بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فالحديث عما يقال عند كسوف الشمس او القمر عن عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان الشمس والقمر ايتان من ايات الله لا ينخسسان لموت احد ولا لحياته فاذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا. رواه البخاري ومسلم وعن ابي موسى رضي الله عنه قال قصفت الشمس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فقام فزعا يخشى ان تكون الساعة حتى اتى المسجد فقام يصلي باطول قيام وركوع وسجود ما رأيته يفعله في صلاة قط ثم قال ان هذه الايات التي يرسل الله لا تكون لموت احد ولا لحياته ولكن الله يرسلها يخوف بها عباده فاذا رأيتم منها شيئا فافزعوا الى ذكره ودعائه واستغفاره رواه البخاري ومسلم الشمس والقمر هما من جملة النعم التي تفضل الله بها على عباده ومن بها عليهم وجعلهما سبحانه دائبين اي مستمرين لا يفتران يسعيان لمصالح الانسان من حساب الازمنة ومصلحة الابدان والحيوان والزروع والثمار وجعلهما سبحانه يجريان بحسبان متقن وتقدير مقدر لا يتخلفان عنه علوا ولا نزولا ولا ينحرفان عنه يمينا ولا شمالا ولا يتغيران تقدما ولا تأخرا كما قال سبحانه الشمس والقمر بحسبان وقال تعالى والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون وقال تعالى وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار ثم ان الشمس والقمر ايتان من ايات الله ومخلوقان من مخلوقاته ينجليان بامره وينكسفان بامره فاذا اراد الله تعالى ان يخوف عباده من عاقبة معاصيهم وذنوبهم كسفهما باختفاء ضوئهما كله او بعضه انذارا للعباد وتذكيرا لهم لعلهم يرجعون ويتوبون وينيبون فيقومون بما امرهم به ربهم ويتركون ما حرمه عليهم كما قال تعالى وما نرسل بالايات الا تخويفا وفي هذا دلالة على كمال قدرة الله سبحانه حيث انه سبحانه قادر على تحويل الاشياء وتبديل الامور وتصريف الخلائق كيف يشاء ومن ذلك تغيير حال الشمس والقمر من النور والوضاءة الى السواد والظلمة. والله على كل شيء قدير ولذا شرع عند حصول الكسوف الفزع الى الصلاة والدعاء والذكر والاستغفار والصدقة وقد خسفت الشمس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مرة واحدة وذلك في السنة العاشرة من الهجرة حيث مات ابنه ابراهيم رضي الله عنه وقد كان الناس في الجاهلية يظنون ان كسوف الشمس او القمر انما يكون لموت عظيم او حياته فبين صلى الله عليه وسلم فساد هذا الظن وخطأه وقال كما في حديث عائشة المتقدم ان الشمس والقمر ايتان من ايات الله لا ينخسفان لموت احد ولا لحياته وقد فزع صلى الله عليه وسلم عند كسوفها الى المسجد وامر مناديا ينادي الصلاة جامعة فاجتمع الناس في المسجد رجالا ونساء فقام فيهم النبي صلى الله عليه وسلم وصفوا خلفه فكبر وقرأ الفاتحة وسورة طويلة يجهر بقراءته ثم ركع ركوعا طويلا جدا ثم رفع وقال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم قرأ الفاتحة وسورة طويلة لكنها اقصر من الاولى ثم ركع ركوعا طويلا دون الاول ثم رفع وقال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد وقام قياما طويلا نحو ركوعه ثم سجد سجودا طويلا اذا نحوا من ركوعه ثم رفع وجلس جلوسا طويلا ثم سجد سجودا طويلا ثم قام الى الركعة الثانية فصنع مثل ما صنع في الاولى لكنها دونها في القراءة والركوع والسجود والقيام ثم تشهد وسلم وقد تجلت الشمس ثم خطب صلى الله عليه وسلم خطبة عظيمة بليغة بين فيها ان الشمس والقمر ايتان من ايات الله لا ينكسفان لموت احد ولا لحياته وحثهم عند حصول ذلك الى الفزع الى الصلاة وذكر الله ودعائه واستغفاره حتى يفرج الله وتنجلي ومما قال في خطبته تلك يا امة محمد والله ما من احد اغير من الله ان يزني عبده او تزني امته. يا امة محمد لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ومما قال في خطبته ما من شيء كنت لم اره الا رأيته في مقامي هذا حتى الجنة والنار واوحي الي انكم تفتنون في قبوركم مثل فتنة المسيح الدجال يقال ما علمك بهذا الرجل؟ فاما المؤمن او الموقن فيقول هو محمد وهو رسول الله. جاءنا بالبينات الهدى فاجبنا واتبعنا فيقال نم صالحا ان كنت لموقنا به واما المنافق او المرتاب فيقول لا ادري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته وقال له الصحابة رضي الله عنهم يا رسول الله رأيناك تناولت شيئا في مقامك ثم رأيناك تكعكعت اي رجعت الى الوراء قال اني رأيت الجنة فتناولت عنقودا ولو اصبته لاكلتم منه ما بقيت الدنيا ورأيت النار فلم ارى منظرا كاليوم قط افظع ورأيت اكثر اهلها النساء قالوا بم يا رسول الله؟ قال بكفرهن. قيل يكفرن بالله؟ قال يكفرن العسير ويكفرن الاحسان لو احسنت الى احداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط. متفق عليه انا فزع النبي صلى الله عليه وسلم للكسوف وصلاته هذه الصلاة وعرض الجنة والنار عليه اثناء هذه الصلاة ورؤيته لكل ما نحن لاقوه من امر الدنيا والاخرة ورؤيته الامة تفتن في قبورها وخطبته هذه الخطبة البليغة المؤثرة وامره امته عند الكسوف ان يفزع الى الصلاة والذكر والدعاء والاستغفار والتكبير والصدقة ليدل على عظم شأن الكسوف واهمية الفزع فيه الى الصلاة والدعاء والاستغفار والحال ان كثيرا من الناس في هذا الزمان تهاونوا بامره وما ذاك الا لضعف الايمان والجهل بالسنة والاعتماد على من يحيل امر الكسوف الى الاسباب الطبيعية مع الغفلة عن اسبابه الشرعية والحكمة البالغة التي من اجلها يحبط الله الكسوف قوله فاذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا هذه اربعة اشياء ارشد اليها عند الكسوف ان نكثر من الدعاء وان نكثر من التكبير الله اكبر الله اكبر وان نصلي الصلاة المعروفة بركعتين في كل ركعة ركوعين. وان نتصدق وفي الحديث الثاني زيادة الاستغفار والذكر فهذه ستة اعمال تشرع عند الكسوف. الدعاء والتكبير والصلاة والصدقة والذكر عموما والاستغفار وقوله يا امة محمد والله ما من احد اغير من الله من ان يزني عبده او تزني امته يا امة محمد والله لو تعلمون ما اعلم لظحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا يستفاد منه ان المشروع في خطبة الكسوف ان تكون تخويفا محضا بتحذير الناس من الذنوب ومغبتها وسوء عاقبتها وموجبات سخط الله والنار والنبي صلى الله عليه وسلم نبه على ذلك. وحذر من الذنوب ولا سيما امهات الذنوب وهي اربع الشرك والقتل قتل النفس المعصومة والزنا والسرقة وهذه الاربع جمعها النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع بقوله الا انما هن اربع لا تشركوا بالله شيئا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ولا تزنوا ولا تسرقوا ومن يتأمل في الروايات الواردة في هذا الباب يجد ان النبي صلى الله عليه وسلم حذر من هذه الذنوب الكبار التي توبق صاحبها تحذيرا شديدا حتى انه عليه الصلاة والسلام قال للناس في خطبته تلك لقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا فلم ارى منظرا كاليوم قط افظع منه اليوم قال ذلك تحذيرا من موجبات دخولها وبخاصة تلك الاربع وقد حصل في صلاته للكسوف امر عجيب رآه الصحابة من النبي عليه الصلاة والسلام ما رأوه فعله في اي صلاة من صلواته رأوه وهو يصلي تقدم للامام ومد يده كانه يريد ان يأخذ شيئا ثم بعدها بقليل رأوه رجع للوراء انه خائف من شيء فسألوه فقال رأيت الجنة والنار راهما حقيقة ببصره والصحابة من ورائه ما رأوا شيئا وهذه اية من ايات الله الدالة على كمال قدرته لما رأى الجنة مد يده ليقطف عنقودا من عناقيدها وقال لو قطفته لاكلتم منه ما بقي في الدنيا وهذا يدل على الفرق العظيم والبون الشاسع بين ثمر الدنيا وثمر الجنة ورأى النبي صلى الله عليه وسلم كما وصف النار يحطم بعضها بعضا واخبر ايضا ان الناس يفتنون في القبور كفتنة الدجال ثم حذر عليه الصلاة والسلام من هذه الذنوب الكبار لكن تحذيره من هذه الذنوب جاء بطريقة تميزت عن تحذيره منها في سائر خطبه حيث حذر من هذه الذنوب بذكره لرؤيته لاشخاص في النار يعذبون وذكر اسباب تعذيبهم وهذه الطريقة انما كانت في هذه الخطبة خاصة اما ما يتعلق بالشرك وبيان خطورته فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه اي امعاءه وكان اول من سيب السوائب واول من بدل دين ابراهيم وما يتعلق بالتحذير من القتل. قال عليه الصلاة والسلام رأيت فيها اي النار امرأة من بني اسرائيل تعذب في هرة لها ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الارض فكيف بمن يعتدي على الارواح المعصومة والنفوس المسلمة قتلا باشنع انواع القتل واما الزنا فان النبي صلى الله عليه وسلم قال يا امة محمد والله ما من احد اغير من الله من ان يزني عبده او تزني امته واما تحذيره من السرقة فقد جاء في بعض روايات الحديث في خطبة صلاة الكسوف انه قال رأيت فيها اي النار صاحب المحجن يجر قصبه اي امعاءه في النار كان يسرق الحاج بمحجنه. فان فطن له قال انما تعلق بمحجني. وان غفل عنه ذهب به واسأل الله عز وجل ان يصلح لنا اجمعين شأننا كله وان يهدينا اليه صراطا مستقيما والى لقاء اخر والسلام عليكم رحمة الله وبركاته