بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فلا يزال الحديث عن اذكار ركوب الدابة والسفر عن انس رضي الله عنه قال جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله اني اريد سفرا فزودني قال زودك الله التقوى. قال زدني قال وغفر ذنبك قال زدني بابي انت وامي. قال ويسر لك الخير حيثما كنت. رواه الترمذي هذه دعوات عظيمة يدعى بها للمسافر فهذا الرجل قال للرسول عليه الصلاة والسلام اريد سفرا فزودني اي اعطني زادا اتزود به في هذا السفر والسفر كما ان المرء يحتاج فيه الى زاد حسي من مال وطعام وشراب ومركوب ونحو ذلك فانه يحتاج فيه لزاد معنوي من ايمان وتقوى وطاعة لله عز وجل والزاد الثاني اعظم من الاول. كما قال الله تعالى يا بني ادم قد انزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم ولباس التقوى ذلك خير ذلك من ايات الله لعلهم يذكرون قوله زودك الله التقوى هذا فيه ان تقوى الله جل وعلا هي خير زاد يبلغ الى رضوان الله كما قال الله تعالى وتزودوا فان خير الزاد التقوى فالتقوى خير زاد يحمله المرء معه في اسفاره وخير امر يكون مع المرء في اقامته وحله وترحاله وجميع احواله وهي وصية الله للاولين والاخرين من خلقه قال الله تعالى ولقد وصينا الذين اوتوا الكتاب من قبلكم واياكم ان اتقوا الله وان تكفروا فان لله ما في السماوات وما في الارض وكان الله غنيا حميدا فهي خير وصية وهي خير زاد يرعاه المرء ويحافظ عليه وهذا كما انه دعاء ففيه لفت وتنبيه لمراعاة تقوى الله عز وجل في السفر ففي الترمذي وغيره ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اتق الله حيثما كنت قوله قال زدني اي من الزاد او من الدعاء قال وغفر ذنبك اي ستر ذنبك وكفر خطيئتك وتاب عليك وقوله ذنبك مفرد مضاف يفيد العموم اي جميع ذنوبك قوله زدني بابي انت وامي اي افديك بهما واجعلهما فداءك فضلا عن غيرهما قال ويسر لك الخير حيثما كنت. اي سهل لك الخير. ويسر لك طرق تحصيله وسبل نيله وهذا من اعظم ما يدعى به للمسافر تيسير الخير له حيثما كان في الطريق وفي صعوبات السفر ومشاقه ويتناول ايضا تيسير الرفقة الصالحة ولزوم الطاعة وتيسير المطعم والمشرب والسلامة من الاذى وغير ذلك فجمع له عليه الصلاة والسلام بين هذه الامور الثلاثة العظيمة التقوى والمغفرة والتيسير ثلاث دعوات عظيمة يشرع ان يدعى بها للمسافر وعن علي ابن ربيعة قال شهدت عليا رضي الله عنه واوتي بدابة ليركبها فلما وضع رجله في الركاب قال بسم الله فلما استوى على ظهرها قال الحمد لله ثم قال سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين. وانا الى ربنا لمنقلبون ثم قال الحمد لله ثلاث مرات ثم قال الله اكبر ثلاث مرات ثم قال سبحانك اني ظلمت نفسي فاغفر لي فانه لا يغفر الذنوب الا انت. ثم ظحك وقيل يا امير المؤمنين من اي شيء ضحكت قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل كما فعلت ثم ضحك فقلت يا رسول الله من اي شيء ضحكت قال ان ربك يعجب من عبده اذا قال اغفر لي ذنوبي يعلم انه لا يغفر الذنوب غيري. رواه ابو داوود والترمذي قوله شهدت عليا رضي الله عنه واوتي بدابة ليركبها اي جيء له بدابة ليركب عليها فلما وضع رجله في الركاب الركاب الغرز الذي توضع عليه الرجل ثم يطأ عليه الانسان وينهض ويركب على ظهر الدابة قال بسم الله فهذا يؤخذ منه ان الانسان عندما يضع قدمه في السيارة داخلا يسمي الله يقول بسم الله فلما استوى على ظهرها اي استقر على ظهر الدابة. وبالنسبة للسيارة او الطائرة اذا جلس على مقعدها قال الحمد لله يحمد الله عز وجل الذي من عليه بهذه النعمة ويسر له هذا المركوب الذي ينتقل عليه من مكان الى مكان ويقضي به مصالحه ثم قال سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقننين وانا الى ربنا لمنقلبون قال ذلك عملا بقوله تعالى لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم اذا استويتم عليه وتقول سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وانا الى ربنا لمنقلبون قوله سبحان الذي سخر لنا هذا تنزيه لله تبارك وتعالى الذي سخر لنا هذا ويسره وانعم علينا به ولولا انعام الله تبارك وتعالى وفضله لما تحقق لنا ذلك وما كنا له مقننين اي لولا تسخيره لنا ما سخر من الفلك والانعام ما كنا مطيقين لذلك ولا قادرين عليه ولكن من لطفه وكرمه تعالى سخرها وذللها ويسر اسبابها قوله وانا الى ربنا لمنقلبون اي راجعون الى الله فمآلنا الى الموت والرجوع الى الله تبارك وتعالى. قال تعالى ان الى ربك الرجعى فالمرجع الى الله واليه المنقلب والمآب والمصير وذكر الانقلاب والرجوع الى الله في هذا الموطن فيه تذكير للعبد بالموت وما بعده وان من يركب الناقة لا يأمن وهو راكب عليها ان تميل به فيسقط على الارض ويهلك قال القرطبي رحمه الله فكم من راكب دابة عثرت به او شمست او تقحمت او طاح من ظهرها فهلك وكم من راكبين في سفينة انكسرت بهم فغرقوا فلما كان الركوب مباشرة امر مخطور واتصالا باسباب من اسباب التلف امر الا ينسى عند اتصاله به يوما وانه هالك لا محالة. فمنقلب الى الله عز وجل غير منفلت من قضائه. ولا يدع ذكر ذلك بقلبه حتى يكون مستعدا للقاء الله باصلاحه من نفسه والحذر من ان يكون ركوبه ذلك من اسباب موته في علم الله وهو غافل عنه حكى سليمان ابن يسار ان قوما في سفر فكانوا اذا ركبوا قالوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقننين وكان فيهم رجل على ناقة له رازم وهي التي لا تتحرك هزالا فقال اما انا فاني لهذه لمقرن قال فقمصت به فدقت عنقه وروي ان اعرابيا ركب قعودا له وقال اني لمقرن له فركضت به القعود حتى صرعته فاندقت عنقه انتهى كلامه رحمه الله فماذا نقول بالنسبة للسيارات فالامر اشد فحوادث السيارات حصدت من الناس بالالاف فما يأمن من ركب السيارة وانطلقت به من اخطارها وفواجعها ولهذا اذا ركب المرء السيارة استحب له ان يتذكر الموت فتذكره يذكر بالاخرة وتذكر الاخرة يعين على العمل الصالح والطاعة والاستعداد ليوم المعاد وبعض الشباب اصلحهم الله وهداهم يعتمد على مهارته في قيادة السيارة ويرى انه مطيق لظبطها ثم ينطلق بها مغرورا متهورا فيلقى حتفه فيذكر هؤلاء يقال اذا اردت الركوب سم الله واحمده اذا استويت على المقعد ثم قل سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وانا الى ربنا لمنقلبون. واحذر الغرور او قوله ثم قال الحمدلله ثلاث مرات اي كرر الحمد ثلاث مرات شكرا لله على التسخير والانعام ثم قال الله اكبر ثلاث مرات لان من هديه عليه الصلاة والسلام كلما علا شرفا كبر فاذا على ظهرها يكبر وللتكبير في هذا الموطن اثر عظيم فهو طارد للغرور والعجب قوله سبحانك اني ظلمت نفسي فاغفر لي فانه لا يغفر الذنوب الا انت. هذا تنزيه لله عن كل ما لا يليق بجلاله وكمال واقرار بالظلم والتقصير والتفريط ثم بعد ذلك سؤال الله المغفرة ثم اقرار بانه لا يغفر الذنوب الا الله. كما قال تعالى ومن يغفر الذنوب الا الله ثم ضحك علي رضي الله عنه فقيل يا امير المؤمنين من اي شيء ضحكت قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل كما فعلت ثم ظحك فقلت يا رسول الله من اي شيء ضحكت قال ان ربك يعجب من عبده اذا قال اغفر لي ذنوبي يعلم انه لا يغفر الذنوب غيري فالله عز وجل يعجب من ذلك ويحب ذلك من عبده وهذا فيه رحمة الله عز وجل وفضله وعموم مغفرته وسعة احسانه وانه يحب المستغفرين ويحب التائبين ويحب المنيبين الطالبين الغفران لهذا جدير بالعبد ان يكثر من ذكره لظلم نفسه ويطلب من ربه الغفران وهذا يأتي كثيرا في دعوات الانبياء ففي دعاء ادم عليه السلام ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين وفي دعاء موسى عليه السلام قال ربياني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له انه هو الغفور الرحيم وفي دعاء يونس عليه السلام لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين وعلى العبد ان يركب دابته بتضامن وتواضع وتذلل واستشعار للنعمة وحمد وثناء مع الله وانابة واستغفار واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله انه سميع مجيب. والى لقاء اخر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته