بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. واشهد ان محمدا ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين. اما بعد معاشر الاحبة الكرام تأتي في صدارة الاخلاق ومقدمها بر الوالدين لانهما احق الناس بالادب وبحسن المعاملة وكريم الاخلاق والاداب. كيف لا وقد قرن الله حقه بحقه في اكثر من اية من كتابه عز وجل. قال الله تعالى وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا. وقال تعالى قل تعالوا اتلوا ما حرم ربكم عليكم الا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا. وقال تعالى واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا. وقال تعالى ان اشكر لي والديك الي المصير والايات في هذا المعنى كثيرة. ولذا صدر الامام البخاري ماهو الله كتابه الادب المفرد بابواب عديدة في بر الوالدين. في لفتة عظيمة منه رحمه الله الى ان الوالدين هما احق الناس بالادب وحسن المعاملة وكريم الاخلاق والاداب. وكانه رحمه الله او يقول يا من تقرأ اداب الشريعة العظيمة واخلاق الاسلام الفاضلة. اعلم ان احق الناس بهذه الاداب واولاهم بهذه الاخلاق هما الوالدان. لانهما احق الناس بحسن الصحبة. واولى الناس بالتعامل الادب الكريم والخلق الفاضل. والمسلم مطلوب منه ان يعامل جميع عباد الله بذلك. لكن الوالدان احق واولى. عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم اي العمل احب الى الله عز وجل؟ قال الصلاة على وقتها. قلت ثم اي؟ قال ثم بر الوالدين. قل ثم اي قال ثم الجهاد في سبيل الله. قال حدثني بهن ولو استزدته لزادني متفق عليه هذا فيه حرص الصحابة رضي الله عنهم على معرفة تفاضل الاعمال والمقدم منها. وحرصهم على معرفة ما تنال به محبة الله عز وجل. واي العمل احب اليه؟ وهو نابع عن شدة رغبتهم في الخير ومعرفة الاحب والافضل ليفعلوه ولينالوا بذلك محبة الله لهم. وقد كان من دعاء نبينا صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه واسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني الى حبك ويدل الحديث على ان شعب الايمان وخصال الدين متفاوتة في الافضلية. وليست على رتبة واحدة كما قال صلى الله عليه وسلم الايمان بضع وسبعون او بضع وستون شعبة فافضلها قول لا اله الا وادناها اماطة الاذى عن الطريق والحياء شعبة من الايمان. فالايمان ذو شعب منها ما هو الا ومنها ما هو ادنى والشعب الاعلى احب الى الله عز وجل من الشعب الادنى. وكلها حبيبة الى الله عز وجل. وقد قرن النبي صلى الله عليه وسلم في صدر الاعمال الاحب الى الله بين الصلاة التي هي حق الله على عبادة وبر الوالدين نظير الايات التي سبقت الاشارة اليها والتي قرن الله عز وجل فيها حق الوالدين بحكة وقد قدم حق الوالدين على الجهاد. وهذا فيه تنبيه الى اشتراط رظاهما واذنهما في الجهاد كما قال صلى الله عليه وسلم لك ابوان؟ قال نعم. قال ففيهما فجاهد. فحق الوالدين حق عظيم وبر امر متأكد. والبر كلمة جامعة تتناول جميع صنوف الاحسان وكريم المعاملة وطيب الاخلاق وان يحسن اليهما بالمعاملة وبالقول وباستعمال الادب والخلق وبالطاعة وبالبعد عن العقوق وعن عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رضا الرب في رضا الوالدين وسخط الرب في سخط الوالد رواه الترمذي. هذا الحديث نظير الحديث الذي قبله. ففيه الجمع بين لله سبحانه وحق الوالدين. وان رضا الله تبارك وتعالى في رضا الوالدين. وسخطه تبارك وتعالى في سخط والدين بمعنى ان من ارضى والديه فقد ارضى الله. ومن اسخطهما فقد اسخط الله. فالوالد يطلب رضاه ويبتعد عن سخطه ولا يعني هذا ان يطاع اذا امر بالمعصية. فالله جل وعلا يقول وان هداك على ان تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا لكن مع هذه الحال المسلم مطلوب منه ان يحصل رضا والديه بمصاحبتهما بالمعروف بالاخلاق الفاضلة والاحسان والكلام الجميل مع الامتناع عن فعل المعصية التي يدعوانه اليها وعم بهزي ابن حكيم عن ابيه عن جده رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله من ابر؟ قال امك قلت من ابر؟ قال امك. قلت من ابر؟ قال امك. قلت من ابر؟ قال اباك ثم الاقرب فالاقرب رواه ابو داوود. في هذا الحديث ترغيب في بر الام وحث عليه وبيان للحق الخاص الذي جعله الله تبارك وتعالى للامة زيدا على الاب. حيث جعل للام ثلاثة امثال ما للاب من البر وهذا يدل على ان للام مزيد خصوصية في البر واحقية به. لان المعاناة والمكابدة والجهد الذي حصل للام في وجود الولد لم يحصل للاب ولا لغيره مثله. فهذا الصحابي رضي الله عنه سأل عن الاحقية والاولوية في البر. فقال من ابر؟ اي من اولى الناس واحقهم ببري واحساني مراعاة الاولوية في الاعمال باب شريف من العلم. اذا لم يوفق اليه العبد فربما ينشغل في بامور اقل ويدع امورا عظاما مهمة اجل مما هو منشغل به. وقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام بر الام ثلاث مرات. والصحابي يعيد السؤال. من ابر؟ طلبا لمعرفة المزيد ممن لهم الاولوية في البر وفي كل ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم امك. ثم قال في المرة الرابعة اباك. وفي بهذا التأكيد على عظم مقام الام واحقيتها بالبر. ولهذا فالايات التي فيها الوصية بالوالدين يذكر فيها كلها معاناة الام ولا تذكر معاناة الاب. لان المعاناة التي حصلت للام في في وجود الولد لم يكن مثلها ولا قريب منها للاب. كقوله سبحانه وتعالى ووصينا الانسان بوالديه فيه احسانا حملته امه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا وقوله سبحانه ووصينا الانسان بوالديه حملته امه وهنا على وهن وفصاله في عامين. ولو تأمل مل المرء في الايتين السابقتين لرأى فيهما تنبيها لهذا المعنى. لان الام حصل لها ثلاثة امور عظيمة لم تحصل للاب. الامر الاول الحمل وثقله. والامر الثاني الوضع وشدته. والامر الثالث فظاعة ومعاناتها. فهذه الامور الكبيرة العظيمة الثلاثة قد حصلت للام دون الاب. ولهذا كان لها ثلاث امثال ما للاب من البر كما هو واضح في هذا الحديث وفي احاديث اخرى عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم. ثم في الايتين تنبيه مهم للغاية يعين على تحقيق البر. الا وهو تذكر الجميل السابق والمعروف المتواصل الذي كان من الوالدين ومن الوالدة على الوجه الاخص. فتذكر ذلك يعين على البر والغفلة عن ذلك واهماله يفضي الى العقوق. فتذكر هذه المصاعب والشدائد التي حصلت للام يعين المرء على تحقيق برها. بينما اذا غفل الانسان عن هذه المعاني وانشغل عنها ضعف فيه جانب البر وقرب من العقوق شيئا فشيئا. وفي الناس من قد يحسن مع رفقاء وزملائه واقرانه ومن يتعامل معهم فيخاطبهم بالادب والتلطف في الحديث لكنه لا يحسن شيئا من ذلك مع والدته مع انها هي الاحق بل يوجد من يعق والديه وهما احق بحسن المعاملة ويكون مع عقوقه لوالديه معاملا للاخرين بالمعاملة الطيبة والادب الفاضل. وقوله ثم الاقرب فالاقرب فيه التنبيه على مراعاة حق قرابة الادنى فالادنى والاقرب فالاقرب. واذا كانت الام احق بالبر من الاب ففي جانب ايضا يقول النبي صلى الله عليه وسلم الخالة بمنزلة الام. رواه البخاري. فلها احقية خاصة ومن عجيب هذا الامر ان الخالة تجد في نفسها من الاهتمام والمتابعة والسؤال عن ابناء اختها شيئا كبيرا تبادلها التعاون على التربية والاصلاح وتحس انه ولدها. ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم الخالة ام. رواه ابو داوود. فلها احقية بالبر والصلة والاحسان خاصة وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال اتى رجل نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال ما تأمرني؟ فقال بر امك ثم اعاد فقال بر امك ثم اعاد فقال بر امك ثم اعاد فقال بر امك ثم اعاد الرابعة فقال بر اباك. هذا نظير حديث باهز ابن حكيم عن ابيه عن جده الذي فيه ذكر بر الام ثلاث مرات ثم ذكر في المرة الرابعة بر الاب وهما يدلان على ان الاب مقدم على غيره في البر وحسن الصحابة وان منزلته في البر تلي منزلة الوالدة. وعن عطاء ابن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما انه اتاه رجل فقال اني امرأة فابت ان تنكحني وخطبها غيري فاحبت ان تنكحه. فغرت عليها فقتلتها. فهل لي من توبة؟ قال امك حية؟ قال قال تب الى الله عز وجل وتقرب اليه ما استطعت. فذهبت فسألت ابن عباس لم سألته من حياة امه فقال اني لا اعلم عملا اقرب الى الله عز وجل من بر الوالدة. رواه البخاري في ادب المفرد. هذا الاثر العظيم فيه بيان احقية الام بالبر والاحسان. وعظم هذا الامر اهميتي وجلالة قدره وما يترتب عليه من تكفير السيئات ومغفرة الذنوب. ونيل رضا الرب تبارك وتعالى فهذا رجل اتى ابن عباس رضي الله عنهما فقال اني خطبت امرأة فابت ان تنكحني اي لم تقبل به لها وخطبها غيري فاحبت ان تنكحه اي قبلت ورضيت به زوجا لها. قال فغرت عليها تنتهى وهذا معاشر الكرام يدل على خطورة الغيرة اذا لم تكن منضبطة بضابط الشرع ومقيدة بقيود الكتاب والسنة. فانها اذا كانت هكذا مطلقة على عواهنها فانها تفعل بالمرء الافاعيل فتارة تدخله في الظنون والشكوك والاوهام الكاذبة والخاطئة وتخوين الاهل وتارة وتنتصر به الى القتل بغير حق كما هو الحال هنا. وقد تصل به الى امور اخرى خطيرة. فالغيرة لا بد ان بضوابط الشريعة ولا تترك هكذا غير منضبطة. قوله فهل لي من توبة؟ فيه دلالة على ان على المرء مهما كان ذنبه الا ييأس من رحمة الله وان عليه المبادرة الى سؤال اهل العلم والله يقول فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون. لان من وقع في الذنب وثقلت عليه خطيئته واراد الخلاص منها قبل ان يلقى الله تبارك وتعالى بها وسأل غير اهل العلم ورطوه. وربما قنطوه فعليه الا يسأل الا اه اهل العلم فهذا الرجل قد وفق في سؤال حبر الامة ابن عباس رضي الله عنهما. وكلنا يذكر قصة الرجل الذي تسعة وتسعين نفسا ثم جعل يسأل هل له من توبة؟ فاتى راهبا ليس بعالم ولا فقيه فسأل فقال ليس لك توبة فقتله وكمل به المئة. ثم سأل عن اعلم اهل الارض فدل على رجل عالم قال انه قتل مئة نفس فهل له من توبة؟ فقال نعم ومن يحول بينه وبين التوبة. انطلق الى ارض وكذا فان بها اناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم. ولا ترجع الى ارضك فانها ارض سوء بصره ونصحه ودله الى طريق التوبة ولم يقنطه. فماذا كان؟ انطلق ذلك الرجل الى تلك الارض التي اوصاه بها ذلك العالم تائبا الى الله عز وجل. حتى اذا نصف الطريق اتاه الموت. فاختصر طمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه الى الله. وقالت ملائكة العذاب انه لم يعمل خيرا قط. فاتاهم ملك في صورة ادم فجعلوه بينهم فقال قيسوا ما بين الارضين فالى ايتهما كان ادنى فهو له. فقاسوه فوجدوه ادنى الى الارض التي اراد فقبضته ملائكة الرحمة. قول ابن عباس رضي الله عنهما امك حية اي هل امك على قيد الحياة لانها ثروة عظيمة في باب رفعة الدرجات وتكفير الذنوب. اثار قول ابن عباس رضي الله عنهما امك حية؟ تساؤلا عند عطاء ابن يسار الراوي عن ابن عباس لكنه تريث حتى وجد الوقت مناسبا فسأله كما سيأتي. قال الرجل لا لم يقنطه ابن عباس بل قال له تب الى الله. فهذا شأن اهل العلم والفقه في دين الله عز وجل انهم لا يقنطون الناس من التوبة مهما كان الذنب. قل يا عبادي الذين الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله. ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم سأله في هذا المقام هل امك حية؟ لان مقام الحسنات التي ينالها العبد في بره لامه ترفعه درجات عليا عند الله وتكفر عنه ذنوبا وسيئات كثيرة. قوله تب الى الله عز وجل وتقرب اليه ما استطعت. هذا فيه بيان المسلك الصحيح للتوبة. ونيل غفران الذنوب. وانه لا بد في ذلك من امرين. الامر قل التوبة الصادقة لله عز وجل من الذنب بالندم عليه والاقلاع عنه والعزم على عدم الرجوع اليه. الامر ثاني الاكثار من الحسنات. ولذا قال وتقرب اليه ما استطعت اي بالحسنات. لان رب العالمين جل وعلا يقول ان الحسنات يذهبن السيئات. وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم اتبع السيئة الحسنة تمحه رواه الترمذي. فنصحه رضي الله عنه ان يصدق مع الله عز وجل في توبته من ذنبه الذي اقترفه على وان يقبل على الحسنات لان الحسنات يذهبن السيئات. قول عطاء فذهبت فسألت ابن عباس فيه اناة السلف فلم يستعجل عطاء رحمه الله مع ان الموضوع اخذ من اهتمامه مأخذا عظيما ايمان. وهذا بخلاف ما يحصل من بعض الناس حين لا يملك نفسه ويقاطع العالم وربما اوقف حديثه ليسأل عن امر اشكى العلي. قال فسألت ابن عباس لما سألته عن حياة امه؟ فقال اني لا اعلم املا اقرب الى الله عز وجل من بر الوالدة. فهذا يدل معاشر الكرام على ما في بر الوالدة من عظيم الثواب ومنزلة هذا العمل ومكانته عند الله جل وعلا وهذا واضح في القرآن. فالله عز وجل عظم ما من شأن بر الوالدين في كتابه وقرن حقهما بحقه في ايات عديدة فدل هذا على المكانة العظيمة والمنزلة الرفيعة التي جعلها الله عز وجل لبر الوالدين. وان بر الوالدة على وجه الخصوص والاحسان ان اليها يترتب عليه من تكفير السيئات ورفعة الدرجات شيئا لا يكون في الاعمال الاخرى. ولهذا قال رضي الله عنه اني لا اعلم عملا اقرب الى الله عز وجل من بر الوالدة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال ما من مسلم له والدان مسلمان يصبح اليهما محسنا الا فتح الله له بابين يعني من الجنة وان كان واحدا فواحد. وان اغضب احدهما لم يرضى الله عنه حتى يرضى عنه. قيل وان ظلماه قال وان ظلماه رواه البخاري في الادب المفرد وابن الجوزي في البر والصلة. وبوب له البخاري رحمه الله بقوله باب بر والديه وان ظلما فالواجب على الابن ان يكون برا بهما وان يتحاشى اغظابهما والاساءة اليهما ورفع الصوت عليهما حتى او ان كان بهذه المنزلة اي ظالمين. قوله يصبح اليهما محسنا. المعنى انه يصبح كل يوم الى والديه. وهذا فيه استقبال اليوم من اوله بالاحسان الى الوالدين. وجعل برهما من اولى اولويات في اول يومه وبداية نهاره. وهذا من اسباب التوفيق للعبد في يومه كله. اذا بدأ اليوم ببر والديه وحسن املتي وطيب الخطاب. وكم هو جميل ان يربى الصغار وخاصة عندما يوقظون في الصباح الباكر من نومهم فيكون الواحد منهم متعبا او مائلة نفسه الى مزيد من النوم فيمتنع من النهوض ويكون تمنعه بالفاظ غير مناسبة فيعود الا يسمع والديه كلمة غير مناسبة وايظا يعينه والداه على ذلك بان يوقظاه برحمة ورفق ورحم الله امرأ اعان ولده على بره. قوله قيل وان طالما قال وان ظلماه اي ان الواجب على الابن حتى وان كان صدر من ابيه نحوه شيئا من الظلم او الخطأ او التجاوز او منامه فعليه الا يلتفت الى خطأ الوالدين. بل يجب عليه ان يتذكر المعروف عظيم والاحسان الكبير الذي حصل له من والديه ومن الوالدة على الوجه الاخص والا ينسى هذا المعروف العظيم بسبب وبخطأ واحد او اثنين او ثلاثة من والديه. بل عليه ان يكون ذاكرا دائما معروفهما السابق لهما المتواصل. وعن طيسلتا ابن مياس قال كنت مع النجدات. فاصبت لا اراها الا من الكبائر. فذكرت ذلك لابن عمر. قال ما هي؟ قلت كذا وكذا. قال ليس هذه من الكبائر هن تسع الاشراك بالله وقتل نسمة والفرار من الزحف وقذف المحصنة واكل الربا واكل اليتيم والحاد في المسجد. والذي يستسخر وبكاء الوالدين من العقوق قال لي ابن عمر اتفرق من النار وتحب ان تدخل الجنة؟ قلت اي والله. قال احي والداك؟ قلت امي قال فوالله لو النت لها الكلام واطعمتها الطعام لتدخلن الجنة ما اجتنبت كبائر. رواه البخاري في الادب المفرد. هذا الاثر العظيم فيه فائدة جليلة في موضوع بر الوالدين وفي موضوعات اخرى والنجدات فرقة من فرق الخوارج يتبعون رجلا يقال له نجدة ابن عامر اطلق عليهم النجدات لانتسابهم اليه. وله عقائد فاسدة. منها ان العبد اذا وقع في صغيرة واصر عليها كان كافرا مشركا. واذا وقع في كبيرة فهو كافر مشرك. فكان عندهم شدة تقطع في الصغائر والكبائر. وبسبب ارتباط طيسلة بهم فقد تأثر بما كانوا عليه من التشدد وتوهم في بعض الامور التي هي من الصغائر انها من الكبائر. لانه قد مضى في منهج مع نفسه في فيه شدة اكتسبها من مصاحبته لهؤلاء. قوله فاصبت ذنوبا لا اراها الا من الكبائر وهي ليست من الكبائر كما سيأتي التوضيح. وهذا فيه ان الصاحب له تأثير على صاحبه. فمن يبقى متشددا متنطعا في دين الله اورثه الشدة. ومن صحب مفرطا مضيعا اورثه الاهمال ودين الله الوسط فينبغي على المرء ان يختار من الاصحاب والرفقاء من كان على الوسطية. فلا شدة وتعنت ولا تهاون وتراخ لا غلو ولا جفاء لا افراط ولا تفريط. قوله فذكرت ذلك لابن عمر ذكر هذا الامر لابن عمر رضي الله عنه هو من توفيق الله له. لان عرض المشكلة على العالم يعد من وبالتوفيق. وقد كان من مبدأ الخوارج في قديم الزمان وحديثه الحيلولة بين اتباعهم وبين اما فهم يحرصون اشد الحرص على ان يبعدوا اتباعهم عن سؤال اهل العلم وعن الارتباط بهم من خلال قاب شنيعة يطلقونها على العلماء ينفرون بها اتباعهم منهم. قال فذكرت ذلك لابن عمر. قال ما هي؟ قلت كذا وكذا اي انه سمى الذنوب التي كان يظنها من الكبائر. قال ليس هذا من الكبائر وسمى له الكبائر وعددها رضي الله عنه وارضاه. وذكر منها بكاء الوالدين من العقوق. فعد رضي الله عنه عقوق الوالدين من كبائر الذنوب. ثم قال له اتفرق من النار وتحب ان تدخل الجنة؟ قال الرجل اي والله اي نعم والله اريد ذلك. قال اي والداك وهذا نظير قول ابن عباس رضي الله عنهما المتقدم امك حية؟ قلت عندي امي قال فوالله لو النت لها الكلام واطعمتها الطعام لتدخلن الجنة ما اجتنبت الكبائر دعاه الى امرين تجاه الوالدة ان يلين لها الكلام وهذا اهم ما تحتاجه الام من ولدها وكثير من امهات تكون في غنية عنان يعطيها ابنها مالا او طعاما او مسكنا بل ربما تكون هي التي تنفق عليه والثاني ان يطعمها الطعام بنفس طيبة ولطف واحسان. قوله ما اجتنبت الكبائر هذا فيه ان الكبائر طائرة لا بد فيها من التوبة الى الله عز وجل. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس والجمعة الى الجمعة ورمضان الى رمضان مكفرات ما بينهن اذا اجتنبت الكبائر. رواه مسلم. فهذه فرائض عظيمة ومع ذلك فقد اشترط النبي صلى الله عليه وسلم لتكفيرها الذنوب اجتناب الكبائر والتوبة منها. الشاهد من هذا الاثر هو عظم شأن بر الوالدة ولين الكلام لها والاحسان اليها وان هذا من من اعظم اسباب دخول الجنة. وللحديث صلة. نسأل الله الكريم رب العرش العظيم باسمائه حسنى وصفاته العلى ان يوفقنا اجمعين لكل خير. والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين. اللهم وارزقنا حسن البر بوالدينا. واجزهم عنا خير الجزاء. اللهم واغفر لهما وارحمهما كما ربونا والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته