بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فان من محاسن الشريعة وكمال الاخلاق التي دعت اليها العناية باليتيم وهو من فقد اباه وهو دون البلوغ ولا يتمى بعد البلوغ ويلحق به مجهول النسب فانه في حكم اليتيم لفقده لوالديه بل هو اشد حاجة من معروف النسب بعدم معرفة قريب يلجأ اليه عند الضرورة فمن يكفل طفلا مجهول النسب فانه داخل في الاجر المترتب على كفالة اليتيم وقد ذكر الله سبحانه اليتيم في كتابه في اكثر من عشرين موضعا يدعو فيها الى الاحسان اليه. ويحذر سبحانه وتعالى من ظلمه والاعتداء على امواله او اكل شيء من حقوقه قال الله تعالى واذ اخذنا ميثاق بني اسرائيل لا تعبدون الا الله وبالوالدين احسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا واقيموا الصلاة واتوا الزكاة ثم توليتم الا قليلا منكم وانتم معرضون فاكد على الاحسان الى اليتيم كما هو متأكد للوالدين وذي القربى وقال الله تعالى ارأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين وقال الله تعالى فاما اليتيم فلا تقهر قال الحافظ ابن كثير رحمه الله اي كما كنت يتيما فاواك الله فلا تقهر اليتيم اي لا تذله وتنهره وتهينه ولكن احسن اليه وتلطف به ولقد كان صلى الله عليه وسلم كذلك فهو ارحم الناس باليتيم وارأفهم به حتى قال من عظيم شفقته على اليتيم ورحمته له انا وكافل اليتيم كهاتين عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال انا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وقال باصبعيه السبابة والوسطى رواه البخاري وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كافل اليتيم له او لغيره انا وهو كهاتين في الجنة واشار بالسبابة والوسطى رواه مسلم وفي هذا اشارة الى انه يكون مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة ولا يعني ذلك ان يكون في درجته لان اعلى درجة في الجنة لا ينالها الا رجل واحد وهي له وحده صلى الله عليه وسلم قال الحافظ ابن حجر وفيه اشارة الى ان بين درجة النبي صلى الله عليه وسلم وكافل اليتيم قدر تفاوت ما بين السبابة والوسطى ويكفي في اثبات قرب المنزلة من المنزلة انه ليس بين الوسطى والسبابة اصبع اخرى. انتهى كلامه رحمه الله فلو لم يأتي في هذا الباب الا هذا لكفى بيانا لفضل كفالة اليتيم ورعايته والاحسان اليه قال الحافظ ابو عمر ابن عبد البر رحمه الله وهذه فضيلة عظيمة الى كل من ضم يتيما الى مائدته وانفق عليه من طوله. فاذا كان مع ذلك من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا نال ذلك وحسبك بها فضيلة وقربة من منزل النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة وليس بين السبابة والوسطى في الطول ولا في اللصوق كثير وان كان نسبة ذلك من سعة الجنة كثيرا وقال ابن بطال رحمه الله حق على كل مؤمن يسمع هذا الحديث ان يرغب في العمل به ليكون في الجنة رفيقا للنبي صلى الله عليه وسلم ولجماعة النبيين والمرسلين صلوات الله عليهم اجمعين ولا منزلة عند الله في الاخرة افضل من مرافقة الانبياء معاشر الكرام وكفالة اليتيم تكون بالانفاق عليه وكسوته وايضا بتربيته وتأديبه وتنشأته على الصلاح والاستقامة فليست الكفالة باطعامه الطعام وتغذيته بدنيا وتوفير اللباس له فقط بل وايضا مع ذلك بتغذيته الغذاء الروحي القلبي بالتربية على الاسلام والتأدب باداب الشريعة واخلاق هذا الدين وتنشأته النشأة الصالحة والاخذ بيد ليسلك طريق الاستقامة والمحافظة على طاعة الله سبحانه وتعالى وعن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الساعي على الارملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله واحسبه قال وكالقائم لا يفتر وكالصائم لا يفطر متفق عليه والارملة هي المرأة التي لا زوج لها اما لكونها لم تتزوج او لكونها مات عنها او فارقها وقيل ان الارملة هي من مات عنها زوجها وقد تكون ارملة ومعها منه اولاد وسميت ارملة من الارمال وهو الفقر وذهاب من ينفق عليها ويقوم على حاجتها وهو بعلها واذا كان لها منه اولاد وترملت فان الحاجة عندها اشد واعظم لان الحاجة اصبحت لها ولاولادها ولهذا بوب لهذا الحديث عند غير واحد من اهل العلم بباب السعي على الارملة واليتيم قوله كالمجاهد في سبيل الله فيه بيان ان هذا باب من ابواب الجهاد العظيمة وقوله وكالقائم لا يفتر وكالصائم لا يفطر فيه فضيلة من يسعى على الارملة واليتيم. وان درجة من قام بذلك كدرجة الذي يصوم النهار ويقوم الليل ليل قال ابن بطال رحمه الله من عجز عن الجهاد في سبيل الله وعن قيام الليل وصيام النهار فليعمل بهذا الحديث وليسعى على الارامل والمساكين ليحشر يوم القيامة في جملة المجاهدين في سبيل الله. دون ان يخطو في ذلك خطوة او ينفق درهما او يلقى عدوا يرتاع بلقائه او ليحشر في زمرة الصائمين والقائمين وينال درجتهم وهو طاعم النهار نائم ليله ايام حياته فينبغي لكل مؤمن ان يحرص على هذه التجارة التي لا تبور ويسعى على ارملة او مسكين لوجه الله فيربح في تجارته درجات المجاهدين والصائمين والقائمين من غير تعب ولا نصب. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وعن ابي الدرداء رضي الله عنه قال اتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يشكو قسوة قلبه قال اتحب ان يلين قلبك وتدرك حاجتك ارحم اليتيم وامسح رأسه واطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك. رواه الطبراني قال الحافظ ابن حجر وسنده حسن يمسح رأسه تلطفا واناسا له ويطعمه من طعامه فلا يؤثر نفسه عليه بنفيس الطعام يترتب على ذلك قال يلن قلبك اي هو من الاسباب المخلصة من قسوة القلب. وتدرك حاجتك اي تظفر ببغيتك ومطلوبك وفيه ان من ابتلي بداء من الاخلاق الذميمة يكون تداركه بما يضاده من الدواء. فالتكبر يداوى بالتواضع. والبخل بالسخاء وقسوة القلب بالعطف والرأفة وعن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن اليه وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء اليه. رواه ابن ماجة وفي سنده مقال لكن معناه الصحيح فلا شك ان من خير البيوت البيت الذي يحسن اهله فيه لليتيم. ويقومون فيه على كفالته ورعايته والاحسان اليه ويجعلونه مع ولدهم يرعونه كما يرعون ولدهم. فان هذا خير عظيم ينال عليه صاحبه ثوابا معجل في الدنيا وثوابا مؤجلا يوم القيامة فاذا قام الشخص بكفالة اليتيم في بيته محتسبا الاجر طالبا الثواب وجعله مع اولاده وبينهم يرعاه رعايته لاولاده ولا يميزه عليهم ولا يميز اولاده عليه بل يحسن اليه احسانه لاولاده فان هذا سبب خير وبركة بلا شك ولا ريب لهذا البيت لان البركة من الله وهذا محسن الى هذا اليتيم محتسب في ذلك ثواب الله عز وجل واجره فتكون كفالته لهذا اليتيم عنده في بيته سببا للبركة في البيت ومن الوقائع التي يتحدث بها وتذكر قديما وحديثا ان ممن كفل يتيما في بيته ورعاه رعايته ولادة كان له هذا اليتيم في كبره افضل من اولاده عناية به واحسانا اليه ردا للجميل والاحسان وهذه بركة وثواب معجل لكافل اليتيم في الدنيا اما ثوابه المؤجل في الاخرة فهو مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة كما تقدم وعن قتادة رحمه الله قال كن لليتيم كالاب الرحيم. ورد المسكين برحمة ولين. رواه ابن ابي الدنيا في كتابه النفقة على العيال من شأن الاب الرحيم بابنائه انه رفيق بهم عطوف عليهم معامل لهم بالحسنى. واذا اضطر الى تأديب احد منهم فانه يؤدب وهو يستصحب رحمة في قلبه له. ومن كفل يتيما فان عليه ان يصنع به كما يصنع بولده قال الله تعالى فاما اليتيم فلا تقهر قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله اي لا تسيء معاملة اليتيم ولا يضيق صدرك عليه ولا تنهره. بل اكرمه واعطه ما تيسر. واصنع به كما تحب ان يصنع بولدك من بعدك معاشر الاحبة. واذا اردت ان تعرف ما هي احسن معاملة تعامل بها اليتيم الذي كفلته فهي تلك المعاملة التي ترتضيها لولدك من بعدك. فما تحبه لولدك احبه لهذا اليتيم قال الله تعالى وليخشى الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا بان يعاملوهم بما يحبون ان يعامل به من بعدهم ذريتهم الضعاف فقوله كل اليتيم كالاب الرحيم تعد قاعدة في هذا الباب واصلا جامعا في كفالة الايتام وتربيتهم بان يعاملهم معاملة الابناء ويعدهم مثل ابنائه وقال كالاب الرحيم ولم يقل كالاب فقط لانه قد يكون في الاباء من هو غليظ حتى مع ابناءه ليس فيه رحمة لهم او رحمته لهم ضعيفة وعن الحسن البصري رحمه الله ان يتيما كان يحضر طعام ابن عمر رضي الله عنه فدعا بطعام ذات يوم فطلب يتيمه فلم يجده فجاء بعدما فرغ ابن عمر فدعا له ابن عمر بطعام فلم يكن عندهم. فجاءه بسويق وعسل. فقال دونك هذا فوالله ما بنت يقول الحسن وابن عمر والله ما غبن. رواه البخاري في الادب المفرد هذا معاشر الكرام يفيد ان ابن عمر رضي الله عنهما كان حريصا على دوام ملازمة هذا اليتيم لطعامه واذا افتقده وقت الطعام فانه يسأل عنه كما يفيده قوله فطلب يتيمه فلم يجد. فجاء اليتيم بعدما فرغ ابن عمر من الطعام فدعا له ابن عمر بطعام فلم يكن عندهم. اي ان الطعام الذي كان معدا قد انتهى فجاءه بسويق وعسل وقدمه له ولاطفه بقوله فوالله ما غبلت قال هذا تطييبا لخاطره وزيادة في الاحسان اليه. اي ما خسرت بفوات الطعام الذي طعمناه. فهذا الطعام الذي قدم لك طعام اطيب قال الحسن البصري رحمه الله وابن عمر والله ما غبن اي انه ربح ربحا عظيما لاحسانه لهذا اليتيم وكونه صاحب كرم ويد معطاءة وكانت هذه عادة لابن عمر لا يأكل الطعام الا وقد اشرك يتيما معه في اكله فعن ابي بكر ابن حفص ان عبد الله ابن عمر كان لا يأكل طعاما الا وعلى خوانه يتيم. رواه البخاري في الادب المفرد ورواه الخرائط في مكارم الاخلاق عن نافع قال كان ابن عمر لا يأكل طعاما الا وعلى خوانه ايتام. والخيوان ما يوضع عليه الطعام ففيه دليل على حرصه رضي الله عنه على الايتام واشراكهم في طعامه بحيث انه لا يأكل الا وهم معه والله تعالى يقول ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا. اي وهم في حال يحبون فيها ما لا والطعام لكنهم قدموا محبة الله على محبة نفوسهم ويتحرون في اطعامهم اولى الناس واحوجهم مسكينا ويتيما واسيرا ويقصدون بانفاقهم واطعامهم وجه الله تعالى لا يريدون منهم جزاء ولا شكورا عن حمزة بن نجيح ابي عمارة قال سمعت الحسن رحمه الله يقول لقد عهدت المسلمين وان الرجل فمنهم ليصبح فيقول يا اهلي يا اهلي يتيمكم يتيمكم يا اهليه يا اهلي مسكينكم مسكينكم يا اهلي يا اهلي جاركم جاركم واسرع بخياركم وانتم كل يوم تردلون رواه البخاري في الادب المفرد ان ينادي اهله ويستحثهم يقول يتيمكم يتيمكم اي احسنوا اليه واكرموه وقوموا برعايته وان هذا سائد فيمن لقيهم يتواصون برعاية الايتام واطعام المساكين والقيام بحقوق الجار وقد كان عصر الصحابة رضي الله عنهم زاهرا بهذا الاحسان عامرا برعاية الايتام فقد ثبت ان عددا من الصحابة والصحابيات كفلوا ايتاما ويتيمات ظموهم الى بيوتهم وقاموا على رعايتهم والاحسان اليهم فكانوا رضي الله عنهم وارضاهم مأوى الايتام ومنتهى الاحسان. وهكذا الشأن في التابعين ومن تبعهم باحسان وعن اسماء ابن عبيد قال قلت لابن سيرين عندي يتيم قال اصنع به كما تصنع بولدك اضربه كما ولدك رواه البخاري في الادب المفرد اي الذي تحبه وترتضيه لاولادك. عامل به اليتيم الذي كفلته فهذه قاعدة عظيمة جدا يبنى عليها هذا الباب باب تأديب اليتيم وتربيته وكفالته وانها تكون برعاية اليتيم والاحسان اليه كما يحسن الانسان ويرعى اولاده تماما وقوله اضربه ما تضرب ولدك اي اذا احتاج المقام الى الضرب والضرب كما لا يخفى هو اخر الدواء ولا يسار اليه اولا بل لا يسار اليه الا بعد محاولات قبله ومحاولة فيربى ويؤدب ويوجه وينصح ويوعظ ويذكر ويزجر وتستعمل معه انواع ثم اذا لم يرعوي ولم يستفد فانه يضرب ضرب رفق وعطف ورحمة لا ضرب اضرار وايذاء وبطش فيعامله معاملة الاب الرحيم لابنائه وعن زينب امرأة عبدالله بن مسعود رضي الله عنهما قالت كنت في المسجد فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال تصدقن ولو من حليكن وكانت زينب تنفق على عبد الله وايتام في حجرها قال فقالت لعبدالله سل رسول الله صلى الله عليه وسلم ايجزي عني ان انفق عليك وعلى ايتام في حجري من الصدقة فقال سلي انت رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقت الى النبي صلى الله عليه وسلم فوجدت امرأة من الانصار على الباب حاجتها مثل حاجتي فمر علينا بلال فقلنا سل النبي صلى الله عليه وسلم ايجزي عني ان انفق على زوجي وايتام لي في حجري. وقلنا لا تخبر بنا فدخل فسأله فقال قال من هما قال زينب قال اي الزيانب؟ قال امرأة عبد الله قال نعم لها اجران اجر القرابة واجر الصدقة. رواه البخاري فالمرأة التي يموت عنها زوجها ولها منه اولاد ثم تقوم على رعايتهم وكفالتهم والقيام بالنفقة عليهم والاحسان اليهم وتربيتهم وتأديبهم لها ثواب عند الله تبارك وتعالى لقيامها على ايتامها فهي كافلة لهؤلاء الايتام لها اجر كفالة اليتيم بل يجتمع لها في انفاقها عليهم اجران. اجر الصدقة بانفاقها على هؤلاء الايتام والتقرب الى الله عز وجل بهذا العمل الصالح واجر صلة القرابة والاحسان اليهم قال صلى الله عليه وسلم الصدقة على المسكين صدقة وهي على ذي الرحم اثنتان. صدقة وصلة. رواه النسائي ومن جمع هذين الوصفين اليتم والقرابة. فان الانفاق عليه من اقتحام العقبة. اذا كان في يوم جوع وشدة. قال الله تعالى فلا اقتحم العقبة وما ادراك ما العقبة فك رقبة او اطعام في يوم ذي مسربة يتيما ذا مقربة او مسكينا ذا متربة وعن عائشة رضي الله عنها انها قالت جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فاطعمتها ثلاث تمرات فاعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت الى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد ان تأكلها بينهما. فاعجبني شأنها فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ان الله قد اوجب لها بها الجنة او اعتقها بها من النار. رواه مسلم ورواه البخاري ولفظه قال عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت جاءتني امرأة معها ابنتان لها فسألتني فلم تجد عندي الا تمرة واحدة. فاعطيتها فقسمتها بين ابنتيها. ثم قامت فخرجت فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته فقال من يلي من هذه البنات شيئا فاحسن اليهن ان كن له سترا من النار قوله صلى الله عليه وسلم من يلي من هذه البنات شيئا اي يصير واليا قائما على هؤلاء البنات بالنفقة والكفالة والرعاية وخص البنات بالذكر لانهن احوج واضعف وهو بعمومه يتناول من يلي بناته بالرعاية والتربية والاحسان. ومن يلي اليتيمات رعاية وكفالة احسانه ويتناول قيام الارملة على يتيماتها كما هو حال هذه المرأة المسكينة ولهذا بوب له البخاري رحمه الله في كتابه الادب المفرد بقوله باب فضل من يعول يتيما له هذا وقد امر الله عز وجل بحفظ اموال الايتام وحذر من اكلها ظلما ورتب على ذلك اشد العقاب. قال الله تعالى في موضعين من القرآن ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن حتى يبلغ اشده وقال تعالى ان الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون ايران ولما نزلت هذه الاية شق ذلك على الصحابة رضي الله عنهم وعزلوا طعامهم عن طعام اليتامى على انفسهم من تناولها ولو في هذه الحال التي جرت العادة بالمشاركة فيها حتى اشتد عليهم الامر فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما انزل الله عز وجل ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن وان الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما الاية انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه طابه من شرابه فجعل يفضل من طعامه فيحبس له حتى يأكله او يفسد اشتد ذلك عليهم فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فانزل الله عز وجل ويسألونك عن اليتامى قل اصلاح لهم خير. وان تخالطوهم فاخوانكم فخلطوا طعامهم بطعامه وشرابهم بشرابه. رواه ابو داوود فبين لهم ان المقصود اصلاح اموال اليتامى بحفظها وصيانتها والاتجار فيها وان خلطتهم اياهم في طعام او غيره جائز على وجه لا يضار به اليتيم. لانهم اخوانكم ومن ان الاخ مخالطة اخيه والمرجع في ذلك الى النية وسلامة العمل فمن علم الله من نيته انه مصلح لليتيم وليس له طمع في ماله فلو دخل عليه شيء من غير قصد لم يكن عليه بأس ومن علم الله جل وعلا من نيته ان قصده بالمخالطة التوصل الى اكلها وتناولها فذلك الذي اثم وتعرض للوعيد ولذا كان طاووس رحمه الله اذا سئل عن شيء من امر اليتامى قرأ قول الله والله يعلم المفسد من المصلح وكان ابن سيرين احب الاشياء اليه في مال اليتيم ان يجتمع اليه نصحاؤه واولياؤه فينظرون الذي هو خير له وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم اكل مال اليتيم من السبع الموبقات فعن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اجتنبوا السبع الموبقات. قيل يا رسول الله وما قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله الا بالحق واكل مال اليتيم واكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات. متفق عليه وقوله واكل الربا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الاكل لانه اعم وجوه الانتفاع وليس المراد خصوص الاكل بل كل استعمالات مال اليتيم حرام الا ما فيه مصلحة له ولهذا قال الله تعالى في بني اسرائيل واخذهم الربا وقد نهوا عنه ولم يقل اكلهم والاخذ اعم من الاكل فاكل الربا معناه اخذه. سواء استعمله في الاكل او البناء او المسكن او غير ذلك والواجب الاحسان الى اليتيم. لانه فقد اباه وعطفه. فيجب على المسلمين ان يسدوا محل والده بالاحسان اليه رعايته وان كان له مال فيجب عليهم ان يحفظوا ماله حتى يبلغ الرشد فيسلم له ما له كاملا كما قال الله سبحانه وتعالى وابتلوا اليتامى حتى اذا بلغوا النكاح فان انستم منهم رشدا فادفعوا اليهم اموالهم ولا اكلوها اسرافا وبدارا ان يكبروا. الى ان قال تعالى ان الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما انما تأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا لان اليتيم ضعيف لا يستطيع ان يدافع عن ماله فاذا تسلط عليه ظالم واكله فهذا من اعظم الظلم عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اني احرج حق الضعيفين. اليتيم والمرأة رواه ابن ماجة ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم من كان ضعيفا ان يلي مال اليتيم فعن ابي ذر رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا ابا ذر اني اراك ضعيفا واني احب لك ما احب لنفسي لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم. رواه مسلم وانما نهاه صلى الله عليه وسلم عن ذلك لما رأى من ضعفه. وهو صلى الله عليه وسلم يحب هذا لكل ضعيف الا يلي مال اليتيم حتى لا يعرضه للخسارة والضياع هذا معاشر الاحبة الكرام ولا ضير على الانسان ان يولد يتيما وينشأ يتيما بل قد يولد يتيما ويكبر عظيما فيكون من افضل عباد الله واتقاهم واحسنهم قياما بطاعة الله. ويكفي شاهدا لذلك ان سيد ولد ادم صلوات الله وسلامه عليه ولد يتيما مات ابوه وهو حمل في بطن امه وكفله جده عبدالمطلب طلب الى سن الثامنة ثم مات بعد سن الثامنة وكفله عمه ابو طالب. فنشأ عليه الصلاة والسلام يتيما. قال الله تعالى الم يجدك يتيما فاوى ولعل من الحكمة في كونه صلى الله عليه وسلم يتيما ان يعرف قدر الايتام ويعنى بحقوقهم واصلاح شؤونهم. وقد يظن ان اليتم نقص في حق المرء فلما صار محمد عليه الصلاة والسلام نبيا ورسولا كان ذلك تغييرا لهذا المفهوم وقد وجد في الامة عظماء واكابر في العلم والصلاح والنفع العام للامة نشأوا ايتاما وهذا فيه تنبيه لمن يقوم على رعاية يتيم ويحسن في تأديبه وتربيته فما يدريك يا من تحسن اليه قد يكون اماما من ائمة المسلمين. او من خيار المتقين وافاضل عباد الله في كتب لك اجر وتربيته واصلاحه وتأديبه. فهذا الامام احمد والامام الشافعي والاوزاعي والبخاري رحمهم الله وغيرهم كتير. نشأوا ايتاما وما ضرهم يتمهم لا في نشأتهم ولا في عاقبة امرهم ذكر ابن الجوزي في مناقب الامام احمد عن ابي سراج ابن خزيمة وهو ممن كان مع احمد في الكتاب ان والده خزيمة كان يعجب من ادب احمد وحسن طريقته ويقول انا انفق على ولدي واتيهم بالمؤدبين على ان يتأدبوا فما اراهم يفلحون. وهذا احمد ابن حنبل غلام يتيم انظر كيف يخرج وجعل يعجب وقال الحميدي سمعت الشافعي يقول كنت يتيما في حجر امي ولم يكن لها ما تعطيني للمعلم وكان المعلم قد رضي مني ان اقوم على الصبيان اذا غاب واخفف عنه. وقال المزني سمعت الشافعي يقول القرآن وانا ابن سبع سنين وحفظت الموطأ وانا ابن عشر وهذا الامام الجليل ابن باز رحمه الله نشأ يتيما وفقد بصره قبل بلوغه العشرين وهو من هو رحمه الله في الامامة والفضل. وفقنا الله اجمعين لكل خير. واصلح لنا شأننا كله. وهدانا صراطا مستقيما انه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو اهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته