بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فالحديث عن كفارة المجلس الاصل في المجالس ان تحفظ وتصان من اللغط والكلام السيء والقول الباطل والهجر من القول وان يحرص المرء على عمارتها بالكلام المفيد والقول الطيب وعلى سلامتها من كل ما لا يليق وعليه في كل مجلس ان يتذكر ان مجالسه وكلماته مسطرة في صحائف اعماله وان الله سبحانه سوف يحاسبه على ما يقول ان خيرا فخير وان شرا فشر قال الله تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وقال تعالى ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد قال تعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم اعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما والقول السديد يؤثر في حياة المرء صلاحا في العمل وغفرانا للذنوب بخلاف القول السيء ولو ان قوما جلسوا مجلسا ذكروا فيه الايمان وطاعة الرحمن لقاموا منه برغبة في الطاعة وحرص على الخير ولو جلسوا مجلسا كثر فيه السوء والمأثم لنهضوا منه بعزيمة على الذي كان حديث مجلسهم لان الشر لا يولد خيرا ولا يجنى من الشوك العنب والمسلم مطلوب منه في مجالسه ان يتحرز فيها من اللغط لكن العبد مهما اجتهد في ذلك فلا بد ان يبدر منه التقصير ولو لم يكن في ذلك الا انه فوت على نفسه في مجلسه هذا شيئا من الخير لما اشتغل بالمباح عن المستحب فكيف اذا كان كثير من المجالس لا تخلو من اللغط فشرع للمسلم كلمات تكون كفارة لما كان في مجلسه ذلك عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل ان يقوم من مجلسه ذلك سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك الا غفر له ما كان في مجلسه ذلك. رواه الترمذي وينبغي ان يعلم هنا ان ما يقع في مجالس الناس من خطأ وذنب بسبب افات اللسان على قسمين الاول الكبائر مثل الغيبة والنميمة والسخرية واللعن والشتم والوقيعة في الاعراب فلا يقول القائل ان هذا الحديث يدل على ان الانسان يجلس في مجلسه ويغتاب من اراد وينم ويهزأ ويسخر ويقول الحرام والاثم ثم يقول اختم مجلسي بهذا التسبيح ويغفر ما كان فالكبائر لابد فيها من توبة واذا كانت اثارها متعدية فلابد من محو ذلك الاثر فاذا كان مثلا نم فاوقع عداوة بين اثنين او اغتاب فشحن الصدور على احد المسلمين فلا يكفي في ذلك ان يقول اتي بهذا الذكر في خاتمة المجلس ويكون كفارة لما كان فيه الكبائر لابد فيها من توبة الى الله تعالى من تلك الذنوب الثاني صغار الذنوب واللمم. مما لا يتعدى باثره على الغير فهذا يكفره هذا الذكر عند القيام من المجلس والحاصل ان العبد يجب عليه ان يصون مجالسه من المعاصي والاثام وان يحرص على ختمها بهذا الذكر المبارك العظيم المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله فقال قبل ان يقوم من مجلسه ذلك يدل على اهمية الحرص على ان يقولها في المجلس نفسه قبل ان يقوم منه حيث تكون خاتمة المجلس ولا يختص هذا الذكر بختم المجلس الذي كثر فيه اللغط بل يتناول كذلك كل مجلس حتى مجالس الذكر لما صح من حديث جبير ابن مطعم رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال سبحان الله وبحمده سبحانك اللهم وبحمدك لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك فقالها في مجلس ذكر كانت كالطابع يطبع عليه ومن قالها في مجلس لغو كانت كفارته. رواه النسائي وعن عائشة رضي الله عنها قالت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا جلس مجلسا او صلى تكلم بكلمات فسألته عائشة عن الكلمات فقال ان تكلم بخير كان طابعا عليهن الى يوم القيامة وان تكلم بغير ذلك كان كفارة له. سبحانك اللهم وبحمدك استغفرك واتوب اليك. رواه النسائي قوله سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت جمع ثلاث كلمات من الكلمات الاربع التي احب الكلام الى الله الله تسبيحا والتحميد والتهليل ثم اتبع ذلك بالاستغفار. استغفرك واتوب اليك اي اطلب منك يا الله ان تغفر لي وتتوب علي قوله الا غفر له ما كان في مجلسه ذلك اي من الصغائر اما الكبائر فقد دلت عموم النصوص انه لابد فيها من توبة قال الله تعالى ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما وقال صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس والجمعة الى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر ومعلوم ان الصلوات الخمس اعظم من قول سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك بل جميع هذه الكلمات موجودة في الصلاة. التسبيح والتكبير والتهليل والاستغفار ومع هذا قال صلى الله عليه وسلم ما لم تغشى الكبائر واذا كان المجلس فيه كلام في اعراض المسلمين غيبة ونميمة وسخرية ونحو ذلك فهذه حقوق للعباد لا يكفي هذا الذكر ان يقوله المرء ويظن بذلك ان هذه الحقوق سقطت فهي لا تسقط الا بالعفو والمسامحة منهم هذا وقد استنبط بعض اهل العلم الدليل على هذه الكفارة التي تستحب في نهاية المجلس من قول الله سبحانه في اخر سورة الطور وسبح بحمد ربك حين تقوم قال ابن عبدالبر رحمه الله وروي عن جماعة من اهل العلم بتأويل القرآن في قول الله عز وجل وسبح بحمد ربك حين اتقوم منهم مجاهد وابو الاحوص ويحيى ابن جعدة قالوا حين تقوم من كل مجلس تقول سبحانك اللهم وبحمدك استغفرك واتوب اليك قالوا ومن قالها غفر له ما كان منه في المجلس وقال عطاء ان كنت احسنت ازددت احسانا وان كان غير ذلك كان كفارة لك وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه الا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة. رواه ابو داوود الاصل في المجالس ان يكون فيها نصيب من ذكر الله ولهذا جاء في هذا الحديث ان من قاموا من مجلس لم يذكروا اسم الله فيه الا كان ندامة عليهم يوم القيامة قوله الا قاموا عن مثل جيفة حمار من المعلوم ان الذين يقومون عن مجلس فيه جيفة حمار لا يحصلون في مجلسهم ذلك الا الروائح الكريهة والمنظر القبيح ولا يقومون الا بندامة من جلوسهم في ذلك المجلس. اذتهم تلك الرائحة واذاهم ذلك المنظر وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لاصحابه اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصيبات الدنيا ومتعنا باسماعنا وابصارنا وقوتنا ما احييتنا واجعل الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا اجعل الدنيا اكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا رواه الترمذي هذه دعوات عظيمات جمعت خيري الدنيا والاخرة كان النبي عليه الصلاة والسلام يختم بها مجالسه قوله اللهم اقسم لنا من خشيتك اي من علينا بخشية منك تكون حاجزا وحائلا بيننا وبين فعل عاصي قوله ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك. فيه ان الجنة لا يبلغها العبد الا بطاعة الله قوله ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا اي اجعل في قلوبنا يقينا بك واذا وجد في العبد هذا اليقين هانت عليه المصيبة واذا عدم او ضعف في العبد اليقين عظمت مصيبته قوله اللهم متعنا باسماعنا وابصارنا وقوتنا ما حييتنا اي بحيث يبقى له سمعه ويبقى له بصره وتبقى له قوته والى ان يتوفاه الله ومن التمتيع بالسمع ان يحافظ المرء على سمعه فلا يسمع الا ما احله الله ومن التمتيع بالبصر الا يستعمله الا بما احله الله ومن التمتيع بالقوة الا يستعملها الا في طاعة الله قوله واجعله الوارث منا اي ان تبقى هذه الاشياء السمع والبصر والقوة صحيحة الى ان يموت العبد قوله واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا اي اثأر لنا ممن ظلمنا وانصرنا على الاعداء قوله ولا تجعل مصيبتنا في ديننا لان المصيبة في الدين اعظم المصائب قوله ولا تجعل الدنيا اكبر همنا اي لا تجعل الدنيا اكبر هم لنا ولا بأس ان يهتم المرء بطلب الرزق والمعاش له ولاولاده. لكن دون ان يكون ذلك اكبر همه قوله ولا مبلغ علمنا اي فلا تكون الدنيا هي مبلغ علم العبد وانما مبلغ علمه وموطن عظيم عنايته العلم بالله وباسمائه وصفاته ودينه وشرعه وما يقرب اليه تبارك وتعالى قول ولا تسلط علينا من لا يرحمنا اي من الخصوم والاعداء واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير انه سميع مجيب والى لقاء اخر والسلام عليكم ورحمة والله وبركاته