بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين. اما بعد فان الاسلام دين والصفاء والمحبة والاخاء والبر والصلة والاحسان والله يقول واحسنوا ان الله يحب المحسنين. وان من الاحسان الذي حث عليه الاسلام ورغبت فيه بيئة صلة الارحام. وهو معدود في مكارم الاخلاق ونبيلها وطيب الاداب وجميلها. والله عز وجل عظم من شأن الرحم واعلى من قدرها فقرن الوصية بها بتقواه سبحانه. قال الله عز وجل يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام ان الله كان عليكم رقيبا. اي واتقوا الارحام ان تقطعوها ولكن بروه وصلوها واحسنوا اليها. عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله خلق الخلق حتى اذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت هذا مقام العائد من القطيعة قال نعم اما ترضين ان اصل من وصلك واقطع من قطعك قالت بلى قال فذاك لك. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأوا ان شئتم فهل عسيتم ان وليتم ان تفسدوا في الارض وتقطعوا ارحامكم اولئك الذين لعنهم الله فاصمهم واعمى ابصارهم متفق عليه والرحم هم كل من تجمعك بهم قرابة من جهة الاب او من جهة الام. فكل من تجمع بهم قرابة من هاتين الجهتين فهم من ذوي الارحام وهم يتفاوتون في قربهم للمرء بحسب قربهم من امه وابيه. وتكون صلتهم السلام والتواصل والزيارة والاحسان اليهم ونحو ذلك من وجوه البر والصلة. قوله ان الله خلق الخلق حتى اذا فرغ منهم اي من خلقهم ومن جملتهم الرحم قامت الرحم فقالت هذا مقام العائد من القطيعة. اي ان قيامي هذا هو قيام العائد من القطيعة. اي المستعيذ بك يا الله من القطيعة اي قمت مستعيذة بك طالبة ان تعيذني من القطيعة. لان الله امر بها ان توصل فتعوذت بالله تبارك من ان تقطع. فقال الله لها اما ترضين ان اصل من وصلك اقطع من قطعك وهذا فيه شاهد لقاعدة الشريعة الجزاء من جنس العمل في الاحسان والاساءة قال الله تعالى في الاحسان هل جزاء الاحسان الا الاحسان؟ وقال في الاساءة ثم كان عاقبة الذين اساؤوا سوءا فالواصل يصله الله والقاطع يقطعه الله جزاء وفاقا. ومن وصله الله فقد فاز بخيري الدنيا والاخرة ومن قطعه الله فقد خسر خسرانا مبينا وحرم من الخير. فقالت الرحم بلى اي رضيت بذلك. فقال الله تبارك وتعالى فذاك لك اي انه عز وجل اعطاها ذلك. فمن وصلها وصله ومن قطعها قطعه. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأوا ان شئتم فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الارض وتقطعوا ارحامكم اولئك الذين لعنهم الله فاصمهم واعمى ابصارهم. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله وهذا نهي عن الافساد في الارض عموما وعن قطع الارحام خصوصا بل قد امر الله تعالى بالاصلاح في الارض وصلة الارحام وهو الاحسان الى الاقارب في المقال والافعال وبذل الاموال. وقد وردت الاحاديث الصحاح والحسان بذلك عن الله صلى الله عليه وسلم من طرق عديدة ووجوه كثيرة. وعن عائشة رضي الله عنها قالت رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحم معلقة بالعرش. تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله رواه مسلم. وهذا يحتمل ان يكون خبرا او ان يكون دعاء. فاما ان الرحم تخبر بهذا او انها تدعو الله عز وجل به وعلى كل فهو يدل على عظم شأن الرحم وصلتها وانها تحت العرش تدعو بها هذا الدعاء او تخبروا بهذا الخبر. وعن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم اقول قال الله انا الرحمن وهي الرحم. شققت لها اسما من اسمي. من وصلها وصمته ومن قطعها اهاب تته رواه ابو داوود. هذا حديث قدسي. ومعنى بتته اي قطعته. فالبت هو القطع. وهو هنا مقابل للقطع فمن قطع رحمه قطعه الله. كما ان الوصل مقابل للوصل والجزاء من جنس العمل وقوله انا الرحمن. اي ان هذا من اسمائه عز وجل التي لا يسمى بها غيره وهي الرحم شققت لها اسما من اسمي اي اشتق سبحانه اسمها من اسمها الرحمن. وهذا فيه دليل على مكانة العلية عند الله فالرحمن هو ذو الرحمة الواسعة والرحم هي القرابة. وعن عمرو بن عبسة دونمي رضي الله عنه قال كنت وانا في الجاهلية اظن ان الناس على ظلالة وانهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الاوثان فسمعت برجل بمكة يخبر اخبارا فقعدت على راحلتي فقدمت عليه فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفيا جرؤا عليه قومه فتلطم حتى دخلت عليه بمكة فقلت له من انت؟ قال انا نبي. فقلت وما نبي قال ارسلني الله فقلت وباي شيء ارسلك؟ قال ارسلني بصلة الارحام وكسر الاوثان وان يوحد الله لا يشرك به شيئا. قلت له فمن معك على هذا؟ قال حر وعبد. قال ومعه يومئذ ابو بكر وبلال ممن امن به فقلت اني متبعك. قال انك لا تستطيع ذلك يومك هذا. الا ترى حالي وحال الناس؟ ولكن ارجع الى اهلك فاذا سمعت بي قد ظهرت فاتني. الى اخر الحديث رواه مسلم. ففيه ان النبي صلى الله عليه سلم بدأ بالحث على صلة الرحم وبيان عظيم شأنها من اول رسالته وبداية بعثته قبل ان تفرض الصلاة والزكاة وبقية اركان الاسلام. وقرنها بالتوحيد. وعن ابي ايوب الانصاري ان اعرابي عرظ لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سفر فاخذ بخطامنا ناقته او بزمامها ثم قال يا رسول الله او يا محمد اخبرني بما يقربني من الجنة وما يباعدني من النار. قال فكف النبي صلى الله عليه وسلم ثم نظر في اصحابه ثم قال لقد وفق او قال لقد هدي قال كيف قلت؟ قال فاعاد فقال النبي صلى الله عليه وسلم تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم دع الناقة متفق عليه وهذا لفظ مسلم. هذا فيه حرصهم على الخير وحرصهم على ما يقرب من الجنة ويباعد من النار وقد طلب هذا الاعرابي وصية جامعة تقربه من الجنة اي تدنيه منها وتباعده من النار. فذكر له صلى الله عليه وسلم امورا اربعة. بدأها باعظم الامور واجلها على الاطلاق وهو توحيد الله عز وجل والبراءة من ثم ثنى بالصلاة التي كتبها الله على العباد خمس صلوات في اليوم والليلة وهي اعظم فرائض الاسلام بعد التوحيد ثم ذكر الزكاة وهي قرينة الصلاة في كتاب الله وهي فريضة عظيمة من فرائض الاسلام ثم ذكر صلة الرحم وانها عمل مبارك وطاعة عظيمة تقرب العبد من الجنة وتباعده من النار. وقرنها النبي صلى الله عليه وسلم مع هذه الطاعات العظيمة التوحيد والصلاة والزكاة. ويكفي هذا دليلا على شرف صلة الرحم وعظيم مكانتها من الدين وعن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الرحم شجنة من الرحمن فقال الله من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته رواه البخاري. وعن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الرحم شجنة فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته رواه البخاري وعن ابي العنبس قال دخلت على عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في الوهط يعني ارضا له بالطائف فقال عطف لنا النبي صلى الله الله عليه وسلم اصبعه فقال الرحم شجنة من الرحمن من يصلها يصله ومن يقطعها يقطعه. لها سان طلق دلق يوم القيامة. رواه البخاري في الادب المفرد. قوله سجنة من الرحمن بضم اوله وبكسره اصله اشتباك العروق والاغصان. اي اخذ اسمها من هذا الاسم. كما تقدم انا ان خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي والمعنى انها اثر من اثار الرحمة مشتبكة بها. فالقاطع لها قطع عن نفسه بابا عظيما من ابواب نيل رحمة الله تبارك وتعالى. قوله لها لسان طلق ذلق يوم القيامة. اي تقوم الرحم يوم القيامة لها لسان فصيح بليغ طالب حقها الذي وعدها به سبحانه عندما قامت بين يديه وقالت هذا مقام العائد من القطيعة. فقال لها سبحانه نعم اما ترضين ان اصل من وصلك واقطع من قطعك؟ قالت بلى. قال فذاك لك. يوضحه ما جاء عن ابي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الرحم شجنة من الرحمن تقول يا رب اني قطعت يا رب اني اسيء الي يا رب اني ظلمت يا رب يا رب قال فيجيبها اما ترضين ان اصل من وصلك اقطع من قطعك رواه احمد. وعن انس بن مالك رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من من احب ان يبسط له في رزقه وينسأ له في اثره فليصل رحمه متفق عليه. وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من سره ان يبسط له في رزقه وان ينسى له في اثره فليصل رحمه. رواه بخاري وهذا فيه ان لصلة الرحم ثمارا كثيرة منها ثمار معجلة للواصل في الدنيا ومنها ثمار مؤجلة يفوز بها يوم القيامة. ومن الثمار المعجلة بسط الرزق له في الدنيا وطول العمر. يبسط له في رزقه اي يوسع له فيه ويبارك له في ماله. وينسأ له في اثره المشيئة هي التأخير ومعنى ينسأ له في اثره ان يؤخر والاثر المراد به الاجل والمعنى انه يزاد في في عمره حقيقة. قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله. وقد قال بعض الناس ان المراد به البركة في العمر. بان بل في الزمان القصير ما لا يعمله غيره الا في الكثير. قالوا لان الرزق والاجل مقدران مكتوبان. فيقال لهؤلاء تلك البركة وهي الزيادة في العمل والنفع هي ايضا مقدرة مكتوبة وتتناول لجميع الاشياء والجواب المحقق ان الله يكتب للعبد اجلا في صحف الملائكة فاذا وصل رحمه زاد في ذلك المكتوب وان عمل ما يوجب النقص نقص من ذلك المكتوب. ونظير هذا ما في الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم ان لما طلب من الله ان يريه صورة الانبياء من ذريته. فاراه اياهم فرأى فيهم رجلا له بصيص. فقال من هذا يا فقال ابنك داود. قال فكم عمره؟ قال اربعون سنة. قال وكم عمري؟ قال الف سنة. قال قد وهبت له من عمري ستين سنة. فكتب عليه كتاب وشهدت عليه الملائكة. فلما حظرته الوفاة قال قد بقي من عمري ستون سنة قالوا وهبتها لابنك داود فانكر ذلك فاخرجوا الكتاب. قال النبي صلى الله عليه وسلم فنسي ادم فنسي الذرية وجهد ادم فجهدت ذريته وروي انه كمل لادم عمره ولداوود عمره فهذا داوود كان عمره المكتوب اربعين سنة ثم جعله ستين. وهذا معنى ما روي عن عمر رضي الله عنه ان انه قال اللهم ان كنت كتبتني شقيا فامحني واكتبني سعيدا. فانك تمحو ما تشاء وتثبت. والله سبحانه بما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون. فهو يعلم ما كتبه له وما يزيده اياه بعد ذلك والملائكة لا علم لهم الا ما علمهم الله. والله يعلم الاشياء قبل كونها وبعد كونها. وقال رحمه الله والاجل اجلان اجل مطلق يعلمه الله واجل مقيد. وبهذا يتبين معنى قوله صلى الله عليه وسلم من سره ان يبسط له في رزقه وينسأ له في اثره فليصل رحمه. فان الله امر الملك ان يكتب له اجلا وقال ان وصل رحمه زدته كذا وكذا. والملك لا يعلم اي زاد ام لا لكن الله يعلم ما يستقر وعليه الامر فاذا جاء ذلك لا يتقدم ولا يتأخر انتهى كلامه رحمه الله. وعن عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لها انه من اعطي حظه من الرفق فقد اعطي حظه من خير الدنيا والاخرة وصلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الاعمار. رواه احمد. فصيلة الرحم لها من الاثار الحميدة والعوائد المباركة والخيرات العميمة في الدنيا والاخرة ما لا يعد ولا يحصى فهي سبب لسعة الرزق وكثرته وراحة القلب وطمأنينته وزيادة العمر وبركته. وعن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعلموا من انسابكم ما تصلون به ارحامكم. فان صلة الرحم محبة الاهلي مسراة في المال منسأة في الاثر. رواه الترمذي. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال من اتقى ربه ووصل رحمه نسئ في اجله وثري ماله واحبه اهله. رواه البخاري في الادب المفرد. فيه ان الواصل محبوب في عشيرته وقرابته وهو محل ثناء وتقدير واحترام اظافة الى ما تقدم من طول العمر وثراء المال. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي اذا قطعت رحمه وصلها. اي ان الواصل حقيقة ليس بالمكافئ لان المكافئ هو الذي يجزي غيره بمثل ما جزاه به. فاذا وصله ذو رحمه وصلهم. على سبيل المكافئة لهم والمجازاة بالمثل. فهذا الا يعد واصلا؟ انما هو مكافئ وانما الواصل حقيقة الذي اذا قطعت رحمه وصلها. لانه يعد صلة لرحمه قربة يتقرب بها الى الله يطلب بها ثوابه ويتقي بها عقابه. لان الله عز وجل قد امره بذلك واعد للواصل ثوابا عظيما واعد للقاطع عقابا اليما. والناس في هذا الباب ثلاثة اقسام. الاول الواصل وهو الذي يتفضل على ذوي رحمه بصلتهم وان لم يصله منهم احد بل حتى وان اساءوا اليه. الثاني المجازي او المكافئ وهو الذي لا يصل رحمه الا اذا وصلوه. الثالث القاطع وهو من يقطع رحمه وصلوه او قطعوه وعن ابي هريرة رضي الله عنه ان رجلا قال يا رسول الله ان لي قرابة اصلهم ويقطعوني واحسن اليهم يسيئون الي واحلم عنهم ويجهلون علي. فقال لان كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. رواه مسلم. قوله اصلهم ويقطعوني اي يقابلوني هنا مني الصلة بالقطيعة ولا يقابلون احساني اليهم باحسان. ثم ذكر انواعا من الصلة التي كان يقدمها لهم وانواعا من الاساءة التي كانوا يعاملونه بها. فقال واحسن اليهم اي اعاملهم بالاحسان والاحسان كلمة تجمع عن الخير ويسيئون الي اي يقابلونني بالاساءة واحلم عنهم اي وانا اقابل جهلهم علي بان احلم وهم يجهلون علي اي يعاملوني معاملة الجهلة من فظاظة وغلظة وسب ونحو ذلك. فهذه حاله ومعاناته مع ذوي رحمه ويسترشد النبي صلى الله عليه وسلم ان يدله الى ماذا يصنع؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لان كنت كما تقول كانما تسفهم المل. والمل الرماد الحار الذي يحمى ليدفن فيه الخبز لينضج. اي تجعله اي تجعله لهم سفوفا يسفونه. وهذا فيه بيان فضيلته عليهم. وما يجنيه هؤلاء من ملاقاتهم لهذا الوصف بالقطيعة فحالهم كحال من يصف رمادا حارا اما الواصل فلا يظره شيء من قطيعتهم بل له الفضيلة وثواب الله وتأييده تبارك وتعالى. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ولا يزال معك من الله ظهير عليه ان ما دمت على ذلك اي لا يزال لك من الله معونة وتسديد وتأييد وحفظ وفيه دليل على حب الله عز دل للواصل ومكانته عند الله. وعن البراء ابن عازب رضي الله عنه قال جاء اعرابي الى النبي صلى الله الله عليه وسلم فقال يا رسول الله علمني عملا يدخلني الجنة. فقال لان كنت اقصرت الخطبة لقد اعرضت المسألة. اعتق النسمة وفك الرقبة. فقال يا رسول الله اوليستا بواحدة؟ قال لا. ان عتق النسمة ان تفرد بعتقها وفك الرقبة ان تعين في عتقها والمنحة الوقوف. والفيء على ذي الرحم الظالم. فان لم تطق ذلك فاطعم الجائع واسقي الظمآن وامر بالمعروف وانهى عن المنكر. فان لم تطق ذلك فكف لسانك الا من الخير. رواه احمد. هذا باب رفيع من ابواب الخير ومنزلة علية من منازل صلة الرحم. بان يكون الانسان من شدة عنايته صلة الرحم ان يصل ذا الرحم الظالم. اي من عرف بالظلم سواء له او للاخرين. لان صلته قد تكون سببا في امتناعه عن الظلم او خفة حدة ظلمه واطفاء جمرة شره واذاه. بينما اذا قطع ربما زاد الشر شرا والاذى اذى وصلة ذي الرحم الظالم هو عمل بقول الله تعالى ادفع بالتي هي احسن. فاذا الذي بينك وبينه عداوة كان انه ولي حميم. وعن جبير ابن مطعم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل الجنة قاطع رحم. متفق عليه. وهذا فيه بيان عظم اثم القاطع وتحذير شديد من القطيعة. وانها شؤم كلها ومضرة كلها وعواقبها على القاطع وخيمة في الدنيا والاخرة. فهي موجبة للخسران ومعقبة للحرمان في الدارين والنفي في قوله لا يدخل الجنة قاطع رحم للتأبيد ان كان مستحلا وللدخول ابتداء ان كان تهاونا بهذا الامر مفرطا في هذا الواجب مضيعا لهذه الطاعة التي امره الله بها. وانما يدخلها دخولا اخيرا بعد غيره من اهل المنافسة في الخيرات والمحافظة على الطاعات والبعد عن المعاصي والاثام. وربما مر بمرحلة تعذيب قبل الدخول لان اصحاب المعاصي التي هي دون الشرك والكفر بالله امرهم يوم القيامة وشأنهم انهم تحت مشيئة الله فان شاء عذبهم وان شاء غفر لهم وان عذبهم فانهم لا يخلدون في النار لان الخلود في النار للكفار والمشركين. وعن ابي ايوب سليمان مولى عثمان بن عفان قال جاءنا ابو هريرة عشية الخميس ليلة الجمعة فقال احرج على كل قاطع رحم لما قام من عندنا. فلم يقم احد حتى قال ثلاثا فاتى فتى عمة له قد صرمها اي قطعها منذ سنتين فدخل عليها فقالت له يا ابن اخي ما ابيك قال سمعت ابا هريرة يقول كذا وكذا قالت ارجع اليه فسله لم قال ذلك؟ قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم لما يقول ان اعمال بني ادم تعرض على الله عشية كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم. رواه رواه البخاري في الادب المفرد لم يحب ابو هريرة رضي الله عنه في ذلك الوقت الذي تعرض فيه الاعمال على الله ان يكون بينهم قاطع واراد بذلك ان بها الحاضرين ان كان فيهم قاطع ان يترك القطيعة. ولهذا قام احدهم تائبا ووصل عمته التي كان قد كرمها لمدة سنتين. وقد ثبت في صحيح مسلم عن ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تفتح ابواب ابواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس. فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا الا رجلا كانت بينه وبين اخيه شحناء فيقال انظروا هذين حتى يصطلحا انظروا هذين حتى يصطلحا انظروا هذين حتى فاذا كان هذا بين عموم المسلمين فكيف اذا كانت الشحناء بين ذوي الارحام لا شك ان الامر اعظم ابن عباس رضي الله عنهما انه قال احفظوا انسابكم تصلوا ارحامكم. فانه لا بعد بالرحم اذا قربت. وان كانت بعيدة ولا قرب بها اذا بعدت وان كانت قريبة. وكل رحم اتية يوم القيامة امام صاحبها تشهد له بصلة ان كان وصلها وعليه بقطيعة ان كان قطعها. رواه البخاري في الادب المفرد. صلة الرحم واجبة. ولا تتم الا بالمعرفة للنسب. وما لا يتم الواجب الا به واجب فاذا كان لا يعرف المرء قرابته وذوي رحمه فكيف يصلهم وهو لا يعرفهم؟ فيجب على الاباء العناية بتعريف ابنائهم بذوي قرابتهم لان صلة الرحم واجبة وهذا الواجب لا يتم الا بمعرفة الانسان لنسبه وذوي قرابته فاذا كان لا يعرف قرابته وذوي رحمه فكيف يصلهم وهو لا يعرفهم؟ قوله فانه لا بعد بالرحمة اذا قربت وان كانت بعيدة ولا قرب بها اذا بعدت وان كانت قريبة اي لا بعد بالرحم اذا قربت ووصلت وان كانت بعيدة لان البعد كما يقال في القلوب فاذا كانت القلوب قريبة ومتآلفة فليس هناك بعد. ولهذا اذا كان بين المرء وبين بعض ذوي رحمه الذين تجمعهم به قرابة بعيدة تواصل فانه يحس شديد منهم واذا كانوا من ذوي رحمه القريبين ولكن ليس بينه وبينهم تواصل يشعر انهم بعيدون عنه. وقوله كل رحم اتية يوم القيامة امام صاحبها تشهد له بصلة ان كان وصلها وعليه بقطيعة ان كان قطعها اي رحم يوم القيامة اما شاهدة لصاحبها او شاهدة عليه. ان كان واصلا شهدت له بالصلة. وقد رضيت ان يصل رب العالمين من وصلها وان كان قاطعا شهدت عليه بالقطيعة وقد رضيت بان يقطع رب العالمين من قطعها وقد اعطاها الله عز وجل ذلك كما تقدم. اللهم وفقنا اجمعين لكل خير. واعنا على صلة ما امرت به ان يوصل واصلح ذات بيننا والف بين قلوبنا ولا تكلنا الى انفسنا طرفة عين. انك سميع الدعاء واهل الرجاء وانت حسبنا ونعم الوكيل. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته