بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فان من نعمة الله على عباده ان هيأ لهم انواع المكاسب الطيبة ووجوه الارباح المباحة. وفتح لهم ابواب الرزق وحثهم على السعي في طلبه وتحصيله من طرقه التي اباحها الله وحذرهم من تحصيله من الوجوه التي حرم على عباده. القائمة على الظلم والغش والاحتيال وغير ذلك من وتعد التجارة محكا للاخلاق تظهر من خلالها معادن الناس وتنكشف بها اخلاقهم وتستبين طبائعهم. وقد جعل الله امر الحلال بينا. وامر الحرام بينا. لا اشتباه فيه ولا التباس والخلل الذي يقع في الناس في هذا الباب انما هو من جهة الاخلاق. عن نعمان ابن بشير رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الحلال بين وان الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس. فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه. ومن وقع في الشبهات في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى. يوشك ان يركع فيه. الا وان لكل ملك حمى الا وان رحم الله محارمه الا وان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله. واذا فسدت فسد الجسد كله الا وهي القلب متفق عليه. وقد قسم النبي صلى الله عليه وسلم الاشياء الى ثلاثة اقسام قسم حل بين. اي يعرف حله كل مسلم ولا يشتبه امره على احد. والقسم الثاني حرام بين لكل احد لا يشتبه على مسلم حرمته. وقسم ثالث مشتبه على كثير من الناس. وهم من ليس عندهم علم ولا فقه ولا بصيرة في دين الله. بخلاف اهل العلم فانها لا تنتبس عليهم وبهذا يظهر مقام العلماء ومكانتهم الرفيعة. قال لا يعلمهن كثير من الناس. اي ان من الناس من يعلمونهن وهم العلماء الراسخون والفقهاء المحققون الذين لا غنى للمسلمين عن نصحهم وبيانهم واستفتائهم والاسترشاد بعلومهم وفقههم. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم الطريقة سديدة عند اشتباه الامور والتباسها. فقال عليه الصلاة والسلام فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه اي ابتعد عنها ولم يقاربها فانه بذلك يستبرئ لدينه اي فيما بينه وبين الله استبرئوا لعرضه اي ما بينه وبين الناس. اما اذا كان المرء يقارف الشبهات ويستهين بها فانه لابد سينتقل يوما الى الحرام البين. كما قال عليه الصلاة والسلام ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام عن وابسة بن معبد رضي الله عنه قال اتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال جئت تسأل عن البر والاثم فقلت والذي بعثك بالحق ما جئت اسألك عن غيره. فقال البر منشرح له صدرك اثم ما حاك في صدرك وان افتاك عنه الناس. رواه احمد. وعن النواس ابن سمعان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البر حسن الخلق والاثم ما حاك في نفسك وكرهت ان يطلع عليه الناس رواه مسلم. وهذا يدل على ان الله عز وجل فطر عباده على معرفة الحق والسكون اليه وقبوله وركز في طباعهم محبة ذلك والنفور عن ضده. فعلى العبد عندما يستريب في امر اهو من الحلال بين او من الحرام البين ان يدعه ويتورى عنه كما في الترمذي والنسائي من حديث ابي محمد الحسن بني علي صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول دع عما يريبك الى ما لا يريبك. ففيه الرجوع في الامور المشتبهة الى حواز القلوب. فان يضطرب للحرام ويسكن للحلال. والمسلم الورع. يدع الصغيرة مخافة الكبيرة. والمحسن دع ما لا بأس به حذرا مما به بأس. عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه عليه وسلم قال اربع اذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا. حفظ امانة وصدق وحسن خليقة وعفة في طعمة. رواه احمد. هذا حديث عظيم. جدير بكل لمشتغل بالتجارة قلت او كثرت ان يتأمله. وان يكون نصب عينيه. بل ينبغي ان يشاع هذا الحديث بين تجار وفي المحلات التجارية وبين الشركات حتى يصحح لمن اشتغل بالتجارة مساره وطريقته في البيع والشراء والتعامل. وذلك بان تكون التجارة في ضوء هذا الحديث قائمة على هذه الاسس الاربعة لا يساوم فيها مهما كان الربح. ففي الحديث معالجة حكيمة وعظيمة للفساد الذي يحصل لاخلاق عند الاقبال على الدنيا وحطامها والتجارة واكتساب المال وطلب الارباح. وانه لا سلامة من ذلك الا بان يحافظ التاجر على هذه الاسس الاربعة المذكورة في هذا الحديث. ويحرص على الا ينخرم منها شيء ويجعلها بمثابة الركائز التي لا يقبل ان تضيع. ولا يبالي ان فاته شيء من الدنيا ما دام محافظا على هذه الركائز مهما عظمت المكاسب وكثرت الارباح فانها لا تحطم شيئا من هذه الاسس مستحظرا دائما قول النبي صلى الله عليه وسلم فلا عليك ما فاتك من الدنيا. فهو غير مبال بما يفوت من الدنيا في سبيل محافظته وتمسكه بهذه الخلال الجليلة والخصال العظيمة المذكورة في الحديث والانسان عندما يدخل مجال التجارة يمتحن امتحانا شديدا في هذه الامور الاربعة خاصة فاحيانا تعرظ له ارباح مغرية لكنها تحتاج منه الى ان يكذب او ان يغش او نحو ذلك فيدخل في مساومة مع نفسه هل يقبل على الربح بمثل هذه المسالك؟ ام يقول كما دل الحديث لا علي ما فاتني من الدنيا ولتبقى لي هذه الاسس. حتى لو كان في ظاهر الامر انه سيخسر تلك الصفقة او تلك التجارة او شيء من الارباح والمكاسب. فقول النبي عليه الصلاة والسلام فلا عليك ما فاتك من الدنيا يعد ظمانا للتاجر. اي فلا تأس على ما فات من الربح وان كبر. ولا تأسف فانك في خير وغنيمة حتى وان فاتك هذا المال او هذا الربح. ولك العوظ المبارك من الله. ولهذا ينبغي على كل من يقدم على تجارة ان يتنبه لهذه الاسس الاربعة العظيمة وان تكون ثابتة عنده. الاول حفظ امانة اي ان يكون امينا في تعاملاته لا يغش ولا يخدع ولا يمكر امينا في حفظ حقوق الناس وفي لاعادة اموالهم اليهم فلا يضيعوا حقوق الناس بل يرعى للامانة حقها. وقد يبتلى الانسان عندما باب التجارة ويمتحن هل يحافظ على الامانة او يضيعها؟ في سبيل ان يحصل مالا او شيئا من حطام الدنيا كثير من الناس يسقط في هذا الامتحان ويضيع الامانة في سبيل ان يكسب مالا او عرضا من عرض الدنيا الزائل. ومن الناس من يتعامل بالامانة في حدود ضيقة وفي مصالح محدودة. فهو يتعامل انا في حدود من يعامله بها جزاء له من جنس عمله. فاذا وجد امينا عامله بالامانة. واذا وجد عامله بالخيانة وليس هذا من صفة المؤمن. ففي المسند وغيره باسناد صحيح من حديث انس بن مالك رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ادي الامانة الى من ائتمنك ولا تخن من خانك فالامانة مطلوبة في كل وقت وحين وفي جميع الاحوال وهي ممدوحة في جميع احوالها والخيانة مذمومة وقبيحة في جميع احوالها ولهذا قال عليه الصلاة والسلام ولا تخن من خانك. نعم طالبه بحقك لكن لا تعامله بمعاملة فيها خيانة فان الخيانة مذمومة في كل وقت وحين. الثاني صدق الحديث اي انه لا يكذب نحافظ على الصدق وعندما يحدث الناس في بيعه وشرائه دائما يكون صادقا اذا قال لهم مثلا هذه البضاعة فهو صادق في كلامه. واذا قال هذا النوع اصيل يكون صادقا في كلامه. واذا قال هذا من اليوم ليس من الامس يكون في كلامه ويقول في نفسه ماذا يغنيني اذا كسبت من هذا ريال ومن هذا ريال او عشرة او الف او اكثر وضاع مني خلق الصدق واصبحت كذابا. وقد قال عليه الصلاة والسلام اياكم والكذب فان الكذب يهدي الى الفجور والفجور يهدي الى النار. وهو مؤمن بان الرزق بيد الله وليست الريالات او الدراهم بالتي تضيع خلق الصدق عنده. لان الصدق اصل ثابت واساس لا يساوي فيه ولا يضيعه. وهذا الخلق من اعظم اسباب البركة في الرزق. فعن حكيم ابن حزام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فان صدقا وبين بورك لهما افي بيعهما وان كذبا وكتم محقت بركة بيعهما متفق عليه. بينما بعض الناس اخلاقياته تفسد مع ممارسة البيع والحرص على الدنيا والمكاسب فيبتلى مثلا بصفقات معينة يجدون نفسه منساقا الى الكذب فيها. بل ربما يحلف ايمانا مغلظة. وقد قال عليه الصلاة والسلام ثلاثة لا كلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر اليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم وذكر منهم المنفق سليم بالحلف الكاذب. فيبيع الصدق ويصبح كذابا من اجل اكتساب شيء من الدنيا ومتاعها الزائل الثالث حسن خليقة ان يعامل الناس بالاخلاق الحسنة وبالاداب الكريمة. والمشتغل بالتجارة بيع وشراء يشاهد من اصناف اخلاقيات الناس واختلاف طبائعهم بل سيء المعاملة منهم شيئا كثيرا ودوام الاحتكاك بالناس في البيع والشراء والمعاملات تؤثر على الاخلاق تأثيرا سلبيا ان لم يحافظ على هذه الركيزة المبينة في الحديث حسن الخليقة. فيصبح التاجر حينئذ في صراع مع نفسه للمحافظة على حسن لا ان يبيع اخلاقه في السوق باحتكاكه بسيء الاخلاق من الناس. اذ ان بعض الناس بسبب عايشته لاصناف من الناس وحاجته للبيع والتجارة معهم اصبح لعانا طعانا بذيئا سيء الخلق اكتسب هذا في تجارته وفي معاملته للناس. فضيع هذه الخصلة بسبب اقتحامه التجارة ودخوله في فيها دون محافظة على هذه الركيزة العظيمة. والتاجر المسلم الناصح لنفسه لا يجعل واحتكاكه بالناس سببا لضياع الاخلاق. وماذا يربح الانسان اذا حصل مالا وفسدت اخلاقه؟ وما تغني عنه امواله وماذا تنفعه اذا فسدت الاخلاق؟ الرابع عفة في طعمة اي ان يتعفن في طعامه وذلك بالحرص على اكتساب الحلال والبعد عن الحرام والمتشابه كما تقدم في الحديث ان الحلال بين وان الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس. فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك ان يرتع فيه الا وان لكل حمى الاوان حمى الله محارمه. فهو حريص على عفة مطعمه اي ان يكون طعامه فيه العفة الذي ليس فيه حرام وليس فيه شائبة حرام فاذا كان البيع فيه ربا او غش او تدليس او صورة من صور البيع المحرمة في الشريعة ابتعد عنه تماما. لان من الاصول الثابتة عنده عفة المطعم لا يفرط فيها. فيقتص على الارباح التي لا ينخرم فيها هذا الاصل. بينما بعض الناس يدخل التجارة وميدانك تسابر ربح ولا يبالي في قضية عفة المطعم. ولا يبالي بالمال الذي يكتسبه هل هو من حلال او من حرام؟ بل بعضهم قاعدة في هذا الباب الحلال ما حل بيدك والحرام ما حرمت منه. فالذي حل بيده وصار في حيازته من اي طريق كان هو والحلال والحرام ما لم تطله يده ولم ينل. فلا يبالي بحلال او حرام. وقد قال عليه الصلاة والسلام كل لحم نبت من سحت فالنار اولى به. وذكر عليه الصلاة والسلام الرجل يطيل السفر اشعث اغبر يمد يديه الى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام لا يستجاب لذلك اي كيف يستجاب لمن كانت هذه حاله؟ ولهذا قال بعض السلف من سره ان الله دعوته فليطب طعمته. فهذا باب حري بالتاجر المسلم ان يعنى به تفقها وعملا فلا يدخل على نفسه من الطعام والشراب شيئا الا بعد تفقه فاذا كان طيبا طعمه وشربه واذا انا حراما او مشتبها تركه وابتعد عنه. لان من الاصول الثابتة عنده طيب المطعم. لا يساوي وفي هذا الاصل بل هو عنده من الامور الثابتة الراسخة. معاشر الاحبة الكرام. فليحافظ التاجر على هذه الركائز الاربعة ولا يضيع منها شيئا وليحذر من الشيطان والنفس الامارة بالسوء فهو ميدان تمحيص للاخلاق ولا يضر المرء ما فاته من الدنيا ما دام محافظا على هذه الركائز كما قدم في وصية النبي عليه الصلاة والسلام فانه سيفوز بالعاقبة الحميدة في الدنيا والاخرة عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رحم الله رجلا سمحا اذا باع واذا اشترى واذا اقتضى رواه البخاري. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله وفيه الحض على السماحة في المعاملة استعمال معالي الاخلاق وترك المساحة والحظ على ترك التضييق على الناس في المطالبة واخذ العفو منهم وهكذا كان نبينا عليه الصلاة والسلام في تعاملاته. عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما انه كان يسير على جمل له قد اعيا. فاراد ان يسيبه. قال فلحقني النبي صلى الله عليه وسلم فدعا لي وضربه فسار سيرا لم يسر مثله. قال بعنيه بوقية. قلت لا. ثم قال قال بعنيه فبعته بوقية واستثنيت عليه حملانه الى اهلي. فلما بلغت بالجمل فنقدني ثمنه ثم رجعت فارسل في اثري فقال اتراني ما كستك لا اخذ جملك خذ جملك ودراهمك فهو لك. متفق عليه. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فكنت على بكر صعب لعمر فكان يغلبني يتقدم امام القوم فيزجره عمر ويرده ثم يتقدم فيزجره عمر ويرده. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بعنيه قال هو لك يا رسول الله. قال بعنيه فباعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم هو لك يا عبد الله ابن عمر تصنع به ما شئت. رواه البخاري عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رجلا اتى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه بعيرا. فقال رسول الله صلى الله وعليه وسلم اعطوه فقالوا ما نجد الا سنا افضل من سنة. فقال الرجل اوفيتني اوفاك الله. فقال الله صلى الله عليه وسلم اعطوه فان من خيار الناس احسنهم قضاء رواه البخاري. وعن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان تاجر يداين الناس فاذا رأى معسرا قال لفتيانه تجاوزوا وعن لعل الله ان يتجاوز عنا فتجاوز الله عنه رواه البخاري. ومن الاخلاق الكريمة اقالة النادم في بيعته وهذا يدل على كرم النفس وسخائها. عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اقال مسلما اقاله الله عثرته. وصورة اقالة البيع اذا اشترى احد شيئا من رجل ثم ندم على استرائه. اما لظهور الغبن فيه او لزوال حاجته اليه او لانعدام فمن فرد المبيع على البائع وقبل البائع رده ازال الله مشقته وعثرته يوم القيامة لانه واحسان منه على المشتري. لان البيع قد كان بت فلا يستطيع المشتري فسخه. ومن الاخلاق الكريمة ان المعسر والحط عنه. عن عبادة ابن الوليد ابن عبادة ابن الصامت قال خرجت انا وابي نطلب العلم في هذا اي من الانصار قبل ان يهلكوا فكان اول من لقينا ابا اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه غلام له معه ظمامة من صحف وعلى ابي اليسار. بردة ومعافر. وعلى غلامه بردة ومعافري. فقال له ابي يا عم اني ارى في وجهك سفعة من غضب. قال اجل كان لي على افلان ابن فلان مال فاتيت اهله. فسلمت فقلت ثم هو؟ قالوا نعم. فخرج علي ابن له جفر فقلت له اين ابوك؟ قال سمع صوتك فدخل امي فقلت اخرج الي. فقد علمت اين انت؟ فخرج فقلت ما حملك على ان اختبأت تمني قال انا والله احدثك. ثم لا اكذبك. خشيت والله ان احدثك فاكذب. وان فاخلف وكنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت والله معسرا. قال قلت الله قال قلت الله؟ قال الله. قلت الله؟ قال الله يستحلفه بالله. قال فاتى فمحاها بيده. فقال ان وجدت قضاء فاقضني والا انت في حل. فاشهد بصر هاتين ووضع اصبعيه على عينيه وسمع اذني هاتين ووعاه قلبي هذا واشار الى مناطق قلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول من انظر معسرا او وظع عنه اظله الله في ظله رواه مسلم. ويجب الحذر في هذا المقام من جميع التعاملات المحرمة. فان الوقوع فيها ضياع للاخلاق ووقوع في الاثم وممحقة للبركة. كالتطفيف في الكيل او الوزن او العدد وقد حذر الله تعالى من ذلك اشد التحذير وتوعد فاعله بالعذاب الشديد. قال الله سبحانه ويل للمطففين الذين اذا اكتالوا على الناس يستوفون واذا كالوهم او وزنوهم يخسرون الا يظن اولئك انهم مبعوثون ليوم من عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين. وكالتعامل بالربا وبيع الغرر وبيع العينة والتجارة المحرمات وكالغش والخداع او ان يخفي عيوب بضاعته او يظهر كذبا محاسن ليست فيها او يكذب في جودته وحسنها او غير ذلك من انواع الغش والحيل. وغير ذلك من التعاملات القائمة على الكذب والخيانة والتزوير واكل حرام. ويجب الحذر من النجس والتحاسد وصوم الرجل على صوم اخيه. ونحو ذلك مما لا يتنافى مع الاخوة الايمانية. عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا ولا يبع بعضكم على بيع بعض. وكونوا عباد الله اخوانا المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله. كل المسلم على المسلم حرام. فدمه وماله وعرضه. التقوى ها هنا التقوى ها هنا التقوى ها هنا يشير الى صدره ثلاثا. بحسب امرئ من الشر ان يحقر اخاه المسلم. رواه احمد. ولنختم معاشر الاحبة الكرام بقصة عظيمة مفيدة لصديق الامة رضي الله عنه. عن عائشة رضي الله عنها قالت كان لابي بكر غلام يخرج له وكان ابو بكر يأكل من خراجه. فجاء يوما بشيء فاكل منه ابو بكر. فقال له الغلام اتدري ما هذا فقال ابو بكر وما هو؟ قال كنت تكهنت لانسان في الجاهلية وما احسن الكهانة الا اني خدعته فلقيني فاعطاني بذلك فهذا الذي اكلت منه. فادخل ابو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه رواه البخاري. فهذه قصة عظيمة جدا تروى في هذا الباب العظيم باب الزهد والورع والتعفف عن الحرام والبعد عن ان المتشابه والاثام وابو بكر رضي الله عنه الذي تروى عنه هذه القصة هو الذي روى عن نبينا عليه الصلاة والسلام انه قال كل جسد نبت على سحت فالنار اولى به. اخرجه الطبراني. وهو رضي الله عنه جدير بهذا المقام الرفيع والمنزلة العلية من الورع. تقيأ رضي الله عنه هذا الطعام ليبقى جوفه نظيفا نقيا وليقوم ما جسده على طعام حلال لا شائبة فيه. ليعيش حياة ملؤها الورع والنزاهة. وليبني جسده الا ما احله الله تبارك وتعالى له وفيما احله الله لعباده غنية عما حرم. وقد قال بعض السلف وهو محمد ابن سيرين فيما رواه الامام احمد في كتابه الزهد لم اعلم احدا استقاء من طعام غير ابي بكر رضي الله عنه. وذكر الخبر المتقدم. وجدير بكل مؤمن ان يضع هذه قصة عظيمة نبراسا له. لا سيما في زماننا هذا الذي قل حظ كثير من الناس فيه من الورع اللهم اطب مكاسبنا واصلح قلوبنا واعمالنا وزكي اموالنا وجنبنا الحرام اعد بيننا وبين المشتبهات انك سميع الدعاء وانت اهل الرجاء وانت حسبنا ونعم الوكيل الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته