بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين نبينا محمد عليه افضل الصلاة واتم التسليم اما بعد. اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالدينا والحاضرين برحمتك يا ارحم الراحمين قال الله جل وعلا الذين يؤمنون بالغيب معنى الايمان؟ قال ابو جعفر الرازي عن العلاء ابن المسيب ابن رافع عن ابي اسحاق عن ابي الاحوص عن عبد الله قال الايمان التصديق وقال علي ابن ابي طلحة وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما يؤمنون يصدقون وقال معمر عن الزهري الايمان وقال ابو جعفر عن الربيع ابن انس يؤمنون يخشون. قال ابن جرير والاولى ان يكونوا موصوفين بالايمان بالغيب قولا عملا واعتقادا وقد تدخل الخشية لله في معنى الايمان الذي هو تصديق القول بالعمل والايمان كلمة جامعة الاقرار بالله وكتبه ورسله وتصديق الاقرار بالفعل. قلت اما الايمان في اللغة فيطلق على التصديق المحض وقد يستعمل في القرآن والمراد به ذلك. كما قال تعالى يؤمنون بالله ويؤمنون للمؤمنين. وكما قال اخوة يوسف لابيهم وما انت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين. وكذلك اذ وكذلك اذا اعمل مقرونا مع الاعمال كقوله تعالى الا الذين امنوا وعملوا الصالحات فاما اذا استعمل مطلقا فالايمان الشرعي المطلوب لا يكون الا اعتقادا وقولا وعملا. وقد ورد فيه اثار كثيرة وافردنا الكلام فيها في اول شرح البخاري ولله الحمد والمنة ومنهم من فسره بالخشية كقوله تعالى الذين يخشعون ربهم بالغيب. وقوله من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب. والخشية خلاصة الايمان والعلم. كما قال تعالى انما يخشى الله من عباده العلماء. المراد بالغيب واما الغيب المراد ها هنا فقد اختلفت عبارات السلف فيه. وكلها صحيحة ترجع الى ان الجميع مراد. قال ابو جعفر الرازي عن الربيع ابن انس عن ابي العالية في قوله تعالى يؤمنون بالغيب قال يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر وجنتي وناري ولقائه ويؤمنون بالحياة بعد الموت وبالبعث. فهذا غيب كله. وكذا قال قتادة ابن دعامة. وروى ابن منصور عن عبدالرحمن ابن يزيد قال كنا عند عبد الله ابن مسعود جلوسا فذكرنا اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وما سبقونا فقال عبد الله ان امر محمد صلى الله عليه وسلم كان بينا لمن رآه والذي لا اله غيره ما امن انا احد قط ايمانا افضل من ايمان افضل من ايمان بغيب ثم قرأ الف لام ميم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب الى قوله المفلحون. وهكذا رواه ابن ابي حاتم وابن وابن وابن مردويه والحاكم في مستدرك وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجه. وفي معنى هذا الحديث الذي رواه احمد عن عن ابن قال قلت لابي جمعة حدثنا حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم احدثك حديثا جيدا. تغدينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنى ابو عبيدة ابن الجراح. قال يا رسول الله هل احد خير منا اسلمنا معك وجاهدنا معك؟ قال نعم قوم من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني ويقيم قال الله تعالى ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون معنى اقامة الصلاة قال ابن عباس ويقيمون الصلاة اي يقيمون الصلاة بفروضها وقال الضحاك عن ابن عباس اقامة الصلاة اتمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع والاقبال عليها فيها. وقال قتادة اقامة الصلاة المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها. وقال مقاتل وقال مقاتل ابن حيان اقامتها المحافظة على مواقيتها واسباغ الطهور بها وتمام ركوعها وسجودها. وتلاوة القرآن فيها والتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فهذا ان قامتها وقال علي ابن ابي طلحة وغيره عن ابن عباس ومما رزقناهم ينفقون. قال اموالهم وقال السدي عن عن ابي مالك وعن ابي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن اناس من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومما رزقناهم ينفقون. قال نفقة الرجل على اهله. وهذا قبل ان ان تنزل الزكاة. وقال جويبر عن الضحاك كانت النفقات قربانا يتقربون بها الى الله. على قدر على قدر ما وجهدهم حتى نزلت فرائض الصدقات. سبع آيات في سورة براءة مما يذكر فيهن الصدقات هن الناسخات المثبتات قلت كثيرا ما يقرن الله تعالى بين الصلاة والانفاق من الاموال. فان الصلاة حق الله وعبادته وهي مشتملة على التوحيد والثناء عليه وتمجيده والابتهال اليه ودعائه والتوكل عليه والانفاق والاحسان الى المخلوقين من نفع المتعدي اليهم. واولى الناس بذلك القربات القرابات والاهلون والمماليك. ثم الاجانب فكل من النفقات فكل من النفقات الواجبة والزكاة المفروضة داخل في قوله تعالى ومما رزقناهم ينفقون ولهذا ولا ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بني الاسلام على خمس شهادة ان لا اله الا الله ان محمدا رسول الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت والاحاديث في هذا كثيرة واصل الصلاة في كلام العرب الدعاء ثم استعملت الصلاة في الشرع في ذات الركوع والسجود والافعال المخصوصة في الاوقات المخصوصة بشروطها المعروفة وصفاتها وانواعها المشهورة والذين يؤمنون بما انزل الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه اجمعين يذكر ربنا سبحانه وتعالى في مدح في مدح المؤمنين وذكرهم بصفاتهم التي اثنى عليهم بها سبحانه وتعالى وقال سبحانه وتعالى الذين يؤمنون بالغيب وهذه الصفة من اعظم صفات اهل الايمان بل هو من معاني الايمان. فان المؤمن انما سمي مؤمنا لانه اؤتمن بما غاب عنه ولانه امن بما خفي عليه الامن ضد الخوف والمؤمن هو الذي امن بما اؤتمن عليه بما لم يشاهده بخلاف الصدق فانه يكون على ما يشاهد وما يرى صدقك ان الشمس طالعة لانها ترى واما الغيب فيتعلق بما غاب عن المسلم فهذه من اعظم صفات اهل الايمان انهم يؤمنون بالغيب والايمان بالغيب يتعلق بما غاب عن الانسان وذكر هنا ابن كثير رحمه الله تعالى كلام اهل العلم في الغيب الذي يراد به في هذه الاية فهو كل من غاب عن الانسان من الايمان بالله بوجود الله عز وجل وروبيته والوهيته واسمائه وصفاته الايمان بملائكة الله عز وجل فهذه كلها غيب لا نرى لم نرى ربنا سبحانه وتعالى ولم نرى ملائكته ولم نرى الجنة ولا النار ولم نرى ما يتعلق باليوم الاخر من صراط وميزان ما شابه ذلك لكننا نؤمن به ايمانا لا شك فيه وان الله سبحانه وتعالى الحي الموجود المألوه المعبود الرب الخالق الرازق سبحانه وتعالى وان له ملائكة كما اخبر بذلك سبحانه وتعالى واخبر بها رسولنا صلى الله عليه وسلم فهذا ايضا من الغيب فكل ما غاب من امور البرزخ ومن امور الاخرة ومما اخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما لم نره ولم نشاهد فانه يدخل في علم الغيب حتى علامات الساعة يدخل في الغيب اذا للغيب هو كل ما غاب عنا مما اخبر الله به او اخبر به رسولنا صلى الله عليه وسلم سواء تعلق في الدنيا او تعلق بالاخرة من اهل العلم من اهل التفسير من ذهب الذين يؤمنون بالغيب اي الذين يؤمنون في خفاياهم او يؤمن ظاهرا وباطنا وهذه سلامة من النفاق فان المنافق يؤمن لكن ايمانه ظاهر معلن واما في الخفاء فهو منافق كاذب قد قال بعضهم يوم الغيب انه مؤمن في حال غيبته كما هو مؤمن في حال جهرته وجلوته اذا الذين يؤمنون بالغيب هذه الصفة الاولى من صفات اهل الايمان الذين ينتفعون بكتاب الله عز وجل والذين هم الكتاب لهم هدى وهم المتقون الذين يؤمنون بالغيب الصفة الثانية ويقيمون الصلاة ويقيمون الصلاة واقامة الصلاة هي المحافظة عليها باركانها وشروطها ووقتها وواجباتها وهو بمعنى المداومة على افعالها لا يسمى المقيم قيما الا اذا داوم على فعلها وهذه ايضا من اخص صفات اهل الايمان بل لا يسمى العبد مؤمنا وهو لا يصلي لا يسمى العبد مؤمن وهو لا يصلي وكما قال وسلم بين الرجل والشرك والكفر ترك الصلاة والعهد الذي بيني وبينهم اصلا من تركها فقد كفر مما ينقض الايمان مما ينقض الايمان من اصله ترك الصلاة ترك الصلاة المصلي مؤمن وهي من اخص صفات اهل الايمان انهم يقيمون الصلاة والصلاة لغة العرب كما ذكر يراد بها الدعاء في اصلها لكنها في لغة الشارع هي اقوال وافعال مخصوصة في اوقات مخصوصة تفتتح بالتكبير وتختتم بالتسليم هذا هو معنى الصلاة وهي ايضا تتضمن المعنى اللغوي تتضمن المعنى اللغوي فان الصلاة تقوم على الدعاء والمصلي داع سواء قلنا دعاء مسألة او دعاء او دعاء عبادة المصلي داع بانواع بنوعي الدعاء دعاء المساء ودعاء العبادة ومما رزقناهم ينفقون. الانفاق هنا منهم من يخص بالزكاة ومنهم من يخص بالصدقة التطوع والصحيح ومما رزقناهم ينفقون ان ينفقون بجميع انواع النفقة سواء كانت زكاة فريضة او كانت صدقة تطوع بل الانفاق اعظم من ذلك واشمل فالانفاق يكون بالوجاهة بوجاهة الانسان وقد يكون بماله وقد يكون ايضا مما ينفقه من علمه. فايضا يدخل في الانفاق والذي ينفقون ومما رزقناهم ينفقون فالانسان يرزق المال ويرزق الوجاهة ويرزق الرئاسة ويرزق العلم فاذا انفق من هذه كلها دخل ومما رزقناهم ينفقون وزكاة الرزق الذي يعطيه الله العبد ان ينفق منه فاذا اوتي مالا فزكاته نفقته والصدقة التطوع ايضا من نفقته من من النفقة هنا ايضا داخلة في زكاة هذا المالك. العلم ايضا له زكاة وزكاته تعليم الناس اياه الوجاهة والرئاسة لها زكاة وزكاته وزكاتها بذل الوجاهة في نفع المسلمين ثم لك والذين يؤمنون بما انزل اليك اختلف اهل التفسير هل الظمير هنا هل هل واو العطف هنا يعود على اولئك الذين بالغيب ويقيموا الصبر ومما رزقناهم ينفقون ام هي صفة لاهل الكتاب والصحيح والاقرب انها ايضا من صفاتهم هنا ذكرت ثلاث صفات الاولى الايمان بالغيب اقاموا الصلاة الانفاق الصفة الرابعة والذين يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك وان كانت هذه الاية اسعد الناس بها اهل الكتاب الذين امنوا بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم لكن لا يمنع ان يدخل في ذلك ايضا اهل الاسلام من اهل الاوثان الذين كانوا يعبدون الاوثان ويشفعون الله عز وجل يدخلون في هذا المعنى اذا امنوا بالنبوات التي قبل محمد صلى الله عليه وسلم بل لا يصح ايمان عبد ولا اسلامه حتى يؤمن بجميع الانبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم من امن محمد ولو كان مشركا قبل ايمانه يلزمه ان يؤمن بعثة موسى بعثة عيسى وابراهيم وجميع الانبياء ويلزمه ان يؤمن بكل من جاء ذكره في كتاب الله ان الله ارسله فيؤمنه ولذلك قال تعالى كذبت قوم نوح المرسلين بانهم لم يكذبوا الا نوح عليه السلام فمن كذب نبيه فقد كذب جميع الرسل اذا من صفات اهل الايمان سواء كانوا كتابيين او وثنيين واسلموا من صفاتهم او من صفات اهل الاسلام والايمان عموما والذين يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك وبالاخرة هم يوقنون. اي بالاخرة وهو اليوم الاخر وسمي اليوم الاخر لتأخره عن الدنيا. سمي الاخرة لانه متأخر عن الدنيا فهو يوم الاخر هناك دنيا وهناك يوم اخر واليوم الاخر هو اخر ايام الدنيا بمجرد انتهاء الدنيا وخروج اخر يوم من الايام وقيام الساعة يقوم اليوم الاخر وهم باليوم الاخر يوقنون واليقين هنا يتفاوت من شخص الى شخص من الناس من بلغ باليقين اعلى درجات اليقين. الناس يتفاوتون في يقينهم كما يتفاوتون في تصديقهم وايمانهم وهم بالاخرة يوقنون اعلاهم درجة من ايقن يقينا لا شك فيه ولا ريب يقينا ينزل المعلومة واقعة ولذلك درجات اليقين اما ان يكون علم اليقين واما ان يكون عين اليقين واما ان يكون حق اليقين من الناس من يبلغ به اليقين حتى كأنه يرى الغائب مشاهدا ويرى علم اليقين يراه حق اليقين ودونه عين اليقين كما حصل لسعد بن سعد بن ربيعة او ربيعة بن انس رضي الله تعالى عنه عندما قال والله اني لاجري ريح الجنة دون احد. هذا الرجل من يقينه وما بلغ من اليقين اصبح يشم الجنة دون احد دون احد اي انها قريبة من مش من حواسه حتى اصبح يشمه وهذا من اعلى درجات اليقين ان يرى الغائب البعيد قريبا محسوسا قريبا محسوسا فهذه من صفات اهل الايمان انهم بالاخرة يوقنون ولذلك يذكر اهل العلم كابن القيم وغيره ان اسباب المعاصي من اعظم اسباب المعاصي ضعف اليقين ضعف اليقين وضعف البصيرة فاليقين اذا ضعف تجرأ العبد على معصية الله عز وجل واما اذا عظم اليقين في قلب العبد واصبح يرى الاخرة كانها رأي عين فانه لن يتجرأ على معصية الله عز وجل وانما يتجرأ العبد على المعصية ضعف يقينه او ضعفت بصيرته قد يكون على يقين تام لكن بصيرته ضعيفة بصيرته ضعيفة انه يقدم يقدم حظوظ الدنيا على ما ينتظره من الاخرة ويجعل حظوظه بلذة آآ عارضة انها ان هذه اللذة يعقبها توبة ويعقبها الرجوع الى الله عز وجل لكن لا يدري قد لا يوفق للتوبة وقد يحال بينه وبين اذا والذي اولئك على هدى من ربهم واولئك هم المفلحون من اراد ان يكون من المهتدين واراد ان يكون من المفلحين الذي لهم الفلاح التاب والسعادة الابدية فليتحلى بهذه الصفات التي ذكر ربنا في اهل وهذه الايات جاءت في ذكر المؤمنين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون خمس صفات يعقبها الفلاح هدى والنجاة والفوز والسعادة الابد اها حقق النجاح والفلاح والله اعلم