بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين نبينا محمد عليه افضل الصلاة واتم التسليم اما بعد اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالدينا والحاضرين برحمتك يا ارحم الراحمين قال الله تعالى فيها خالدون. والذين امنوا وعملوا الصالحات اولئك اصحاب الجنة هم فيها خالدون يقول تعالى ليس الامر كما تمنيتم ولا كما تشتهون بل الامر انه من عمل سيئة واحاطت به خطيئته وهو وهو من وافى يوم القيامة وليس جت له حسنة بل جميع اعماله سيئات فهذا من اهل النار والذين امنوا وعملوا الصالحات ان امنوا بالله ورسوله وعملوا الصالحات من العمل الموافق للشريعة فهم من اهل الجنة وهذا المقام شنيع بقوله تعالى ليس بأمانيكم ولا اماني اهل الكتاب من يعمل سوءا يجزى به ولا تجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ولا يظلمون نقيرا. وقال ابو هريرة وابو وائل وعطاء والحسن. واحاطت به خطيئته قال احاط به وقال الاعمش عن ابي رزين عن الربيعين قال الذي يموت على خطاياه من قبل ان يتوب. وعن وابي وابي رزين نحوه وطن ابو العالية ومجاهد والحسن في رواية عنهما. وقتادته الربيع بن انس به خطيئته الموجبة كبيرة وكل هذه اقوال متقاربة في المعنى والله اعلم. ويذكر ها هنا الحديث الذي رواه الامام احمد عن عبيد عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اياكم ومحقرات الذنوب فانهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه. وان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهم مثلا كمثل نزلوا بارض فلا فحضر صنيع فحضر صنيع القوم فجعل الرجل ينطلق فيجئ بالعود. والرجل يجيء بالعود حتى جمعوا سوادا واججوا نارا فانضجوا ما قذفوا فيها. وروى محمد بن اسحاق عن ابن عباس والذين امروا بالصلاة اولئك اصحاب الجنة فيها خالد ايمن امن بما كفرتم وعمل بما تركتم من دينه. فلهم الجنة خالدين فيها يخبرهم ان الثواب الخير والشر مقيم على اهله ابدا لا انقطاع له. وان اخذنا ميثاق وبالوالدين احسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا. واقيموا الصلاة واتوا الزكاة ثم توليتم الا قليلا منكم وانتم معرضون. يذكر تبارك وتعالى بني اسرائيل بما امرهم به من واخذه ميثاقهم على ذلك وانهم تولوا عن ذلك كله. واعرضوا قصدا وعمدا وهم يعرفونه ويذكرونه فامرهم تعالى ان يعبدوا ولا به شيئا وبهذا مر جميع خلقه ولذلك خلقهم كما قال تعالى وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحي اليه انه لا اله الا انا فاعبدون. وقال تعالى ولقد بعثناه في كل امة رسولا اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت. وهذا هو اعلى الحقوق واعظمها وهو حق الله تبارك وتعالى ان يعبد وحده لا شريك له ثم بعده حق المخلوقين واكدوا مولاهم بذلك حق الوالدين ولهذا يقرن تبارك وتعالى بين حقه وحق الوالدين. كما قال تعالى ان اشكر لي ولوالديك الي المصير. وقال تبارك وتعالى وقضى ربك الا تعبدوه الا اياه وبالوالدين احسانا الى ان قال واتي ذي القربى حقه والمسكين وابن السبيل. وفي الصحيحين عن ابن مسعود قلت يا رسول الله اي العمل قال الصلاة على وقتها قلت ثم اي؟ قال بر الوالدين قلت ثم اي؟ قال الجهاد في سبيل الله قال واليتامى وهم الصغار الذين لا كاسب لهم من الاباء والمساكين الذين لا يجدون ما ينفقون على انفسهم وهرهم وسيأتي على هذه الاصناف عند ايات النساء التي امرنا الله تعالى بها صريحا في قوله واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا الاية وقوله تعالى اقول للناس حسنا اي كلموهم طيبا ولينوا لهم جانبا ويدخل في ذلك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمعروف. كما قال الحسن البصري في قوله تعالى وقول للناس حسنى فالحسن من القول يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحلم ويعفو ويصفح ويقول للناس حسنا كما الله وهو كل خلق حسن رضيه الله. وروى الامام احمد عن ابي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لا تحقرن ان المعروف شيئا وان لم تجد فالقى اخاك بوجه منطلق. واخرجه مسلم في صحيح الترمذي وصححه وناس ما يأمرهم بان يقولوا الناس حسنا بعد ما امرهم بالاحسان اليهم بالفعل فجمع بين طرفي الاحسان الفعلي والقولي ثم اكد الامر والاحسان الى الناس بالمتعين من ذلك وهو الصلاة والزكاة فقال واقموا الصلاة واتوا الزكاة واخبر انهم عن ذلك كله اي تركوه على ظهري واعرضوا عنه على عمد بعد العلم به الا القليل الا القليل منهم. وختمنا الله هذه الامة بنظير ذلك في سورة النساء بقوله واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا احسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجائع للجنوب والصاحب بالجنب وابن السمير وما ملكت ايمانكم ان الله لا يحب من كان مختارا فخورا هذه الامة من ذلك بما لم تقم به امة من الامم قبلها ولله الحمد والمنة واذا اخذنا ميثاقكم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه اجمعين. اه لما ذكر ربنا سبحانه وتعالى امان اهل الكتاب وانهم يدخلون النار اياما ثم يعقبهم فيها اهل الاسلام اراد الله عز وجل يبين من هم اهل النار من هم اهل النار ومن يدخل النار من الناس والخلق. فقال سبحانه وتعالى بلى اي انما يدخل النار من كسب سيئة فالمراد بالسيئة هنا اما ان يكون مراد جنس السيئات اي وقع في جنس المعاصي والذنوب او المراد بالسيئة الشرك والكفر. لان من كسب سيئة المراد بها الجنس اي جنس المعاصي والذنوب. فيدخل في ذلك ما يوجب الخوذ في النار. ويدخل في ذلك ما يوجب الدخول في النار ويستوجبها بذلك الذنب. بمعنى انه مستحق لها. والاصل في هذه الاية ان المراد بها الشرك بالله عز وجل الكفر اي بلى من كسب سيئة واحاطت به خطيئته احاطت به خطيئته اي احاطت بقلبه او احاطت به حتى مات وهو لم يتب ويرجع الى بمعنى انه مات على الكفر وعلى الشرك بالله عز وجل. فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون. وهذا دليل ان المراد السيئة هنا ما يوجب الخلود في النار ولا يوجب الخبز في النار الا الكفر والشرك بالله عز وجل وهذا هو السياق وتركيب الاية انها في اليهود الذين كذبوا رسولنا صلى الله عليه وسلم وقدحوا في ربنا سبحانه وتعالى فاجعلوه فاجعلوه فقيرا. وجعلوا يده مغلولة. وكذبوا رسول فهؤلاء يقول الله من كسب سيئة وهو كونهم يجعل الله عز وجل ولدا كقول العزير ابن الله وتكتذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ولبهتانهم وبهتهم وكفرهم وضلالهم واحاطت به خطيئته اي لزم هذا الذنب والسيئة حتى مات لان من وقع في الذنب والسيئة ثم تاب فان خطيئته لم تحط به. وانما تحيط به اذا اذا استمر عليها وداوم عليها تمت فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون واما من فعل بعض المعاصي والسيئات فاذا كانت دون الكفر والشرك فهو متوعد بوعيد شديد انه يستحق النار الا ان استحقاقه متعلق بمشيئة الله عز وجل ان شاء الله امضى وعيده وان شاء الله عز وجل غفر له وان دخل النار اهل التوحيد فانهم يدخلونها امدا ولا يخلدون فيها ابدا ثم ذكر اهل الجنة من هم؟ قال والذين امنوا وعملوا قد مر بنا ان عطف العمل على الايمان هو من باب عطف الخاص على العام وهو عطف الشيء على عطف الشي على عطف العمل على بعظ افراده فالله سبحانه وتعالى قال الذين امنوا فدخل العمل في مسمى الايمان لكنه عطف عليه من باب التخصيص من باب ذكر الخاص بعد العام وليس معناه كما يقول اه مرجيات الفقهاء او المرجية ان انه دليل على مغايرة الاعمال لمسمى الايمان وان الاعمال تدخل في مسمى الايمان فالله يقول وما كان الله ليضيع ايمانكم وباتفاق اهل التفسير ان الامام المربي هنا الصلاة. فقال الذين امنوا وعملوا صالحات اولئك اصحاب الجنة هم فيها خالدون فافاد ان الذي يؤمن او يصدق ويقر بقلبه دون انقياد واستجابة عمل فانه لا يسمى ولا يدخل الجنة ينزل الذين امنوا اي حصلهم الايمان الذي يتعلق بالقلب من القول والعمل ونطق اللسان ولم يتهيأ له عمل صالح يعمله مع انقياده واستجابته لاوامر الله عز وجل فهذا يدخل الجنة ولو لم يعمل شيء من الصالحات لكن اقراره وانقياده واستجابته نزل منزلة من يعمل ينزل منزلة من يعمل فاولئك اصحاب الجنة قم فيها خالدون واهل الجنة اذا دخلوا الجنة فدخولهم فيها ابدي لا يخرجون ابد الاباد بل هم فيها خالدون فيها ابدا هم فيها خالدون ابدا والجنة لا تفنى والنار ايضا لا تفنى ثم ذكر الله عز وجل فيما اخذ من الميثاق قال واذ اخذنا ميثاق بني وهذا الميثاق الذي اخذه الله عز وجل عليهم واخبرنا ربنا بهذا الميثاق لامتثال للامر بالامتثال. هذا الخبر من باب كما قال غير واحد انه خبر يراد به الطلب. كما اخبر الله عز وجل ان بني اسرائيل اخذ عليهم هذا الميثاق الذي فيه عبادة الله وحده والاحسان للوالدين وذي القربى واليتامى والمساكين وقل للناس حسنا وان كان هذا خبرا بني اسرائيل فانه ايضا امر وطلب لهذه الامة ان تفعل وتمتثل هذا الميثاق الذي اخذه الله الله عز وجل على تلك الامة فقوله لا تعبدون الا الله دليل على ان العبادة لا تصرف الا لله عز وجل. من صرف العباد لغير الله سبحانه وتعالى فهو مشرك كافر وهذا اعظم ميثاق اعظم ميثاق اخذه الله عز وجل على الامة هو عبادته وحده سبحانه وتعالى فيلزم الموحد ان يعبد الله وحده وان يعتقد مع عبادته ان لا معبود بحق الا الله سبحانه وتعالى ثم ذكر لما ذكر حق الخالق وهو عبادته وحده ويدخل في ذلك الصلاة والصيام والزكاة والحج وجميع الاعمال الصالحة التي شريعتنا او الاعمال التي اخذها الله عز وجل في شريعة بني اسرائيل. ذكر عبادته ثم ذكر حق المخلوق اعظم واعظم الخلق حقا بعد حق الله عز وجل ورسله هو حق الوالدين. حق الوالدين. فقال وبالوالدين احسانا اي ان يحسن الانسان لوالديه بالقول والفعل بالقول بالقول والفعل سواء بقول اللسان او بالفعل من جهة فعله وذله وان يخضع له بالقول وان يخفض لهم جناح الذل من الرحمة. وما يقوم ايضا بمعنى النفقة والاحسان اليهم بالمال. وآآ القول وذي القربى ايضا لهم حق وحقوق ذوي القربى اه حق ذوي حق ذوي القربى اما ان يكون حقا واجبا واما ان يكون حقا مستحبة فالنفقة الواجبة على ذوي القربة واجبة وما زاد على ذلك فهو مستحب والاحسان اليهم مما يحبه الله عز وجل ذوي القربى هم كل من كان بينك وبينه قرابة واليتامى والمساكين اليتامى بني ادم هو الذي فقد والده قبل ان يبلغ يسمى يتيم ويخرج من اليتم ببلوغه او ببقاء والدي وهناك من يرى ان اليتم ايضا يطلق على من فقد امه يسمى يتيم وان كان هذا في البهايم اخص اليتيم في الذي فقد امه لان امه التي تقوم عليه بالرعاية والاطعام بخلاف بني ادم فالذي يقوم عليه بالنفقة والاطعام هو والده وايضا الحماية والكلى يتعلق الواد اكثر منه من الام. على كل حال اليتامى ايضا لهم حق. وهو ان يحسن اليهم. وان يقوم على حوائجهم والمساكين لهم حاجة وهم ممن يحسن اليهم. ثم قال وقولوا للناس حسنا. واختلف اهل التفسير في قوله وقولوا للناس حسنى. هل هي محكمة او منسوخة؟ منهم من قال ان هذه الاية نسختها اية السيف ومنهم من رأى احكامه والصحيح انها محكمة في قول الحسنى من جهة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ودعوة الناس الى الخير وحثهم على ما يرضي الله سبحانه وتعالى ولا تعارض بين ان يقول الحسنى وبين ان يقيم حكم الله في اعداء الله عز وجل فهو يأمرهم بالاسلام ويدعوهم اليه ويتلطف في دعوتهم وهذا من الحسنى فان استجابوا فهذا هو المراد وان لم يستجيبوا فيقام عليهم اية السيف فاصبحت هذه محكمة كايظن واحكوا ان كانت اية السيف هي المتأخرة وكل ما يعارضها فهو منسوخ بها لكن اذا امكن الجمع فلا يصار فلا يصار الى النسق مع ان كان مع امكان الجمع قال واقيموا الصلاة واتوا الزكاة ثم توليتم. ايضا الامر بالصلاة مأمور به في جميع الشرائع. قبلنا الا ان صلاتهم صلاتنا فالله امر موسى وقومه بالصلاة وامر عيسى ايضا بالصلاة وامر الانبياء بالصلاة الا ان صلاتهم تغاير صفة صلاتنا وامر محمد صلى الله عليه وسلم بالصلاة ففرضها الله عز وجل عليه خمسين صلاة ثم ما زال به الى ان جعلها خمس صلوات بالعمل وخمسين في الاجر خمسين في الاجر. فالصلاة ايضا فرضها الله على هذه الامة قال واقيموا صلاة الزكاة الزكاة ايضا زكاتك على شروطها واركانها وهي ان يؤتي زكاة ماله او ما تجبه الزكاة وهذه لها احكامها عموما الاية اخبر الله عز وجل انه اخذ ميثاق بني اسرائيل معنى الزمهم بهذه الشرائع وهي عباد الله وحده وبر الوالدين والاحسان لليتامى والمساكين والاحسان الى ذوي القربى وكذلك ان يقل للناس حسنا وكذلك ايضا اقام الصلاة وايتاء الزكاة ثم اخبر الله عن اولئك انهم تولوا. يقول غير واحد ان هذه الاية فيها وان كان فيها خبر فهي بمعنى افعلوا ذلك وامتثلوا ولا تكونوا كحال اولئك اليهود الذين تولوا ثم قال ثم توليتم الا قليلا منكم وانتم معرضون وانتم معرضون. فوصفهم فوصفهم بالتولي وزاد على توليهم انهم اعرضوا فيؤخذ من هذا نوعين من انواع الترك النوع الاول هو ان يترك الامتثال مع علمه وتعلمه فيتولى عن امتثال امر الله عز وجل. النوع الثاني الاعراض عن دين الله عز وجل ولاعراض من يكون عراضا كليا او اعراضا جزئيا فهذه الطائفة اعرضت اعرضوا عن دين الله عز وجل والذين كفروا عما انذروا معرظون. فمن الكفر كفر الاعراظ كفر. الاعراظ هو ان يعرظ عن دين الله عز وجل يتعلمه ولا يعمل ولا يعمل به كذلك التولي هو ان يتولى ليتولى مع معرفته وعلمه لكنه لا يلتزم ولا يمتثل فيدخل في هذا من عرف من عرف الحق ولم يلتزم به ومن عرف ايمان ولم يعمل بمقتضاه فانه لا ينفعه معرفة وعلمه حتى يحقق العمل. فيدخل في ايظا ان التولي عن دين الله الكفر وان الاعراض ايضا عن دين الله كفر. وهذا مذهب اهل السنة ان تارك جنس العمل مع علمه يسمى كافر. وان المعرض عن دينه بالله لا يعلمه ولا يتعلمه ولا يعمل به انه ايضا كافر بالله عز وجل وهذه من صفات اولئك الذين اخذ الله عليهم الميثاق والله اعلم