب هذه الشمائل المخصوص باجمل الصفات في هيئته البهية وطلعته الجميلة ومحياه المشرق وصفاته العالية الرفيعة صلوات الله وسلامه عليه وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث ابي هريرة رضي الله عنه انه صلى الله عليه وسلم قال من اشد امتي لي حبا ناس يكونون بعدي يود احدهم لو رآني باهله وماله ان يقدم اهله وماله في سبيل ان يرى النبي عليه الصلاة والسلام لشدة شوقه وعظيم رغبته وحرصه على ذلك ولا شك ان المسلم ينبغي ان تقوم هذه الرغبة في قلبه وان يقوم في قلبه هذا الشوق لرؤيته وللاجتماع به عليه الصلاة والسلام في جنات النعيم ولا يكون هذا مجرد اماني او خوضا باطلا في هذا الباب كبعض اهل الطرائق الباطلة الذين يدعون دعاوى زائفة لا اصل لها ولا اساس تجرهم الى ركام من الخرافات والبدع والضلالات بل الواجب ان يكون هذا الشوق دافعا للمرء الى التأسي به صلى الله عليه وسلم والاتباع لنهجه وسلوك طريقه عليه الصلاة والسلام وكثرة ذكره صلى الله عليه وسلم وقراءة احاديثه عليه الصلاة والسلام ولهذا لما قال له احد الصحابة يا رسول الله اسألك مرافقتك في الجنة قال فاعني على نفسك بكثرة السجود. رواه مسلم اي عليك بطاعة الله ولزوم عبادته فالامر ليس مجرد اماني وليس الايمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن الايمان ما وقر في القلب وصدقته الاعمال قال الامام ابن القيم رحمه الله في كتابه جلاء الافهام قال العبد كلما اكثر من ذكر المحبوب واستحضاره في قلبه واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه تضاعف حبه وتزايد شوقه اليه واستولى على جميع قلبه واذا اعرض عن ذكره واحضار محاسنه بقلبه نقص حبه من قلبه ولا شيء اقروا لعين المحب من رؤية محبوبه ولا اقر لقلبه من ذكره واحضار محاسنه فاذا قوي هذا في قلبه جرى لسانه بمدحه والثناء عليه وذكر محاسنه وتكون زيادة ذلك ونقصانه بحسب زيادة الحب ونقصانه في قلبه. انتهى وذكر النبي عليه الصلاة والسلام يكون بذكر مناقبه وشمائله الكريمة وصفاته الحميدة واخلاقه وادابه وهديه وسنتي وسيرته لتزداد القلوب محبة له وليزداد العبد حرصا على اتباعه والسير على منهاجه وعلى العبد في هذا الباب وغيره ان يحرص على الاخذ بالاحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وان يلزم نهج الصحابة الكرام رضي الله عنهم. اهل الاعتدال والقوام والوسطية والخيرية ويتلقى منهم ما وصفوا به النبي عليه الصلاة والسلام ولا يتجاوزه لا بغلو ولا بجفاء ولا بافراط ولا بتفريط بل يكون في هذا الباب قواما عدلا وسطا وهذا باب خطير للغاية والحذر من الزلل في هذا الباب يجب ان يكون من جهتين الاولى جهة التفريط فلا يجفو الانسان في حق النبي عليه الصلاة والسلام والجفاء كله مذموم ولهذا الجفاء صور عديدة ومظاهر متنوعة فمن مظاهر الجفاوة صوره ضعف محبته صلى الله عليه وسلم في القلوب وتقديم محبة دنيا زائفة واهواء زائلة وملذات فانية على محبته عليه الصلاة والسلام وقد قال صلى الله عليه وسلم فوالذي نفسي بيده لا يؤمن احدكم حتى اكون احب اليه من والده وولده. متفق عليه وجاء في صحيح البخاري حتى اكون احب اليك من نفسك ولمعرفة هذا الضعف يمتحن المرء نفسه في ضوء قول الله سبحانه قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ومن مظاهر الجفاء الاعراض عن سنته الغراء ومحجته البيضاء وهديه القويم عليه الصلاة والسلام والانصراف عن ذلك بانشغال باراء باطلة واهواء فاسدة ونحو ذلك من امور انصرفت الناس عن سنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وهديه القويم ومن مظاهر الجفاء عدم تعظيم احاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذكر احاديث المنيفة وكلماته الشريفة في بعض المجالس فلا يكون لها هيبة ولا يرفع لها رأس ولا تعرف لها مكانة بل انها تمر كاحاديث غيره بل ويعترض عليها بلما ولكن وكيف ونحو ذلك من الاعتراضات فاين التعظيم لهذا الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام واين المعرفة بقدره صلى الله عليه وسلم؟ اذا كان حديثه صلى الله عليه وسلم يكون شأنه عند الناس كاحاديث غيره صلوات الله وسلامه عليه وقد قال الله تعالى وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى ومن صور الجفاء الانصراف عن قراءة سيرته المباركة واخباره الشريفة المجيدة صلى الله عليه وسلم فان سيرته هي ازكى سيرة على الاطلاق لافضل واكمل العباد سريرا. انها سيرة سيد ولد ادم صلى الله عليه وسلم فترى في الناس من هو معرض عن هذه السيرة المجيدة العطرة منشغل بقراءة سير تافهين لا قيمة لهم ولا وزن في عز الامة ورقيها بل وفي قراءة سير اقوام لا خلاق لهم عند الله فتمضى اوقات وتزهق ساعات في قراءة سير لا قيمة لها. مع غفلة تامة واعراض شديد عن سيرة سيد ولد ادم عليه الصلاة والسلام فلا شك ان هذا من الجفاء في حقه وعدم المعرفة بقدره ومكانته صلوات الله وسلامه عليه ومن مظاهر الجفاء الشنيعة الاقبال على البدع المحدثة والاهواء المخترعة وتعظيمها والذب عنها والاستدلال لها في مقابل اعراض عما جاء عن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وقد صح الحديث عنه صلى الله عليه وسلم انه قال فمن رغب عن سنتي فليس مني متفق عليه وقال صلى الله عليه وسلم من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد. رواه مسلم وكان اذا خطب الناس يوم الجمعة يقول صلوات الله وسلامه عليه اما بعد فان خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الامور محدثاتها وكل بدعة ضلالة. اخرجه مسلم ومن صور الجفاء في حق النبي الكريم عليه الصلاة والسلام عدم العناية بالصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم ولا سيما عند ذكره عليه الصلاة والسلام وقد صح الحديث عنه صلى الله عليه وسلم في مسند الامام احمد وغيره انه عليه الصلاة والسلام قال البخيل من ذكرت عنده فلم يصلي علي. اللهم صل على محمد وعلى ال محمد كما صليت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى ال محمد كما باركت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انك حميد مجيد وكفى في هذا الباب قول ربنا جل شأنه ان الله وملائكته يصلون على النبي. يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما صلوات الله وسلامه عليه ومن صور الجفاف حق نبينا عليه الصلاة والسلام انتقاص مقام اصحابه الكرام وتابعيهم باحسان وائمة الحق والهدى من حملة في السنة وانصار دين الله فان الانتقاص لاقدار هؤلاء من الجفاء في حق النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ونسأل الله عز وجل ان يعمر قلوبنا اجمعين بمحبة نبينا عليه الصلاة والسلام وبمعرفة قدره العظيم ومقامه الشريف ومكانته المنيفة. صلى الله عليه وسلم وان يعيذنا اجمعين من مظاهر الجفاء وصوره العديدة والثانية جهة الافراط فلا يغلو ايضا في حقه عليه الصلاة والسلام بان يضيف اليه من خصائص الرب او اوصافه او حقوقه جل وعلا فان هذا كله لا يرضاه صلوات الله وسلامه عليه. والغلو والاطراء كله مذموم نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في احاديث كثيرة قال صلى الله عليه وسلم لا تطروني كما اطرت النصارى ابن مريم فانما انا عبده فقولوا عبد الله ورسوله وقال عليه الصلاة والسلام اياكم والغلو في الدين فانه اهلك من كان قبلكم الغلو في الدين. رواه البخاري ولما سمع قوما يقولون انت سيدنا وابن سيدنا قال لا يستجرينكم الشيطان. اخرجه ابو داوود ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يسد الذرائع ويحمي حمى هذا الدين ويحوط جنابة. وكان اذا سمع اطراء له او اوزن للحد في الثناء عليه ينهى عن ذلك لما سمع رجلا يقول ما شاء الله وشئت غضب وقال بل ما شاء الله وحده وسمع امرأة تقول وفينا نبي يعلم ما في غد فغضب وقال ما يعلم ما في غد الا الله رواه البخاري فيطرؤه عليه الصلاة والسلام والغلو في مدحي امر منهي عنه بل ان الخائض فيه يرد عليه عمله هذا ويبوء باثم المخالفة لان باب الثناء والمدح قد يأتي فيه الانسان بمدائح صحيحة واذا زاد في الامر ربما استجراه الشيطان الى ان يأتي بمدائح فيها غلو ومجاوزة للحد وقد يكون الدافع الى ذلك الحب وارادة الخير ولكن ليس كل من اراد الخير ادركه وليس كل من بنى عمله على الحب يصيب القوام والسداد ما لم يزم هذا الحب بزمام الشرع والحق ان من انار الله بصيرته وسدد رأيه ووفقه لاصابة السنة والهدي القوام يكون في هذا الباب عدلا وسطا وخيار الامور اوساطها لا تفريطها ولا افراطها. فلا يجفو في حقه عليه الصلاة والسلام فهو اكرم عباد الله وافضلهم وهو سيد ولد ادم عليه الصلاة والسلام وقدوتهم وحقه على الامة حق عظيم. ولا يغلو ايضا فيه فان الغلو مسلك خطير وسبيل مهلكه واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته