بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين. اما بعد فمن جمال هذه الشريعة وكمال ادابها هدايتها المؤمن الى ادب الجليس واختيار المجالس وقواعد الصحبة والتعامل مع الاصحاب. وهي اداب تحقق للعبد العواقب الحميدة والثمار الطيبة في الدنيا الاخرة ومن اعظم هذه الهدايات التفقه في الصاحب من حيث الاختيار والتوقي. عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المرء على دين خليله فلينظر احدكم من يخالل رواه احمد. افاد هذا الحديث ان الصاحب مؤثر في جليسه ولابد. فان كان ذا خير اثر فيه خيرا وان كان ذا شر اثر فيه شرا. ولهذا وجب على المسلم ان يتفقه في هذا الباب وان خير من الاصحاب من يكون في صحبتهم خير له. ولهذا قال عليه الصلاة والسلام فلينظر احدكم من يخالل. اي انه لا يليق بالمسلم ان يصاحب كل احد. بل عليه ان يتخير من الاخوان والاصحاب من يكونون عونا له على فعل خير والبعد عن الشر والانكفاف عنه. قال ابن عبد البر رحمه الله وهذا معناه والله اعلم ان المرء يعتاد ما يراه من افعال ما صحبه. والدين العادة. فلهذا امر الا يصحب الا من يرى منه ما يحل ويجمل فان الخير عادة. وفي معنى هذا الحديث قول عدي بن زيد عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن مقتدي. وقول ابي العتاهية من ذا الذي يخفى عليك اذا نظرت الى خدينة وهذا كثير جدا والمعنى في ذلك الا يخالط الانسان من يحمله على غير ما يحمد من الافعال ذاهب واما من يؤمن منه ذلك فلا حرج في صحبته. وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم في هذا باب مثلا بديعا يوضح حال الاصحاب من حيث التأثير في الخير او الشر عن ابي موسى الاشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال انما مثل الجليس الصالح السوء كحامل المسك ونافخ الكير. فحامل المسك اما ان يحذيك واما ان تبتاع منه واما اان تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير اما ان يحرق ثيابك واما ان تجد منه ريحا خبيثة متفق عليه. وهذا المثل البديع يوضح ان الصاحب مؤثر في صاحبه ولابد. وان المسلم اذا صحب الاخيار فانه لا يسمع منهم الا خيرا ولا يدلونه الا الى خير. ولا ينهونه الا عن شر وفساد اذا صحبت برا بوالديه اعانك على البر واذا صحبت وصولا لرحمه اعانك على الصلة اذا صحبت رجلا يحب معاونة الناس ومساعدة المحتاجين اعانك على ذلك. واذا صحبت طالب علم رغبك في العلم واذا صحبت ذا زهد وعبادة اعانك على الزهد والعبادة والورع. والرفيق الصالح لا يكون منه الا دعوات صالحة في غيبك وشهادتك وكف عن غيبتك وعن لمزك وهمزك والاساءة اليك وذب عنك الى غير ذلك من الفضائل والخيرات التي يكتسبها المسلم بمصاحبة الاخيار. اما اسرار فان صحبتهم داء عضال فانهم اما ان يجروا المرء الى افعال محرمة او انه لا اسمع منهم الا الشر ومآله في ملازمة صحبتهم الى ندم كما قال الله سبحانه وتعالى ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتا ليتني لم اتخذ فلانا خليلا. لقد اضلني عن الذكر بعد اذ جاءني وكان الشيطان للانسان خذولا وهي مهما قويت وتوثقت مآلها الى التصرع. الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين. فما كان لله دام واتصل وما كان لغيره انقطع وانفصل. قال ابو الدرداء رضي الله عنه من فقه الرجل مدخله وممشاه والفه ثم قال ابو قلابة بعد ان روى هذا عن ابي الدرداء الا ترى الى قول الشاعر عن المرء لا تسأل وابصر قرينه فان القرين بالمقارن يقتدي وقال الاصمعي عن هذا البيت لم ارى بيتا اشبه بالسنة منه. وجاء عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه انه قال اعتبروا الناس باخدانهم. فان المرء لا يخادم الا من يعجبه. وعن الاعمس رحمه الله قال كانوا لا يسألون عن الرجل بعد ثلاث. ممساه ومدخله والفه من الناس. وقال سفيان ليس شيء ابلغ في فساد رجل وصلاحه من صاحب. وقال قتادة رحمه الله انا والله ما رأينا الرجل يصاحب من الناس الا مثله وشكله. فصاحب الصالحين من عباد الله لعلكم ان تكونوا معهم او مثلهم وقال الفضيل بن عياض رحمه الله ليس للمؤمن ان يقعد مع كل من شاء. والاثار في هذا المعنى كثيرة هذا وقد جاءت الشريعة معاشر الاحبة الكرام بجملة عظيمة من الاداب المتعلقة بالمجلس والجليس ينبغي ان يتحلى بها الجلساء لتزين مجالسهم وتطيب. فمن هذه الاداب السلام عند الدخول والخروج عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا انتهى احدكم الى المجلس فليسلم فاذا اراد ان يقوم فليسلم فليست الاولى باحق من الاخرة رواه ابو داوود وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدأ بالسؤال قبل السلام فلا تجيبوه رواه الطبراني في الكبير. ومن اداب المجلس اذا دخل المرء الا يقيم احدا من مجلسه ليجلس فيه لكن يتوسع الجالسون للداخل قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا اذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال لا يقيمن احدكم الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه. رواه مسلم. بل يتفسح ويتوسع وعن جابر ابن سمرة رضي الله عنه قال كنا اذا اتينا النبي صلى الله عليه وسلم جلس احدنا حيث انتهى رواه البخاري في الادب المفرد. والمعنى اي انه لا يتخطى رقاب الجالسين تقدم الى صدر المجلس بل يجلس حيث انتهى به المجلس لما في التخطي من الايذاء للناس ولا يحل للمؤمن ان يؤذي اخوانه. عن ابي الزاهرية قال كنا مع عبد الله بن بسر. صاحب النبي صلى الله عليه سلم ورضي الله عنه يوم الجمعة. فجاء رجل يتخطى رقاب الناس. فقال عبد الله ابن بسر جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم فقد اذيت رواه ابو داوود فقوله عليه الصلاة والسلام اجلس فقد اذيت يدل على النهي عن التخطي. وذلك في كل وقت وحين. لان اداء مطلوب دفعه عن الناس وعدم ايقاعه ولكنه في وقت خطبة الجمعة يكون اشد لما فيه من الاذى ولما فيه من الاشغال عن سماع الخطبة عن الشعب قال جاء رجل الى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وعنده القوم جلوس يتخطى اليه منعوه فقال اتركوا الرجل. فجاء حتى جلس اليه. فقال اي الرجل اخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه رواه البخاري في الادب المفرد. قوله فمنع او اي منعه الناس من التخطي وهذا يفيد ان من المستقر عندهم ان التخطي امر مستنكر يتنافى مع اداب المجلس فمنعوه من اجل ذلك. فقال لهم رضي الله عنه اتركوا الرجل. ولعله دعاهم لتركه مراعاة لمصلحة خاصة تتعلق بهذا الرجل. ثم روى له هذا الحديث المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه. لانه يعد قاعدة جامعة في هذا الباب وعن الحسن قال قال عمر رضي الله عنه ان مما يصفي لك ود اخيك ثلاثا تبدأه بالسلام اذا لقيته وتدعوه باحب اسمائه اليه وتوسع له في المجلس. رواه ابن ابي في مكارم الاخلاق. ومن اداب المجلس الا يفرق بين اثنين في المجلس عن عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لرجل ان يفرق بين اثنين الا باذنهما. رواه ابو داوود اي اذا جاء الرجل الى مجلس فلا يفرق بين اثنين الا باذنهما وغالبا جلوس الى جنب بعضهما يدل على ان ثمة حاجة بينهما او امرا اقتضى ان يتقارب في المجلس. ففي جلوس بينهما وتفريقه بينهما ايذاء لهما وتعطيل لمصلحتهما. فجاءت الشريعة بحفظ ذلك الحق للجلساء وهذا معاشر الاحبة الكرام يحقق صفاء النفوس وطيب القلوب والا يوجد بين الجلساء شيء يدخل وعليهم شيئا من الاحن او التباغظ او التنافر او التعادي. وكما ان كل جالسين لا يرضيان ان يأتي من يفرق بينهما ويعطلهما عن مصلحتهما فكذلك من قدم على المجلس لا يرضى مثل ذلك لنفسه فما الذي يجعله اذا نفرق بين الاثنين ناظرا لمصلحته غير مبال بمصلحتهما هذا اذا كان الجالسان متجاورين. اما اذا كان بينهما ما يكفي جلوس شخص اخر فهذا لم يفرق بينهما لانهما قد تركا بينهما فرجة ومتسعا لمن اراد ان يجلس. ويتأكد معاشر الكرام هذا الامر يوم الجمعة لما فيه من الايذاء والاشغال. عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه او يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت اذا تكلم الامام الا غفر له ما بينه وبين الجمعة الاخرى رواه البخاري. التفرقة بين اثنين اي بالقعود بينهما. او ايضا باقامة احدهما والقعود مكانه. او ايضا التخطي لرقابهما. وفي التخطي رفع للرجل على الرؤوس والاكتاف وفي هذا ايذاء للمصلين واحيانا في مسألة التفرقة بين اثنين لا يكون المكان اصلا متسع لجلوس شخص ثالث فيدخل نفسه فيه غير مبال بالمصلين ولا بالاذى الذي يلحقه بهم. ومن اداب المجلس الا يتناجى فيه اثنان دون الثالث. عن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الاخر حتى تختلطوا بالناس من اجل ان يحزنه. متفق عليه اي انه يوقع فيه الحزن وهو مخالف لما تقتضيه الصحبة من الالفة والبعد عن التنافر ومن اداب المجلس النصحوا للاخوان والجلساء وسلامة الصدر من الغش والخديعة والمكر عن تميم الداري رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الدين النصيحة قلنا لمن؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم رواه مسلم وعن جرير ابن عبد الله رضي الله عنه قال بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على اقام الصلاة وايتاء الزكاة والنصح لكل مسلم رواه البخاري ومنها حسن التودد للاخوان والبشاشة وطلاقة الوجه عن ابي ذر رضي الله عنه قال قال لي النبي صلى الله عليه وسلم لا تحقرن من المعروف شيئا ولو ان تلقى اخاك بوجه طلق رواه مسلم ومنها الحذر من ان يكون المجلس قائما على مخالفات شرعية كالغيبة والنميمة والسخرية وغير ذلك قال الله تعالى واذا رأيت الذين يخوضون في اياتنا فاعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله يدخل فيه حضور مجالس المعاصي والفسوق التي يستهان فيها باوامر الله ونواهيه وتقتحم حدوده التي حدها لعباده. ومنتهى هذا النهي عن القعود معهم حتى يخوضوا في حديث غيره ومن اداب المجلس معاشر الكرام اللين وطيب النفس والرفق بالجلساء عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا عائشة ان الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف. وما لا يعطي على ما سواه. رواه مسلم وعن ابن مسعود رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حرم على النار كل هين لين سهل قريب من الناس رواه احمد ومن اداب المجالس التواضع ومجانبة الكبر عن عياض المجاشع رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله اوحى الي ان تواظعوا حتى لا يفخر احد على احد ولا يبغي احد على احد رواه مسلم وعن ابي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو الا عزا وما تواضع احد لله الا رفعه الله رواه مسلم ومن اداب المجالس حسن الظن بالاخوان والبعد عن التهم الكاذبة والظنون الاثمة عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اياكم والظن فان الظن اكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله اخواننا متفق عليه والظن الاثم معاشر الكرام هو التهمة التي تقع في القلب بلا دليل على اثر كلمة يسمعها المرء من اخيه او فعل يراه من افعاله. فيبني عليه ظنونا واوهاما ولهذا يقع كثير من الناس في ظنون واهية وتهم باطلة يبنى عليها عداوات وقطيعة وتناحر وعداء ولهذا فان الظن السيء بالاخ المسلم في قوله او فعله يترتب عليه من الشر والفساد ما لا يعلم مداه الا الله ولهذا يجب على المسلم ان يحذر اشد الحذر من الظن السيء باخيه وهي التهمة والتخون الذي يقع في القلب بل يلقيه الشيطان في القلب بلا مستند ولا دليل فاذا بلغتك اخي الموفق الكريم الكلمة من اخيك وتواردت على ذهنك الظنون والاوهام والتهم فابعدها عنك وتلمس لاخيك المحامل الطيبة قال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه لا تظنن بكلمة خرجت من مسلم شرا وانت تجد لها في الخير محملا تحرص رعاك الله على تلمس المحامل الطيبة لفعل اخيك او قوله لتسلم ويسلم منك قال محمد ابن سيرين رحمه الله اذا بلغك عن اخيك شيء فالتمس له عذرا فان لم تجد له عذرا فقل لعل له عذرا واما اذا دخل المرء في الظنون الواهية تهما وتخونا وظنونا فاسدة فانه يضر بنفسه ظررا عظيما بل ربما صارت حاله اسوأ حالا ممن ناصبه العداء قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ما يزال المسروق منه يتضنى حتى يصير اعظم من السارق رواه البخاري في الادب المفرد التظني اعمال الظن اصلها التظنن ابدلت النون الاخيرة ياء اي انه اذا سرق منه متاع يبدأ يعمل فكره في الظنون اعتقد انه فلان بل انه فلان نعم لقد رأيت فلانا في ذلك المكان ثم يدخل في تهم وغيبة ووقيعة ونميمة واثام عظيمة حتى ان حاله لتصبح اعظم اثما من اثم السارق اي بسبب ما جناه على الاخرين في هذه التهم والظنون الكاذبة وقل مثل ذلك في سائر الاخطاء والمخالفات. وعلى سبيل المثال قد يصاب المرء بالعين فيتبرر اما في بدنه او في بعض ممتلكاته فيبدأ في هذه الظنون والتهم انه فلان بل هو فلان اني اعرف من فلان كذا في اعراض اخوانه تهما باطلة ودعاوى زائفة لا تقوم على دليل يخوض في اعراضهم غيبة ونميمة واستطالة واذى عظيما فتكون حاله اشد حالا من العائن الذي حسده او اصابه بالعين ايها المسلم الموفق الكريم ارح نفسك في هذا الباب ولا ترهق قلبك وعليك بحسن الظن باخوانك وحمل الاخطاء اول اقوال على احسن المحامل كما تحب ان يفعل معك لو كنت انت صاحب ذلك القول او صاحب ذلك الفعل قال بكر ابن عبد الله المزني رحمه الله اياك من الكلام ما ان اصبت فيه لم تؤجر وان اخطأت فيه اثمت وهو سوء ظنك باخيك المسلم ان اصبت في سوء ظنك فيه وصار الامر مطابقا للواقع لم تؤجر على ذلك فليس من وراء سوء الظن فائدة وان لم تصب كان الامر مجرد تهمة بلا دليل فانك تبوء باثم عظيم. ولا سيما اذا تبع هذا الظن السيء ما تبعه من امور واعمال. وفي الغالب ان الظن يتبعه امور كثيرة منها التجسس اذا ظن ظنا سيئا في شخص بدأ يتجسس عليه وعلى افعاله واذا تجسس ترتب على ذلك وقوعه في غيبته ونحو ذلك ولهذا لما نهى الله عز وجل عن الظن السيء اتبع ذلك بالنهي عن التجسس ثم اتبع ذلك بالنهي عن الغيبة لانها امور وشرور يتوالد بعضها من بعض فقول النبي صلى الله عليه وسلم اياكم والظن فانه اكذب الحديث فيه تحذير من هذه الظنون والاوهام التي افسدت حياة الناس كثيرا ونخرت في اخوتهم وعلاقاتهم واوجدت بينهم من ادوات والبغضاء ما لا يعلمه الا الله عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل ان يقوم من مجلسه ذلك سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك الا غفر له ما كان في مجلسه ذلك رواه الترمذي المسلم مطلوب منه في مجالسه ان يتحرز من اللغط وان يتنبه الى ان كلماته في مجلسه محسوبة عليه ومعدودة في عمله وان الواجب عليه ان يتقي الله لكن العبد مهما اجتهد في ذلك لابد ان يبدر منها التقصير في مجلسه ولو لم يكن في ذلك الا انه فوت على نفسه في مجلسه هذا شيئا من الخير لما اشتغل بالمباح عن المستحب لكفى به تقصيرا فكيف اذا كان كثير من المجالس لا تخلو من اللغط بل حتى احيانا من اثام فهذه الكلمات كفارة للعبد لما كان في مجلسه ذلك وينبغي ان يعلم هنا ان ما يقع في مجالس الناس من خطأ وذم بسبب افات اللسان على قسمين الاول الكبائر مثل الغيبة والنميمة والسخرية واللعن والشتم والوقيعة في الاعراب فلا يقول قائل ان هذا الحديث يدل على ان الانسان له ان يجلس في المجلس ويغتاب من اراد وينم ويهزأ ويسهر ويقول الحرام والاثام ثم يقول اختم مجلسي بهذا التسبيح وبهذه الكفارة فيغفر لي ما كان فيه فالكبائر لابد فيها من توبة واذا كانت اثارها متعدية فلا بد من محو ذلك الاثر فاذا كان مثلا نم فوقع عداوة بين اثنين او اغتاب فشحن الصدور على احد المسلمين فلا يكفيه في ذلك ان يقول اتي بهذه الكفارة للمجلس ويكون فيها كفارة لما كان مني في ذلك المجلس فالكبائر لابد فيها من توبة من تلك الذنوب قال الله تعالى ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما وقال صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس والجمعة الى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر ومعلوم ان الصلوات الخمس اعظم من قول سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك. بل جميع الكلمات موجودة في الصلاة التسبيح بالتكبير والتهليل والاستغفار ومع هذا قال عليه الصلاة والسلام ما لم تغش الكبائر الثاني صغار الذنوب واللمم مما لا يتعدى باثره على الغير فهذا يكفره هذا الدعاء عند القيام من المجلس. والحاصل ان العبد يجب عليه ان يصون مجالسه من المعاصي والاثام وان يحرص على ختم مجالسه بهذا الذكر العظيم المبارك المأثور عن نبينا عليه الصلاة والسلام ولا يختص معاشر الكرام هذا الذكر بختم المجلس الذي كثر فيه اللغط. بل يتناول ايضا كل مجلس. حتى المجالس التي هي قائمة على دراسة العلم وذكر الله فقه في دينه سبحانه وتعالى لما صح من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال سبحان الله وبحمده سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك. فقالها في مجلس ذكر كانت كالطابع يطبع عليه ومن قالها في مجلس لغو كانت كفارة له وبهذه الكفارة العظيمة المباركة نختم هذا الحديث وفقنا الله اجمعين لكل خير وهدانا اليه صراطا مستقيما. انه تبارك وتعالى سميع الدعاء. وهو اهل الرجاء وهو حسبنا نعم الوكيل وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته