بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين. اما بعد لقد جاء الاسلام بتوجيهاته السمحة وارشاده القويمة عاديا الى كل فضيلة. داعيا الى كل خير. مسددا الناس في الاقوال والاعمال مبعدا النفس عن رعونتها. وهذا من كمال هذا الدين وجمال هدايته حيث ارشد الى كمال الاخلاق ومجامع الخير واصول البر في احوال الناس كلها وشؤونهم جميعها وفي كل ما يأتون ويذرون وهذه وقفة مع خلق عظيم دعا اليه دين الاسلام. يعد من مجامع الخير واصول الاخلاق واسس الفظيلة نعم عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم اوصني قال لا تغضب فردد مرارا قال لا تغضب. رواه البخاري وعن حميد بن عبد الرحمن ان رجلا من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال يا رسول الله اوصني قال لا تغضب قال الرجل ففكرت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم ما قال فاذا الغضب يجمع الشر كله. رواه احمد تأمل اخي رعاك الله ما يجنيه الغضب على الانسان من تصرفات هوجى واعمال شنيعة واقوال بذيئة يندم المرء على فعل بها غاية الندم عند ذهاب غضبه. لانه حال غضبه يتصرف تصرفا يشبه تصرف من به جنون ثم بعد بعد انتهاء غضبه يندم ولهذا قيل في وصف الغضب اوله جنون ونهايته ندم وقول الصحابي رضي الله عنه ففكرت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم ما قال فاذا الغضب يجمع الشر كله يفيد ان الغضب جماع الشر قال جعفر بن محمد الغضب مفتاح كل شر وقيل لابن المبارك اجمع لنا حسن الخلق في كلمة. قال ترك الغضب والغضب معاشر الكرام هو غليان دم القلب وازدياد خفقانه طلبا لدفع امر مؤذن يتوقع الانسان اصوله او طلب الانتقام ممن حصل منه الاذى ويفظي في الغالب بالانسان الى اقوال سيئة والى افعال شنيعة وخاصة عند اشتداد الغظب فلا يملك كثير من الناس زمام نفسه حينئذ فينطلق اللسان بالسب والفحش والبذاء وتنطلق الجوارح بالبطش والضرب والعدوان لقد جاء الاسلام محذرا من خطورة الغضب داعيا المسلم ان يملك نفسه عند غضبه ولهذا تعد هذه الوصية لا تغضب من جماع الوصايا وانفعها في باب الاخلاق قال اهل العلم وهذا يتضمن الوصية بامرين عظيمين لا بد منهما الاول ان يدرب المسلم نفسه على الاخلاق الفاضلة والاداب الحسنة من الصبر والحلم والاناة والبعد عن العجلة الى غير ذلك من الاخلاق بحيث اذا ورد عليه والد الغضب تلقاه بجميل خلقه وعظيم ادبه وحسن حلمه وطيب صبره والامر الثاني انه عند وقوع الغضب على الانسان ان يملك نفسه فلا يندفع وقت غضبه الى قول لا يحمد او فعل لا يليق بل عليه ان يملك نفسه في اقواله وافعاله عند غضبه فلا يقول كلمة ولا يفعل شيئا حتى تنطفئ جمرة الغظب قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى فقوله صلى الله عليه وسلم لمن استوصاه لا تغضب يحتمل امرين احدهما ان يكون مراده الامر بالاسباب التي توجب حسن الخلق من الكرم والسخاء والحلم والحياء والاحتمال وكف الاذى والصفح والعفو وكظم الغيظ والطلاقة والبسر ونحو ذلك من الاخلاق الجميلة فان النفس اذا تخلقت بهذه الاخلاق وصارت لها عادة اوجب لها ذلك دفع الغضب عند حصول اسبابه والثاني ان يكون المراد لا تعمل بمقتضى الغضب اذا حصل لك بل جاهد نفسك على ترك تنفيذه والعمل بما يأمر به فان الغضب اذا ملك ابن ادم كان كالامر والناهي له. ولهذا المعنى قال الله عز وجل ولما سكت عن موسى الغضب فاذا لم يمتثل الانسان ما يأمره به غربه وجاهد نفسه على ذلك ان دفع عنه شر الغضب وربما سكن غضبه وذهب عاجلا. فكأنه حينئذ لم يغضب. والى هذا المعنى وقعت الاشارة في القرآن بقوله عز وجل واذا ما غضبوا هم يغفرون. وبقوله عز وجل والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس. والله يحب المحسنين وعليه في هذا المقام ان يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم لان الشيطان له نزغ عجيب ودخول على الانسان وقت غضبه يدفعه الى الافعال الشنيعة والاقوال الفظيعة عن سليمان بن سرد رضي الله عنه ان رجلين اشتبا عند النبي صلى الله عليه وسلم فغضب احدهما فاشتد غضبه حتى انتفخ وجهه وتغير فقال النبي صلى الله عليه وسلم اني لاعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد فانطلق اليه الرجل فاخبره بقول النبي صلى الله عليه وسلم وقال تعوذ بالله من الشيطان فقال اترى ببأس امجنون انا؟ اذهب متفق عليه قال النووي رحمه الله فيه ان الغضب في غير الله من نزغ الشيطان وانه ينبغي لصاحب الغضب ان يستعيذ فيقول اعوذ بالله من الشيطان الرجيم وانه سبب لزوال الغضب واما قول هذا الرجل الذي اشتد غضبه هل ترى بي من جنون؟ فهو كلام من لم يفقه في دين الله ولم يتهذب بانوار الشريعة المكرمة وتوهم ان الاستعاذة مختصة بالمجنون ولم يعلم ان الغضب من نزغات الشيطان. ويتكلم بالباطل ويفعل المذموم. وينوي الحقد والبغض وغير ذلك من القبائح المترتبة على الغضب لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي قال له اوصني لا تغضب تردد مرارا قال لا تغضب فلم يزده في الوصية على لا تغضب مع تكرره الطلب. وهذا دليل ظاهر في عظم مفسدة الغضب وما انتهى كلامه رحمه الله عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس الشديد بالصرعة انما الشديد الذي نفسه عند الغضب متفق عليه قوله صلى الله عليه وسلم ليس الشديد بالسرعة المعروف عند الناس ان السرعة هو الشديد القوي الذي يصرع الناس فاراد النبي صلى الله عليه وسلم ان ينبههم ان الشدة والقوة حقا ليست هي هذه وانما هي ان يملك الانسان نفسه عند الغضب وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من جرعة اعظم اجرا عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله. رواه ابن ماجة فهي افضل جرعة يتجرعها العبد واعظمها ثوابا وارفعها درجة بان يحبس المرء نفسه من التشفي والانتقام قاصدا سلامة دينه ونيل ثواب الله سبحانه وتعالى ثم ان النبي صلى الله عليه وسلم وجه الى امرين عظيمين على الانسان ان يتحلى بهما حال غضبه احدهما يتعلق باللسان والثاني يتعلق بالجوارح اما الاول ففي المسند للامام احمد عن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اذا غضب احدكم فليسكت اي ليمنع نفسه من الكلام حال الغضب لانه ان تكلم وهو غضبان سيتكلم بما لا يحمد عقباه. لانه وقت الغضب قد يقول كلاما سيئا من لعن وشتم وبذاء فعليه ان يمسك عن الكلام فلا يتكلم ولا بكلمة واحدة حال غضبه لانه في تلك الحال لا يدرك ما يقول ولا يعي ما يتكلم به فاذا امتنع عن الكلام حتى تهدأ جمرة الغضب وتطفأ شدة فحينئذ سيكون الكلام سديدا وتكون العاقبة حميدة واما الثاني ففي المسند عن انس بن مالك رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اذا غضب احدكم وهو قائم فليجلس فان ذهب عنه الغضب والا فليضطجع. عندما يكون الانسان في شدة غضبه وهو قائم ومن اغضبه امامه قريبا منه ربما لا يملك نفسه من الاضرار به. فاذا تباعد عنه بالجلوس سكن غضبه وان احتاج الى ان يضجع فعل فانه اكثر سكونا واهدأ للنفس. والحاصل ان غضبان حال الغضب لا ينبغي له ان يتصرف بما يملي عليه غضبه لا قولا ولا فعلا حتى تنطفئ جمرة الغضب وهذا حقيقة القوة ان يملك نفسه عند غضبه عن انس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال التأني من الله والعجلة من رواه ابو يعلى في مسنده. التأني من الله اي مما يرضاه ويثيب عليه. والعجلة من الشيطان اي هو حامل عليها بوسوسته لان العجلة تمنع من التثبت والنظر في العواقب واهل الاناة اهل نظر في العواقب والمآلات. وذلك ان خاصة العقل النظر في العواقب. واما اهل العجلة فانهم يندفعون اندفاعا بلا تعقل ولا تأمل في العواقب. ولهذا فان مثل النفس في عجلتها وطيشها ككرة من فخار وضعت على منحدر املس. فلا تزال متدحرجة ولا يدرى في مآل امرها ونهاية حالها باي شيء ترتطم. فكم هي تلك المآلات المؤسفة والنهايات المحزنة التي يؤول اليها امر اهل العجلة والطيس. ممن لا يتأملون في العواقب ولا ينظرون في المآلات وفي تعويد النفس على الاناة السلامة من عواقب الغضب عند وجوده. وعن عبد الله ابن سرجس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال السمت الحسن والتؤدة والاقتصاد جزء من اربعة وعشرين جزءا من النبوة ورواه الترمذي في جامعه. والسمت الحسن الطريقة المرضية والسكون والوقار والتؤدة الاناة والبعد عن السفه والطيش والاقتصاد التوسط بين الافراط والتفريط. وقوله جزء من اربعة وعشرين جزءا من النبوة. اي ان هذه الاوصاف العظيمة والخلالة الكريمة من شمائل الانبياء عليهم السلام واوصافهم وفي هذا حث على الاقتداء بهم والاكتساء. قال الله تعالى اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتدى ومما يعين على تحقق السلامة من الغضب وعواقبه الوخيمة. ان يحرص المسلم دوما على الرفق في الامر كله فان الرفق خصلة عظيمة يحبها الله جل وعلا من عباده. وفي الحديث ان الله رفيق يحب الرفق. عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا عائشة ان الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه متفق عليه. وعن عائشة رضي الله عنها قالت استأذن رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليكم اي الموت فقالت عائشة بل عليكم السام واللعنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة ان الله الرفق في الامر كله. قالت الم تسمع ما قالوا؟ قال قد قلت وعليكم. وعن عائشة رضي الله عنها ان يهود اتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليكم. فقالت عائشة عليكم ولعنكم الله وغضب الله عليكم. قال مهلا يا عائشة عليك بالرفق واياك والعنف والفحش. قالت اولم تسمع ما قالوا؟ قال او الم تسمعي ما قلت رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في وما دخل الرفق في شيء الا زانه. وما نزع من شيء الا شانه. ومن اعطي الرفق فقد اعطي الخير كله ومن حرم الرفق حرم الخير. عن جرير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من يحرم الرفق يحرم الخير. رواه مسلم وعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الرفق لا يكون في شيء الا زانه ولا ينزع من شيء الا شانه. رواه مسلم. وعن عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها يا عائشة ارفقي فان الله اذا اراد باهل بيت خيرا دلهم على باب الرفق رواه احمد والرفق لين الجانب في الاقوال والافعال بمعنى ان تكون اقوال الانسان وافعاله هينة لينة ليس فيها صلف وشدة ولا فظاظة وغلظة ولا اسفاف وفحش وعنف ويتبين نصيب المرء منه في المواقف التي تثير الغضب. والرفق يزين الامور ويجمل الحياة ويكمل الايمان وتتحقق به للعبد الخيرية وينال به مصالحه ومآربه وغاياته من امور دينه ودنياه ومن يتأمل سيرة نبينا عليه الصلاة والسلام يجد انها عامرة بالرفق والاناة والاخلاق الفاضلة والاداب الكاملة فكان عليه الصلاة والسلام قدوة للعالمين. قال الله تعالى لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر. ومن يطالع سيرته العطرة يجد عجبا في تمثله صلى الله عليه وسلم بصفة في تعاملاته في شؤونه كلها. قال الله تعالى فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا القلب لانفضوا من حولكم. ولقد كان يأتيه الرجل وليس على وجه الارض ابغض اليه منه. فما ان يراه ويرى رفقه وتعامله الا ويتحول من ساعته وليس على وجه الارض احب اليه منه. وتأمل في قصة اسلام ثمامة ابن اثال سيد اهل اليمامة رضي الله عنه عندما جيء به وربط في من سواري المسجد. فكان عليه الصلاة والسلام يمر عليه ويحادثه ويتكلم معه برفق. الى ان اعلن اسلامه رضي الله عنه ثم قال يا محمد والله ما كان على وجه الارض ابغض الي من وجهك فقد اصبح وجهك احب الوجوه كلها الي. ووالله ما كان من دينا ابغض الي من دينه. فاصبح دينك احب اديان الي والله ما كان من بلد ابغض الي من بلدك فاصبح بلدك احب البلاد الي رواه احمد فتحول رظي الله عنه الى ان صار النبي صلى الله عليه وسلم ليس احب اليه منه ولا ارظ احب اليه من ارضه عليه الصلاة والسلام بسبب هذا الرفق واللين والملاطفة التي كانت من النبي صلى الله عليه وسلم له قصص رفقه واناته في الامور كثيرة. عن انس ابن مالك قال بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ جاء اعرابي فقام يبول في المسجد. فقال اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزرموه دعوه. فتركوه حتى بال. ثمان رسول الله صلى الله عليه سلم دعاه فقال له ان هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القدر انما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة في القرآن قال فامر رجلا من القوم فجاء بدلو مما فشنه عليه رواه مسلم ابي هريرة رضي الله عنه قال دخل اعرابي المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فقال اللهم اغفر لي محمد ولا تغفر لاحد معنا. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لقد احتظرت واسعا. ثم اي الاعرابي حتى اذا كان في ناحية المسجد فشج يبول. فقال الاعرابي بعد ان فقه فقام الي اي النبي صلى الله عليه وسلم بابي وامي فلم يؤنب ولم يسب. فقال ان هذا المسجد لا يبال فيه. انما بني لذكر الله وللصلاة ثم امر بسجل مما فافرغ على بوله رواه ابن ماجة وعن ابي هريرة رضي الله عنه ان اعرابيا بال في المسجد فثار اليه الناس ليقعوا به فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوه واهريقوا على بوله ذنوبا مما او سجلا مما فانما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا رواه البخاري. وقوله دعوه اي اتركوه. يكمل بوله في موضعه لانه لو قطع عليه بوله لتضرر ولو اقاموه في اسنائه لتنجست ثيابه وبدنه ومواضع كثيرة من المسجد. وعن عائشة رضي الله عنها انها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله هل اتى عليك يوم كان اشد من يوم احد؟ فقال لقد من قومك وكان اشد ما لقيت منهم يوم العقبة. اذ عرضت نفسي على ابن عبدي ليل ابن عبدي فلان فلم يجبني الى ما اردت. فانطلقت وانا مهموم على وجهي فلم استفق الا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فاذا انا بسحابة قد اظلتني فنظرت فاذا فيها جبريل فناداني فقال ان ان الله عز وجل قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث اليك ملك الجبال لتأمر بما شئت فيهم. قال فناداني ملك الجبال وسلم علي ثم قال يا محمد ان الله قد سمع قول قومك لك وانا ملك الجبال وقد بعثني ربك اليك لتأمرني بامرك فما شئت ان شئت اطبقت عليهم الاخشبين. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم بل ارجو ان يخرج الله من اصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا متفق عليه وعن معاوية ابن الحكم السلمي قال بين انا اصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله. فرماني القوم بابصارهم فقلت امياه. ما شأنكم تنظرون الي ان يتحدث وهو يصلي فجعلوا يضربون بايديهم على افخاذهم فلما رأيتم يصمتونني سكت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبابي هو وامي ما رأيتم معلما قبله ولا بعده احسن تعليما منه. فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني قال ان هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس. انما هو التسبيح والتكبير قراءة القرآن رواه مسلم. وعن ابي امامة رضي الله عنه قال ان فتى شابا اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ائذن لي بالزنا. فاقبل القوم عليه فزجروه وقالوا مه مه. فقال النبي الصلاة والسلام ادنه فدنا منه قريبا قال فجلس قال اتحبه لامك؟ قال لا والله جعلني الله فداءك. قال ولا الناس يحبونه لامهاتهم. قال افتحبه لابنتك؟ قال لا. والله يا رسول الله جعلني الله فداءك. قال ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال افتحبه لاختك؟ قال لا. والله جعلني الله في قال ولا الناس يحبونه لاخواتهم. قال افتحبه لعمتك؟ قال لا. والله جعلني الله فداءك. قال ولا يحبونه لعماتهم قال افتحبه لخالته؟ قال لا والله جعلني الله فداءك. قال ولا الناس يحبونه لخالاتهم قال فوضع يده عليه وقال اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت الى شيء من ذلك رواه احمد وعن ما لك ابن الحويرث رضي الله عنه قال اتينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شبيبة متقاربون فاقمنا عنده عشرين ليلة فظن ان اشتقنا اهلنا وسألنا عن من تركنا في اهلنا فاخبرناه وكان رفيقا فقال ارجعوا الى اهلكم فعلموهم وامروهم وصلوا كما رأيتموني اصلي. واذا حضرت الصلاة لكم احدكم ثم ليؤمكم اكبركم. رواه البخاري فهذه معاشر الكرام امثلة مشرقة من رفقه عليه الصلاة والسلام. وما اكثرها في حياته بل حياته صلى الله عليه وسلم كلها رفق وحلم واناة وحسن معاملة وجميل خلق ولنختم حديثنا هذا بكلام جامع للامام ابن القيم رحمه الله في بيان ما يقوم عليه الخلق ويرتكز. قال رحمه الله وحسن يقوم على اربعة اركان لا يتصور قيام ساقه الا عليه الصبر والعفة والشجاعة والعدل فالصبر يحمله على الاحتمال وكظم الغيظ وكف الاذى والحلم والاناة والرفق وعدم الطيش والعجلة والعفة تحمله على اجتناب الرذائل والقبائح من القول والفعل وتحمله على الحياء وهو رأس كل خير وتمنع او من الفحشاء والبخل والكذب والغيبة والنميمة. والشجاعة تحمله على عزة النفس وايثار معالي الاخلاق لا قوى الشيم وعلى البذل والندى الذي هو شجاعة النفس وقوتها. وتحمله على كظم الغيظ والحلم فانه بقوة نفسي وشجاعتها يمسك عنانها ويكبح جماحها بلجامها عن النزغ والبطش. كما قال صلى الله عليه وسلم ليس الشديد بالصرعة انما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب. وهو حقيقة الشجاعة وهي ملكة يقتدر بها العبد على قهر خصمه. والعدل يحمله على اعتدال اخلاقه وتوسطه فيها بين طرفي الافراط والتفريط على خلق الجود والسخاء الذي هو توسط بين الذل والقحى. وعلى خلق الشجاعة الذي هو توسط بين الجبن تهور وعلى خلق الحلم الذي هو توسط بين الغضب والمهانة وسقوط النفس ومنشأ جميع الاخلاق الفاضلة من هذه الاربعة. ومنشأ جميع الاخلاق السافلة وبناؤها على اربعة اركان الجهل والظلم والشهوة والغضب. فالجهل يريه الحسن في صورة القبيح. والقبيح في صورة الحسن اما لا نقصا والنقص كمالا. والظلم يحمله على وضع الشيء في غير موضعه فيغضب في موضع الرضا. ويرضى في موضع غضب ويجهل في موضع الاناة ويبخل في موضع البذل ويبذل في موضع البخل ويحجم في موضع الاقدام ويقدم في موضع الاحجام ويلين في موضع الشدة ويشتد في موضع اللين ويتواضع في موضع العزة ويتكبر في موضع التواضع. والشهوة تحمله على الحرص والشح والبخل وعدم العفة والجشع والدناءات كلها والغضب يحمله على الكبر والحقد والحسد والعدوان والسفه. انتهى كلامه رحمه الله. هذا وان الادب والخلق منة الهية يمن بها سبحانه وتعالى على من يشاء من عباده كما قال احد التابعين ان هذه اخلاق وهائب فاذا احب الله عبده وهبه منها. ولهذا من اراد لنفسه ان يكون متحليا بالاداب متخلقا اخلاق الاسلام فعليه ان يقبل على الله جل وعلا اقبالا صادقا ملحا عليه بالدعاء صادقا في الرجاء. والله لا يخيب عبدا دعاه ولا يرد عبدا ناداه. وقد جاءت السنة بادعية عظيمة ارشد اليها الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وهي من الوسائل المباركة والاسباب النافعة لاكتساب الاداب. منها قول الله عز وجل في دعائه اللهم اني اعوذ اعوذ بك من منكرات الاخلاق والاعمال والاهواء. وقوله عليه الصلاة والسلام اللهم اتي نفسي تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها. وقوله عليه الصلاة والسلام اللهم اهدني لاحسن الاخلاق لا يهدي لاحسنها الا واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها الا انت. فبالمحافظة على هذه الادعية المباركة مع الاخذ بالاسباب النافعة والوسائل الشرعية المحمودة ومجاهدة النفس يحسن ادب الانسان ويزين خلقه وتطيب معاملته والتوفيق بيد الله وحده. اللهم اصلح احوالنا اجمعين وزينا بالاخلاق الفاضلة والاداب الكاملة واهدنا لاحسن الاخلاق لا يهدي لاحسنها الا انت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها الا انت. اللهم اعذنا من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا انك سميع الدعاء وانت اهل الرجاء وانت حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته