بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين نبينا محمد عليه افضل الصلاة واتم التسليم اما بعد اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالدينا برحمتك يا ارحم الراحمين الله سبحانه وتعالى وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا او نصارى تلك امانيهم قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين. بلى من اسلم وجهه لله وهو محسن فله اجره فله اجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وقالت اليهود ليست النصارى وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب. كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم. فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون يبين شعائر اغترار اليهود والنصارى بما هم فيه حيث ادعت كل طائفة من اليهود والنصارى انه لن يدخل الجنة الا من كان على ملتها كما اخبر الله عنهم في سورة المائدة انهم قالوا نحن ابناء الله واحباؤه فاكذبهم الله تعالى بما اخبرهم انهم انه معذبهم بذنوبهم ولو كانوا كما ادى العلماء كان الامر كذلك وكما تقدم من دعواهم انه لن تمسهم النار الا اياما معدود ثم ينتقلون الى الجنة ورد عليهم تعالى في ذلك وهكذا قال لهم في هذه الدعاوى التي ادعوها بلا دليل ولا ولا بينة فقال تلك امانيهم. قال ابو العالية اماني اماني يتمنوها على الله بغير حق قال قتادة بن ربيع بن انس ثم قال تعالى قل اي يا محمد هاتوا برهانكم قال ابو العالية ومجاهد والصدي والربيع ابن انس حجتكم وقال قتادة بينة بينت بينتكم على ذلك ان كنتم صادقين اي بما تدعونه ثم قال تعالى من امن اسلم وجهه لله وهو محسن اي من اخلص العمل لله وحده لا شريك له كما قال تعالى فان حاجوا كما اسلمت وجهي لله ومن اتبعني الاية وقال ابو العالية والربيع بلى من اسلم وجهه لله يقول من اخلص لله وقال سعيد ابن بلا من اسلم اخلص وجهه قال دينه وهو محسن اي اتبع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم فان للعمل المتقبل شرطين احدهما ان يكون خالصا لله وحده. والاخر ان يكون صوابا موافقا للشريعة. فمتى كان خالصا ولم يكن صوابا لم يتقبل. ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد رواه مسلم فعمل الرهبان ومن شابههم وان فرض انهم مخلصون فيه لله فانه لا يتقبل منهم حتى يكون ذلك متابعا للرسول صلى الله عليه وسلم والمبعوث اليهم والى الناس كافة. وفيهم امثالهم قال الله تعالى وقدمنا الى ما عملوا من عملهم فجعلناه هباء منثورا وقال تعالى والذين كفروا واعمالهم يحسبه الظمآن وقال وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية تسقى من عين عالية واما ان كان العمل موافقا للشريعة بالصورة الظاهرة ولكن لم يخلص عامله القصد لله فهو ايضا مردود على فاعله. وهذا حال المراءين والمنافقين كما قال تعالى ان المنافقين يخادعون الله وهو خادع واذا قاموا الى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس الا يذكرون الله الا قليلا. وقال تعالى فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون ولهذا قال تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا وقال في هذه الآية الكريمة بلا من اسلم وجهه لله وهو محسن وقول فله اجر عند ربي ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ضمن لهم تعالى على ذلك تحصين من الاجور وامنهم مما يخافونه من المحذور فلا خوف عليهم فيما يستقبلونه ولا هم يحزنون على ما مضى مما يترك كونه كما قال سعيد بن جبير فلا خوف عليهم يعني في الاخرة ولا هم يحزنون يعني لا يحزنون للموت وقوله تعالى قالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب بين به تعالى تناقضهم وتباغضهم وتعاديهم وتعاندهم كما روى محمد ابن اسحاق عن ابن عباس قال لما قدم اهل نجران من النصارى على رسول الله اتتهم احبار اليهود فتنازعوا عند رسول الله فقال رافع بن ما انتم على شيء وكفر بعيسى والانجيل. وقال رجل من اهل نجران من من النصارى لليهود. ما انتم على شيء وجحد نبوة موسى كفر بالتوراة فانزل الله في ذلك من قولهما وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب ان كلا يتلو في كتابه تصديق من كفر به اي يكفر اليهود بعيسى وعندهم التوراة فيها ما اخذ الله عليهم على لسان موسى بالتصديق بعيسى وبالانجيل ما جاء به عيسى بتصديق موسى وما جاء من التوراة من عند الله وكل يكفر بما في يد صاحبه وقوله كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قول بين لهذا جهل اليهود والنصارى فيما تقابلوا من القول. وهذا من باب الايماء والاشارة. وقد اختري لمن عني بقوله تعالى الذي لا يعلمون فقال الربيع بن انس وقتادة كذلك قال الذين لا يعلمون قال وقالت النصارى مثل قول اليهود وقيلهم وقال ابن جريج قلت لعطاء من هؤلاء الذين لا يعلمون. قال امم كانت قبل اليهود والنصارى وقبل التوراة والانجيل. وقال السدي كذلك قال الذين لا يعلمون فهم العرب قالوا ليس محمد على شيء واختار ابو جعفر ابن جرير انها عامة تصلح للجميع وليس ثم دليل قاطع يعين واحدا من هذه الاقوال فالحمل على الجميع اولى والله اعلم وقوله تعالى فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيختلفون اي انه تعالى يجمع بينهم يوم الميعاد ويفصل بينهم بقضائه العدل الذي لا يجور فيه ولا يظلم مثقال ذرة وهذه الاية كقوله تعالى في سورة الحج ان الذين امنوا والذين هادوا والصابعين والنصارى والمجوس والذين اشركوا ان الله يفصل بينهم يوم القيامة. ان الله على كل شيء شهيد. وكما قال تعالى قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم. نعم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه اجمعين. اما بعد يقول ربنا سبحانه وتعالى وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا او نصارى. تلك امانيهم قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين يخوي ربنا سبحانه وتعالى عما ادعاه اليهود والنصارى من كونهم شعب الله المختار وان الجنة انما خلقت لهم وان الجنة لن يدخلها الا من كان على بطريقتهم وملتهم ومعتقدهم. ولا شك ان هذه الدعوة يدعيها كل مدعي فكل صاحب باطل يدعي انه على الحق. وكل صاحب ضلالة يدعي انه على الهدى. وانما يتمايز الخلق ويعرف قد قبل الكاذب بالبرهان والحجة. اما الدعاوى فكل يحسنها وكل يقولها وان كان هذا قول اليهود والنصارى فكذلك يقوله ايضا اهل البدع ممن ينتسب الى الاسلام فالجهمية يرون انهم على الحق وكذلك المعتزلة وكذلك الاشاعرة وكذلك المتصوفة الغالية كل يدعي انه هو صاحب الحق. وان الجنة هي مآله ومرده وكما اخبر ربنا عن اناس دعوا محبة النبي صلى الله عليه وسلم فقال ان كنتم فقال سبحانه وتعالى ان كنتم تحبون اتبعوني يحببكم الله فامر الله عز وجل ان كانت محبتهم صادقة ان يتبعوا محمدا صلى الله عليه وسلم لما ادعى اولئك محبة الله سبحانه وتعالى امتحنهم الله عز وجل بهذه الاية. فاتبعوني يحببكم الله عز وجل فهنا يقول ربنا قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين اذا الدعاوى لا تغني عن اصحابها شيئا والدعاوى تبقى دعاوى بلا بينات حتى تأتي البينات فتوثقها فدعوى اليهود او دعوة النصارى لنوع الحق هذا من الافتراء والكذب. ومنهم من يرى ان انهم يدخلون النار سبعة ايام ثم نخلفهم فيها الى ابد الاباد. وهذا ايضا ايضا من من افتراء اليهود لعنهم الله عز وجل فلما نفى ربنا هذا القول وابطل هذه الدعوة وبين بطلانها اخبر الله عز وجل من هم الناجون يوم القيامة ومن هم اهل الجنة الذين يدخلونها؟ فقال تعالى بلى اي اضراب عن القول السابق وابطال له بلى من اسلم وجهه لله وهو محسن فله اجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون فلا من اسلم وجه لله اي استسلم لله عز وجل بالتوحيد وانقاد له بالطاعة وتبرأ من الشرك واهله ثم عبد الله عز وجل وهو محسن والاحسان والاتقان وهو ان يعبد الله عز وجل على هدي محمد صلى الله عليه وسلم فلا يسمى المحسن محسنا الا اذا اتى بالعمل على وجهه فالعامل قد يكون مخلصا لكن لا يكون محسنا وقد يكون متبعا لكن لا يكون محسنا فالاحسان ان يأتي بالعمل على وجهه وكماله ولا يكون كذلك الا اذا كان عامله يريد به وجه الله متبعا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم كمان اسلم وجهه لله وهو محسن اي حقق الاسلام والتوحيد ثم كان بعد ذلك محسنا اي متقنا لعمله اتيا بما اوجب الله عليه وامره به رسوله صلى الله عليه وسلم فينال اجر الدنيا والاخرة فله اجره عند ربه والاجر هنا لم يقيد وانما اطلقه وارسله ربنا سبحانه وتعالى لتعظم النفوس في رغبتها وتتشوق النفوس الى اجل ربها. ولا شك ان عطاء الله لا حصر له ويد الله ملأى لا يغيظها نفقة ويد وخزائن الله عز وجل خزائن الله ملأى وخزائن الله لا تنفذ ولا تنتهي فله اجره عند ربه لم يذكر ان اجره الجنة ولم يذكر ان اجره الصحة والعافية وانما قال فله اجره عند ربه ولك ان تتصور هذا الاجر الذي وعدك به ربك سبحانه وتعالى كما قال في الاية الاخرى انما يوفى الصابرون اجرهم في غير حساب فالمعنى ان اجر الله واسع. وعندما اطلقه ليشمل اجورا كثيرة ويشمل ايضا نعيما واسعا فيشمل نعيم الدنيا ويشبع نعيم الاخرة فمن حقق هذا الامر نال السعادة في الدنيا ونال السعادة في الاخرة ايضا. قال فله اجر عند ربه ولا خوف عليهم مما يستقبلون ولا هم يحزنون مما يتركون فلا يخاف مما يقدم عليه ولا يحزن مما فاته وتركه كما قال ثابت البناني رحمه الله تعالى في قوله تعالى ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا ولا تحزنوا. قال ينزل عليه او ينزل عليه ملكان فيقولان يا ولي الله لا تخف ولا تحزن لا تخف ولا تحزن لا تخف مما امامك ولا تحزن على ما خلفت وراءك فان الله حافظك ومتوليك سبحانه وتعالى وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء. يلاحظ هنا ان الله اخبر اولا عنهم انهم قالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا او نصارى وهذه الدعوة يدعيها اليهود ويدعيها النصارى فكل يدعي انه على الحق ثم بين ربنا سبحانه وتعالى مع ان هؤلاء انهم يدعون انهم على الحق والطائفة تدعي انها الحق اخبر ربنا ايضا عنهم ان اليهود تقوم النصارى ليست النصارى شيء ان دعواها باطلة وانها كافرة وقالت النصارى ايضا ليست اليهود على شيء فهذا ابطال لما ادعوه في الاية الاولى لانهم قالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا ونصارى. فلو سلمنا لكم هذا فانتم ايضا ترون ان النصارى كفار والنصارى يرونكم كفار وهذه حال اهل البدع دائما كما نص على ذلك اهل العلم ان اهل البدع يكفر بعضهم بعضا ويلعن بعضهم بعضا كما انهم سيلعن بعظهم بعظا يوم القيامة تجعل كل امة اختها يوم القيامة فهم في الدنيا يلعن بعضهم بعضا يكفر بعضهم بعضا ولعنهم وبرائتهم من بعض في الاخرة اعظم واشد فقالت وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اي ليسوا على دين وليسوا على ملة وليسوا على ديانة ولا شك انها ايظا افتراء. فالنصرانية واليهودية ما كان على مثل ما عليه موسى وعيسى فهم على الحق في زمانهما فمن كان على ملة موسى على التوراة ولم يحرف ولم يخالف ولم يكذب بعيسى بعد بعد بعثته فهو مسلم كذلك الذي نزل الذي امن بعيسى وامن قبل ذلك بموسى ولم يكذب احدا منهما وكان على الطريق الحق فهو مسلم فان اتى محمد بعد ذلك فمن كذبه فهو كافر بهم جميعا ومن آب محمد واتبع ملة محمد ودين محمد اجر على ايمانه السابق واجر على ايمان محمد صلى الله عليه وسلم ويؤتى اجره مرتين وكل من زعم انه على الحق بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم فدعواه باطلة. وكل دعوة بعد بعد وكل دعوة لدين او ملة او طريقة بعد بعث محمد صلى الله عليه وسلم فهي دعوة ودين ولة باطلة فيقول يقول ربنا وهم يتلون الكتاب اي هم يعلمون ان عيسى نبي من انبياء الله ورسول الله وانه جاء بالحق ومن امن به امن الحق والنصارى يعلمون ان موسى رسول من رسل الله عز وجل وان من اتبعه كان على الحق على طريقة حق ومع ذلك يقول هؤلاء ليس هؤلاء على شيء ويقول اولئك ليس هؤلاء على شيء كذلك قال الذين لا يعلمون. وهذا اطلاق لكل جاهل واخبار عن كل جاهل وعموم لكل متطاول على الحق ودافع للحق ومعاذ الحق انه يقول ما لا يعلم فهذه الاية وان كانت الخطاب في اليهود والنصارى فانه عام في كل من رد الحق ودفعه فقال تعالى كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم اي في قولهم ان محمد صلى الله عليه وسلم ليس على شيء وانه ليس بنبي وليس برسول فقال احدهم لو الم يجد الله رسولا غيرك يبعثه فقال الاخر ان كنت رسولا فانا اجلك ان اكلمك وان كنت كاذبا فاجل نفسي ان اكلمك واعرض ولم يؤمن بالله عز وجل سخرية واستهزاء برسول صلى الله عليه وسلم فكذا قال الذين لا يعلمون مثل قولهم اي مثل قول اليهود والنصارى في ابطال دعوة محمد صلى الله عليه وسلم. وان كان هذا في الاسلام في اصل الاسلام كذلك يقال ايضا في اولئك الذي يقولون لاهل السنة انهم ليسوا على شيء فمن يصف مثلا الوهابية بانهم فرقة ضالة وفرقة خارجية وفرقة الكافرة هو ايضا يقول ما لا يعلم. كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكوا بينهم وهذه وهذا فيها نذارة وفيها بشارة لزار لكل من خالف الحق وكذب وافترى على الله عز وجل. وبشارة لكل من هضم وظلم وسخر واستهزئ به ان الله يحكم بينه وبين خصومه كما قال تعالى قال قائل منهم اني كالي قرين الى ان قال هل انتم مطلعون؟ فاطلع فرآه في سواء الجحيم. قالت الله ان كدت لتردين ولولا نعمة ربي لكنتم المحضرين. كذلك اليوم الذي يبلى يضحكون على الارائك ينظرون فالحكم يوم القيامة باذن الله عز وجل يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون فينتقم الله عز وجل للمؤمنين ويظهر آآ رفعتهم وعلوهم وآآ يظهر في ذلك المقام نصرهم وتمكينهم وآآ الحق الذي كانوا عليه ويذهب اولئك الكفرة الضلال المخالفين لشرع الله عز وجل ما هم عليه من الضلال والشقاء حتى يلعن بعضهم بعضا ويسحبون على وجوههم في نار جهنم نسأل الله العافية والسلامة والله تعالى اعلم