بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فان دين الاسلام دين الاحسان والرحمة والكرم والاخلاق الكريمة وينأى باهله واتباعه من كل سلوك ذميم وتصرف مشين واخلاق سيئة. وينهض بهم في تعاملاتهم وادابهم وجميع شؤونهم الى محاسن الاخلاق وكريم الاداب ويهذب النفوس ويصحح المسار ويحسن التعامل بين عباد الله ويحفظ فيه لكل ذي حق حقه. فهو دين يحفظ الحقوق ولا يضيعها. والموفق من عباد الله من حرمه الله جل وعلا بالتحلي باخلاق الشريعة الكاملة وادابها الفاضلة التي فيها سعادة الناس وفلاحهم في الدنيا والاخرة وباب الحقوق معاشر الكرام باب مبارك حيث جاءت الشريعة فوضعت الامور في محالها والتعاملات في مواضعها. وجاءت باعطاء كل ذي حقا فليس في شريعة الاسلام حقوق تضيع او واجبات تهدر الا ممن ضعف دينهم ورق اسلامهم ضعفت صلتهم بربهم جل وعلا اما من كان محافظا على دينه مشفقا من ربه مجاهدا نفسه على تحقيق اسلامه فانه من اعظم الناس حفظا الحقوق ورعاية لها والحقوق معاشر الكرام في الاسلام كثيرة. منها حقوق العمال. وهو موضوع حديثنا هنا والخطاب فيه لكل من اكرمهم الله عز وجل فاصبح تحت يديه عمال وخدم يستعملهم في مصالح متعددة ويستأجرهم لشؤون متنوعة فان الشريعة قد جاء فيها في هذا الباب العظيم ما يهذب الخلق بين المخدومين وخادميهم. والمستأجرين واجرائهم واصحاب الاعمال وعمالهم واعظم شيء في هذا الباب ان يكون التعامل مع هؤلاء قائما على رحمة الاسلام فان من لا يرحم لا يرحم. يقول عليه الصلاة والسلام ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء. ويقول عليه الصلاة والسلام امن لا يرحم لا يرحم اي من لا يرحم عباد الله لا ينال رحمة الله. والجزاء من جنس العمل فمن رحم عباد الله رحمه الله ومن لم يرحمهم لم يفز برحمة الله جل وعلا ومن اعظم الواجبات في هذا المقام. الحذر الشديد من الظلم فان الظلم ظلمات يوم القيامة والواجب على الاغنياء واهل اليسار ان يتقوا دعوة المظلوم فانه ليس بينها وبين الله حجاب عن عبد الله بن انيس رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يحشر الناس يوم القيامة او على العباد عراة غرلا بهما. قال قلنا وما بهما؟ قال ليس معهم شيء اي ان كانوا ذات جارة فليس معهم من تجارتهم شيء. وان كانوا ذا مال فليس معهم من المال شيء. ثم يناديهم يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب. انا الملك انا الديان ولا ينبغي لاحد من اهل النار ان يدخل النار وله عند احد من اهل الجنة حق حتى اقصه منه ولا ينبغي لاحد من اهل الجنة ان يدخل الجنة ولاحد من اهل النار عنده حق حتى اقصه منه حتى اللطمة قال قلنا كيف؟ وانا انما نأتي الله عز وجل عراة غرلا بهما. قال بالحسنات والسيئات. رواه احمد يوضح ذلك الحديث الاخر المشهور عند اهل العلم بحديث المفلس عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اتدرون ما المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال ان المفلس من امتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا فهذا واكل مال هذا وسفك دم هذا وظرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل ان يقضى ما عليه اخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار. رواه مسلم ان العاقل الحصيف المنصف مع نفسه المريد لسعادتها في الدنيا والاخرة. يحاذر اشد الحذر من ان يكون من المفلسين يوم القيامة ولا يستغل قدرته على العمال وقوته وتمكنه من تضييع حقوقهم ان يضيعها. فان ما ضاع من الحقوق في الدنيا لا يضيع يوم القيامة عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله ثلاثة انا خصمهم يوم القيامة. رجل اعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا فاكل ثمنه. ورجل استأجر اجيرا فاستوفى منه يعطه اجره. رواه البخاري فمن كان هذا شأنه فرب العالمين جل وعلا هو خصمه يوم القيامة. ومن كان خصمه الله فما اعظم خسرانه وما اشد هوانه وهو سبحانه وتعالى خصم لجميع الظالمين. الا انه اراد التشديد على هؤلاء بالتعيين. وان هذه الخصال جرائم كبار وخطايا عظام يتعين الحذر منها عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اعطوا الاجير اجره قبل ان يجف فراقه رواه ابن ماجة اي ينشف عرقه لانها اجرة لتعب جسده وكد بدنه. فاذا وفى العامل وعجلها استحق التعجيل ومن شأن الباعة اذا سلموا السلع قبضوا ثمنها عند التسليم. فهؤلاء العمال احق واولى. اذ كان اجرهم ثمن مهجته لا ثمن سلعته. فيحرم مطله والتسويف به مع القدرة فالامر باعطائه قبل جفاف عرقه فيه تأكيد على وجوب المبادرة باعطائه حقه عقب فراغ العمل مباشرة عن المعرور ابن سويد قال لقيت ابا ذر بالربدة وعليه حلة وعلى غلامه حلة فسألته عن ذلك فقال اني ساببت رجلا فعيرته بامه. فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم يا ابا ذر اعيرته بامه؟ انك امرؤ فيك جاهلية. اخوانكم خونكم. جعلهم الله تحت ايديكم فمن كان اخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس. ولا تكلفوهم ما يغلبهم ان كلفتموهم فاعينوهم رواه البخاري وهذا الحديث في الارقاء والعبيد ولكن يلحق بهم كما ذكر اهل العلم الاجير والخادم والسائق ونحوهم وفي الحديث النهي عن سب العبيد ومن في معناهم وتعييرهم بابائهم والحث على الاحسان اليهم والرفق بهم. وان التفاضل الحقيقي بين المسلمين انما هو بالتقوى. قال الله تعالى ان اكرمكم عند الله اتقاكم قوله ولا تكلفوهم ما يغلبهم وفي رواية ولا تكلفهم ما لا يطيقون. هذا نظير قول شعيب بموسى عليه السلام حين اراد ان يعمل له في رعاية ماله وما اريد ان اشق عليكم فللعامل الحق في الراحة. فلا يجوز لصاحب العمل ان يحمله ما يشق عليه او يضر بصحته او يجعله عاجزا عن العمل عن عائشة رضي الله عنها ان رجلا قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان لي مملوكين. يكذبونني ويخونونني ويعصونني واشتمهم واضربهم. فكيف انا منهم قال يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك اياهم فان كان عقابك اياهم بقدر ذنوبهم كان كفافا لا لك ولا عليك وان كان عقابك اياهم دون ذنوبهم كان فظلا لك وان كان عقابك اياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل قال فتنحى الرجل فجعل يبكي ويهتف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اما تقرأ كتاب الله ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وان كان مثقال حبة من خردل اتينا بها وكفى بنا حاسبين فقال الرجل والله يا رسول الله ما اجد لي ولهم شيئا خيرا من مفارقتهم اشهدك انهم احرار كلهم رواه الترمذي فليراجع المرء نفسه في كل ما يتعامل به مع الناس. فان كان يمضي فيه بالتجوز والتخفف فالامر كفاف لا له ولا عليه والا فليكن في غاية اليقظة لئلا يحمل نفسه من مظالم العباد ما يكون ندامة يوم القيامة وان يذكر نفسه دائما بالوقوف بين يدي الله وبالحساب وان الموازين تنصب يوم القيامة وتؤدى الحقوق لاصحابها فيبعثه ذلك على اخذ الحيطة والحذر. ومع ذلك يسأل ربه سبحانه وتعالى دائما النجاة والمعونة والتوفيق والسداد فان الامر بيده وحده سبحانه وتعالى عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لتؤدن الحقوق الى اهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء. رواه مسلم قد نرى معاشر الكرام شاة تنطح اخرى ونظن ان الامر قد انتهى وليس الامر كذلك. بل ان هذه البهائم والوحوش والطير والدواب كلها تحشر يوم ياما قال الله تعالى وما من دابة في الارظ ولا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم ما في الكتاب من شيء ثم الى ربهم يحشرون. وقال الله جل وعلا واذا الوحوش حصرت تحشر ويقتص لبعضها من بعض روى الامام احمد في مسنده عن ابي ذر رضي الله عنه قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فنظرنا لشاتين تنتطحان فقال يا ابا ذر هل تدري فيما تنتطحان؟ قلت لا ادري قال لكن الله يدري وسيقظي بينهما اي يوم القيامة وهذا القصاص بين هذه الدواب والوحوش والطير يوم القيامة ليس من باب التكليف لانها ليست مكلفة ولكنه من باب اقامة العدل واظهار كماله في ذلك اليوم لجميع الخلائق عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت له مظلمة لاخيه من عرظه او شيء فليتحلله منه اليوم قبل الا يكون دينار ولا درهم. ان كان له عمل صالح اخذ منه بقدر مظلمته ان لم تكن له حسنات اخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. رواه البخاري لقد نصح النبي صلى الله عليه وسلم امته نصحا عظيما وحذرهم من الظلم واخبرهم ان الظلم ظلمات يوم القيامة فالواجب على العبد الناصح لنفسه ان يتقي الظلم وان يحذره اشد الحذر ومن اكرمه الله ومن عليه بان يسر له خدما وعمالا وسائقين يستعملهم في مصالحه المتنوعة عليه ان يتذكر انهم اخوانه. ومن كان اخوه تحت يده فالواجب عليه ان يعامله اطيب معاملة واحسنها تحقيقا للرابطة الايمانية والاخوة الدينية عن نعمان ابن بشير رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم تعاطفهم مثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى رواه مسلم وهذه المعاني السامية ليست مختصة بطبقة من الناس بل تشمل جميع طبقاتهم الاغنياء والفقراء الاصحاء والمرضى الخدم والمختومين. واذا استمسك المؤمنون بها تحققت المصلحة للجميع معاشر الاحبة وباب حفظ الحقوق باب عظيم تترتب عليه خيرات متنوعة واثار مباركة يفوز بها من ادى هذه الحقوق في دنياه واخراه ومن ذلك ان اداء حقوق العمال يترتب عليه من المصالح والمنافع والخيرات تيسروا الارزاق وانشراح الصدور وتيسر الامور والعون والتوفيق والتسديد من رب العالمين ويترتب على ذلك اجابة الدعاء وتحقيق الرجاء الى غير ذلك من المصالح عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبل لكم حتى اوى المبيت الى غار فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا انه لا ينجيكم من هذه الصخرة الا ان تدعوا الله بصالح اعمالكم فقال رجل منهم اللهم كان لي ابوان شيخان كبيران وكنت لا اغمق قبلهما اهلا ولا مالا فنأى بي في طلب شيء يوما فلم ارح عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين وكرهت ان اغمق قبلهما اهلا او مالا فلبثت والقدح على يدي انتظر استيقاظهما حتى برق الفجر فاستيقظ فشرب غبوقهما اللهم ان كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج وقال الاخر اللهم كانت لي بنت عم كانت احب الناس الي فاردتها عن نفسها فامتنعت مني حتى المت بها سنة من السنين فجاءتني فاعطيتها عشرين ومئة دينار على ان تخلي بيني وبين نفسها ففعلت حتى اذا قدرت عليها قالت لا احل لك ان تفض الخاتم الا بحقه فتحرجت من الوقوع عليها فانصرفت عنها وهي احب الناس الي وتركت الذهب الذي اعطيتها. اللهم ان كنت فعلت ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة غير انهم لا يستطيعون الخروج منها قال النبي صلى الله عليه وسلم وقال الثالث اللهم اني استأجرت اجراء فاعطيتهم اجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب فثمرت اجره حتى كثرت منه الاموال فجاءني بعد حين فقال يا عبد الله ادي الي اجري فقلت له كل ما ترى من اجرك من الابل والبقر والغنم والرقيق فقال يا عبد الله لا تستهزئ بي فقلت اني لا استهزئ بك فاخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا اللهم فان كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون. رواه البخاري فهؤلاء ثلاثة نفر اطبقت عليهم صخرة في غار ولو بقوا محبوسين فيه لايام قلائل هلكوا تتوسل كل واحد منهم بقيامه بالحقوق ووفائه بها اما احدهم فتوسل الى الله عز وجل بقيامه بحق والديه واما الثاني فتوسل الى الله عز وجل بقيامه بحق حفظ الاعراض وعدم انتهاكها واما الثالث فتوسل الى الله عز وجل بالوفاء بحقوق العمال بتوفيته للاجير اجره بعد ان نماه فكثر كثرة تطمع النفس فانفرجت عنهم الصخرة. وانفراج الصخرة دليل على تيسر الامور وانفراج الخير وابوابه وانفتاحه للمحسنين القائمين بالحقوق على وجهها المتممين لها. وان هذا من اعظم الوسائل هبة الى الله والمكسبة رضاه وارقى تعامل مع الخدم عرفه التاريخ واعلاه هو تعامل النبي صلى الله عليه وسلم قدوة العالم امين عن انس رضي الله عنه قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة اخذ ابوطلحة بيدي فانطلق بي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان انسا غلام كيس فليخدمك قال فخدمته في السفر والحضر والله ما قال لشيء صنعته لم صنعت هذا هكذا ولا لشيء لم اصنعه لما لم تصنع هذا هكذا متفق عليه وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين. والله ما قال لي اف قط ولا قال لي لشيء لم فعلت كذا؟ وهلا فعلت كذا؟ متفق عليه وعن انس رضي الله عنه قال خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما امرني بامر فتوانيت عنه او ضيعته فلامني فالامن احد من اهل بيته الا قال دعوه فلو قدر او قال لو قضي ان يكون كان رواه واحمد وعن عائشة رضي الله عنها قالت ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادما له قط ولا امرأة ولا ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده شيئا قط الا ان يجاهد في سبيل الله رواه احمد قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله وخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن اكمل الاخلاق وقد كان من خلقه انه لا ينتقم لنفسه واذا انتهكت محارم الله لم يقم لغضبه شيء حتى ينتقم لله فيعفو حقه ويستوفي حق ربه. والناس في الباب اربعة اقسام منهم من ينتصر لنفسه ولربه. وهو الذي يكون فيه دين وغضب. ومنهم من لا ينتصر لا لنفسه ولا لربه هو الذي فيه جهل وضعف دين ومنهم من ينتقم لنفسه لا لربه وهم شر الاقسام واما الكامل فهو الذي ينتصر لحق الله ويعفو عن حقه. انتهى كلامه رحمه الله وقد كان عليه الصلاة والسلام يعامل خدمه بما ارشده الله سبحانه وتعالى اليه في قوله خذ العفو وامر عرفي واعرض عن الجاهلين والعفو ما عفا من اخلاق الناس وما تيسر. اي خذ من الناس ما تيسر من طباعهم واخلاقهم. ولا تطلب ان يكونوا لك على ما تريد في كل لشيء ومن اراد ان يكون الناس له على ما يريد في كل شيء فاته كل شيء. ولكن يأخذ ما تيسر فان جاء على ما يحب فبها. وان جاء على خلافه فلا يغضب. هكذا كان خلقه صلى الله عليه وسلم وكان صلى الله عليه وسلم لشدة حيائه لا يواجه احدا بما يكره بل تعرف الكراهة في وجهه كما في الصحيحين عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم اشد حياء من العذراء في خدرها فاذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه وانس رضي الله عنه خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنوات وهي مدة ليست قليلة ومع طول هذه المدة قال ما قال لي صلى الله عليه وسلم اف قط ولا قال لشيء فعلته لما فعلته كذا. حتى الاشياء التي يفعلها انس اجتهادا منه ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم لما يؤنبه او يوبخه او يقول لما فعلت كذا؟ مع انه خادم وكذلك ما قال لشيء لم يفعله لم لم تفعله كذا وكذا وعن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اذا اتى احدكم خادمه بطعامه فان لم يجلسه معه فليناوله لقمة او لقمتين او اكلة او اكلتين فانه ولي علاجه. رواه البخاري عليكم قوله فانه ولي علاجه هذا تعليل لان الخادم ولي معالجة الطعام واحضاره فهو الذي يذهب للسوق وهو الذي يجلب حاجة المرء ويوصلها الى بيته فليطعمه منه لانه ولي هذا الامر وقوله فان لم يجلسه معه فليناوله لقمة او لقمتين. قد يكون الامتناع احيانا من الخادم بان يمتنع او يستحي فاذا لم يقبل الخادم او لم يحب صاحبه ان يطعن معه فلا حرج عليه في ذلك. ولا يلزمه ان يجلسه معه على مائدته لكن الذي يجب عليه ان يطعمه منه فان كان الطعام قليلا اعطاه من قليلة. وان كان كثيرا زاده وعن ابي العالية رحمه الله قال كنا نؤمر ان نختم على الخادم ونكيل ونعدها كراهية ان يتعود خلق سوء او يظن احدنا ظن سوء ومعنا نختم على العامل اي نعد عليه الاشياء. فاذا ارسله مثلا بثلاثين درهما ليوصلها الى مكان او لشخص او يشتري بها فانها يعدها عليه ويقول هذه ثلاثين وفي هذا الختم فائدتان احداهما تتعلق بالخادم والاخرى تتعلق بصاحبه اما المتعلقة بالخادم فهي ان يصان عن الذنب فلا تحدثه نفسه ان يدرك لانه ان اذنب فذنبه مكشوف لان امور من يعمل عنده مضبوطة يعرفها دائما بالعدد بخلاف شخص لا يضبط الامور ولا يختم ولا ينتبه لها. فاذا كان في الخادم شيء من التوجه السيء فان نفسه ستحدد لثوب الاختلاس لان من يعمل عنده لا يضبط الامور واما الفائدة المتعلقة بصاحبه فهي الا يسيء الظن بمن يتعامل معهم سواء الخدم او غيره وهذا يستفاد منه ان من الخير للمرء ان يضبط ما عنده كيفا وعددا حتى لا يسيء الظن بمن يعملون عنده ومن يعملون عنده ايضا لا تحدثهم نفوسهم بالغلط لانه يضبط قوله كنا نؤمر ان نختم على الخادم ونكيل ونعدها كل هذا من باب ظبط الامور ومعرفتها فان كان مكيلا وان كان معدودا يعد فتضبط الامور ويكون التعامل مع الخادم دائما مضبوطا قوله كراهية ان يتعودوا خلق سوء اي الخدم حتى لا يتخلق بخلق سوء لانه ان وجد من يتعامل معه لا يضبط الامور فلربما دعته نفسه الى خلق سوء اما سرقة او اختلاس او شيء من هذا وقوله او يظن احدنا ظن سوء فقد يكون الخادم بريئا. ومن يتعامل معه لا يظبط الامور ثم قد تحدثه نفسه فيقول لعله اخذ لعله سرق لكونه لا يضبط الامور وعن سلمان رضي الله عنه قال اني لاعد العراة على خادم مخافة الظن والعراق جمع عرق وهو العظم الذي اخذ منه اكثر لحمه. اي اذا اعطيته قطعا من اللحم ليوصله ها فاني اعدها مخافة الظن وعن المقدام قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ما اطعمت نفسك وصدقة وما اطعمت ولدك وزوجتك وخادمك فهو صدقة اي اذا قصد بالنفقة عليهم طلب الثواب واحتساب الاجر عند الله. فبهذه النية تكون صدقة ففي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى واما اذا لم تكن بنية احتساب الاجر والثواب عند الله فانه بها يسقط الواجب وتبرأ الذمة. اما نيل الاجر والثواب فلا يكون الا الا باحتساب الاجر ولهذا جاء التصريح بهذا القيد في بعض الاحاديث قال صلى الله عليه وسلم ان المسلم اذا انفق على اهله نفقة وهو يحتسبها كانت له صدقة اي يحتسبها عند الله تبارك وتعالى اجرا وثوابا فاذا انفق على من تلزمه نفقتهم وهو يحتسب نفقته عند الله تبارك وتعالى كتب له صدقة واثيب عليه ثواب المتصدقين وقوله ما اطعمت نفسك فهو صدقة وما اطعمت ولدك وزوجتك وخادمك فهو صدقة تأمل عظيم المن وواسع فضل الله. من عليك بالطعام وبالمال ثم اذا اخذت طعاما تشتهيه وشرابا تحتاج اليه وطعمته تحتسب اجره عند الله كتب لك صدقة تؤجر فيها اجر المتصدقين ولهذا فنية الصالحة شأنها عظيم. وفيها بركة لا يعلمها الا الله سبحانه فعندما ينوي العبد في اعماله ودخوله وخروجه وقيامه وقعوده واكله وشربه قومه وتعامله مع خدمة وعماله كل ذلك يحتسبه عند الله عز وجل. فعند اذ تتبدل العادات الى عبادات. ويؤجر عليها العبد ويثاب ومن المواقف الجميلة في اكرام الخادم والاهتمام بامره قصة زواج ربيعة بن كعب خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربيعة بن كعب الاسلمي قال كنت اخدم النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم يا ربيعة الا تتزوج قال فقلت لا والله يا رسول الله ما اريد ان اتزوج ما عندي ما يقيم المرأة وما احب ان يشغلني عنك شيء قال فاعرض عني ثم قال لي بعد ذلك يا ربيعة الا تتزوج؟ قال فقلت لا والله يا رسول الله ما اريد ان اتزوج وما عندي ما يقيم المرأة وما احب ان يشغلني عنك شيء فاعرض عني قال ثم راجعت نفسي فقلت والله يا رسول الله انت اعلم بما يصلحني في الدنيا والاخرة. قال وانا اقول في نفسي لان قال الثالثة لاقولن نعم قال فقال لي الثالثة يا ربيعة الا تتزوج؟ قال فقلت بلى يا رسول الله مرني بما شئت او بما احببت؟ قال انطلق الى ال فلان الى حي من الانصار فيهم تراخ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل لهم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤكم السلام ويامركم ان تزوجوا وربيعة فلانة امرأة منهم قال فاتيتهم فقلت لهم ذلك قالوا مرحبا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لا يرجع رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم الا بحاجته قال فاكرموني وزوجوني وانطفوني. رواه الحاكم. واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لما يحب يحبه ويرضاه من سديد الاقوال وصالح الاعمال انه سميع قريب مجيب. وصلى الله وسلم على نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته