بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فلا يزال الحديث عن اذكار ركوب الدابة والسفر عن ابن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا استوى على بعيره خارجا الى سفر كبر ثلاثا ثم قال سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وانا الى ربنا لمنقلبون اللهم انا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده اللهم انت الصاحب في السفر والخليفة في الاهل اللهم اني اعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والاهل واذا رجع قال هن وزاد فيهن ايبون تائبون عابدون لربنا حامدون. رواه مسلم هذا دعاء السفر وهو دعاء عظيم فيه معان جليلة وهدايات عظيمة ينبغي على المسافر ان يدعو به في كل سفر وان يستحضر معانيه العظيمة ويجاهد نفسه ببذل السبب لنيل ما دعا به قال كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا استوى على بعيره خارجا الى سفر كبر ثلاثا يفيد هذا ان هذا الدعاء يشرع للمسلم ان يقوله اذا استوى على ظهر مركوبه مسافرا سواء كان بعيرا او سيارة او طائرة او سفينة قوله ثم قال سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وانا الى ربنا لمنقلبون اي سبحان الذي سخر لنا هذا المركوب ودلله لنا وسهل ركوبه ولولا تسخيره لنا سبحانه ما كنا له مقرنين اي مطيقين قادرين وانا الى ربنا لمنقلبون اي صائرون وراجعون اليه بعد مماتنا. فيجازي كل نفس بما قدمت من خير او شر قوله اللهم انا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى هذا سؤال ان يكتب الله له في سفره هذا البر والتقوى والبر والتقوى كلمتان جامعتان للخير وهما اذا اجتمعتا في الذكر فالبر فعل الطاعات والتقوى ترك المعاصي واذا انفرد كل واحد منهما شمل معنى الاخر فاذا ذكر البر وحده شمل فعل الخيرات وترك المعاصي واذا ذكرت التقوى وحدها شملت فعل الخيرات وترك المعاصي واذا ذكرا معا كان البر لفعل الخيرات والتقوى لترك المعاصي فالمراد ان تكتب لنا في سفرنا فعل الحسنات والطاعات والتقرب اليك بانواع القربات وتجنبنا كذلك فعل المعاصي سوى الذنوب والاثام قوله ومن العمل ما ترضى اي وان توفقنا في هذا السفر الى العمل الذي يرضيك الذي تحب منا ان نفعله وترضى عنا اذا فعلناه قوله اللهم هون علينا سفرنا هذا اي اجعله سهلا هينا ليس فيه عسر ولا مشقة قوله واطو عنا بعده طي البعد هو تقريب المسافة وقطع الطريق البعيد بيسر وبدون مشقة اللهم انت الصاحب في السفر اي للمسافر والمراد بالصحبة هنا اي المعية الخاصة التي تقتضي المعونة والتيسير فهذه الصحبة تقتضي الرعاية والعناية والحفظ والتسديد والتأييد قوله والخليفة في الاهل اي تخلف المسافر في اهله بحفظك لهم ورعايتك لهم وتوفيقهم ومعافاتهم قوله اللهم اني اعوذ بك من وعثاء السفر اي ما قد يجده المسافر في سفره من الجهد والمشقة والمكابدة قوله وكآبة المنظر اي المنظر الكئيب الذي قد يواجه المرء في سفره والمراد الاستعاذة من كل منظر يعقب الكآبة عند النظر اليه قوله وسوء المنقلب في المال والاهل تعود بالله عز وجل من المنقلب السيء سواء كان في ما له او في اهله بان يكتب له في ما له واهله الحفظ والخير والوقاية من الشر والضر قوله واذا رجع من سفره قال هن اي قال هؤلاء الكلمات اي اذا استوى على ظهر الدابة قوله وزاد فيهن ايبون تائبون عابدون لربنا حامدون. وسيأتي الكلام على معناه ومثله حديث عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا قفل من غزو او حج او عمرة يكبر على كل شرف من الارض ثلاث تكبيرات ثم يقول لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ايبون تائبون عابدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده متفق عليه وفيه من الفقه استعمال حمد الله تعالى والاقرار بنعمته والخضوع له والثناء عليه عند القدوم من الحج والجهاد على ما وهب من تمام المناسك وما رزق من النصرة على العدو والرجوع الى الوطن سالمين وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال كنا اذا صعدنا كبرنا واذا نزلنا سبحنا رواه البخاري وروى ابو داوود عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم وجيوشه اذا علو الثنايا كبروا واذا هبطوا سبحوا فوضعت الصلاة على ذلك الثنايا ما ارتفع من الارض وعلى كما تقدم في الحديث السابق قوله والتكبير على كل شرف قوله واذا هبطوا سبحوا اي الاودية والاماكن المنخفضة قالوا سبحان الله اي ننزه الله ونقدس عن كل ما لا يليق قم به فهذا من اداب السفر اذا علا المسافر وارتفع كبر الله واذا هبط او نزل سبح الله حتى الان بالنسبة للطائرة اذا كانت في صعود وارتفاع كبر وعند النزول يسبح وكذلك في السيارة اذا صعد فيها الى اماكن مرتفعة يكبر واذا هبط يسبح الله تبارك وتعالى وفي التكبير في الصعود شغل للقلب واللسان بتعظيم الرب واعلان كبريائه وعظمته وفيه طرد للكبر والعجب والغرور وفي التسبيح في الهبوط تنزيه لله عن النقائص والعيوب وعن كل ما ينافي ويضاد كماله وجلاله وعن انس رضي الله عنه قال فلما اشرفنا على المدينة قال اي النبي صلى الله عليه وسلم ايبون تائبون عابدون لربنا حامدون فلم يزل يقول ذلك حتى دخل المدينة رواه البخاري ومسلم هذا الدعاء يشرع ان يقوله المسلم عند القفل وله موضعان الموضع الاول الموضع الاول عندما يكون القفول اي عندما يخرج من القرية او المدينة التي كان فيها راجعا الى بلده فعندما يخرج منها عائدا الى بلده يقول هذا الدعاء. وقد تقدم دليله والموضع الثاني عندما يقترب من بلده ويدنو منه كما في هذا الحديث قال كان اذا اشرف على المدينة اي اقبل عليها ورآها قال هذا الدعاء والسنة ان يكرر فلا يقال عندما يرى بلده مرة واحدة بل يكرره حتى يدخل بلدته. ولهذا قال في تمامه فلم يزل يقول ذلك حتى قدمنا المدينة قوله ايبون من الاوبة. والاوبة هي الرجوع الى الله تبارك وتعالى اب اي رجع الى الله بالاقبال عليه والقيام بطاعته وامتثال امره والبعد عن نواهيه تائبون اي من ذنوبنا وتقصيرنا واخلالنا وخطأنا عابدون اي لله تبارك وتعالى مخلصين له الدين قائمين بعبادته ممتثلين امره لربنا حامدون اي على نعمه التي لا تعد ولا تحصى. ومننه التي لا تستقصى ومنها سلامة الانسان في سفره وعافيته ووصوله الى بلده واقباله على دياره والسفر قطعة من العذاب فاذا انهى الانسان نهمته وحاجته من سفره وعاد الى بلده سالما غانما يحمد الله تبارك وتعالى فهذا الموطن من مواطن الحمد ولهذا قال حامدون اي حامدون لله تبارك وتعالى على نعمه ومننه التي لا تعد ولا تحصى ومن جملتها سلامة الرجوع والقفول والعودة الى الديار غانما سالما فهذه كلمات عظيمة مباركة يستحب للمسلم ان يقولها عند قفوله من القرية عائدا الى بلده وعندما يقبل على البلد ثم لا يزال يكررها ثم في قول هذه الكلمات وتكرارها توطيد للنفس على لزوم هذه الاشياء وان يدخل بلدته بعد قضاء نهمته وحاجته من سفره وهو ايب تائب عابد حامد لله هذه اعماله وهذا الذي اقبل على بلدته يحمله وجعله هما له ومقصودا فهذا التكرار فيه فائدة توطيد النفس على ان تحقق الاوبة والتوبة وان تحقق كمال العبادة وحسن الاقبال على الله تبارك وتعالى وان يكون العبد حامدا شاكرا لله عز وجل على نعمائه وجزيل عطائه واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير انه سميع مجيب والى لقاء اخر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته