بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين. اما بعد لقد جاءت هذه الشريعة الغراء بصيانة الاعراض وحفظها ورعايتها وابعاد الناس من ان يسيء بعضهم الى بعض. باي نوع من انواع الاساءة وعد ذلك في الشريعة بابا عظيما من ابواب الاثم وضربا من دروب العدوان. ومن ذلك ما جاءت به الشريعة المباركة من ذم الغيبة والنميمة والسخرية والنهي عنها والتحذير منها وتجريم فاعليها وعدها في جملة كبائر الاثم. اما الغيبة فان الله تبارك وتعالى يقول ولا يغتب بعضكم بعضا ايحب احدكم ان يأكل لحم اخيه ميتا فكرهتموه؟ قال ابن عباس رضي الله عنهما في معنى الاية حرم الله ان يغتاب المسلم كحرمة اكل الميتة. وقال قتادة رحمه الله كما انت كاره ان تأكل جيفة مدودة فكذلك كن كارها لغيبة اخيك. وقال قيس ابن ابي حازم مر عمرو ابن عاص رضي الله عنه على بغل ميت قد انتفخ فوقف عليه فقال والله لان يأكل احدكم من هذا حتى يملأ جوفه خير له من ان يغتاب اخاه. فبهذا المثل العظيم معاشر الاحبة الكرام الذي ذكره رب العالمين جل وعلا يظهر مدى خطورة الغيبة وعظم هذا الجرم وشدة خطره على الافراد والمجتمعات. عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اتدرون ما الغيبة؟ قالوا الله ورسوله اعلم. قال ذكرك اخاك بما يكره الى افرأيت ان كان في اخي ما اقول. قال ان كان فيه ما تقول فقد اغتبته. وان لم يكن فيه فقد هت رواه مسلم. في هذا الحديث معاشر الكرام بيان لحد الغيبة وتعريف لها. وان ذكر المرء لاخيه بما يكره مما هو فيه. واما ان كان ما قاله المغتاب ليس في اخيه فهذه جريمة اعظم وهي الكذب والافتراء والبهتان. وهذه الكبيرة يعظم اثمها ويكبر بحسب حال من اغتابه الانسان. فغيبة من له حق على الانسان كام او اب او زوج او اخ او قريب اوجى اعظم من غيبة غيرهم. لانه اضافة الى ما فيه من غيبة فيه تضييع لهذا الحق الخاص واهدار له ولهذا فان اغتياب العلماء الذين لهم قدم صدق في الامة نصحا وتعليما وبيانا وتوجيها ودعوة واصلاحا من عظائم الذنوب وكبائر الاثام. لما لهم من حق خاص على عموم المسلمين. من نصح ومحبة وفاء ودعاء لما يقدمونه لامة الاسلام من اعمال خيرة ونصائح قيمة ودعوة نافعة. مع الكرام ان المغتاب باغتيابه للاخرين وتعديه على اعراضهم عرض نفسه لعقوبة تحل به في الدنيا قبل الاخرة وهي ان الله جل وعلا يهتك ستره ويفضحه ولو كان في قعر بيته عن ابي برزة الاسلمي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر من امن بلسانه ولم يدخل الايمان قلبه لا تغتابوا المسلمين. ولا تتبعوا عوراتهم فانه من اتبع عوراتهم يتبع الله عوراتهم ومن يتبع الله عورته يفضحه. رواه ابو داوود. وهذا يدل على ان من يفعل تلا هذه الافعال عنده نقص في ايمانه او نفاق. لان قول الله سبحانه وتعالى في سورة الحجرات قالت الاعراب اتمنى قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا. ولما يدخل الايمان في قلوبكم فسرت بتفسيرين فقيل ان المقصود بها اناس منافقون. وهذا قول البخاري رحمه الله في الاية. وقيل ان المقصود انهم مؤمنون ناقص الايمان لم يتمكن الايمان في قلوبهم. ثم ان الجزاء من جنس العمل. فمن يتبع عورة اخيه يتبع الله عورته. ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته وهذه عقوبة معجلة. وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فارتفعت ريح جيفة منتنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتدرون ما هذه الريح؟ هذه ريح الذين يغتابون المؤمنين رواه احمد. فالمغتاب ومن معه في مجلس الغيبة يقومون من مجلسهم كأنما قاموا من انت نجيفة حمار. ولو كان الناس يشمون روائح المعاصي ونتانة الغيبة لما استطاع احد ان يجلس مجلسا فيه غيبة قبح رائحتها. عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه. فمن عظيم جريمة الغيبة ان النبي عليه الصلاة والسلام جعلها الاعتداء على النفس بالقتل وعلى الاموال بالسلب والانتهاك. وقتل الانفس وسرقة الاموال كبيرتان عظيمتان اجماعا وهتك الاعراض والتعدي عليها بالغيبة ونحوها جاءت في هذا الحديث وغيره مقارنة لهاتين قيمتين. مما يدل على عظم هذا الجرم وفداحته وكبر خطورته. كيف لا؟ وهو داء عضال ومرض فك اكن ومعول هدم يترتب عليه نشر العداوات وايجاد الاحن وانتشار البغظة بين مين ؟ عن انس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرج بي مررت قوم لهم اظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم. فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء الذين ياكلون لحوم الناس ويقعون في اعراضهم. رواه ابو داوود. اي ان الجزاء من جنس العمل فلما كان بغيبته ووقوعه في الاعراض مثل الذي يأكل لحومهم صارت عقوبته بان يمزق جلده ولحمه بنفسه بتلك الاظفار من النحاس. واما النمام فانه يعد افة من الافات وظررا كن عظيما على المجتمعات. ولهذا نهى الله سبحانه وتعالى عباده عن طاعة النمامين وقبول اقوالهم. لعظم وشدة افسادهم قال الله تعالى ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم فالنمام لا يطاع ولا يقبل قوله وان اقسم على قوله بالايمان المغلظة. ومن التعامل الجميل مع امن ينم برد نميمته وعدم قبولها؟ ذلك الموقف العظيم الذي يروى عن امير المؤمنين عمر ابن عبد العزيز رحمه الله ان رجلا دخل عليه فذكر اخر بشيء من الكلام فقال عمر ان شئت نظرنا في امرك فان كنت كاذبا فانت من اهل هذه الاية ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا. وان كنت صادقا فانت من اهل هذه الاية هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد اثيم. وان شئت عفونا عنك. قال العفو يا امير المؤمنين ولا اعود الى ذلك ابدا. وفي النمام معاشر الاحبة الكرام شبه كبير بالساحر وذلك لان عمله يحقق من النتائج والمضرة بالمجتمعات ما لا يحققه عمل الساحر. عن الله ابن مسعود رضي الله عنه قال ان محمدا صلى الله عليه وسلم قال الا انبئكم ما العضو هي النميمة القالة بين الناس رواه مسلم. والعطف السحر والعاظة الساحر. وانما سميت النميمة سحرا وان لم يكن عمل النمام مطابقا لعمل الساحر لان ما يؤدي اليه عمل نمام من افساد وايقاع للفرقة ونشر للعداوات مشابه لعمل الساحر بل اشد. قال يحيى ابن ابي كثير اليماني الله يفسد النمام في ساعة ما لا يفسده الساحر في شهر. فهو افة خطيرة ولهذا اتفق العلماء رحمهم الله على ان النميمة كبيرة من كبائر الذنوب وعظيمة من عظائم الاثام وصاحبها من شرار طلق عن اسماء بنت يزيد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الا اخبركم بخياركم؟ قالوا بلى يا رسول الله قال الذين اذا رؤوا ذكر الله تعالى ثم قال الا اخبركم بشراركم المشاؤون بالنميمة المفسدون بين الاحبة الباغون للبرءاء العنت. رواه احمد. ذكر عليه الصلاة والسلام المشي بالنميمة علامة للسرار تحذيرا من هذه الافة لشدة ضررها على الناس بايجاد العنت والفجوة والتناحر والتطاحن بينهم. وقد قيل ان عمل النمام اضر من عمل الشيطان. لان عمل الشيطان يكون بالوسوسة وعمل النمام يكون بالمواجهة. يواجه الاخرين على انه ناصح امين. وانه لا يريد الا خيرا ويحلف على كلامه الله تبارك وتعالى يعلم من حاله وهو العليم بذات الصدور انه انما اراد بذلك الافساد بين الناس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال اما انه ما ليعذبان وما يعذبان في كبير. اما احدهما فكان يمشي بالنميمة. واما الاخر فكان لا يستتر من بوله متفق عليه. قوله عليه الصلاة والسلام يمشي بالنميمة وتقدم في الحديث السابق المشاؤون بالنميمة. وتقدم ايضا في الاية الكريمة مشاء بنميم. فالنميمة في وقت مضى تحتاج من النمام الى مشي وسعي. اما في زماننا الحاضر فان النميمة يحصل من النمام وهو جالس في بيته دون ان يمشي او يسعى. وذلك من خلال الاجهزة الحديثة ووسائل الاتصال متوفرة في هذا الزمان كالجوال مثلا او عبر الشبكة العنكبوتية ونحو ذلك. ولهذا ما اعظم الفساد الذي يقع من هؤلاء من لا لهذه الاجهزة اما بالرسائل المكتوبة او بالمكالمات والمحادثات ونحو ذلك مما يترتب عليه اظرار عظيم سواء بايقاع العداوة بين افراد وافراد او ايقاع العداوة بين مجتمعات ومجتمعات الا ما الائم النمام وما اشنعه وما اضره على الناس. لكنه سيقف بين يدي الله ويلقى جزاءنا نميمته وستكون حسرته عظيمة وندامته يوم القيامة شديدة. عن ابي وائل عن حذيفة انه مبالغه ان رجلا ينم الحديث. فقال حذيفة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يدخل الجنة نمام. رواه مسلم. واتفق الشيخان البخاري ومسلم على اخراجه بلفظ لا يدخل الجنة قتات والقتات والنمام. واما من يسعى بين الناس ناقلا الكلام من شخص الى اخر وعلى وجه الاصلاح واطفاء العداوات وايجاد المحبة والالفة والاخاء فهذا من المصلحين. ففي الصحيحين عن ام كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها انها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا او يقول خيرا اي من كان ينقل الكلام بين الناس ولا سيما بين من بينهم شيء من العداوة ينقل من احدهما الى الاخر اصلاحا لذات بينهم كأن يقول مثلا سمعت فلانا يذكرك بالخير او سمعته يثني علي او سمعته يدعو لك او نحو ذلك من الكلمات التي يريد بها الاصلاح فهذا من المصلحين. والله تبارك وتعالى يعلم المصلح من المفسد. وكل كل منهما سيقف بين يدي الله تبارك وتعالى ويلقى جزاء عمله. ليجزي الذين اساءوا بما عملوا الذين احسنوا بالحسنى. واما السخرية فهي خصلة دميمة وخلة لئيمة اذا اتصف بها المرء اضرت به اضرارا عظيما وكانت موجبة لاخلاله باخوة الايمان. والسخرية وليدة تقار والاحتقار وليد الكبر. وهذه الصفات ذميمة يتولد بعضها من بعض. وسوءات مشينة يتتابع بعضها على اثر بعض وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم بحسب امرئ من الشر ان يحقر اخاه المسلم ان يكفيه حظا ونصيبا من الشر ان يكون بهذه الصفة يحقر اخاه المسلم. ثم يتولد عن ذلك الاستهزاء والسخرية والتهكم ونحو ذلك. والسخرية تنشأ في المرء عندما ينظر الى نفسه المقصرة بعين الرضا وينظر للاخرين بعين الانتقاص. فيلوك حينئذ اعراضهم تهكما وسخرية وكلما اوغل المرء في الاجرام وتمادى في الاثام زاد حظه من الانتقاص لاهل الاسلام يقول الله عز وجل ان الذين اجرموا كانوا من الذين امنوا يضحكون واذا مروا بهم يتغامزون. فجعل الله عز وجل هذا التغامز والسخرية قرين الاجرام ومتولد عنه. ولا ينبغي للمسلم ان يستهين بامر ايا كان امرها ومهما كانت صورتها ومهما ظن صغر حجمها فان امرها عند الله عظيم. وقد يسخر مرء من اخر ويكون المسحور منه المستهزأ به خير عند الله عز وجل من عشرات بل مئات من مثل هذا الساخر قال الله سبحانه وتعالى يا ايها الذين امنوا لا يسخر قوم من قوم عسى ان يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى ان يكن خيرا منهن ولا تلمزوا انفسكم ولا تنابزوا بالالقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ان لم يتب فاولئك هم الظالمون. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله ينهى تعالى عن السخرية بالناس. وهو فقارهم والاستهزاء بهم كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال الكبر بطر الحق وغمس الناس ويروى وغمط الناس. والمراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم وهذا حرام. فانه قد يكون المحتقر اعظم قدرا عند الله واحب اليه من الساخر منه المحتقر له. ولهذا قال يا ايها الذين امنوا لا يسخر قوم من قوم عسى ان يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى ان يكن خيرا منهن. فنص على نهي الرجال وعطف بنهي النساء. وقوله ولا تلمزوا انفسكم اي لا تلمزوا الناس. والهماز اللماز من الرجال مذموم ملعون كما قال الله تعالى ويل لكل همزة لمزة. فالهمز بالفعل واللمز بالقول كما قال تبارك وتعالى هماز مشاء بنميم اي يحتقر الناس ويهزأ بهم طاعنا ويمشي بينهم بالنميمة وهي اللمز بالمقال. ولهذا قال ها هنا ولا تلمزوا انفسكم. كما قال ولا تقتلوا انفسكم اي لا يقتل بعضكم بعضا. قال ابن عباس ومجاهد وسعيد ابن جبير وقتادة ومقاتل ابن ولا تلمزوا انفسكم اي لا يطعن بعضكم على بعض. وقوله ولا تنابزوا بالالقاب اي لا او بالالقاب وهي التي يسوء الشخص سماعها. وفي الحديث رب اشعث اغبر ذي طمرين مدفوع بالابواب لو اقسم على الله لابره. معاشر الكرام قد يتهاون بعض الناس في هذا الباب فيسخر مثلا من اخر لرثاثة هيئته او تأتأة كلامه او دمامة في بعض صفاته او شيء في اعماله فيتنذر به ويسهر ولا يدري قد يكون هذا الذي يسخر منه من عباد الله المقربين ومن اوليائه المتقين فان الاكرم عند الله الاتقى لله. فان الله عز وجل لا ينظر الى صور الناس ولا الى هيئاتهم ولكن الى قلوبهم واعمالهم. وايضا قد يسخر ويتندر ببعض الناس في صفة هي فيه. وقد نبه على هذا المعنى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب على المنبر. ففي الصحيحين عن عبد الله بن زمعة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وذكر امورا من خطبته قال ثم وعظهم في ضحكهم من الضرطة وقال صلوات الله وسلامه عليه لم يظحك احدكم مما يفعل؟ وهذا تنبيه الى باب شريف عظيم في باب الاداب والاخلاق ان يحذر المرء من التندر والسخرية بامور ربما يكون متصفا بها وربما ايضا يبتلى بعد وقت بالاتصاف بها ولهذا كان كثير من السلف على حذر شديد من ذلك خشية ان يبتلى بشيء من ذلك. وليحذر في هذا المقام من اقل القليل ولو ان تصف اخر بما هو فيه من صفاته او من اعماله اذا كان على وجه التقليل من شأنه جاء في سنن ابي داوود عن عائشة رضي الله عنها قالت قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا وهي تعني كما جاء في بعض الروايات قصيرة. فقال النبي عليه الصلاة والسلام لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته. ولم يكن هذا خلقا لعائشة رضي الله عنها ولا منهجا لها رضي الله عنها قالت ذلك في تلك المرة فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام ذلك فكيف الشأن معاشر الاحبة الكرام مجالس قائمة اصلا من اولها الى اخرها على السخرية بالناس والاستهزاء والتهكم والاحتقار والانتقاص والازدراء اه ومن الخطير في هذا الباب محاكاة الاخرين تقليدا لاصواتهم او لطريقة مشيهم او لبعض حركات اظحاك كل الجالسين ولهذا جاء في الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة حين حكت له انسانا قال ما احب اني حكيت انسانا وان لي كذا وكذا. معشر الكرام ومن يجلس مجالس الساخرين سواء جلوسا مباشرا او من خلال الشاشات والقنوات فيضحك لما يقولون من سخرية او استهزاء او حتى يتبسم فله حظ من الاثم بحسب ذلك. روى ابن ابي حاتم في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها قال الصغيرة التبسم تهزاء بالمؤمنين والكبيرة القهقهة بذلك. وهذا من التفسير للاية ببعض افرادها. فليحذر كل ناصح لنفسه من السخرية ومن مجالس الساخرين ان من يستطيل على الناس ويتعدى عليهم ويتناولهم بانواع الاذى فلا تسلم اعراضهم من لسانه غيبة ونميمة واستهزاء ولا يسلمون منه في تعاملاتهم معه غشا وخيانة وتدليسا ولا يسلمون منه في انفسهم وابدانهم تعديا وضربا وايذاء ولا يسلمون منه في اموالهم نهبا واختلاسا واستلابا من كانت هذه حاله فقد احتمل بهتانا واثما عظيما. وقد قال الله تعالى والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا. واذا كان لا يحل لاحد ان يؤذي كلبا بغير حق فكيف اذا بالمؤمن قاله بمعناه الفضيل ابن عياض رحمه الله في تفسيره لهذه الاية الكريمة. معاشر كرام ان من يؤذي المسلمين ويتعرض لهم بانواع الاذى فان حسناته وطاعاته وعباداته تنتقل من ميزان عن حسناته الى ميزان حسناتهم. ولنتأمل في هذا ما خرجه مسلم في صحيحه من حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتدرون ما المفلس؟ قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا فقال ان المفلس من امتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتمها وقذف هذا واكل مال هذا وسفك دم هذا وظرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل ان يقضى ما عليه اخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار فينبغي ان يتنبه المسلم والا يعجبنه في شخص هيأته او ظاهر اعماله اذا كان معروفا بالاذى للناس والظلم والبغي. روى الامام ابن المبارك في كتابه الزهد والبيهقي في الشعب. ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قام في الناس خطيبا وقال لا يعجبنكم من رجل طنطنته ولكنه من ادى الامانة وكف عن اعراض الناس فهو الرجل. نعم معاشر الاحبة الكرام هذه هي الرجولة بابهى صورها واجمل لحللها ان يكون الرجل مؤديا ما عليه. وان يكون كافا لسانه ويده عن اذى الاخرين ما تقدم كله داخل في الظلم الذي حرمه الله على عباده. يقول الله تعالى في الحديث القدسي يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا. وذلك من كمال عدله جل في علاه. حرم على نفسه الظلم فلا يظلم احدا ولا يخاف احد منه ظلما ولا هظما وجعله بين العباد محرما. والواجب وعلى العباد ان يعرفوا حرمة الظلم وخطورته وسوء مغبته وعظم عاقبته وانه امر محرم حرمه الله جل وعلا ويعاقب عليه العقوبة العظيمة والعذاب الاليم يقول الله تعالى ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون. ويقول جل وعلا وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون. ويقول الله سبحانه وتعالى انما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الارض بغير الحق اولئك لهم عذاب اليم. والايات في هذا المعنى كثيرة والظلم ظلمات يوم القيامة. يأتي المؤمنون يوم القيامة يسعون بانوارهم. ويأتي الظالم ذلك اليوم بطن في ظلمات ظلمه. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ظلم ظلمات يوم القيامة. والظالم الذي اقتطع بظلمه من حقوق الاخرين شيئا ولو كان قليل او نزرا يسيرا فانه يأتي يوم القيامة يحمله على عاتقه ويطوقه يوم القيامة خزيا له بين على مين؟ روى الشيخان في صحيحيهما عن ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من ظلم قيد شبر ان الارض طوقه من سبع اراضين. اي انه يأتي بهذه الاراضين التي اخذها ظلما يوم القيامة يحملها على عنقه الى سبع اراضين خزيا له بين العالمين. ويوم القيامة يوم القصاص ويوم رد المظالم. فعن عبدالله بن انيس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة قالوا وما بهما يا رسول الله؟ قال اي ليس معهم من الدنيا شيء. ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب. انا الملك انا الديان. ثم يقول جل وعلا لا ينبغي لاحد من اهل الجنة ان يدخل الجنة ولاحد ان من اهل النار عليه مظلمة حتى اقصها منه. ولا ينبغي لاحد من اهل النار ان يدخل النار ولاحد من اهل الجنة عليه مظلمة حتى فاقصها منه حتى اللطمة. قالوا يا رسول الله وكيف ذاك؟ وهم انما جاءوا بهما. قال بالحسنات والسيئات. ومعنى قوله بالحسنات والسيئات جاء مفسرا ومفصلا في حديث ابي هريرة المتقدم ذكره المسفور بحديث المفلس معاشر الاحبة الكرام ان العاقل الناصح لنفسه عندما يتأمل في هذه الادلة ولها نظائر كثيرة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم تحذيرا من الظلم وبيانا لخطورته وسوء عاقبته على الظالم سواء كان تعديا على الانفس او تعديا على الاعراض او تعديا على الاموال يجد فيها ما ينبهه ويوقظ قلبه من رقدته. ويجعله يحسب لذلك الموقف حسابا ويزن اعماله في هذه الحياة قبل ان توزن يوم القيامة. وقد جاء في الصحيح من حديث ابي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من كانت له مظلمة لاخيه من عرض او شيء يتحلله منه اليوم قبل الا يكون دينار ولا درهم. ان كان له عمل صالح اخذ منه بقدر مظلمته وان لم تكن له حسنات اخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. انها لفرصة ثمينة لا تعوض. والعبد يعيش في هذه الحياة ان يتخلص من المظالم في هذه الحياة الدنيا قبل ان يلقى الله يوم القيامة وهو يحمل مظالمه على عاتقه خزيا له بين العالمين ثم يبوء بعاقبة ظلمه ومغبته الاليمة. معاشر الاحبة الكرام مما المسلم على كف يده ولسانه عن ايذاء الاخرين. ان يذكر نفسه دائما بما ينبغي له تجاههم من رعاية لحقوقهم ومعرفة بمقاماتهم. واذا كان المسلم في تعاملاته مع الاخرين يعد كبيرهم ابا وصغيرهم ولدا واوسطهم رفيقا واخا. فانه سيعامل الجميع بالمعاملة اللائقة. جاء عن محمد بن كعب القرظي رحمه الله. في وصية اوصى بها عمر ابن عبد العزيز اذ رحمه الله قال اذا اردت النجاة من عذاب الله يوم القيامة فاجعل كبير المسلمين عندك ابا. واوسطهم عندك اخا وصغيرهم عندك ولدا. فاي اولئك تحب ان تسيء اليه؟ اي اذا اعتبرتهم بمثل هذه الحالة الكبير اب والاوسط اخ ورفيق والصغير ابن. احسنت في معاملة الجميع. نعوذ بالله العظيم ان نظلم او نظلم ونسأله جل في علاه ان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين وان يغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات انه تبارك وتعالى غفور رحيم. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته