بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله وصلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين. اما بعد فان العفو والصفح خلق كريم وادب عظيم جاءت الشريعة بالحث عليه والترغيب فيه. فهو باب عظيم من ابواب الاحسان. قال الله تعالى انا فاعف عنهم واصفح ان الله يحب المحسنين. وهو باب عظيم من ابواب نيل الرحمة والغفران. قال الله تعالى وان تعفو وتصفحوا وتغفروا فان الله غفور رحيم. وهو باب لنيل عظيم الاجور وجزيل الثواب. قال الله وتعالى فمن عفا واصلح فاجره على الله. وهو باب رفيع للفوز بالجنان ونيل رضا الرحمن. قال الله تعالى وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والارض اعدت للمتقين. الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين. واهل العفو هم الاقرب لتحقيق والله جل وعلا قال الله تعالى وان تعفوا اقرب للتقوى. والعفو معاشر الاحبة اسم من اسماء الله الحسنى والعفو صفة من صفاته. وهو الذي يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي. وهو سبحانه لم يزل ولا يزال بالعفو والتجاوز معروفا وبالصفح والغفران موصوفا. قال الله تعالى وكان الله غفورا رحيما وهو سبحانه يحب العفو. وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم ام المؤمنين عائشة ان تقول اللهم انك عفو تحب العفو فاعفو عني. فهو يحب ان يعفو عن عبده ويحب من عباده ان يعفو عن اخوانه قال الله تعالى وان تعفوا وتصفحوا وتغفروا فان الله غفور رحيم. وقال تعالى ان تبدوا خيرا او تخفوه او تعفو عن سوء فان الله كان عفوا قديرا. فحري بالمؤمن ان يقف وقفة صادقة متأملا في هذه الايات ومتدبرا لهذه الهدايات ثم ينظر الى واقعه وحقيقة حاله في هذا الباب كظم الغيظ والعفو عن المسيء والصفع عنه والتجاوز عن اساءته واعظم بها من خصلة لا تنهض لفعلها الا القلوب الصادقة النفوس الكبيرة المؤيدة بالمعونة والتوفيق من الله تبارك وتعالى معاشر الاحبة الكرام ان العفو والصفح مقام عظيم ومنزلة رفيعة وهو صفة نبينا صلى الله عليه وسلم وصفة اتباع باحسان عن ابي عبدالله الجدلي قال سألت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا في الاسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو اصفح وعن عبد الله ابن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما ان هذه الاية التي في القرآن يا ايها النبي انا ارسلناك عهدا ومبشرا ونذيرا قال الله جل وعلا في التوراة يا ايها النبي انا ارسلناك شاهدا مبشرا وحرزا للاميين انت عبدي ورسولي. سميتك المتوكل ليس بفض ولا غليظ ولا سخان بالاسواق ولا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بان يقولوا لا اله الا الله فيفتح بها اعين عميا واذانا وقلوبا غلفا. رواه البخاري وهو صلى الله عليه وسلم في هذا عامل بقول الله عز وجل ادفع بالتي هي احسن السيئة نحن اعلم بما ويصفون. وقل ربي اعوذ بك من همزات الشياطين واعوذ بك ربي ان يحضرون. وقوله سبحانه ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم. فهذا ادب عظيم وهو من مكارم الاخلاق التي امر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم. اي اذا اساء اليك اعداؤك بالقول او الفعل فلا تقابلهم بالاساءة مع انه يجوز معاقبة المسيء بمثل اساءته ولكن ادفع اساءتهم اليك بالاحسان منك اليهم فان ذلك فضل منك على المسيء ومن مصالح ذلك انه تخف الاساءة عنك في الحال وفي المستقبل وانه ادعى لجلب المسيء الى الحق. واقرب الى ندمه واسفه ورجوعه بالتوبة عما فعل وليتصف العافي بصفة الاحسان ويقهر بذلك عدوه الشيطان وليستوجب الثواب من الله. قال الله تعالى فمن عفا واصلح فاجره على الله ومقام العفو والصفح معاشر الاحبة لا يزيد صاحبه الا عزا ورفعة وسمو قدر في الدنيا والاخرة عن ابي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله وعبدا بعفو الا عزا وما تواضع احد لله الا رفعه الله. رواه مسلم. وهذا خلاف ما يظنه من الناس انه ذل ومهانة. فتقول النفس الامارة بالسوء كيف تعفو؟ وكيف تصفح؟ وقد فعل بك ما فعل. وتدفعه الى انتقام وتوهمه ان الانتقام هو العز. قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله. فبين الصادق المصدوق ان الله لا يزيد العبد بالعفو الا عزا وانه لا تنقص صدقة من مال وانه ما تواضع احد لله الا رفعه الله وهذا رد لما يظنه من يتبع الظن وما تهوى الانفس من ان العفو يذله والصدقة في صوماله والتواضع يخفضه وقال رحمه الله فالعز الحاصل له بالعفو. احب اليه وانفع له من العز الحاصل له بالانتقام. فان هذا عز في الظاهر وهو يورث في الباطن ذلا. والعفو ذل في الباطن وهو يورث العز باطنا وظاهرا انتهى كلامه رحمه الله. وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه قط الا ان تنتهك محارم الله فينتقم لله وهذا من كمال خلقه وكريم صفحه وعفوه صلى الله عليه وسلم. عن عائشة زوج النبي صلى الله الله عليه وسلم انها قالت ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين امرين الا اخذ ايسرهما ما ما لم يكن اثما فان كان اثما كان ابعد الناس منه وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه الا ان تنتهك حرمة الله عز وجل متفق عليه. وعن انس ابن مالك قال كنت امشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية. فادركه اعرابي فجبذه برداءه نبذة شديدة نظرت الى صفحة عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك ثم امر له بعطاء متفق عليه وبالمجاهدة للنفس يرتقي المرء الى هذا الخلق العظيم. فعن ابي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انما العلم بالتعلم وانما الحلم بالتحلم. ومن يتحرى الخير يعطى ومن يتوق الشر يوقه. رواه الطبراني قال الفضيل ابن عياض رحمه الله اذا جاءك شخص يشكو اخر فقل له اعف عنه فان عفوا اقرب لتقوى الله جل وعلا. فان قال لك ان قلبي لا يتحمل العفو عنه. ولكن اريد ان انتصر منه كما الله فقل له ان كنت تحسن ان تنتصر اي كما امر الله والا فعليك بالعفو فانه باب واسع وهذا معاشر الكرام. تنبيه جليل لان كثيرا من الناس في مقام الانتقام ممن اساء اليه لا يقتصر على سيئة مثل السيئة التي نيل منه بها بل يتجاوز ويتعدى ويظلم وقول القائل في هذا المقام ان هذا امر لا يحتمله قلبي ولا اتمكن من فعله غير صحيح. لان المقام مقام مجاهدة واستعانة بالله الله جل وعلا يقول والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين ولنتأمل في هذا المقام انواعا من العفو في جوانب كثيرة جاء التنويه بها في القرآن كثير من الناس يظنها امرا لا يحتمل او لا يمكن العفو عنها قال الله تعالى ود كثير من اهل الكتاب لو يردونكم من بعد ايمانكم كفارا حسدا من عند انفسهم من بعد ما تبين لهم الحق عفو واصفحوا حتى يأتي الله بامره ان الله على كل شيء قدير. فهذا عفو في مقابلة الاذى في الدين وقال الله جل وعلا ولا يأتل اولو الفضل منكم والسعة ان يؤتوا اولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا الا تحبون ان يغفر الله لكم والله غفور رحيم؟ وهذا عفو في مقابلة الاذى في العرض وهو من اشد الاذى وان كان وقال الله تبارك وتعالى يا ايها الذين امنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد الانثى بالانثى فمن عفي له من اخيه شيء فاتباع بالمعروف واداء اليه باحسان وهذا عفو مقابلة الاذى بالدم والقتل ومن اشد الاذى اذى القرابة من زوجة او ابن او اخ او نحو ذلك وكثير من الناس لا يحتمل قلبه ذلك لما يرى له عليهم من حقوق قوبلت بظلم وعدوان وساءة فيرى كثير من الناس ان هذا المقام مقام لا يحتمل فيه العفو والصفح. والله جل وعلا يقول يا ايها الذين امنوا ان من ازواجكم واولادكم عدو لكم فاحذروهم وان تعفوا وتصفحوا وتغفروا فان الله غفور رحيم ونفس الانسان معاشر الكرام ميالة للانتقام والاخذ بالثأر واذا حدثت حثا وترغيبا بالعفو والصفح تمنعت عن ذلك ونفرت منه ولم تقبل عليه لما في النفوس من رعونة وشدة ولما فيها من غلظة وفظاظة لكنها اذا روضت بالحق وزمت بزمام الشرع فانها تنقاد سلسة باذن الله. اذا كان العبد مستعينا بالله طالبا مده وعونه وتوفيقه والله جل في علاه يقول والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين واذا تذكر المؤمن في هذا المقام ثواب الله واجره وغفرانه ورحمته وما سيناله على صفحه وعفوه من اجور عظيمة ثواب جزيل هان عليهما سوى ذلك عن معاذ ابن انس الجهني رضي الله عنه عن نبينا صلى الله عليه وسلم انه قال من كظم غيظا وهو قادر على ان ينفذه دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره الله من الحور العين ما شاء. رواه ابو داوود اي اجترع غضبا كاملا في نفسه وكان قادرا على ان يفتك بمن اغاظه. وترك ذلك لوجه الله فله هذا الثواب العظيم انه يدعى على رؤوس الخلائق يوم القيامة يتخير من اي الحور العين شاء والناس في هذا المقام مقام العفو او عدمه اقسام ثلاثة قسم ينتقم ممن اساء اليه باخذ حقه دون تجاوز وقسم ينتقم ممن اساء اليه بظلم وتجاوز وتعد وقسم ثالث يعفو ويصفح. فالناس اقسام ثلاثة في هذا المقام. اما الاول فهو المقتصد واما الثاني فهو الظالم لنفسه ولغيره. واما الثالث فهو السابق بالخيرات وقد جمع الله جل وعلا هذه الاقسام الثلاثة في قوله سبحانه وجزاء سيئة سيئة مثلها. فمن عفا واصلح اجره على الله انه لا يحب الظالمين فقوله وجزاء سيئة سيئة مثلها هذا في حق المقتصد وهو من يأخذ حقه دون تجاوز وقوله فمن عفا واصلح فاجره على الله هذا في حق السابقين بالخيرات اهل العفو والصفح والاحسان وقوله انه لا يحب الظالمين هذا في حق من يعتدي ويبغي ويظلم. قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ولما كان الناس عند مقابلة الاذى ثلاثة اقسام ظالم يأخذ فوق حقه ومقتصد يأخذ بقدر حقه ومحسن يعفو ويترك حقه. ذكر الاقسام الثلاثة في هذه الاية فاولها للمقتصدين ووسطها للسابقين واخرها للظالمين وقد ذكر رحمه الله امورا عديدة تعين العبد على العفو والصفح. يحسن بالمسلم ان يتأملها منها ان يتفكر العبد في حسن الثواب الذي وعده الله لمن عفا وصفح وكظم الغيظ وقد تقدم ذكر ايات في ذلك ان يعلم انه اذا عفا واحسن اورثه ذلك من سلامة القلب لاخوانه ونقائه من الغش والغل وطلب الانتقام وارادة الشر وحصل له من حلاوة العفو ما تزيد لذته ومنفعته عاجلا واجلا على المنفعة الحاصلة له بالانتقام اضعافا مضاعفة ان يعلم انه ما انتقم احد قط لنفسه الا اورثه ذلك ذلا يجده في نفسه. فاذا عفا اعزه الله كما تقدم في ما زاد الله عبدا بعفو الا عزا ان يذكر نفسه ان الجزاء من جنس العمل وانه نفسه ظالم مذنب وان من عفا عن الناس عفا الله عنه ومن غفر لهم غفر الله له فاذا شهد ان عفوه عنهم وصفحه واحسانه مع اساءتهم اليه سبب لان يجزيه الله كذلك من جنس عمله اعفو عنه ويصفه ويحسن اليه على ذنوبه ويسهل عليه عفوه وصبره ويكفي العاقل هذه الفائدة ان يعلم انه اذا اشتغلت نفسه بالانتقام وطلب المقابلة طاء عليه زمانه وتفرق عليه قلبه وفاته من مصالحه ما لا يمكن استدراكه ولعل هذا اعظم عليه من المصيبة التي كنالته من جهتهم فاذا عفا وصفح فرغ قلبه وجسمه لمصالحه التي هي اهم عنده من الانتقام ان يتذكر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما انتقم لنفسه قط. فاذا كان هذا خير خلق الله واكرمهم على الله. لم ينتقم لنفسه مع ان ادائه اذى الله. ويتعلق به حقوق الدين. ونفسه اشرف الانفس وازكاها وابرها وابعدها من بكل خلق مذموم واحقها بكل خلق جميل ومع هذا فلم يكن ينتقم لها. فكيف ينتقم احدنا لنفسه التي هو اعلم بها وبما فيها من الشرور والعيوب بل الرجل العارف لا تساوي نفسه عنده ان ينتقم لها ولا قدر لها عنده يوجب عليه انتصاره لها ان يتأمل في الامر الذي اوذي لاجله فان كان اوذي على ما فعله لله او على ما امر به من طاعته ونهى عنه من معصيته وجب عليه الصبر ولم يكن له انتقال فانه قد اوذي في الله فاجره على الله. وان كان قد اوذي على حظ دنيوي فليوطن نفسه على الصبر. فان نيل الحظوظ دونه امر امر من الصبر فمن لم يصبر على حر الهواجر والامطار والثلوج ومشقة الاصفار ولصوص الطريق والا فلا حاجة له في المتاجرة وهذا امر معلوم عند الناس ان من صدق في طلب شيء من الاشياء بذل من الصبر في تحصيله بقدر صدقه في طلبه ان يعلم ان صبره على من اذاه واحتماله له يوجب رجوع خصمه عن ظلمه وندامته واعتذاره فيعود بعد ايذائه له مستحيا منه نادما على ما فعله. بل يصير مواليا له. وهذا معنى قول الله تعالى ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم ان يتنبه ربما كان انتقامه ومقابلته سببا لزيادة شر خصمه وقوة نفسه وفكرته في انواع الاذى التي يوصلها اليه كما هو المشاهد. فاذا صبر وعفا امن من هذا الضرر. والعاقل لا يختار اعظم الضرر بدفع ادناهما وكم قد جلب الانتقام والمقابلة من شر عجز صاحبه عن دفعه وكم قد ذهبت نفوس ورئاسات واموال لو عفا المظلوم لبقيت عليه ان من اعتاد الانتقام ولم يصبر لابد ان يقع في الظلم فان النفس لا تقتصر على قدر العدل الواجب لها. لا علما ولا ارادة. وربما عجزت عن الاقتصار على قدر الحق فان الغضب يخرج بصاحبه الى حد لا يعقل ما يقول ويفعل فبينما هو مظلوم ينتظر النصر والعز. اذ انقلب ظالما ينتظر المقت والعقوبة ان هذه المظلمة التي ظلمها هي سبب اما لتكفير سيئاته او رفعة درجاته فاذا انتقما ولم يصبر لم تكن مكفرة لسيئاته ولا رافعة لدرجاته ان عفوه وصبره من اكبر الجند له على خصمه فان من صبر وعفا كان صبره وعفوه موجبا لذل عدوه وخوفه وخشيته منه ومن الناس. فان الناس لا يسكتون عن خصمه وان سكت هو فاذا انتقم زال ذلك كله انه اذا عفا عن خصمه استشعرت نفسه خصمه انه فوقه وانه قد ربح عليه فلا يزال يرى نفسه دونه وكفى هذا فضلا وشرفا للعفو انه اذا عفا وصفح كانت هذه حسنة فتولد له حسنة اخرى وتلك الاخرى تولد له اخرى وهلم جرا فلا تزال حسناته في مزيد فان من ثواب الحسنة الحسنة بعدها كما ان من عقاب السيئة السيئة بعدها وربما كان هذا سببا لنجاته وسعادته الابدية فاذا انتقم وانتصر زال ذلك فمن يتأمل معاشر الكرام في هذه المعاني العظيمة سيكون لها ولابد اثر على قلبه وتأثير في نفسه عفوا وصفحا وتجاوزا عمن اساء اليه وهذا خير للعبد من بقاء الشحناء والعداوة عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال تفتح ابواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا الا رجلا كانت بينه وبين اخيه شحناء فيقال انظروا هذين حتى يصطلحا. انظروا هذين حتى يصطلحا انظروا هذين حتى يصطلحا. رواه مسلم وفي رواية الا المتهاجرين وفي رواية اخرى تعرض الاعمال على الله في كل اثنين وخميس فيغفر لكل مسلم وذكر نحوه وهذا معاشر الاحبة الكرام امر عظيم يتعلق بالاعمال وقبولها ونيل غفران الذنوب فلهذه الشحناء تأثير في تأخير قبول العمل ونيل الغفران ولنتأمل هذا التأكيد على ذلك ثلاث مرات يقول انظروا هذين حتى يصطلحا اي امهلوا فلا تعطوا من المغفرة نصيبا لهذين المتهاجرين المتعادين. واخروا مغفرتهما حتى يصطلحا. زجرا لهما وحثا على المبادرة للصلح ولا يجوز لمسلم ان يهجر اخاه المسلم فوق ثلاث من اجل حظوظ دنيوية ومبتغيات انية وذلك ان دين الاسلام دين اوجد الله سبحانه به اخوة دينية. ورابطة ايمانية ووثاقا عظيما لا له. قال تعالى انما المؤمنون اخوة. وقال صلى الله عليه وسلم المسلم اخو المسلم فهذه الاخوة الايمانية والرابطة الدينية العظيمة لا يجوز ان تهدر وان تضيع من اجل بعض الحظوظ الدنيوية وهذه مصيبة عظيمة ان يخل بهذه الاخوة الايمانية هذا الاخلال وان تضيع بهذه الطريقة لاجل بعظ الحظوظ الدنيوية وقد جاء في احاديث عديدة عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عنان يهجر المسلم اخاه فوق ثلاث. وان هذا يتنافى مع الاخوة الايمانية ويعرض المرء لعقوبة الله سبحانه وتعالى عن انس بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله اخوانا. ولا يحل لمسلم ان يهجر اخاه فوق ثلاث. متفق عليه وعن ابي ايوب الانصاري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لمسلم ان يهجر اخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرظ هذا ويعرظ هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام متفق عليه وعن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل للمؤمن ان يهجر اخاه فوق ثلاثة ايام رواه مسلم وعن هشام ابن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحل لمسلم ان يصارم مسلما فوق ثلاث ليال فانهما ما صار ما فوق ثلاث ليال فانهما ناكبان على الحق ما داما على صرامهما وان اولهما شيئا يكون كفارة له سبقه بالفيء وان هما ماتا على صرامهما لم يدخلا الجنة جميعا. رواه البخاري في الادب المفرد فحدد النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الاحاديث مساحة زمنية لا تزيد على ثلاثة ايام لتصفية النفوس وابعاد ما لحقها من شحناء وفي الحديث المتقدم ان عرض الاعمال على الله كل اثنين وخميس. وبين الاثنين والخميس والخميس والاثنين هذه المساحة الزمنية وهي فرصة كافية بان يطرح المرء ما في نفسه على اخيه. لانه لا يحل له ان يهجر اخاه فوق ثلاث ففي ثورة الغضب واشتداده عفي عن الهجر في حدود تلك المدة الزمنية التي لا تزيد على ثلاثة ايام. اما بعد الثلاث فان الامر حرام ولا يجوز وعندما نتأمل في هذا الحديث العظيم عرظ الاعمال على الله وتفتيح ابواب الجنة كل اثنين وخميس. ندرك ان هذين وقتين العظيمين الاثنين والخميس فيهما فتح باب للمسامحة لا سيما من عبد الله الموفق الذي يستحضر اهمية الثواب ونيل الغفران وعدم تأخير قبول العمل واي مصلحة للمرء في ان يعرض عمله على الله في يومي الاثنين والخميس فيؤخر غفران ذنوبه لشحناء بينه وبين احد اخوانه فليتق الله الناصح لنفسه وليحرص على حفظ اعماله وقبولها ونيل غفران الله وليبعد كل سبب موجب لردها او تأخير قبولها عن ابي خراش السلمي انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من هجر اخاه سنة فهو كسفك دمه. رواه ابو داوود وعن عمران ابن ابي انس حدثه ان رجلا من اسلم من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حدثه عن النبي صلى الله الله عليه وسلم قال هجرة المسلم سنة كدمه. رواه البخاري في الادب المفرد اي ان من امتدت هجرته لاخيه سنة فهو كسفك دمه. وهذا فيه دلالة على خطورة الهجر اذا مر هذه المدة الطويلة ولعل من الحكمة في ذلك ان من هجر اخاه سنة اصبحت روابط الاسلام ووشائج الدين غير مؤثرة لانهم مع امتداد الايام لابد ان تؤثر روابط الدين بعد اسبوع او بعد شهر او بعد شهرين فيقول مثلا هذا مصلي هذا يجمعني واياه دين الله يحرك شيء من هذه المعاني التي تحرك في نفسه الوصل اما ان يمتد الهجر الى هذه المدة الطويلة فهذا ولا شك من ضعف الايمان وعن اياض المجاشع ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مقسط متصدق موفق ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم وعفيف متعفف ذو عيال قوله رحيم اي في قلبه رحمة لعباد الله يتعامل معهم بموجبها قال الله تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رؤوف رحيم وقوله رقيق القلب اي قلبه ليس قاسيا غليظا بل فيه لين ورفق وشفقة لكل ذي قربة ومسلم قال الله تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم ومن كان قلبه كذلك هان عليه العفو وطاب قلبه بالصفح. اسأل الله عز وجل جل في علاه باسمائه الحسنى وصفاته العليا وبانه الله الذي لا اله الا هو ان يصلح قلوبنا اجمعين والا يجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا والا يجعل فيها سخيمة او بغضاء لاحد من عباده المؤمنين وان يعيننا اجمعين على كظم الغيظ والعفو عن الناس والصفح عن المسيئين وان ييسر لنا كل خير وان لا يكلنا الى انفسنا طرفة عين. انه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو اهل رجاؤه حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته