بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فالحديث عما يدعى به للميت اذا فرغ من دفنه عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال استغفروا لاخيكم وصلوا له التثبيت فانه الان يسأل. رواه ابو داوود هذا الحديث فيه بيان ان من السنة بعد الفراغ من الدفن ان يدعى للميت بالمغفرة والثبات عند السؤال لانه اذا دفن اتاه ملكان واجلساه وسألاه من ربك ما دينك؟ من نبيك فمن الرحمة به والاحسان اليه ان يدعى له بالثبات اي عند سؤال الملكين ويدعى له بالمغفرة ولا يشرع قراءة شيء من القرآن في هذا الموضع ولا ان يلقن الميت حجته كما يفعله بعض الناس اذ لم يثبت بذلك حديث وانما المشروع في هذا المقام كما تقدم الاستغفار له وسؤال الله تثبيته ما يقال عند دخول المقابر والمقابر هي الاماكن التي يقبر فيها الموتى ويدفن فيها الاموات وقد جاءت الشريعة بمشروعية زيارة المقابر لغرضين الاول لتذكر الاخرة ليتذكر من يزور القبور ان حاله ومآله سيؤول الى ما ال اليه هؤلاء واذا تذكر ذلك استعد له بالعمل الصالح والبعد عن معصية الله تبارك وتعالى والغرض الثاني السلام على الموتى والدعاء لهم بالمغفرة والرحمة والعافية فلاجل ذلك تزار القبور وقد كانت زيارة القبور في اول الاسلام ممنوعة والسبب في ذلك ان الناس كانوا حدثاء عهد بالاسلام لم تترسخ عراه في قلوبهم وتثبت قواعده ويتمكن في الناس وتنتشر معالمه فمنع الرسول صلى الله عليه وسلم من زيارة القبور صيانة للناس وحفظا لاديانهم وعقائدهم من الخلل فلما ترسخت عرى الدين وثبتت قواعده اذن لهم وبين سبب الاذن والغرظ منه عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها رواه مسلم واحمد والنسائي وغيرهم وزاد احمد فانها تذكركم الاخرة وزاد النسائي فمن اراد ان يزور فليزر ولا تقول هجرا قوله اني كنت نهيتكم عن زيارة القبور هذا يدل على ان الامر كان في الاول ممنوعا منهيا عنه وان الاذن بذلك كان لتذكر الاخرة لانك اذا زرت القبور وتأملت في احوال اهلها تعتبر وتتعظ وتوقن انك عن قريب ستكون في واحدة من هذه الحفر فهؤلاء الذين في القبور كانوا مثلك يمشون وعندهم بيوت واموال واعمال وتجارات وبعضهم دخل القبر وهو شاب في ريعان شبابه فهي موعظة موقظة فكم في تذكر المآل من اثر في زم النفس واطرها على الحق وكم في الغفلة عنه من اثر في انفلاتها وانسياقها وراء الملذات الفانية والقبور فيها موعظة عظيمة للانسان وايقاظ للقلب وتذكير له ولذا اذن في زيارة القبور لتذكر المرء بالاخرة ثم ان النبي عليه الصلاة والسلام قد بين الدعاء الذي يستحب للمسلم ان يقوله اذا زار القبور عن عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان جبريل اتاني فقال ان ربك يأمرك ان تأتي اهل البقيع فتستغفر لهم قالت كنت كيف اقول لهم يا رسول الله؟ قال قولي السلام على اهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين. وانا ان شاء الله بكم للاحقون. رواه مسلم وعن بريدة رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم اذا خرجوا الى المقابر فكان قائلهم يقول السلام عليكم اهل الديار من المؤمنين والمسلمين وانا ان شاء الله للاحقون اسأل الله لنا ولكم العافية. رواه مسلم قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم اذا خرجوا الى المقابر اي الى زيارتها ان يقولوا السلام عليكم اهل الديار اي يا اهل الديار قوله من المؤمنين والمسلمين. وهذا فيه ان بين المؤمن والمسلم فرق فالمؤمن هو الذي اتم الايمان الواجب والمسلم هو الذي جاء بالعمل الظاهر ومعه من الايمان القلبي ما يصحح اسلامه فدرجة المؤمن اعلى من درجة المسلم. فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا. قال الله تعالى قالت الاعراب امنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم اي اذا دخل الايمان وتمكن في القلب وقوي في القلب عندئذ يكون مؤمنا فهذا فيه ان هؤلاء الموتى ليسوا في الدين على درجة واحدة بل هم متفاوتون منهم من هو في درجة الايمان ومنهم من هو في درجة الاسلام فيسلم على الجميع وهذا ايضا فيه ايقاظ للعبد ان يجتهد في حياته لان يرتقي بايمانه تقوية له قبل ان يدرج في واحدة من هذه الحفر قوله وانا ان شاء الله بكم لاحقون ذكر المشيئة هنا للتحقيق لا للتعليق مثل قوله تعالى لتدخلن المسجد الحرام ان شاء الله قوله نسأل الله لنا ولكم العافية هذه دعوة للميت وللزائر بالعافية والعافية هي السلامة وهي في حق الميت العافية من العذاب والعقاب الذي يكون في القبر وبعده وفي حق الحي العافية من الذنوب والمعاصي وموجبات سخط الرب تبارك وتعالى فهذا فيه دعاء للميت وتذكير للحي بانه سيؤول الى ما ال اليه هذا الميت فيسأل الله سبحانه وتعالى له وللموتى العافية ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم مشروعية قراءة الفاتحة عند زيارة القبور قال ابن القيم رحمه الله في كتابه زاد المعاد في كلامه عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور قال كان اذا زار قبور اصحابه يزورها للدعاء لهم والترحم عليهم والاستغفار لهم وهذه هي الزيارة التي سنها لامتي وشرعها لهم وامرهم ان يقولوا اذا زاروها السلام عليكم اهل الديار من المؤمنين والمسلمين وانا ان شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية وكان هديه ان يقول ويفعل عند زيارته من جنس ما يقوله عند الصلاة على الميت من الدعاء والترحم والاستغفار فابى المشركون الا دعاء الميت والاشراك به. والاقسام على الله به وسؤاله الحوائج والاستعانة به والتوجه اليه بعكس هديه صلى الله عليه وسلم فان هديه توحيد واحسان الى الميت وهدي هؤلاء شرك واساءة الى نفوسهم والى الميت وهم ثلاثة اقسام اما ان يدعو الميت او يدعو به او عنده ويرون الدعاء عنده اوجب واولى من الدعاء في المساجد ومن تأمل هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه تبين له الفرق بين الامرين وبالله التوفيق انتهى كلامه رحمه الله وبما تقدم يتضح ان احوال الناس في زيارة القبور لا تخرج عن اربع حالات الاولى ان يزور القبور ليدعو للموتى فيسأل الله لهم المغفرة والرحمة وليعتبر بحال الموتى وما الوا اليه فيحدث له ذلك عبرة وذكرا وهذه هي الزيارة الشرعية الثانية ان يزورها ليدعو لنفسه ولمن احب عندها معتقدا ان الدعاء في المقابر او عند قبور الصالحين افضل واحرى القبول والاجابة وهذا عمل لا اصل له في الشرع الثالثة ان يزورها ليدعو الله متوسلا بجاه الموتى او حقهم فيقول اسألك يا ربي بجاه فلان او بحق فلان فهذا بدعة محرمة ووسيلة الى الشرك الرابعة ان يزورها ليدعو المقبورين ويستغيث بهم ويطلب منهم المدد والعون والشفاء وغير ذلك فهذا شرك اكبر ناقل عن ملة الاسلام قال الشيخ ابن باز رحمه الله ومن هذه الاحاديث اي الواردة في زيارة القبور يعلم ان الزيارة الشرعية للقبور يقصد منها تذكر الاخرة والاحسان الى الموتى والدعاء لهم والترحم عليهم فاما زيارتهم لقصد الدعاء عند قبورهم او العكوف عندها او سؤالهم قضاء الحاجات او شفاء المرضى او سؤال الله بهم او بجاههم ونحو ذلك فهذه زيارة بدعية من كرة لم يشرعها الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا فعلها السلف الصالح رضي الله عنهم بل هي من الهجر الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال زوروا القبور ولا تقولوا هجرا وهذه الامور المذكورة تجتمع في كونها بدعة ولكنها مختلفة المراتب فبعضها بدعة وليس بشرك كدعاء الله سبحانه عند القبور وسؤاله بحق الميت وجاهه ونحو ذلك وبعضها من الشرك الاكبر كدعاء الموتى والاستعانة بهم ونحو ذلك فتنبه واحذر واسأل ربك التوفيق والهداية للحق فهو سبحانه الموفق والهادي لا اله غيره ولا رب سواه. انتهى كلامه رحمه الله الحاصل ان زيارة قبور الاموات سنة بحث النبي صلى الله عليه وسلم عليها ولاكثاره من زيارتها وذلك للعظة والعبرة وتذكر الموت والدعاء للاموات المسلمين بالمغفرة والرحمة مثل السلام اليكم اهل الديار من المؤمنين والمسلمين وانا ان شاء الله بكم لاحقون. نسأل الله لنا ولكم ونحو ذلك من الادعية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور واسأل الله لنا اجمعين التوفيق والسداد والمعونة على كل خير انه سميع قريب مجيب والى لقاء اخر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته