بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فان من الامور العظيمة التي ندبت اليها الشريعة الاسلامية وحثت على فعلها والعناية بها لزوم الادب وتكميله وتحسين الخلق وتهديبه وتجنب الاخلاق الذميمة والبعد عنها وان من سيء الاخلاق وذميمها التي لا ينبغي للمسلم ان يكون متصفا بها الطعن واللعن عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء. رواه الترمذي والطعان هو الذي يقع في اعراض الناس غيبة ونميمة وسخرية واستهزاء واللعان هو الذي يكثر من لعنهم سواء بلفظ اللعن صريحا او بالالفاظ المؤدية الى ذلك كالدعاء عليهم بغضب الله او دخول النار او الخزي في الدنيا والاخرة ونحو ذلك وقوله صلى الله عليه وسلم ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان اي ليس المؤمن الذي كمل الايمان الواجب طعانا ولا لعانا فليس هذا من خلقه ولا من صفته ومن كان متخلقا بهذا الخلق فهذا دليل على نقص بايمانه الواجب وضعف دينه وقوله صلى الله عليه وسلم ولا الفاحش ولا البذيء اي ليس متخلقا بهذين الخلقين الفحش والبذاء والمراد بالفحش ما كان في الفعال والبذاء ما كان في المقال فالمؤمن ليس في افعاله فحش وليس في اقواله بذاء. فافعاله نقية من الفحش وهو القبيح والسيء من الافعال وايضا اقواله نقية من البذاء وهو السيء والقبيح من الاقوال. بعيد عن هذه الخلال حذر منها ودين الله عز وجل مبناه في التعامل بين عباد الله على النصح والرحمة. ومن يكثر من الطعن في الناس ليس ناصحا لهم ومن يكثر من لعنهم ليس رحيما بهم ولهذا من كان من اهل هذين الوصفين الطعن واللعن فانه ليس اهلا يوم القيامة ان يكون شفيعا ناس او شهيدا لهم عن زيد ابن اسلم ان عبدالملك ابن مروان بعث الى ام الدرداء بامجاد من عنده فلما ان كان ذات ليلة قام عبد الملك من الليل فدعا خادمه فكأنه ابطأ عليه فلعنه فلما اصبح قالت له ام الدرداء سمعتك الليلة لعنت خادمك حين دعوته فقالت سمعت ابا الدرداء يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة. رواه مسلم وذلك لان الناس لم يسلموا منهم في الحياة الدنيا من لعنهم وطعنهم فلا يكونون اهلا يوم القيامة للشهادة لهم بالخير او الشفاعة لهم عند الله فهذا مقام علي عظيم ليس هؤلاء باهل الله قال ابن القيم رحمه الله فان الشهادة من باب الخبر والشفاعة من باب الطلب ومن يكون كثير الطعن على الناس وهو الشهادة عليهم بالسوء وكثير اللعن لهم وهو طلب السوء لهم لا يكون شهيدا عليهم ولا شفيعا لهم لان الشهادة مبناها على الصدق وذلك لا يكون في من يكثر الطعن فيهم ولا سيما في من هم اولى بالله ورسوله منه والشفاعة مبناها على الرحمة وطلب الخير وذلك لا يكون ممن يكثر اللعن لهم ويترك الصلاة عليهم وقال رحمه الله لان اللعن اساءة بل من ابلغ الاساءة والشفاعة احسان فالمسيء في هذه الدار باللعن يسلبه الله الاحسان في الاخرة بالشفاعة. فان الانسان انما يحصد ما يزرع والاساءة مانعة من الشفاعة التي هي احسان واما منع اللعن من الشهادة فان اللعن عداوة وهي منافية للشهادة. ولهذا كان النبي صلى الله الله عليه وسلم سيد الشفعاء وشفيع الخلائق لكمال احسانه ورأفته ورحمته بهم صلوات الله وسلامه عليه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال في قوله تعالى وجيء بالنبيين والشهداء. قال النبيون الرسل والشهداء الذين يشهدون بالبلاغ ليس فيهم طعان ولا لعان وعن قتادة رحمه الله قال قال ابن عمر رضي الله عنهما ابغض عباد الله الى الله كل لعان وروى ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسيره عن قتادة رحمه الله انه قرأ قول الله عز وجل في ذكر دعاء الخليل عليه السلام فمن تبعني فانه مني ومن عصاني فانك غفور رحيم. ثم قال اسمعوا الى قول خليل الله. ابراهيم عليه السلام لا والله ما كانوا طعانين ولا لعانين. ثم قال كان يقال ان من اشر عباد الله كل طعان لعان ثم تأمل في الاية كيف ان خليل الرحمن ابراهيم عليه السلام عندما ذكر العصاة لم يقل اللهم اخزهم اللهم العنهم او نحو ذلك وانما قال ومن عصاني فانك غفور رحيم. اشفق عليهم ورحمهم فدعا لهم بالمغفرة والرحمة وهو مقام جدير اي والله بالتأمل والسلوك. فهو نهج النبيين عليهم صلوات الله وسلامه عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قدم طفيل ابن عمرو الدوسي واصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله ان دوسا عصت وابت فادعوا الله عليها فقيل هلك الدوس قال صلى الله عليه وسلم اللهم اهد دوسا وات بهم متفق عليه وفي رواية البخاري فظن الناس انه يدعو عليهم فقال اللهم اهد دوسا واتي بهم قال ذلك الطفيل وهو دوسي غضبا لله حيث بلغ الاستياء عنده مبلغا عظيما من حال قومه لكن لما طلب من النبي عليه الصلاة والسلام استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلة ورفع يديه كما ثبت في بعظ روايات الحديث وظن الناس عندما رأوه مستقبلا القبلة رافعا يديه في هذا المقام ظنوا انه سيدعو عليهم لان الذي طلب منه ان يدعو عليهم فقال بعضهم هلك الدوس لان دعاءه عليه الصلاة والسلام مستجاب فقال اللهم اهد دوسا واتي بهم فدعا الله لهم ان يهديهم. وقد استجاب الله سبحانه وتعالى دعاءه وهدى اكثرهم الى هذا الدين وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال قيل يا رسول الله ادع على المشركين قال اني لم ابعث لعانا وانما بعثت رحمة. رواه مسلم والله تعالى يقول وما ارسلناك الا رحمة للعالمين ومن رحمته صلى الله عليه وسلم للعالمين انه كان يدعو للكفار بالهداية والدخول في الدين قال اني لم ابعث لعانا وانما بعثت رحمة. قال ذلك في هذا المقام الذي طلب فيه الدعاء المشركين لاشتداد اذاهم فهذا يفيد ان المؤمن لا يكون لعانا واذا تأملنا معاشر الاحبة الكرام واقع الصحابة رضي الله عنهم العملي وما كانوا عليه من سرعة استجابة للرسول صلى الله عليه وسلم فيما يأمرهم به او يحذرهم عنه نرى في ذلك عجبا من سرعة الاستجابة وكمال الانقياد. وهذا مقام يطول بذكر الامثلة عليه. لكن اشير الى شاهدين عظيمين نفيسين جليلين عن سالم ابن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال ما سمعت عبد الله لاعنا احدا قط ليس انسانا اي الا انسانا واحدا وكان سالم يقول قال عبدالله ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينبغي للمؤمن ان يكون لعانا. رواه البخاري في الادب المفرد فانظر اخي رعاك الله الى حال ابن عمر رضي الله عنهما منذ سمع هذا الحديث لم يسمع منه لعن قط الا مرة واحدة وقد جاء في بعض الروايات انه لعن خادما له اغضبه فاعتقه ابن عمر فورا بعد لعنه له وجاء في بعض الروايات انه ما اتم كلمة اللعنة. فلما نطق بكلمة اللعنة وقف قبل ان ينطق بالنون فلم يتمها وقال هذه كلمة ما احب ان اقولها ثم اعتق خادمه رضي الله عنه عن الزهري عن سالم قال ما لعن ابن عمر قط خادما الا واحدا فاعتقه وقال الزهري اراد ابن عمر ان يلعن خادمه فقال اللهم الع فلم يتمها وقال هذه كلمة ما احب ان اقولها. رواه عبدالرزاق في مصنفه وقل سالم ابن عبد الله ابن عمر ما سمعت عبد الله لاعنا احدا قط ليس انسانا يوضح ذلك رواية اخرى للحديث عند ابن ابي الدنيا قال ما سمعت عبد الله لاعنا احدا قط الا مرة واحدة فكم في هذا معاشر الكرام من التربية العظيمة للابناء لم يسمع من والده كلمة اللعن الا مرة واحدة في موقف واحد وايضا لم يتم لفظة اللعن واعتق الخادم على اثر ذلك بينما بعض الاباء قد يسمع منهم ابناؤهم في اليوم اللعن مرات فيلعن ابنه ويلعن زوجته عند ادنى سبب ويجري على لسانه اللعن كثيرا وهذه مصيبة ان ينسى الابن بين يدي اب بهذه الصفة ومن كان كذلك كم هي جنايته على ابنائه وقوله صلى الله عليه وسلم لا ينبغي للمؤمن ان يكون لعانا فيه ان اللعن ليس من خصال المؤمن لانه دعاء بالطرد من رحمة الله. والمؤمن يمنعه ما قام في قلبه لاخوانه من رحمة وحب الخير لهم من الدعاء عليه بذلك فجريان اللعن على لسان المرء وتخلقه به دليل على نقص ايمانه وضعفه المثال الثاني عن ابي جري جابر بن سليم رضي الله عنه قال رأيت رجلا يصدر الناس عن رأيه. لا يقول شيئا الا صدروا عن رأيه. قلت من هذا قالوا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت عليك السلام يا رسول الله مرتين قال لا تقل عليك السلام فان عليك السلام تحية الميت قل السلام عليك قال كنت انت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال انا رسول الله الذي اذا اصابك ضر فدعوته كشفه عنك وان اصابك عام سنة فدعوته انبتها لك واذا كنت بارض كفراء او فلاة فظلت راحلتك فدعوته ردها عليك. قلت اعهد الي قال لا تسبن احدا. قال فما سببت بعده حرا ولا عبدا ولا بعيرا ولا شاة قال ولا تحقرن شيئا من المعروف وان تكلم اخاك وانت منبسط اليه وجهك ان ذلك من المعروف وارفع ازارك الى نصف الساق فان ابيت فالى الكعبين. واياك واسبال الازار فانها من بخيلا وان الله لا يحب المخيلة وان امرؤ شتمك وعيرك بما يعلم فيك فلا تعيره بما تعلم فيه. فانما وبال ذلك رواه ابو داوود اي انه رضي الله عنه بعد هذا العهد وهذه الوصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سب انسانا ولا حيوانا وانما حفظ لسانه وهذا يدلنا على ما كان عليه اصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم وارضاهم من الانقياد لما يأتي عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم فهم احرص الناس على كل خير واسبقهم الى كل فضيلة وهم قدوة لمن بعدهم الحقنا الله جميعا بهم وبالصالحين من عباده. واعاذنا اجمعين من منكرات الاخلاق والاهواء دوا عن عائشة رضي الله عنها ان يهود اتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليكم فقالت عائشة عليكم ولعنكم الله وغضب الله عليكم. قال النبي صلى الله عليه وسلم مهلا يا عليك بالرفق واياك والعنف والفحش قالت اولم تسمع ما قالوا قال اولم تسمعي ما قلت؟ رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في. متفق عليه وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال مر يهودي برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال السامو عليكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتدرون ما يقول؟ قال السام عليكم قالوا يا رسول الله الا نقتله؟ قال لا اذا سلم عليكم اهل الكتاب فقولوا وعليكم. رواه البخاري قالوا هؤلاء اليهود السام عليكم بحذف اللام والسام هو الموت. فقال النبي عليه الصلاة والسلام وعليكم عائشة رضي الله عنها غضبت ولعنتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلا يا عائشة عليك بالرفق واياك والعنف والفحش فنهاها صلى الله عليه وسلم وحذرها في هذا المقام من العنف واللعن فاذا كان قال ذلك عليه الصلاة والسلام في مثل هذا المقام ناهيا ومحدرا فكيف الشأن بمن يكثر اللعن لابنائه او اخوانه او زملائه من المسلمين. فيما هو دون هذا وعائشة رضي الله عنها صدر هذا منها لانها مغضبة وحق لها رضي الله عنها وارضاها ان تغضب فدعت عليهم باللعن وهو الطرب والابعاد من رحمة الله سبحانه وتعالى وايضا دعت عليهم بغضب الله وهو حلول سخطه جل وعلا عليهم. وما يترتب على سخطه وغضبه تبارك وتعالى من العقوبة الدنيوية والاخروية فنهاها النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال مهلا يا عائشة اي تمهلي وتأني ولا تستعجلي وهذا فيه ان الانسان اذا تمهل في الفاظه وتفكر فيما سيقول من كلام فانه باذن الله يحمد العاقبة. فعليه اذا غضب الا يستعجل في اخراج ما يجول في نفسه بسبب الغضب. بل عليه ان يعمل بما اوصى به النبي صلى الله عليه وسلم عائشة. حيث قال مهلا يا عائشة فقبل ان يخرج الكلمة وهو مغضب عليه ان يتمهل قليلا فهذا توجيه نبوي مفيد ثم اكد صلى الله عليه وسلم هذا الامر بقوله عليك بالرفق. فعلى المرء ان يترفه في مثل هذا المقام لكي يكون الكلام رفيقا وسبحان الله المقصودين في هذا المقام يهود والكلام الذي قالوه اشنع الكلام واقبحه فاي كلام اشنع واقبح من قول هؤلاء النفر من اليهود في حق النبي عليه الصلاة والسلام السام عليكم فاجتمع فيهم امران انهم يهود اعداء للمسلمين ولدين الله وان الكلام الذي قالوه اشنع الكلام واقبحه ومع يقول النبي صلى الله عليه وسلم بام المؤمنين عائشة رضي الله عنها مهلا يا عائشة عليك بالرفق فهذا معاشر الاحبة فيه ايقاظ للقلوب وتنبيه لكثير من المندفعين في باب اللعن الذين يجري اللعن على السنتهم كثيرا عند ادنى خطأ فيقال لهؤلاء مهلا عليكم بالرفق ولهذا ينبغي على المسلم وقد سمع هذه الاحاديث ولها نظائر كثيرة ان يتقي الله في نفسه وان يصون لسانه وان يحذر من مثل هذه الاوصاف وان يتقي الله تبارك وتعالى وان يتمهلوا وان يترفق وان يبتعد عن مثل هذه الاوصاف بان يربأ بنفسه عنها وان يصون لسانه من الوقوع فيها حفظا لايمانه وتحقيقا لتقواه لربه جل في علاه عن انس رضي الله عنه قال لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا لعانا ولا سبابا كان يقول عند المعتبة ما له تربا جبينه. رواه البخاري. وقوله ما له ترب جبينه. هذه كلمة اقولها العرب من باب الحث على الفعل او ترك الفعل ولا يراد بها حقيقة الدعاء عليه وعن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ينبغي لصديق ان يكون لعانا رواه مسلم اي ان من كان متخلقا باللعن مكثرا منه فان تخلقه به واكثاره منه يهبطه عن درجة الصديق لان الصديقية رتبة عالية ومنزلة رفيعة وقد ذكرها الله سبحانه وتعالى في القرآن بعد رتبة النبوة قال تعالى مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وهذا يتنافى مع هذه الرتبة فالصديق الذي بلغ هذه الرتبة العلية من الدين والمنزلة الرفيعة فيه ليس لعانا بل في قلبه رحمة للناس وحب خير لهم بالخير لهم وليس عنده الدعاء عليهم بالطرد من رحمة الله وبالغضب ونحو ذلك فكثرة اللعن تحط المرء عن المراتب العلية والمنازل الرفيعة. وتؤدي به الى ضعف الايمان ونقص الدين كلما كان مكثرا من اللعن متخلقا به نقص من دينه بحسب ذلك عن عائشة رضي الله عنها قالت سمع النبي صلى الله عليه وسلم ابا بكر الصديق رضي الله عنه لعن انا بعض رقيقة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا ابا بكر الصديقين ولعانين قالت فاعتق ابو بكر رضي الله عنه بعض رقيقه يومئذ وجاء الى النبي صلى الله عليه وسلم وقال والله لا اعود رواه البخاري في الادب المفرد والطبراني في الدعاء هذا صدر من ابي بكر رظي الله عنه في هذه المرة الواحدة في امر اغضبه فيه خادمه ولم يكن خلقا له فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا ابا بكر الصديقين ولعانين اي لا يجتمع هذا وهذا لعان وصديق قال ذلك تنبيها له لا ليخبر انه واقع في هذا الخلق. فليس هذا خلق صديق هذه الامة رضي الله عنه بل لا يعرف عنه ذلك وقوله يا ابا بكر الصديقين ولعانين اي ان هاتين الصفتين لا تجتمعان فمن كان لعانا لا ينبغي ان يكون صديقا فاعتق ابو بكر رضي الله عنه يومئذ بعض رقيقة لم يكتفي باعتاق ذلك الرجل بل اعتق معه عددا من الركيع واراد ان يكون ذلك كفارة له من تلك الكلمة التي بدرت منه تلك المرة الواحدة ثم جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم وقال والله لا اعود تأمل رعاك الله بدرت منه رضي الله عنه مرة واحدة فقط ولما نبهه النبي صلى الله عليه وسلم اعتق بعض رقيقه وجاء الى النبي الله عليه وسلم معتذرا وقال مقسما بالله الا يعود فما اجملها من سيرة عطرة مباركة فليتفكر الناصح لنفسه وليتعظ وليجعل هذا الصديق رظي الله عنه وامثاله من خيار الرعيل الاول قدوة له فان النظر في سير هؤلاء الاخيار واخبارهم العطرة هو الذي يداوي القلوب ويصلح النفوس. كما قال القائل كرر علي حديثهم يا حادي فحديثهم يجلو الفؤاد الصاد رضي الله عنهم وارضاهم اجمعين وعن سمرة ابن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضب الله ولا بالنار رواه وابو داوود والتلاعن هو تبادل اللعن بان يصبح شأن الناس وحالهم لعن بعضهم بعضا. او دعاء بعضهم على بعض بغضب الله او الدعاء على بعضهم بالنار او بسخط الله او نحو ذلك فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك لانه يتنافى مع ما تقتضيه الاخوة الايمانية لان اخوة الايمان تقتضي الرحمة والعطف والدعاء بالخير والاستغفار للمسلمين والدعاء لهم بالجنة والنجاة من النار ونحو ذلك وكلما قويت هذه الرابطة قويت هذه المعاني. اما التلاعن والدعاء بغضب الله وبسخطه او بالنار فهذه ليست مقتضيات الاخوة بل هي دليل على ضعفها ونقصها ولهذا يجب على المرء ان يتقي الله جل وعلا في اخوانه المسلمين. وان يحذر اشد الحذر من ذلك لانه باب من الاثم خطير وفيه الحرج وفيه الهلكة روى الامام احمد في مسنده وابن ماجة في سننه والبخاري في الادب المفرد وغيرهم من حديث اسامة بن شريك رضي الله عنه قال شهدت الاعراب يسألون النبي صلى الله عليه وسلم اعلينا حرج في كذا؟ اعلينا حرج في كذا؟ لاشياء ليس بها بأس فقال لهم عباد الله وضع الله الحرج الا من اقترض من عرض اخيه شيئا فذاك الذي حرج وهلك ومعنى اقترض من عرظ اخيه اي اقتطع من عرظه بان ينال منه سبا او وقيعة او انتهاكا لعرضه او شتما او غيبة او نميمة او غير ذلك من التعديات الاثمة وعن ابي ذر رضي الله عنه انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا يرمي رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر الا ارتدت عليه ان لم يكن صاحبه كذلك رواه البخاري فعندما تصدر اللعنة من المرء على غير مستحق لها من الجماد او الحيوان او الناس فانها ترجع الى صاحبها فكم من اللعنات سترجع على من كان من اللعن مستديما له فلا تزال تتوالى عليه وتحل عليه ويكون هو المتسبب لنفسها بحلولها عليه وعن ثابت ابن الضحاك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعنو المؤمن كقتله متفق عليه وعن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سباب المسلم فسوق وقتاله كفر متفق عليه معاشر الاحبة الكرام ان صيانة المرء للسانه عن اللعن والسب والفحش والبذاء يعد من كمال خلقه وجمال ادبه وهو عنوان على صلاح الانسان وفلاحه فينبغي على المسلم ان يتقي الله وان يحرص على صيانة لسانه واصلاح ادبه وتهذيب خلقه والابتعاد عن تلك الصفات الذميمة مستعينا على ذلك بالله فهو سبحانه الذي يهدي لاحسن الاخلاق لا يهدي لاحسنها الا هو ويصرف عن سيئها لا يصرف عن سيئها الا هو ان امة الاسلام اهل هذا الدين الحنيف المبارك ليس شأنهم كالكفار اهل النار الذين وصفهم الله بقوله كل لما دخلت امة لعنت اختها وليس هذا شأن اهل الايمان بل شأنهم التراحم والتعاطف والتعاون على البر والتقوى كما قال الله وتواصوا بالصبر واصوا بالمرحمة. وقال صلى الله عليه وسلم مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ومن تخلق بتلك الاخلاق الذميمة. لا يكون من اهل هذه الصفات الجميلة. لان اللعن يراد بالدعاء بالابعاد من رحمة الله. وليس الدعاء بهذا من اخلاق المؤمنين الذين وصفهم الله تعالى بالرحمة بينهم والتعاون على البر والتقوى وجعلهم كالبنيان يشد بعضه بعضا. وكالجسد الواحد. وان المؤمن يحب لاخيه ما يحب لنفسه فمن دعا على اخيه المسلم باللعنة وهي الابعاد من رحمة الله فهو في نهاية المقاطعة والتدابر معاشر الكرام ان شأن المسلم تجاه اخوانه رحمتهم والاحسان اليهم والدعاء لهم بالخير والاستغفار لهم لا لعنهم والطعن فيهم والوقوع فيهم بالمسبة يقول الله تبارك وتعالى لنبيه الكريم عليه الصلاة والسلام واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات ويقول الله جل وعلا في شأن اهل الايمان والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا وقد رتب الله جل وعلا اجورا عظيمة وافظالا عميمة وخيرات كبيرة لمن يبذل لاخوانه المؤمنين الدعاء والاستغفار ولنتأمل في هذا ما رواه الطبراني باسناد حسن من حديث عبادة ابن الصامت رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة كم هي هذه الاجور التي يجنيها المسلم اذا قال في دعائه؟ اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات اسأل الله سبحانه ان يصون السنتنا اجمعين وان يحفظنا بما يحفظ به عباده الصالحين وان يعيذنا من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا وان يغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات. انه تبارك وتعالى غفور رحيم. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته