بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين. اما بعد فان الاسلام دين الرحمة ونبينا عليه الصلاة والسلام نبي الرحمة. قال الله تعالى وما ارسلناك الا رحمة للعالمين وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم انا محمد واحمد والمقفي والحاشر ونبي توبتي ونبي الرحمة. وفي الترمذي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الراحمون يرحمهم الرحمن من في الارض يرحمكم من في السماء. وفي الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم قال انما يرحم الله من عباده الرحماء وفي الصحيحين قال النبي صلى الله عليه وسلم من لا يرحم لا يرحم ورحمة الاسلام رحمة عامة شاملة للعالمين. وحديثنا معاشر الاحبة عن نوع مهما عظيما في باب الرحمة الا وهو رحمة الوالد لولده فانها اساس الابوة واصلها. ومرتكز التربية وقاعدتها فاذا وجدت الرحمة في قلوب الاباء والامهات حلت الخيرات وتوالت البركات وتحققت المصالح الكبيرات والمنافع العظيمات برا ووفاء واحسانا واستقامة على طاعة الله باذن رب الارض والسماوات ان نزعت الرحمة من قلب الوالد حل الشقاء وتوالى العناء وتفرق الابناء وكثرت الشدة واللأواء وفي الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تنزع الرحمة الا من شقي وهذا فيه الى ان انتزاع الرحمة موجب للشقاء وسبب لحلوله. ولهذا فان اعظم ما يكون في باب التأديب تربية للابناء ان تقام على الرحمة والرأفة بهم والتودد والتلطف والاحسان اليهم. فانها ركيزة عظيمة واصل متين لا بد منه في هذا الباب. عن عائشة رضي الله عنها قالت جاء اعرابي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اتقبلون الصبيان؟ فوالله ما نقبلهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم لا املك ان كان الله عز وجل نزع منك الرحمة. رواه احمد. وعن ابي هريرة رضي الله عنه ان رعى ابن حابس ابصر النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن فقال ان لي عشرة من الولد ما قبلت اذا منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انه من لا يرحم لا يرحم. متفق عليه ان قبلة الصبيان ومؤانستهم ضما وحملا ومداعبة داخلة في جملة الرحمة التي جعلها الله الله سبحانه وتعالى في القلوب نحوهم فهي نوع من الرحمة لهم والعطف والحنو عليهم ونوع من ادخال السرور والانس على قلوبهم فان لها شأنا ومكانة عن انس بن مالك رضي الله عنه قال دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابي سيف القين وكان بئرا لابراهيم عليه السلام. فاخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ابراهيم فقبله وشمه رواه البخاري. وعن البراء رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا الحسن ابن علي على عاتقه وهو يقول اللهم اني احبه فاحبه. متفق عليه. وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال ما رأيت احدا كان ارحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ابراهيم مسترضعا له في عوالي المدينة. فكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت وانه ليدخن وكان بئره قينا فيأخذه فيقبله ثم يرجع. قال عمرو فلما توفي إبراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ابراهيم ابني وانه مات في الثدي وان له تكملان رظاعه في الجنة. رواه مسلم. ظئرين اي مرظعتين. وعن ابن عمر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول هما ريحانتي من الدنيا رواه البخاري اي الحسن والحسين رضي الله عنهما وقول الاعرابي اتقبلون الصبيان؟ والله ما نقبلهم؟ قاله مستغربا متعجبا لما رأى الناس يقبلون صبيان فسأل هذا السؤال فهو حسب فهمه امر عجيب غريب لا يفعل ثم اخبر عن نفسه وعن ذويه فقال فما نقبلهم؟ اي اننا اعتدنا ان لا نقبل الصبيان. يتركون تقبيلهم انفة كانهم يرون ان تقبيل الصبيان لا يليق بمقامهم وان فيه انتقاصا لقدرهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا املك ان كان الله عز وجل نزع منك الرحمة اي لا املك دفع ذلك عنك فاذا كان الله عز وجل قدر ان الرحمة منزوعة من قلبك فلا املك دفع ذلك فالامر لله من قبل ومن بعد وهذا فيه بيان شناعة هذا الامر الذي اخبر به هذا الرجل عن نفسه وعن قومه وانه يتنافى مع الرحمة التي ينبغي بان تكون في القلوب تجاه الصغار وفيه تنبيه الى الارتباط بين الباطن والظاهر الرحمة والقبلة. فلما قال الرجل لا نقبلهم هذا الظاهر من عملهم. وهو دليل على وجود خلل في الباطن وهو انتزاع والرحمة من القلب. لان القبلة للصغير نابعة عن الرحمة التي له في القلب ومن كان يصف نفسه بانه لا يقبل صبيانه انفة فهذا دليل على ان الرحمة منزوعة من قلبه. لانها لو وجدت في قلبه وجدت اثارها. وفي الحديث اشارة الى ما دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم الا ان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله الا وهي القلب. متفق عليه فالباطن اذا صلح بالرحمة والشفقة والحنان والعطف وجدت اثاره. ومن هذه الاثار تقبيل المرء نص ديانة ومثل هذه القصة قصة الاقرع ابن حابس عندما رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن رظي الله فقال بالمناسبة ان لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم. فقال صلى الله عليه وسلم انه من لا يرحم لا يرحم اي اذا لم يكن في قلب المرء رحمة بصبيانه فالجزاء من جنس العمل ولنتأمل معاشر الكرام في هذا المقام لندرك عظم شأن الرحمة في مقام التربية والتأديب. قول الله عز وجل فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك. مع قول النبي صلى الله عليه وسلم انما انا لكم مثل الوالد لولده. اي ان الاصل في الوالد مع ولده ان يكون رحيما بهم ولهذا فان جماعة من المفسرين اوردوا هذا الحديث تحت هذه الاية في سياق بيان معناها وايضاح مدلولها تنبيها بذلك الى عظم شأن الرحمة في مقام التأديب والتربية. وان انتزاع الرحمة من القلوب وان يحل لمحلها العنف والشدة موجب للتفكك والشقاء كما سبق. وهذا فيه بيان ان من يوفقه الله عز وجل برحمة ابنائه فان ذلك موجب لرحمة الله سبحانه وتعالى له فان من يرحم يرحمه الله ومن لا يرحم لا يرحم. وهذه الرحمة بالعيال والتي منها تقبيل المرء لصبيانه. لها اثارها التربوية والنفسية على الطفل وعلى نشأته وبعده عن نزعة العدوانية والشر. ولهذا جاء في السنة الصحيحة عن صلى الله عليه وسلم الوصية بالعدل بين الصبيان حتى في القبل ونحوها من ظم واجلاس في الحجر حمل على العاتق ونحو ذلك عن انس رضي الله عنه ان رجلا كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء ابن له فقبله مقعده على فخذه وجاءت بنية له فاجلسها بين يديه اي ولم يقبلها. فقال رسول الله صلى الله عليه عليه وسلم الا سويت بينهما؟ رواه البزار. ورواه ابن الاعرابي في معجمه ولفظه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا وعنده رجل. فجاء ابن الرجل فاقعده الرجل في حجره. وجاءت ابنته فاقعدها الى لزقه اي الى جنبه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم الا عدلت بينهما؟ لانه ان لم يعدل بينهما ربما اوجد بينهما حسدا او غلا او نزعات عدوانية. فمن الرحمة بالابناء العدل بينهم. والبعد عن جوري والحيف والظلم لان الاب اذا لم يعدل بين ابنائه اوجد بينهم العداوة والتحاسد والتباعد وان عدل بينهم كان ذلك من اعظم اسباب توادهم وتراحمهم وبرهم به روى البخاري في صحيحه عن نعمان ابن بشير رضي الله عنهما ان اباه نحله ارضا اي وهبه ارضا وان والدته طلبت من ابيه ان يشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك فلما اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له اعطيت سائر ولدك مثل هذا؟ فقال لا. فقال صلى الله عليه وسلم فاتقوا الله واعدلوا بين اولادكم. وفي رواية لا اشهد على جور. وفي رواية مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له ايسرك ان يكون اليك في البر سواء؟ قال بلى قال فلا اذا فهذا تحذير من الحيث والظلم بين الاولاد وبيان لما يورثه من العقوق عدم البر والتقاطع والتهاجر بين الاخوان وانتفاء التراحم بينهم وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال جاء شيخ يريد النبي صلى الله عليه وسلم فابطأ القوم عنه ان وسعوا له فقال النبي صلى الله عليه وسلم ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا. رواه الترمذي وعن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا رواه الترمذي. في هذين الحديثين تحذير وترهيب من مثل هذا العمل عدم الرحمة بالصغار ووصف من كان كذلك بليس منا. وهذا يدل على خطورة هذا الامر. وانه فعل شنيع شديد الخطورة. ومن لطيف الامثلة وجميلها في الرحمة بالصغار وملاطفتهن. ما رواه ابو ابو هريرة رضي الله عنه قال سمع اذناي هاتان وبصر عيناي هاتان رسول الله صلى الله عليه وسلم اخذ بيديه جميعا بكفي الحسن او الحسين رضي الله عنهما وقدميه على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ارق. قال فرقي الغلام. حتى وضع قدميه على صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم افتح فاك ثم قبله ثم قال اللهم احبه فاني احبه. رواه البخاري في الادب المفرد هذا الانبساط الى الصغار بمداعبتهم ومؤانستهم وادخال السرور على قلوبهم يثمر فيهم حبا للكبير وتوقيرا واحتراما قبولا وشتان بين هذا وبين من يقول ان لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم. وقد كان صلى الله عليه وسلم يأخذ الصبي في حجره ويتلطف به حتى ان منهم من يبول على ثوبه صلى الله عليه وسلم فلا اثروا فيه ذلك ولا يتغير ولا يغضب. عن ام قيس بنت محصن رضي الله عنها انها اتت رسول الله صلى الله عليه عليه وسلم بابن لها لم يأكل الطعام. فوضعته في حجره فبال قال فلم يزد على ان نضح بالماء. رواه مسلم. وعن عائشة قالت اوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيا يرظع فبال في حجره فدعا بماء فصبه عليه رواه مسلم وكان صلى الله عليه وسلم يخفف الصلاة عند سماعه بكاء الصبي وامه وراءه رحمة به وبامه عن انس ابن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اني لادخل في الصلاة وانا اريد قالتها فاسمع بكاء الصبي فاتجوز في صلاتي مما اعلم لوجد امه ببكاءه رواه ابن ماجة يا ايها الاب ويا ايتها الام ان رحمتك بالصغير باب من ابواب الفوز برحمة الله لك ولا تحقرن في هذا الباب شيئا وان قل عن انس بن مالك رضي الله عنه قال جاءت امرأة الى عائشة رضي الله عنها فاعطتها عائشة ثلاثة مراتب فاعطت كل صبي لها تمرة وامسكت لنفسها تمرة. فاكل الصبيان التمرتين ونظر الى امهما فعمدت الى التمرة فشقتها فاعطت كل صبي نصف تمرة. فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فاخبر عائشة فقال وما يعجبك من ذلك؟ لقد رحمها الله برحمتها صبييها. رواه البخاري في الادب هذه امرأة فقيرة. ليس لديها ما تطعمه. فاتت عائشة رضي الله عنها فاعطتها ثلاثة تمرات. فاعطته كل طفل من طفليها تمرة وابقت واحدة لنفسها وهي جائعة وبحاجة للغذاء. فاكل الصبيان التمرتين الى امهما فعمدت الى التمرة فشقتها فاعطت كل صبي نصف تمرة وبقيت هي على جوعها مؤثرة تليها على نفسها وهذا مثال من الرحمة العظيمة التي جعلها الله سبحانه وتعالى في قلوب الامهات ولما اخبرت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم بنبأ هذه المرأة قال وما يعجبك من ذلك؟ لقد رحمها الله بها صبيها. اي ان هذه الرحمة العظيمة التي جعلها الله سبحانه وتعالى في الامهات هي سبب عظيم لرحمة ناهي جل وعلا بهن. فينبغي على المرأة ان تحتسب رحمتها لاولادها. وعطفها عليهم ايتها بهم وتربيتها لهم عند الله. ولا يظيع عند الله شيء فان يسر الله وصلح هؤلاء الابناء وبروها ورحموها واحسنوا اليها فهذا خير على خير. وان ان كانوا بخلاف ذلك فما عند الله لها من الخلف خير وابقى. ودعوة الوالد لاولاد مستجابة لا ترد كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال ثلاث دعوات مستجابة اجابات لا شك فيهن. دعوة الوالد ودعوة المسافر ودعوة المظلوم. وجاء في رواية دعوة الوالد على ولده. فمن الرحمة بالاولاد كثرة الدعاء لهم بالخير والحذر من الدعاء عليهم بالشر لا سيما في حال الغضب فلا يتعجل الوالد بالدعاء عليه فتستجاب الدعوة ثم يندم بعد ذلك الندامة الشديدة. فقد حذرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من ذلك قال لا تدعوا على انفسكم ولا تدعوا على اولادكم ولا تدعوا على اموالكم لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم. رواه مسلم قال الله تعالى ويدعو الانسان بالشر دعاءه بالخير. وكان الانسان عجولا. قال قتادة يدعو على ماله فيلعن ماله وولده ولو استجاب الله له لأهلكه. قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله وهذا من جهل الانسان وعجلته حيث يدعو على نفسه واولاده وماله بالشر عند الغضب ويبادر بذلك الدعاء كما يبادر وبالدعاء في الخير. معاشر الاحبة الاولاد نعمة عظيمة وهم زينة الحياة الدنيا كما قال الله على المال والبنون زينة الحياة الدنيا. وهم قرة عين الوالدين ان اطاعوا الله. ومن دعاء عباد ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين. سئل الحسن البصري رحمه الله وعن هذه الاية فقال ان يري الله العبد المسلم من زوجته ومن اخيه ومن حميمه طاعة الله لا والله ما شيء اقر لعين المسلم من ان يرى ولدا او ولد ولد او اخا او حميما لله عز وجل. وقال ابن جريج في قوله هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين؟ قال يعبدونك ويحسنون عبادتك ولا يجرون علينا الجرائر. وهم امانة عظيمة ومسؤولية كبيرة امر الله سبحانه وتعالى برعايتهم وتربيتهم وتنشأتهم على خصال الخير وابعادهم عن كل ما يؤدي الى فسادهم وضياعهم. قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا قوا انفسكم واهليكم نارا وقودها الناس والحجارة. عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال الا كل كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. فالامير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته. والرجل راع على اهل بيته وهو مسؤول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم. والعبد راع على ما لسيده وهو مسؤول عنه. الا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته متفق عليه فقوله مسؤول تذكير بسؤال الله جل وعلا للعبد يوم القيامة عن هذه الامانة اذا قف بين يدي الله عز وجل. بل قال بعض اهل العلم ان الله يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل ان يسأل الولد عن والده فانه كما ان للاب على ابنه حقا فللابن على ابيه حق قال ابن عمر ادب ابنك فانك مسؤول عن ولدك ماذا ادبته؟ وماذا علمته؟ وانه مسئول عن برك وطواعيته لك. فالله سبحانه كما اوصى الابناء ببر ابائهم والاحسان اليهم بقوله جل وعلا ووصينا الانسان بوالديه حسنا فقد وصى ايضا الاباء بالابناء تربية وتأديبا قال الله تعالى يوصيكم الله في اولادكم وقد اخبرنا نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم ان للوالدين تأثيرا بليغا على ابنائهم في عقائدهم واديانهم فضلا عن اخلاقهم وطباعهم. فقال صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة. فابوان يهودانه او ينصرانه او يمجسانه كمثل البهيمة. تنتج البهيمة. هل ترى فيها جدعاء متفق عليه وهذا مثل بليغ محسوس فان البهيمة تنتج في العادة والمشاهد سليمة من العيوب والافات فليس فيها جدع او قطع في يدها او اذنها او رجلها وانما يحصل ذلك من صاحبها او راعيها اما باهماله او بفعله مباشرة. فهكذا الابن فانه يولد على الفطرة. فاذا تعلم الكذب او الغش او الفساد والانحراف او غيرها من المنكرات فانه لامر خارج عن الفطرة اما ان يكون بسبب سوء التربية او الاهمال فيها او بمؤثر خارجي من اصحاب السوء او غيرهم من الخلطاء قال العلامة ابن القيم رحمه الله فمن اهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد اساء اليه غاية الاساءة. واكثر الاولاد انما جاء فسادهم من قبل الاباء واهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه. هذا وان الاولاد ذكورا كانوا او اناثا هبة من الله سبحانه وتعالى وقسمة بين العباد. قال الله عز وجل لله ملك السماوات والارض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء اناثا ويهب لمن يشاء الذكور او يزوجهم ذكرانا واناثا ويجعل يشاء عقيما انه عليم قدير. وفي حال كون هذه الهبة بنتا فان الاسلام يدعو الى الاحسان اليها. والاهتمام بتربيتها ورعايتها وحسن تأديبها لتنشأ امرأة صالحة صينة عفيفة ونعى على اهل جاهلية وأدهم لها وكراهيتهم لمجيئها. يقول الله تعالى عنهم واذا بشر احدهم بالانثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم. يتوارى من القوم من سوء ما بشر به ايمسكه على هون ام يدسه في التراب الا ساء ما يحكمون عن المغيرة بن شعبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان الله عز وجل حرم عليكم عقوق الامهات ووأد البنات ومنعا وهات وكره لكم ثلاثا قيل وقال وكثرة السؤال واضاعة المال متفق عليه وحض على العناية بهن تأديبا وتربية وتعليما وجعل ذلك من موجبات دخول الجنة والنجاة من النار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت له انثى فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها ادخله الله الجنة. رواه ابو داوود. وعن انس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة انا وهو. وضم اصابعه. رواه مسلم وعن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان له ثلاث بنات او ثلاث اخوات او بنت او اختان فاحسن صحبتهن واتقى الله فيهن فله الجنة. رواه الترمذي. وعن عقبة ابن عامر قال بعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن واطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته كن له حجابا من النار يوم القيامة رواه ابن ماجة وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان له ثلاث بنات يؤويهن يكفيهن ويرحمهن فقد وجبت له الجنة البتة. فقال رجل من بعض القوم وثنتين يا رسول الله. قال وثنتين رواه البخاري في الادب المفرد والاحاديث في هذا الباب كثيرة. وعلى كل فرعاية البنات وتربيتهن فيه فضل عظيم وثواب جزيل. وفي هذه الوصية بنات ابطال لما كان عليه اهل الجاهلية تجاه الانثى. فحالهم معها شنيعة واخبارهم فيها فظيعة فاذا بشر احدهم بالانثى لم يطق ذلك واسود وجهه وتوارى من الناس من سوء الخبر عنده وعندهم وبلغ الحال بكثير منهم الى ان يئد الانثى. قال الله تعالى واذا الموؤدة سئلت باي ذنب قتلت. فجاءت هذه حديث نبوية العظيمة مدحضة لهذه الجاهلية معظمة من شأن البنات حثة على العناية بهن والفرح والاحسان في تربيتهن وتنشئتهن النشأة الصالحة. لينال المسلم هذا الثواب العظيم والاجر الجزيل ومصيبة الناس في هذا الباب تأتي من جهتين اما من الوقوع في جاهلية اهل الجاهلية من كراهية الانثى وبوجودها او من جهة تضييع الانثى وعدم تربيتها والمحافظة عليها وتركها بدون تربية فتضيع نهبا للوحول وكل من الامرين غاية في الخطورة وتأتي هذه الاحاديث لتعالج ذلك كله. وان الواجب على من اكرمه الله سبحانه بالانثى ان يفرح بهذه العطية ان يحمد الله على هذه الهبة وان يسأل الله المعونة على القيام بهذه الامانة وان يعنى بتربيتها وتنشئتها واصلاحها وتأديبها الى ان تذهب الى بيت زوجها وقد ربيت التربية الصحيحة ونشأت التنشئة القويمة لتكون عتقا له وحجابا من النار هذا ومن وفق لصلاح ابنائه وهدايتهم واستقامتهم فليحمد الله. فهذا محض منه وفضله سبحانه ولا يلتفت الى ما بذل من اسباب او وجد عنده من اساليب فالمنة لله وحده. قال ما لك بن انس رحمه الله الادب ادب الله لا ادب الاباء والامهات والخير خير الله لا خير الاباء والامهات. وقال نمير بن اوس كانوا يقولون الصلاح من الله والادب من الاباء وفي هذا تسلية لكل من بذل من الصالحين جهودا في اصلاح ولده فلم يصلحه. فاجره فيما بذل لهم من نصح وتربية ثابت عند الله ولا يضيع سبحانه اجر المصلحين. وفيه ذكرى لمن اكرمه الله بصلاح ذريته الا ينظر الى جهوده في تأديبهم وتربيتهم فانما ذاك الصلاح والادب فيهم محض فضل الله عليه له الحمد سبحانه اولا واخرا وله الشكر ظاهرا وباطنا. نسأله بكل اسم هو له ان يصلح ابنائنا وان يجعلهم لنا قرة عين. وان يعيذنا واياهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن. انه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو اهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وال اله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته