بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فالحديث عما يدعى به لاهل الطعام وهو من باب قول النبي عليه الصلاة والسلام من صنع اليكم معروفا فكافئوه فان لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له فالدعاء لاهل الاحسان واهل المعروف عموما امر مطلوب ومن الاحسان تقديم الطعام للضيف او للزائر او للقريب او للصديق ومن ملاقاة هذا الجميل ان يدعى له وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب دعوات عظيمة عن المقداد رضي الله عنه قال اقبلت انا وصاحبان لي وقد ذهبت اسماعنا وابصارنا من الجهد فجعلنا نعرض انفسنا على اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس احد منهم يقبلنا فاتينا النبي صلى الله عليه وسلم وانطلق بنا الى اهله فاذا ثلاثة اعنز فقال النبي صلى الله عليه وسلم احتلبوا هذا اللبن بيننا قال فكنا نحتلب في شرب كل انسان منا نصيبه ونرفع للنبي صلى الله عليه وسلم نصيبه قال فيجيء من الليل فيسلم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان قال ثم يأتي المسجد فيصلي ثم يأتي شرابه في شرب فاتاني الشيطان ذات ليلة وقد شربت نصيبي فقال محمد يأتي الانصار فيتحفونه ويصيب عندهم ما به حاجة الى هذه الجرعة فاتيتها فشربتها فلما انغلت في بطني وعلمت انه ليس اليها سبيل قال ندمني الشيطان فقال ويحك ما صنعت اشربت شراب محمد صلى الله عليه وسلم فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك فتذهب دنياك واخرتك وعلي شملة اذا وضعتها على قدمي خرج رأسي. واذا وضعتها على رأسي خرج قدماي وجعل لا يجيئني النوم واما صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت قال فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فسلم كما كان يسلم ثم اتى المسجد فصلى ثم اتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئا فرفع رأسه الى السماء فقلت الان يدعو علي فاهلك فقال اللهم اطعم من اطعمني واسقي من اسقاني قال فعمدت الى الشملة فشددتها علي واخذت الشفرة فانطلقت الى الاعنز ايهن اسمن فاذبحها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا هي حافلة واذا هن حفل كلهن فعمدت الى اناء لال محمد صلى الله عليه وسلم ما كانوا يطمعون ان يحتربوا فيه قال فحلبت فيه حتى علته رغوة فجئت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اشربتم شرابكم الليلة قال قلت يا رسول الله اشرب فشرب ثم ناولني فقلت يا رسول الله اشرب فشرب ثم ناولني فلما عرفت ان النبي صلى الله عليه وسلم قد روي واصبت دعوته ضحكت حتى القيت الى الارظ قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم احدى سوءاتك يا مقداد فقلت يا رسول الله كان من امري كذا وكذا وفعلت كذا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما هذه الا رحمة من الله افلا كنت اذنتني فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها قال فقلت والذي بعثك بالحق ما ابالي اذا اصبتها واصبتها معك من اصابها من الناس رواه مسلم هذه قصة عجيبة جدير بان يتأملها المسلم قدم المقداد هو وصاحبان له الى المدينة وهما في غاية الجوع وشدة الحاجة الى الطعام وعرضوا انفسهم على اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ان يطعمهم احد فلم يقبلهم احد لانه لا يوجد عندهم شيء فاتوا النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق بهم الى اهله وعنده ثلاثة اعنز فقال لهم صلى الله عليه وسلم احتربوا هذا اللبن بيننا فكانوا كذلك يفعلون ويرفعون نصيب النبي صلى الله عليه وسلم. متى جاء شربه يقول المقداد فاتاني الشيطان ذات ليلة وقد شربت نصيبي فقال محمد يأتي الانصار فيتحفونه ويصيب عندهم اي طعاما ما به حاجة الى هذه الجرعة فاتيتها فشربتها فلما شرب نصيب النبي عليه الصلاة والسلام اتاه الشيطان وندمه وخوفه بان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجد شرابه فيدعو عليه فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فسلم ثم كشف عن شرابه فلم يجد فيه شيئا فرفع رأسه الى السماء وظن المقداد انه سيدعو عليه فيهلك فقال اللهم اطعم من اطعمني واسق من اسقاني وهذا هو الشاهد من الحديث الدعاء لاهل الطعام بهذه الدعوة العظيمة فلما سمع المقداد هذه الدعوة اراد ان يفوز بها وعزم على ان يذبح واحدة من هذه الاعنز ليقدمها طعاما للنبي صلى الله عليه وسلم فلما اتاها وجدها حافلة بالحليب فاخذ اناء كبيرا وحلب فيه حتى علته رغوة فجاء به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدمه له ليشرب فشرب ثم ناوله المقداد فلما عرف المقداد ان النبي صلى الله عليه وسلم قد روي واصابته دعوته قص على النبي صلى الله عليه وسلم خمره فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما هذه الا رحمة من الله افلا كنت اذنتني فنوقظ صاحبينا ويصيبان منها وهذا فيه لطف النبي عليه الصلاة والسلام وجميل اخلاقه وحسن معاملته وجميل صبره وفي هذه القصة معاني تربوية ايمانية عظيمة تظهر لمن تأملها الشاهد من الحديث هذه الدعوة العظيمة التي دعا بها النبي صلى الله عليه وسلم وموطنها اما قبل ان يؤتى بالطعام وقت حاجة اليه او شدة فيدعو بها لمن ييسر الله الطعام على يديه ومن اهل العلم من يرى انه يدعى بها بعد ان يقدم الطعام وعن عبدالله بن بسر رضي الله عنه قال نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابي قال فقربنا اليه طعاما ووطبة فاكل منها ثم اوتي بتمر فكان يأكله ويلقي النوى بين اصبعيه ويجمع السبابة والوسطى ثم اوتي بشراب فشربه ثم ناوله الذي عن يمينه قال فقال ابي واخذ بلجام دابته ادعوا الله لنا. فقال اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم رواه مسلم الشاهد من الحديث ان مما يدعى به لاهل الطعام ان يدعى لهم بالبركة فيما رزقهم الله من طعام وغذاء ومال ويدعى لهم بمغفرة الذنوب والرحمة قوله فقربنا اليه طعاما ووطبة فاكل منها الوطبة هي الحيس يجمع من التمر والاقط والسمن قوله ثم اوتي بتمر فكان يأكله ويلقي النوى بين اصبعيه ويجمع السبابة والوسطى اي يجعله على ظهر الاصبعين ثم يرمي به ففي رواية الامام احمد قال فكان يأكل التمر ويضع النوى على ظهر اصبعيه ثم يرمي به قوله ثم اوتي بشراب فشربه ثم ناوله الذي عن يمينه هذا من الاداب المأثورة عنه عليه الصلاة والسلام في تناول الطعام قوله اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم قد جمع في هذا الدعاء خيرات الدنيا والاخرة وهو يتناول من قدم الطعام ومن صنعه ومن قربه ومعلوم ان ضيافة ضيف واكرامه يتعاون فيها اهل البيت فيشملهم كلهم هذا الدعاء وخاصة المرأة التي جل الجهد عليها وعن انس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم جاء الى سعد بن عبادة رضي الله عنه فجاء بخبز وزيت فاكل ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم افطر عندكم الصائمون واكل طعامكم الابرار وصلت عليكم الملائكة. رواه ابو داوود قدم سعد رضي الله عنه للنبي عليه الصلاة والسلام هذا الطعام خبزا وزيتا. اي يغمس الخبز بالزيت فاكل النبي عليه الصلاة والسلام ثم قال افطر عندكما الصائمون واكل طعامكم الابرار وصلت عليكم الملائكة فهذا مما يدعى به لمن قدم طعاما يدعى لهم بهذا الدعاء ان يكون بيته ومجلسه الطعام الذي يقدمه من نصيب اهل الفضل من اهل الصيام والابرار والصالحين وان يمن الله عليه بصلاة الملائكة عليه. فهذه دعوات عظيمة يدعى بها لاهل الطعام او لمن قدم طعاما وليس مختصا بتفطير الصائم وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم اذا اكل عند قوم لم يخرج حتى يدعو لهم فدعا في منزل عبد الله بن بسر بقوله اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم كما تقدم ودعا في منزل سعد بقوله افطر عندكم الصائمون واكل طعامكم الابرار وصلت عليكم الملائكة وعموما فللطعام اداب عديدة وردت بها الاحاديث الصحاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ما هو واجب ومنها ما هو مستحب ويجدر بالمسلم ان يعتني بها عناية عظيمة ففيها البركة والعافية وخير الدنيا والاخرة وهي اداب متنوعة بها يكون الطعام اهنأ للعبد وانقى واطيب واكمل واسلم وهي من محاسن هذه الشريعة وكمالها ووفائها بجميع مصالح العباد يقوم المسلم بامتثالها تقربا الى الله سبحانه الذي يرظى عن عبده بذلك فيبارك له في طعامه ويثيبه على رعايته لهذه الاداب جزيل الثواب قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله ان كنتم اياه تعبدون وقال تعالى كلوا من رزق ربكم واشكروا له وقال تعالى وكلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين وقال تعالى كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه في حل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى وكم هو جميل بالمسلم ان يراعي في طعامه ادابه واذكاره ليكون ذلك ابرك له في طعامه واهنأ وامرا واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير انه سميع قريب مجيب. والى لقاء اخر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته