بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فالحديث عما يقال عند رؤية الهلال لقد جعل الله سير القمر منازل. وهي ثمانية وعشرون منزلة ينزل كل ليلة منزلة فيبدو في اول الشهر هلالا ضئيلا ثم يزداد ليلة تلو الاخرى الى ان يكتمل فيصير بدرا ثم يعود الى النقصان حتى يعود ضئيلا كا عرجون النخلة ثم يستتر ليلتين اذا كان الشهر تاما وليلة اذا كان ناقصا قد عد الله في القرآن الكريم هذا ضمن اياته العظام وبراهينه الجسام الدالة على عظمته سبحانه وكمال قدرته وتدبيره قال الله تعالى هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك الا بالحق. يفصل الايات لقوم يعلمون وقال تعالى والشمس تجري لمستقر لها. ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون وقوله جل وعلا والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم اي ينزلها كل ليلة ينزل منها واحدة الى ان يصغر جدا فيكون كالعرجون القديم اي كعذقة النخل اذا قدم وجف وصغر حجمه وانحنى ثم يهل في اول الشهر ويبدأ يزيد شيئا فشيئا حتى يتم نوره ويتسق ضياؤه فما اعظمها من اية وما اوضحها من دلالة على عظمة الخالق وكمال قدرته سبحانه ولا ريب ان التأمل في هذه الاية وغيرها مما دعا الله عباده في كتابه الى التفكر فيها وتأملها يهدي العبد الى العلم بالرب سبحانه بوحدانيته وصفات كماله ونعوت جلاله من عموم قدرته وسعة علمه وكمال حكمته وتعدد بره واحسانه ومن ثم يخلص الدين له ويفرده وحده بالذل والخضوع والحب والانابة والخوف والرجاء فهي دلائل ظاهرة وبراهين واضحة على تفرد الله بالربوبية والالوهية والعظمة والكبرياء قال ابن القيم رحمه الله ومن تدبر امر هذين النيرين العظيمين اي الشمس والقمر وجدهما من اعظم الايات في خلقهما وجرمهما ونورهما وحركتهما على نهج واحد لا ينيان ولا يفتران دائبين ولا يقع في حركتهما اختلاف بالبطء والسرعة والرجوع والاستقامة والانخفاض والارتفاع ولا يجري احدهما في فلك صاحبه ولا يدخل عليه في سلطانه ولا تدرك الشمس القمر ولا يجيء الليل قبل انقضاء النهار. بل لكل حركة مقدرة ونهج معين. لا يشركه فيه الاخر كما ان له تأثيرا ومنفعة لا يشركه فيها الاخر وذلك مما يدل من له ادنى عقل على انه بتسخير مسخر وامر امر وتدبير مدبر بهرت حكمته العقول واحاط علمه بكل دقيق وجليل وفوق ما علمه الناس من الحكم التي في خلقهما ما لا تصل اليه عقولهم ولا تنتهي الى مبادئها اوهامهم فغايتنا الاعتراف بجلال خالقهما وكمال حكمته ولطف تدبيره وان نقول ما قاله اولو الالباب قبلنا. ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ولو ان العبد وصف له جرم اسود مستدير عظيم الخلق يبدو فيه النور كخيط متسخن ثم يتزايد كل ليلة حتى يتكامل نوره فيصير اضوأ شيء واحسنه واجمله ثم يأخذ في النقصان حتى يعود الى حاله الاول ويحصل بسبب ذلك معرفة الاشهر والسنين وحساب اجال العالم من مواقيت حجهم وصلاتهم ومواقيت ايجاراتهم ومدايناتهم ومعاملاتهم التي لا تقوم مصالحهم الا بها فمصالح الدنيا والدين متعلقة بالاهلة وقد ذكر سبحانه ذلك في ثلاثة ايات من كتابه احدها قوله يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج والثانية قوله هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك الا بالحق يفصل الايات لقوم يعلمون والثالثة قوله وجعلنا الليل والنهار ايتين فمحونا اية الليل وجعلنا اية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا فلولا ما يحدثه الله سبحانه في ايات الليل من زيادة ظوئها ونقصانه لم يعلم ميقات الحج والصوم والعدد ومدة الرضاع ومدة الحمل ومدة الاجارة ومدة اجال الحامل وقال رحمه الله وانظر الى القمر وعجائب اياته كيف يبديه الله كالخيط الدقيق ثم يتزايد نوره ويتكامل شيئا فشيئا كل ليلة حتى ينتهي الى ابداره وكماله وتمامه ثم يأخذ في النقصان حتى يعود الى حالته الاولى ليظهر من ذلك مواقيت العباد في معاشهم وعباداتهم ومناسكهم فتميزت به الاشهر والسنون وقام به حساب العالم مع ما في ذلك من الحكم والايات والعبر التي لا يحصى فيها الا الله. انتهى كلامه رحمه الله ولهذا كان صلى الله عليه وسلم اذا رأى الهلال كبر تعظيما لخالقه ومبدعه سبحانه وتعالى ثم دعا الله ان يجعل هذا الشهر الذي هلاله شهر يمن وايمان وسلامة واسلام وهي دعوة مباركة يحسن بالمسلم ان يدعو بها كل ما رأى الهلال عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا رأى الهلال قال الله اكبر اللهم اهله علينا بالامن والايمان والسلامة والاسلام والتوفيق لما تحب وترضى. رب بي وربك الله. رواه الدارمي وعن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان اذا رأى الهلال قال اللهم اهله علينا باليمن والايمان والسلامة والاسلام ربي وربك الله رواه الترمذي وتكبيره عليه الصلاة والسلام عند رؤية الهلال لانه اية عظيمة على عظمة الرب وكبريائه والتكبير تعظيم لله واعتقاد انه اكبر من كل شيء وانه لا شيء اكبر منه كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث عدي رضي الله عنه فهل من شيء اكبر من الله؟ رواه احمد بل ان التكبير مشروع عند رؤية كل كبير وعظيم ليبقى القلب ليس فيه اشتغال الا بتكبير الخالق وتعظيم المبدع له سبحانه قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله التكبير مشروع في المواضع الكبار لكثرة الجمع او لعظمة الفعل او لقوة الحال ونحو ذلك من الامور الكبيرة ليبين ان الله اكبر وتستولي كبرياؤه في القلوب على كبرياء تلك الامور الكبار فيكون الدين كله لله ويكون العباد له مكبرين. فيحصل لهم مقصودان. مقصود العبادة بتكبير قلوبهم لله ومقصود الاستعانة بانقياد سائر المطالب لكبريائه قوله اذا رأى الهلال الهلال هو غرة القمر لليلتين او لثلاث وفي غير ذلك يقال له قمر وقوله اهله علينا اي اطلعه علينا وارنا اياه وقوله بالامن والايمان الامن هو الطمأنينة والراحة والسكون والسلامة من الافات والشرور وفي حديث طلحة باليمن واليمن هو السعادة والايمان هو الاقرار والتصديق والخضوع لله وقوله والسلامة والاسلام السلامة هي الوقاية والنجاة من الافات والمصائب والاسلام هو الاستسلام لله والانقياد لشرعه وقوله ربي وربك الله فيه اثبات ان الناس والقمر وجميع المخلوقات كلها مربوبة لله مسخرة بامره خاضعة لحكمه وفي هذا رد على من عبدها من دون الله قال تعالى ومن اياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن ان كنتم اياه تعبدون الحاصل ان هذا دعاء من اوله الى اخره تعظيم لله وتمجيد وثناء عليه سبحانه ودعاء ان يكتب للناس في شهرهم الذي هلاله الامن والايمان والسلامة والاسلام والتوفيق لما يحب ويرضى وهي دعوة تقال في اول كل شهر ليست خاصة بشهر دون شهر ثم ان هذا الحديث فيه فوائد كثيرة اشير الى شيء منها فمن فوائد الحديث ان فيه بيانا للفرق بين الايمان والاسلام وانهما ليسا شيئا واحدا عندما يجتمعان في الذكر بل لكل واحد منهما معنى خاص فالايمان يراد به الاعتقادات الباطنة والاسلام يراد به الاعمال الظاهرة اما عند افراد كل واحد منهما بالذكر فانه يكون متناولا لمعنى الاخر ومن فوائد الحديث ان الامن مرتبط بالايمان والسلامة مرتبطة بالاسلام فالايمان طريق الامان والاسلام طريق السلامة ومن رام الامن والسلامة بغيرهما ضل والله تعالى يقول الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون ومن فوائد الحديث ان فيه لفتة كريمة الى ان اهم ما تشغل به الشهور وتمضى فيه الاوقات هو الايمان بالله وبما امر عباده بالايمان به والاستسلام له سبحانه في كل احكامه وجميع اوامره ومرور الشهور على العبد مع الانشغال عن هذا المقصد الجليل ضياع للشهور وحرمان من الخير فالشهور لم تخلق ولم توجد الا لتكون مستودعا للايمان والاعمال وهذا انما ينجلي امره للناس عندما يقفون يوم القيامة بين يدي الله ليروا نتاج اعمالهم وحصاد حياتهم وثمرة اوقاتهم قال ابن القيم رحمه الله السنة شجرة والشهور فروعها والايام اغصانها والساعات اوراقها والانفاس ثمارها فمن كانت انفاسه في طاعة فثمرة شجرته طيبة ومن كانت في معصية فثمرتها حنظل وانما يكون الجذاد يوم المعاد فعند الجذاد يتبين حلو الثمار من مرها. انتهى كلامه رحمه الله عمر الله اوقاتنا اجمعين بالامن والايمان والسلامة والاسلام والتوفيق لما يحبه ويرضاه. والى لقاء اخر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته