بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فان دين الاسلام دين محبة والفة وتعاون واخاء وصلاح واصلاح الف بين قلوب المؤمنين واصلح ذات بينهم وجمع كلمتهم على الحق والهدى فاجتمعت بالاسلام القلوب المتناثرة والنفوس المتعادية واصبحوا متآخين بل اصبح مثلهم مثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر وهذه الاخوة الايمانية معاشر الكرام والمحبة الدينية جاء الاسلام بالتأكيد على توثيقها والحث على رعايتها والعناية بها والبعد عن اسباب ضعفها وزوالها ولهذا جاءت النصوص الكثيرة في الحث على التآلف والاخاء والمحبة والتواد والبعد عن الشحناء والبغضاء والتقاطع والتهاجر والتدابر وبين عليه الصلاة والسلام عظم خطورة البغضاء وعظم خطورة التهاجر والتدابر وعظم اثرها على الدين نفسه وقد يقع بين المتوادين المتصافين شيء من الخصومة او الخلاف او الشحناء بسبب بعض المواقف الخاطئة او التي يتوهم انها خاطئة فيقع على اثر ذلك تقاطع وتدابر وتهاجر وتنافر فيحتاج الامر حينئذ الى دخول المصلحين لرأب الصدع ولم الشمل والاصلاح بين المتخاصمين وهذا الاصلاح بين الناس يعد في الشريعة خلقا كريما رفيعا لا ينهض به الا اصحاب القلوب الرحيمة والنصح والاحسان وقد جاءت الشريعة في هذا المقام بحث المسلمين على رعاية امر اصلاح ذات بينهم. والحث على الاصلاح بين الناس لتبقى القلوب المؤمنة صافية متوادة متحابة لا متقاطعة متهاجرة متباغضة يقول الله عز وجل فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم واطيعوا الله ورسوله ان كنتم مؤمنين قال ابن عباس رضي الله عنهما هذا تحريج من الله على المؤمنين ان يتقوا الله وان يصلحوا ذات بينهم وقال الله عز وجل لا خير في كثير من نجواهم الا من امر بصدقة او معروف او اصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه اجرا عظيما وقال الله عز وجل والصلح خير وقال الله عز وجل انما المؤمنون اخوة فاصلحوا بين اخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون وقال تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا واصلح فاجره على الله انه لا يحب الظالمين ان امر الصلح والاصلاح امر عظيم ومطلب جليل فما اعظم اثر من يعمل في مجتمعه مصلحا بين الناس والله جل وعلا يعلم المصلح من المفسد ولا يصلح سبحانه وتعالى عمل المفسدين معاشر الاحبة الكرام المصلح بين الناس الساعي في ائتلاف قلوبهم واجتماع شملهم وزوال الاحن والعداوات والبغضاء عنهم متصدق كن عليهم بصدقة هي من خير الصدقات وانفعها عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان افضل الصدقة اصلاح ذات البين رواه عبد ابن حميد في المنتخب من المسند ولا شك ان اصلاح الفساد بين الناس وازالة الفتنة الثائرة والنار المشتعلة من انفع وافضل الصدقة واعظم به من صدقة وذلك لما فيه من عموم المنافع الدينية والدنيوية من التعاون والتناصح والالفة والاجتماع على الخير حتى ابيح فيه الكذب لكثرة ما يندفع به من شر الفرقة المضرة بالدنيا والدين بتشتت القلوب ووهن الاديان واشتعال العداوات وتسليط الاعداء وشماتة الحساد فلذلك صار الاصلاح من افضل الصدقات على الناس معاشر الاحبة الكرام ان المصلح في مجتمعه له اثر عظيم على المجتمع ائتلافا بين القلوب والتئاما للشمل ودحرا للشيطان وزوالا للعداوة والبغضاء فما اعظم اثر المصلحين وما اعظم ثوابهم عند رب العالمين بما اجراه على ايديهم من اصلاح بين الزوجين وبين وبين الاصدقاء وبين الجيران وبين عموم المتعاملين احتسابا لثواب الله وطمعا في موعوده جل في علاه ولهذا ينبغي لكل عبد مؤمن ان يحرص على هذا الامر قدر استطاعته. ولا يحقرن من المعروف في هذا الباب شيئا حتى لو اصلح بين طفلين صغيرين. فكم من عداوة نشبت بين طفلين صغيرين فنماها الشيطان في قلبيهما وبقيت وقتا طويلا عن ابي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا اخبركم بافضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة وعن ابي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا اخبركم بافضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة اي ما كان من ذلك نافلة لا فريضة؟ قالوا بلى قال صلاح ذات البين فان فساد ذات البين هي الحالقة. رواه ابو داوود المقصود بالبين الفرقة. يقال بان كذا من كذا اي فارقاه. وبانوا اي ذهبوا وبعدوا والمقصود باصلاح ذات البين اصلاح ما يحصل بين الناس من فرقة ووحشة ومن تباغض وتدابر فيسعى المصلح للاصلاح بينهم ويقرب بينهم بحيث يزول ما في النفوس ويحل محله الاخاء والمودة وذلك لخطورة الفرقة عليهم فهي تحلق دينهم. وسبب لاضرار كبيرة تجري بينهم من اعتداء بعضهم على بعض بعضهم في بعض فاذا اصلح بينهم وازيلت الفرقة فان النفوس تتقارب وتتآلف وتسلم من الاخطار التي تترتب على ذلك وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث العظيم شأن الاصلاح بين الناس. وما يترتب على التقارب والتآلف وصفاء النفوس من الخير الكثير وقد ذكر الصلاة والصيام لان هذه عبادات قاصرة غير متعدية لا تتجاوز صاحبها والصدقة متعدية النفع ولكنها تتعلق بالنفع الدنيوي وحصول الفائدة في المعاش. اما اصلاح ذات البين فيترتب عليه نفع عظيم لما فيه من زوال الوحشة والفرقة واندفاع الاضرار الكبيرة التي وصفت في الحديث بانها حلق للدين ولهذا فضل الاصلاح على درجة الصوم والصلاة والصدقة لعظم فوائده وحسن عوائده ده وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقة. وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها او ترفع له عليها متاع صدقة والكلمة الطيبة صدقة. وكل خطوة تمشيها الى الصلاة صدقة وتميط الاذى عن الطريق صدقة. رواه مسلم قوله تعدل بين الاثنين اي متحاكمين او متخاصمين او متهاجرين صدقة اي عليهما لوقايتهما مما يترتب على الخصام من اثار قبيحة وعواقب وخيمة هذا ومن اجل اخبار الصلح بين الناس. قصة الصديق رضي الله عنه مع مسطح ابن اثاثة وهو ابن خالة الصديق وكان من المهاجرين في سبيل الله مسكينا لا مال له وكان الصديق رضي الله عنه ينفق عليه وكان رضي الله عنه معروفا بالمعروف له الفضل والايادي على الاقارب والاجانب وقد ولغ مسطح والغة في الافك الذي رميت به ام المؤمنين عائشة فحلف ابو بكر رضي الله عنه الا ينفع مسطحا بنافعة ابدا بعدما قال ما قال في عائشة فمن الذي تولى الصلح بينهما لما انزل الله عز وجل براءة ام المؤمنين عائشة وطابت النفوس المؤمنة واستقرت وتاب الله جل وعلا على من كان تكلم من المؤمنين في ذلك واقيم الحد على من اقيم عليه شرع الله جل وعلا وله الفضل والمنة يعطف الصديق على قريبه ونسيبه مسطح فانه تاب الله عليه منها وضرب الحد عليها فانزل الله سبحانه قوله ولا يأتل اولو الفضل منكم اتي ان يؤتوا اولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا الا تحبون ان يغفر الله لكم والله غفور رحيم اي فان الجزاء من جنس العمل. فكما تغفر عن المذنب اليك نغفر لك وكما تصفح نصفه عنك فعند ذلك قال الصديق بلى والله انا نحب يا ربنا ان تغفر لنا ثم رجع الى مسطح ما كان يصله من النفقة وقال والله لا انزعها منه ابدا قال ذلك في مقابلة قوله الاول والله لا انفعه بنافعة ابدا رضي الله عنه وارضاه للصحابة اجمعين وهي معاشر الاحبة قصة عظيمة جدير ان تنشر ولا سيما بين المتخاصمين فان لها وقعا كبيرا وتأثيرا بالغا في الاصلاح فان الذي تولى الصلح فيها هو رب العالمين سبحانه وتعالى ولنبينا الكريم صلى الله عليه وسلم قصص عظيمة كثيرة في هذا الباب عن سهل بن سعد رضي الله عنه ان اناسا من بني عمرو ابن عوف كان بينهم شيء فخرج اليهم النبي صلى الله عليه وسلم في اناس من اصحابه يصلح بينهم فحظرت الصلاة ولم يأتي النبي صلى الله عليه وسلم. فجاء بلال فاذن بلال بالصلاة. ولم يأتي النبي صلى الله وعليه وسلم فجاء الى ابي بكر فقال ان النبي صلى الله عليه وسلم حبس وقد حظرت الصلاة فهل لك ان تؤم الناس؟ فقال نعم ان شئت فاقام الصلاة فتقدم ابو بكر ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم يمشي في الصفوف حتى قام في الصف الاول فاخذ الناس بالتصفيح حتى اكثروا وكان ابو بكر لا يكاد يلتفت في الصلاة فالتفت فاذا هو بالنبي صلى الله عليه وسلم وراءه فاشار اليه بيده فامره ان يصلي كما هو فرفع ابو بكر يده فحمد الله واثنى عليه ثم رجع القهقرة وراءه حتى دخل في الصف وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس فلما فرغ اقبل على الناس فقال يا ايها الناس اذا نابكم شيء في صلاتكم اخذتم تصفيح انما التصفيح للنساء من نابه شيء في صلاته فليقل سبحان الله فانه لا يسمعه احد الا التفت يا ابا بكر ما منعك حين اشرت اليك لم تصلي بالناس فقال ما كان ينبغي لابن ابي قحافة ان يصلي بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم رواه البخاري في هذا الحديث انه صلى الله عليه وسلم كان يسعى بنفسه في اصلاح ذات البين حتى انه في هذه المرة تأخر الى ان حانت الصلاة فجاء بلال الى ابي بكر رضي الله عنه فقال يا ابا بكر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حبس وقد حانت الصلاة فهل لك ان تؤم الناس؟ قال نعم ان شئت فصلى رظي الله عنه بالناس وفي رواية لابي داوود فاتاهم ليصلح بينهم بعد الظهر فقال لبلال ان حضرت صلاة العصر ولم اتك فمر ابا بكر فليصلي بالناس. فلما حظرت العصر اذن بلال ثم اقام ثم امر ابا بكر فتقدم وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال ما كان لعلي اسم احب اليه من ابي تراب وان كان ليفرح به اذا دعي بها جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة فلم يجد عليا في البيت فقال اين ابن عمك فقالت كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم يقل عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لانسان انظر اين هو فجاء فقال يا رسول الله هو في المسجد راقد فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه فاصابه تراب فجاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه وهو يقول قم ابا تراب قم ابا تراب متفق عليه في هذا الحديث ان اهل الفضل قد يقع بين الواحد منهم وبين زوجه شيء من الخلاف والغضب حتى يدعوه ذلك الى الخروج من البيت وليس ذلك منقصا من اقدارهم وفيه ايضا كرم اخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم وحسن معاشرته وشدة تواضعه وعظيم عنايته بالصلح حيث بحث عن علي وذهب اليه في مكانه ولاطفه وانسه وداعبه واخذ يمسح بيده عن ظهره التراب ويباسطه حتى ذهب عنه غيظه وسكنت نفسه بذلك وعن عائشة رضي الله عنها قالت سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت خصوم بالباب عالية اصواتهم واذا احدهما يستوظع الاخر ويسترفقه في شيء وهو يقول والله لا افعل فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم اين المتألي على الله لا يفعل المعروف قال انا يا رسول الله فله ان ي ذلك احب اي انه قبل اصلاح النبي صلى الله عليه وسلم بينهما وعن عبد الله ابن كعب ابن مالك عن ابيه انه تقاضى ابن ابي حدرد دينا كان له عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فارتفعت اصواتهما حتى سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته فخرج اليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كشف سجف حجرته ونادى كعب بن مالك فقال يا كعب فقال لبيك يا رسول الله فاشار اليه بيده ان ضع الشطر من دينك قال كعب قد فعلت يا رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم فاقضه فاصلح صلى الله عليه وسلم بينهما بان يسقط الدائن شيئا من الدين الذي كان يختصمان عليه وهو شيء مؤجل وان هنا مع الحط من الدين وضيعة منه بشرط ان يسدد المدين في الحال. ولهذا قال له قم فاقضه معاشر الاحبة الكرام من اغرب قصص الخصومات واعجبها ما جاء في حديث ابي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اشترى رجل من رجل عقارا له فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب فقال له الذي اشترى العقار خذ ذهبك مني. انما اشتريت منك الارض ولم ابتع منك الذهب فقال الذي شرى الارض انما بعتك الارض وما فيها قال فتحاكما الى رجل فقال الذي تحاكما اليه الك ما ولد فقال احدهما لغلام وقال الاخر لي جارية قال انكحوا الغلام الجارية وانفقوا على انفسكما منه وتصدقا. متفق عليه فكل واحد منهما فيه ورع عظيم. ينفي ان المال له فتحاكم الى رجل فقال لاحدهما الك ابن؟ قال نعم. وقال للثاني الك جارية؟ قال نعم. فقال زوجوا الابن بالجارية واجعل هذا الذهب للمهر والنفقة ففعلا فزال الخلاف وتحقق الصلح بل والخير العظيم وعن عوف بن مالك بن الطفيل ان عائشة رضي الله عنها حدثت ان عبد الله ابن الزبير قال في بيع او عطاء اعطته عائشة والله لتنتهين عائشة او لاحجرن عليها فقالت اهو قال هذا؟ قالوا نعم قالت هو لله علي نذر الا اكلم ابن الزبير ابدا فاستشفع ابن الزبير اليها حين طالت الهجرة فقالت لا والله لا اشفع فيه ابدا ولا اتحنث الى نذري فلما طال ذلك على ابن الزبير كلم المسور ابن مخرمة وعبدالرحمن ابن الاسود ابن عبد يغوث وهما من بني زهرة وقال لهما انشدكما بالله لما ادخلتماني على عائشة فانها لا يحل لها ان تندر قطيعتي فاقبل به المسور وعبدالرحمن مشتملين بارضيتهما اي مغطيان له بارديتهما حتى استأذن على عائشة قال السلام عليك ورحمة الله وبركاته. اندخل؟ قالت عائشة ادخلوا قالوا كلنا ولم يشعراها ان معهما عبد الله ابن الزبير قالت نعم ادخلوا كلكم ولا تعلم ان معهما ابن الزبير فلما دخلوا دخل ابن الزبير الحجاب فاعتنق عائشة وطفق ينشدها ويبكي وطفق المسور عبدالرحمن ينشدانها الا ما كلمته وقبلت منه ويقولان ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ما قد علمت من الهجرة فانه لا يحل لمسلم ان يهجر اخاه فوق ثلاث ليال فلما اكثروا على عائشة من التذكرة والتحريج طفقت تذكرهما نذرها وتبكي وتقول اني نذرت والنذر شديد فلم يزالا بها حتى كلمت ابن الزبير واعتقت في نذرها ذلك اربعين رقبة وكانت تذكر نذرها بعد ذلك فتبكي حتى تبل دموعها خمارها رواه البخاري عائشة رضي الله عنها ام المؤمنين وكانت ذا علم وفقه ورأي وحسن تدبير وعبدالله بن الزبير هو ابن اختها اسماء لما سمع عنها انها تبرعت بمال كثير استكثر ذلك وقال لئن لم تنتهي لاحجرن عليها. وهذه كلمة شديدة في حقها فهي خالته ولديها من العلم والفقه ما لا يليق ان يقال في حقها مثل هذا الكلام فبلغها انه قال ذلك وتحققت من صحة الخبر. ثم نذرت رضي الله عنها الا تكلمه ابدا. وذلك لشدة ما حصل لها من الم بسبب قوله الذي قاله وهجرته واستمرت هاجرة له موفية بيمينها وهو يحاول ان يسترضيها فلم تقبل. ففعل حيلة يتمكن بها من الدخول عليها. فكلم المسور وعبدالرحمن وقال لهما انشدكما بالله لما ادخلتماني على عائشة. فانه لا يحل لها ان تنذر قطيعتي. فاجابه وسعيا معه اليها للاصلاح واستأذن على عائشة كلهم ولم يعلماها ان معهما ابن الزبير. فلما دخلوا دخل ابن الزبير حجاب فاعتنق عائشة وطفقا يناشدها ويبكي والمسور عبدالرحمن ايضا يناشدانها ان تعفو عنه وان تكلمه حتى قبلت وعفت عنه وعن حميد بن عبدالرحمن بن عوف ان امه ام كلثوم بنت عقبة ابن ابي معيط وكانت من المهاجرات الاول في بايعنا النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها اخبرته انها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ويقول خير وينمي خيرا. متفق عليه وزاد مسلم وقالت ولم اسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس الا في ثلاث الحرب والاصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها ومعنى ليس الكذاب الكذب المذموم الذي يصلح بين الناس. بل هذا محسن اذا سعى في الاصلاح ناقلا من هؤلاء الى ومن هؤلاء الى هؤلاء كلاما جميلا كما اشار الى ذلك في الحديث بقوله فينمي ان يبلغ خيرا على وجه الاصلاح ويقول خيرا اي يخبر بما عمله المخبر عنه من الخير ويسكت عما عمله من الشر فان ذلك جائز مندوب اليه لما يترتب عليه من خير ومصلحة ولو احتاج في هذا المقام الى الحلف فلا حرج عليه ان حلف قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله المشروع للمؤمن ان يقلل من الايمان ولو كان صادقا لان الاكثار منها قد يوقعه في الكذب ومعلوم ان الكذب حرام واذا كان مع اليمين صار اشد تحريما لكن لو دعت الضرورة او المصلحة الراجحة الى الحلف الكاذب فلا حرج في ذلك لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ام كلثوم بنت عقبة ابن ابي معيط رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس. فيقول خيرا او ينمي خيرا قالت ولم اسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس انه كذب الا في ثلاث. الاصلاح بين الناس والحرب وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها رواه مسلم في الصحيح فاذا قال في اصلاح بين الناس والله ان اصحابك يحبون الصلح ويحبون ان تتفق الكلمة ويريدون كذا وكذا ثم اتى الاخرين وقال لهم مثل ذلك ومقصده الخير والاصلاح فلا بأس بذلك للحديث المذكور انتهى. كلامه رحمه الله وان استغنى عنه بالتورية فهو اولى. كأن يقول له والله ان اصحابك يثنون عليك او سمعتهم يثنون عليك. مع ان لم يسمع منهم الا ذمه لان ذكر الشخص بالشر يصح ان يسمى ثناء كما في حديث انس بن مالك رضي الله عنه يقول مروا بجنازة فاثنوا عليها خيرا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم وجبت. ثم مروا باخرى فاثنوا عليها شرا فقال وجبت فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما وجبت قال هذا افنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة وهذا اثنيتم عليه شرا فوجبت له النار انتم شهداء الله في الارض ارض متفق عليه وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه ان رجالا من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي النبي صلى الله عليه وسلم حزنوا عليه حتى كاد بعضهم يوسوس قال عثمان وكنت منهم فبينما انا جالس في ظل اطم من الاقام مر علي عمر رظي الله عنه فسلم علي فلم اشعر انه ومر ولا سلم فانطلق عمر حتى دخل على ابي بكر رضي الله عنه فقال له ما يعجبك اني مررت على عثمان فسلمت عليه فلم يرد اي السلام واقبل هو وابو بكر في ولاية ابي بكر رضي الله عنه حتى سلم علي جميعا ثم قال ابو بكر جاءني اخوك عمر فذكر انه مر عليك فسلم فلم ترد عليه السلام فما الذي حملك على ذلك قال قلت ما فعلت فقال عمر بلى والله لقد فعلت قال قلت والله ما شعرت انك مرضت بي ولا سلمت قال ابو بكر صدق عثمان وقد شغلك عن ذلك امر فقلت اجل قال ما هو فقال عثمان رضي الله عنه توفى الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم قبل ان نسأله عن نجاة هذا الامر. فقال ابو بكر قد سألته عن ذلك قال فقمت اليه فقمت له بابي انت وامي انت احق بها. قال ابو بكر قلت يا رسول الله ما نجاة هذا الامر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل مني الكلمة التي عرضت على عمي فردها علي فهي له نجاة رواه احمد في مسنده فهذا معاشر الاحبة الكرام ابو بكر رضي الله عنه زمن ولايته قام من ساعته مصلحا ولم يطلب مجيء عثمان اليه بل ذهب هو بنفسه اليه وتبين ان عثمان ما شعر بمرور عمر ولا تسليمه وزال الالتباس الذي وجد ومن كلام شيخ الاسلام ابن تيمية العظيم في الاصلاح قوله رحمه الله وتعلمون ان من القواعد العظيمة التي هي من جماع الدين تأليف القلوب واجتماع الكلمة وصلاح ذات البين فان الله تعالى يقول فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم ويقول واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ويقول ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات واولئك لهم عذاب عظيم وامثال ذلك من النصوص التي تأمر بالجماعة والائتلاف وتنهى عن الفرقة والاختلاف واهل هذا الاصل هم اهل الجماعة كما ان الخارجين عنه هم اهل الفرقة وجماع السنة طاعة الرسول ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه عن ابي هريرة ان الله يرضى لكم ثلاثا ان تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وان تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وان تناصحوا من ولاه الله امركم وفي السنن من حديث زيد بن ثابت وابن مسعود فقيهي الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال نظر الله امرأ سمع منا حديثا فبلغه الى من لم يسمعه ترب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه الى من هو افقه منه. ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم اخلاص العمل لله وطاعة من ولاه الله امرنا ولزوم جماعة المسلمين. فان دعوتهم تحيط من ورائهم وقوله لا يقل اي لا يحقد عليهن فلا يبغض هذه الخصال قلب المسلم بل يحبهن ويرضاهن واول اتعلمون رضي الله عنكم اني لا احب ان يؤذى احد من عموم المسلمين فضلا عن اصحابنا بشيء اصلا لا باطنا ولا ظاهرا. ولا عندي عتب على احد منهم ولا لوم اصلا بل لهم عندي من الكرامة والاجلال والمحبة والتعظيم اضعاف اضعاف ما كان. كل بحسبه ولا يخلو الرجل اما ان يكون مجتهدا مصيبا او مخطئا او مذنبا الاول مأجور مشكور والثاني مع اجره على الاجتهاد فمعفو عنه مغفور له. والثالث فالله يغفر لنا وله ولسائر المؤمنين فنطوي بساط الكلام المخالف لهذا الاصل كقول القائل فلان قصر فلان ما عمل فلان اوذي الشيخ بسببه فلان كان سبب هذه القضية فلان كان يتكلم في كيد فلان ونحو هذه الكلمات التي فيها مذمة لبعض الاصحاب والاخوان فاني لا اسامح من اذاهم من هذا الباب ولا حول ولا قوة الا بالله. انتهى كلامه رحمه الله ومن النافع غاية النفع في هذا الباب كثرة الدعاء ان يؤلف الله بين القلوب ويصلح ذات البين ويصرف كيد الشيطان ونزعه عن ابي وائل شقيق بن سلمة قال كان من دعاء عبدالله بن مسعود ربنا اصلح ذات بيننا واهدنا سبل السلام واخرجنا من الظلمات الى النور واصرف عنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن وبارك لنا في اسماعنا وابصارنا وقلوبنا وازواجنا وذرياتنا وتب علينا وعليهم انك انت التواب الرحيم واجعلنا لنعمك شاكرين مثنين بها قائلين بها واتمها علينا. هذا ونسأل الله ان يجمع قلوبنا على الحق والهدى وان يصلح ذات بيننا وان يؤلف بين قلوبنا وان يهدينا اليه صراطا مستقيما وان يعيذنا من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا انه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو اهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته