بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فالحديث عن الذكر المتعلق بالصيام عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا افطر قال ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الاجر ان شاء الله. رواه ابو داوود قوله ذهب الظمأ لان الصائم عند وقت الافطار يكون قد اشتد به العطش والحاجة للماء فاذا شرب ذهب ظمأه اي عطشه قوله وابتلت العروق اي بالماء الذي شربه فاذهب الظمأ وبل العروق قوله وثبت الاجر ان شاء الله. اي ان العمل الصالح قد تم. والاجر قد حصل وهذا ليس دعاء وانما هو اخبار. لان الجمل قبله كلها اخبار وقوله ان شاء الله اي ثبوت الاجر بان تقبله سبحانه فلا يكون جازما لنفسه بالقبول والله سبحانه هو المتفضل عليه بالاجر والثواب كما انه هو المتفضل عليه بالعمل الذي كان سببا في نيل الاجر والثواب فلله الفضل والمن اولا واخرا الدعاء ليلة القدر عن عائشة رضي الله عنها قالت قلت يا رسول الله ارأيت ان علمت اي ليلة ليلة القدر ما اقول فيها قال قولي اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عني. رواه الترمذي وابن ماجه ليلة القدر هي خير الليالي واشرفها واعظمها فظلها الله سبحانه وتعالى على سائر الليالي بما جعل فيها من بركة عظيمة وخير مضاعف فهي ليلة واحدة لكنها خير من الف شهر وبحساب السنوات يزيد على الثمانين سنة ولا شك ان هذا يدل على عظم شأن هذه الليلة ومكانتها العظيمة قال الله تعالى انا انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين فيها يفرق كل امر حكيم وقال تعالى انا انزلناه في ليلة القدر وما ادراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من الف شهر تنزل الملائكة والروح فيها باذن ربهم من كل امر سلام هي حتى مطلع الفجر بهذه الليلة المباركة كما اخبر الله سبحانه يكثر تنزل الملائكة لكثرة البركة التي جعلها الله سبحانه وتعالى في هذه الليلة لان نزول الملائكة مع تنزل البركة ووصف الله عز وجل هذه الليلة بانها سلام حتى مطلع الفجر اي انها خير كلها وسلام كلها ليس فيها شر الى طلوع الفجر وفي هذه الليلة كما اخبر الله سبحانه وتعالى يفرق كل امر حكيم ان يقدر ما يكون في تلك السنة الى ليلة القدر الاخرى وهذا يسمى التقدير السنوي وهو داخل في التقدير العام الذي هو ما كتبه الله في اللوح المحفوظ قبل خلق السموات والارض بخمسين الف سنة قال مجاهد رحمه الله ليلة القدر خير من الف شهر ليس في تلك الشهور ليلة القدر وكذا قال قتادة والشافعي وغير واحد ليلة هذا شأنها. ينبغي على عبد الله المؤمن ان يكون حريصا على طلبها وتحريها والاجتهاد فيها بالدعاء والا تمر كسائر الليالي بل يكون لها شأنا عظيما وقوة اقبال في النفس على تحريها ونبينا عليه الصلاة والسلام امرنا بتحري هذه الليلة في العشر الاواخر من رمضان فعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تحروا ليلة القدر في العشر الاواخر من رمضان متفق عليه ولهذا ينصح المسلم ان يتحرى هذه الليلة في كل ليلة من العشر حتى ليلة ثلاثين لا يفوت ليلة الا ويتحرى فيها ليلة القدر وتكون في الاوتار اوكد لكن تتحرى في العشر كلها. ويحرص المرء فيها على الاستكثار من الاعمال الصالحة وانواع القرب وكثرة الدعاء واللجوء الى الله سبحانه ومن انفع الدعاء في ليلة القدر هذا الدعاء الذي جاء في حديث عائشة رضي الله عنها انها سألت النبي صلى الله عليه وسلم قالت ان علمت اي ليلة ليلة القدر ما اقول وقولها رضي الله عنها ان علمت اي ليلة ليلة القدر ما اقول هذا يدل على انه متقرر عندهم ان الدعاء يتحرى في تلك الليلة ويرجى فيها القبول لكن كانت تسأل رضي الله عنها ماذا تتحرى من الدعاء اما تحري الدعاء من حيث هو فهو متقرر عندهم في هذه الليلة ولهذا ينبغي على المسلم ان يحرص على الاستكثار من الدعاء ويعتني خاصة بهذا الدعاء الذي عينه النبي عليه الصلاة والسلام وقول عائشة رضي الله عنها ما اقول فيها فيه تنبيه للمسلم في كل باب ان يتحرى السنة حتى يعرف ما يقول لان قولها ما اقول ارادت به معرفة الهدي والوقوف على السنة وكانت تستطيع ان تنشئ ادعية كثيرة حسنة لكنها لم تفعل وسألت ماذا تقول ومن الناس من يدعو بما يشاء حتى انك ترى في دعائه مخالفات ومن الناس من يذهب الى كتب تكلف انشائها بعض المتكلفين وتكون متظمنة لمخالفات شرعية تجدها بايدي بعض العوام يقرأونها فلنترك هذا ولنقل كما قالت عائشة رضي الله عنها ولننظر هدي النبي صلوات الله وسلامه عليه ولنحرص عليه في كل مقام قال قولي اللهم انك عفو تحب العفو فاعفو عني بدأ الدعاء بتوسلين عظيمين الى الله. الاول انه سبحانه عفو. ومن اسمائه الحسنى العفو والعفو الذي يعفو عن الذنوب ويغفر الخطايا ويتجاوز عن السيئات الثاني تحب العفو توسل الى الله سبحانه بانه يحب العفو ويحب العافين عن الناس جل في علاه واذا تأمل المسلم هذا الدعاء يجد انه مناسب لليلة القدر غاية المناسبة لانها الليلة التي يفرق فيها كل امر حكيم ويقدر فيها اعمال العباد لسنة كاملة حتى ليلة القدر الاخرى فاذا اكرم الله عبده ورزقه العافية وعفا عنه في ليلة القدر فقد افلح وفاز وسؤال الله عز وجل العفو هذا من اعلى المطالب واجلها ولهذا روى البخاري في الادب المفرد والترمذي في السنن عن العباس ابن عبد المطلب رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله علمني شيئا اسأله الله عز وجل قال سل الله العافية فمكثت اياما ثم جئت فقلت يا رسول الله علمني شيئا اسأله الله. فقال لي يا عباس يا عم رسول الله سلوا الله العافية في الدنيا والاخرة وروى البخاري في الادب والترمذي في السنن عن انس بن مالك رضي الله عنه قال اتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال رسول الله اي الدعاء افضل قال سل الله العفو والعافية في الدنيا والاخرة ثم اتاه الغد فقال يا نبي الله اي الدعاء افضل قال سل الله العفو والعافية في الدنيا والاخرة فاذا اعطيت العافية في الدنيا والاخرة فقد افلحت وروى البخاري في الادب المفرد عن اوسط ابن اسماعيل قال سمعت ابا بكر الصديق رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قام النبي صلى الله عليه وسلم عام اول مقام هذا ثم بكى ابو بكر ثم قال عليكم بالصدق فانه مع البر وهما في الجنة واياكم والكذب فانه مع الفجور وهما في النار وسلوا الله المعافى فانه لم يؤتى بعد اليقين خير من المعافاة ولا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله اخوانا ولهذا فان من الخير للمسلم ان يكثر من هذه الدعوة المباركة في كل وقت وحين ولا سيما في ليلة القدر التي فيها يفرق كل امر حكيم وليعلم المسلم ان الله عز وجل عفو كريم يحب العفو وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ولم يزل سبحانه ولا يزال بالعفو معروفا وبالصفح والغفران موصوفا وكل احد مضطر الى عفوه محتاج الى مغفرته لا غنى لاحد عن عفوه ومغفرته. كما انه لا غنى لاحد عن رحمته وكرمه وهذان اللفظان العفو والعافية هما من الالفاظ التي يقول عنها اهل العلم اذا اجتمعت افترقت واذا افترقت اجتمعت فاذا ذكر العفو وحده شمل معنى العافية واذا ذكرت العافية وحدها شملت معنى العفو واذا ذكرا معا اصبح العفو فيما يتعلق بالماضي والعافية فيما يتعلق بالمستقبل. فمثلا قول عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم ارأيت اذا علمت ليلة القدر اي ليلة هي ما اقول؟ قال قولي اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عني فاعف عني سؤال للعفو لكنه يشمل العافية لان العفو اذا ذكر وحده شمل معنى العافية فهو يشمل العفو لما مضى وايضا العفو فيما سيأتي بتجنيب المرء الشرور والاثام وربما ظم لها ثالث وهو المعافاة فيكون العفو لما مضى. والعافية لما سيأتي والمعافاة للانسان في حاله ووقته الحاضر قال ابن القيم رحمه الله وفي سنن النسائي من حديث ابي هريرة رضي الله عنه يرفعه سلوا الله العفو والعافية والمعافاة فما اوتي احد بعد يقين خيرا من معافاة وهذه الثلاثة تتضمن ازالة السرور الماضية بالعفو والحاضرة بالعافية والمستقبلة بالمعافاة فانها تتضمن المداومة والاستمرار على العافية. انتهى كلامه رحمه الله واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان ينفعنا بما علمنا وان يزيدنا علما وتوفيقا والى لقاء اخر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته