بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد روى الامام مسلم في صحيحه عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يقول اللهم اني اسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى هذا دعاء عظيم جامع اشتمل على اربعة مطالب عظيمة وهي الهداية والتقوى والعفاف والغنى ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم بها مجتمعة يدل على شرفها وعظيم اهمية الالتجاء الى الله عز وجل بسؤاله هذه المطالب في سائر الاحوال قال النووي رحمه الله ومما يستحب الدعاء به في كل موطن اللهم اني اسألك العفو والعافية اللهم اني اسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى والله اعلم والهداية تتناول الهداية الى كل مصالح العبد من امر دينه ودنياه والتقى يتناول البعد عن كل ما يسخط الله من الشرك والمعاصي والاخلاق الذميمة والعفاف وفي رواية العفة هو التنزه والبعد عن كل ما لا يحل ولا يباح والغنى غنى النفس وقناعتها بما قسم الله سبحانه فجمع هذا الحديث خير الدنيا والاخرة فمن رزقه الله الهدى والتقى والعفاف والغنى نال السعادتين سعادتي الدنيا وسعادة الاخرة قال الطيبي رحمه الله اطلق الهدى والتقى ليتناول كل ما ينبغي ان يهتدى اليه من امر المعاصي عادي ومكارم الاخلاق وكلما يجب ان يتقى منه من الشرك والمعاصي ورذائل الاخلاق وطلب العفاف والغنى تخصيص بعد تعميم وقال النووي رحمه الله اما العفاف والعفة او التنزه عما لا يباح والكف عنه والغنى هنا غنى النفس والاستغناء عن الناس وعما في ايديهم وفي شرح لطيف لهذا الحديث يقول الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله هذا الدعاء من اجمع الادعية وانفعها وهو يتضمن سؤال خير الدين وخير الدنيا فان الهدى هو العلم النافع والتقى العمل الصالح وترك ما نهى الله ورسوله عنه وبذلك يصلح الدين فان الدين علوم نافعة ومعارف صادقة فهي الهدى وقيام بطاعة الله ورسوله فهو التقى والعفاف والغنى يتضمن العفاف عن الخلق وعدم تعليق القلب بهم والغنى بالله وبرزقه والقناعة بما فيه وحصول ما يطمئن به القلب من الكفاية وبذلك تتم سعادة الحياة الدنيا والراحة القلبية وهي الحياة الطيبة فمن رزق الهدى والتقى والعفاف والغنى نال السعادتين وحصل كل مطلوب ونجا من كل مرهوب وقال رحمه الله ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اني اسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى فجمع الخير كله في هذا الدعاء فالهدى هو العلم النافع والتقى هو العمل الصالح وترك المحرمات كلها هذا صلاح الدين وتمام ذلك بصلاح القلب وطمأنينته بالعفاف عن الخلق والغنى بالله ومن كان غنيا بالله فهو الغني حقا. وان قلت حواصله فليس الغنى عن كثرة العرض. انما الغنى غنى القلب وبالعفاف والغنى يتم للعبد الحياة الطيبة والنعيم الدنيوي والقناعة بما اتاه وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله عز وجل بهذا الدعاء اللهم اني اسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى الهدى هنا بمعنى العلم والنبي صلى الله عليه وسلم محتاج الى العلم كغيره من الناس لان الله سبحانه قال له ولا تعجل بالقرآن من قبل ان يقضى اليك وحيه وقل رب زدني علما وقال الله له وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما فهو عليه الصلاة والسلام محتاج الى العلم فيسأل الله الهدى والهدى اذا ذكر وحده يشمل العلم والتوفيق للحق اما اذا قرن معه ما يدل على التوفيق للحق فانه يفسر بمعنى العلم لان الاصل في اللغة العربية ان العطف يقتضي المغايرة ويكون الهدى له معنى وما بعده مما يدل على التوفيق له معنى اخر واما قوله والتقى فالمراد بالتقوى تقوى الله عز وجل فسأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه التقى اي ان يوفقه الى تقوى الله لان الله هو الذي بيده مقاليد كل شيء فاذا وكل العبد الى نفسه ضاع ولم يحصل على شيء فاذا وفقه الله عز وجل ورزقه التقى صار مستقيما على تقوى الله واما قوله العفاف فالمراد به ان يمن الله عليه بالعفاف والعفة عن كل ما حرم الله عليه فيكون عطفه على التقوى من باب عطف الخاص على العام ان خصصنا العفاف بالعفاف عن شيء معين والا فهو من باب عطف المترادفين. فالعفاف ان يعف عن كل ما حرم الله عليه فيما يتعلق بجميع المحارم التي حرمها الله عز وجل واما الغنى فالمراد به الغنى عما سوى الله اي الغنى عن الخلق بحيث لا يفتقر الانسان الى احد سوى ربه عز وجل والانسان اذا وفقه الله ومن عليه بالاستغناء عن الخلق صار عزيز النفس غير دليل لان الحاجة الى الخلق ذل ومهانة والحاجة الى الله عز وجل عز وعبادة فهو يسأل الله عليه الصلاة والسلام الغنى فينبغي لنا ان نقتدي بالرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الدعاء وان نسأل الله الهدى والتقى والعفاف والغنى وفي هذا دليل على ان النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا. وان الذي يملك ذلك هو الله وفيه دليل على ابطال من تعلق بالاولياء والصالحين في جلب المنافع ودفع المضار كما يفعل ذلك بعض الجهال لان هؤلاء المدعوين هم بانفسهم لا يملكون لانفسهم شيئا قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم قل لا اقول لكم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب ولا اقول لكم اني ملك وقال له قل لا املك لنفسي نفعا ولا ضرا الا ما شاء الله وقال له قل اني لا املك لكم ضرا ولا رشدا قل اني لن يجيرني من الله احد ولن اجد من دونه ملتحدا فالانسان يجب ان يعلم ان البشر مهما اوتوا من الوجاهة عند الله عز وجل ومن المنزلة والمرتبة عند الله فانهم ليسوا بمستحقين ان يدعوا من دون الله بل انهم يتبرأون تبرأ تاما ممن يدعوهم من دون الله عز وجل قال عيسى عليه الصلاة والسلام لما قال الله له اانت قلت للناس اتخذوني وامي الهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي ان اقول ما ليس لي بحق ليس من حق عيسى ولا غيره ان يقول للناس اتخذوني الها من دون الله ان كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك انك انت علام الغيوب. ما قلت لهم الا ما امرتني به ان الله ربي وربكم انتهى كلامه رحمه الله الامر كله لله وطوع تدبيره هو المعطي المانع فالهدى والتقى وتوابعها كلها من صفة العطاء والاضلال والعذاب وتوابعها كلها من صفة المنع وهو سبحانه يصرف خلقه بين عطائه ومنعه. وذلك كله صادر عن حكمة بالغة وملك تام وحمد تام. فلا اله الا الله ولا رب سواه والهدى اول هذه المطالب الاربعة وهو اجلها واعظمها واجمعها للخير قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ولهذا كان انفع الدعاء واعظمه واحكمه دعاء الفاتحة. اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين فانه اذا هداه هذا الصراط اعانه على طاعته وترك معصيته فلم يصبه شر لا في الدنيا ولا في الاخرة لكن الذنوب هي من لوازم نفس الانسان وهو محتاج الى الهدى في كل لحظة وهو الى الهدى احوج منه الى الاكل والشرب ليس كما يقوله طائفة من المفسرين انه قد هداه فلماذا يسأل الهدى وان المراد بسؤال الهدى الثبات او مزيد الهداية بل العبد محتاج الى ان يعلمه ربه ما يفعله من تفاصيل احواله والى ما يتولد من تفاصيل الامور في كل يوم والى ان يلهم ان يعمل ذلك فانه لا يكفي مجرد علم ان لم يجعله الله مريدا للعمل بعلمه والا كان العلم حجة عليه ولم يكن مهتديا والعبد محتاج الى ان يجعله الله قادرا على العمل بتلك الارادة الصالحة فانه لا يكون مهتديا الى الصراط المستقيم صراط الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء الاعداء والصالحين الا بهذه العلوم والارادات والقدرة على ذلك ويدخل في ذلك من انواع الحاجات ما لا يمكن احصاؤه ولهذا كان الناس مأمورين بهذا الدعاء في كل صلاة لفرط حاجتهم اليه فليسوا الى شيء احوج منهم الى هذا الدعاء وانما يعرف بعض قدر هذا الدعاء من اعتبر احوال نفسه ونفوس الانس والجن المأمورين بهذا الدعاء ورأى ما في النفوس من الجهل والظلم الذي يقتضي شقائها في الدنيا والاخرة في علم ان الله بفضله ورحمته جعل هذا الدعاء من اعظم الاسباب المقتضية للخير المانعة من الشر واما التقوى فهي اعظم الوصايا والقرآن من اوله الى اخره يأمر بالتقوى ويحض عليها حتى لم يذكر في القرآن شيء اكثر منها وهي وصية الله للاولين والاخرين من خلقه لم تزل منذ اوجد العالم كما قال تعالى ولقد وصينا الذين اوتوا الكتاب من قبلكم واياكم ان اتقوا الله وهي اول دعوة الانبياء وشعار الاولياء واهلها اصحاب العاقبة الحميدة اهل مقعد الصدق عند مليك مقتدر وهي خير ما يستفيده العبد في هذه الحياة روى ابو نعيم في حلية الاولياء عن محمد ابن يزيد الرحابي قال قيل لابي الدرداء رضي الله عنه ما لك لا تشعر اي لا تقولوا الشعر فانه ليس رجل له بيت من الانصار الا وقد قال شعرا قال وانا قد كنت فاسمعوا يريد المرء ان يعطى مناه ويأبى الله الا ما اراد يقول المرء فائدتي ومالي وتقوى الله افضل ما استفاد وما من خير عاجل ولا اجل الا والتقوى سبيل موصل اليه وما من شر عاجل ولا اجل ظاهر ولا باطن الا والتقوى حرز حصين للسلامة منه والنجاة من برة ده وليست تقوى الله مجرد ترك السيئات بل التقوى كما فسرها الاولون والاخرون فعل ما امرت به وترك ما نهيت عنه كما قال طلق بن حبيب رحمه الله لما وقعت الفتنة قال اتقوها بالتقوى قالوا وما التقوى؟ قال ان تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وان تترك معصية الله على نور من الله تخاف عذاب الله وقد قال الله تعالى في اكبر سورة في القرآن الف لام ميم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون الى اخرها فوصف المتقين بفعل المأمور به من الايمان والعمل الصالح من اقامة الصلاة وايتاء الزكاة وقال تعالى يا ايها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون وقال تعالى ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من امن بالله واليوم الاخر والملائكة والكتاب والنبيين واتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب واقام الصلاة واتى الزكاة والموفون بعهدهم اذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس اولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون واما العفاف والغنى وكثيرا ما يقرن بينهما لما بينهما من تلازم فان المتعفف عن السؤال حتى يحسبه الجاهل غنيا من التعفف يغنيه الله فيجعله غنيا اي بالقلب فليس الغنى عن كثرة العرب وانما الغنى غنى النفس. قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين العفة والغنى في عدة احاديث منها قوله في حديث ابي سعيد المخرج في الصحيحين من يستغني يغنه الله. ومن يستعفف يعفه الله ومنها قوله في حديث عياض المجاشع في صحيح مسلم اهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مقسط متصدق موفق ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم وعفيف متعفف ذو عيال ومنها قوله في حديث الخيل الذي في الصحيح ورجل ارتبطها تغنيا وتعففا ولم ينسى حق الله في رقابها وظهورها فهي له ستر ومنها ما روي عنه من طلب المال استغناء عن الناس واستعفافا عن المسألة لقي الله ووجهه قمري ليلة البدر ومنها قوله في حديث عمر وغيره ما اتاك من هذا المال وانت غير سائل ولا مشرف فخذه فالسائل بلسانه وهو ضد المتعفف والمشرف بقلبه وهو ضد الغني قال في حق الفقراء يحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف اي عن السؤال للناس وقال ليس الغنى عن كثرة العرب وانما الغنى غنى النفس فغني النفس الذي لا يستشرف الى المخلوق فان الحر عبد ما طمع والعبد حر ما قنع وقد قيل اطعت مطامعي فاستعبدتني فكره ان يتبع نفسه ما استشرفت له لئلا يبقى في القلب فقر وطمع الى المخلوق فانه خلاف التوكل المأمور به وخلاف غنى النفس هذا واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين انه سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته