بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد روى البخاري ومسلم عن ابي موسى الاشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يدعو اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي واسرافي في امري وما انت اعلم به مني اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي اللهم اغفر لي ما قدمت وما اخرت وما اسررت وما اعلنت وما انت اعلم به مني انت المقدم وانت المؤخر وانت على كل شيء قدير هذا الدعاء من اجمع الادعية في الاستغفار لانه دعاء بالفاظ التعميم والشمول مع البسط والتفصيل بذكر كل معنى بصريح لفظه دون الاكتفاء بدلالة اللفظ الاخر عليه ليأتي هذا الاستغفار على ذنوب العبد كلها. المتقدم منها والمتأخر والظاهر والمعلن ما علمه العبد من ذنوبه وما لم يعلمه ومعلوم انه لو قيل اغفر لي كل ما صنعت كان اوجز ولكن الفاظ الحديث في مقام الدعاء والتضرع واظهار العبودية والافتقار واستحضار الانواع التي يتوب العبد منها تفصيلا احسن وابلغ من الايجاز والاختصار قال الاوزاعي رحمه الله كان يقال افضل الدعاء الالحاح على الله والتضرع. رواه البيهقي وهذا الدعاء والاستغفار من النبي صلى الله عليه وسلم هو على سبيل الافتقار والعبودية لربه عز وجل والتعليم لامته وان احدا من العباد لا يكون في غنى عن ربه وعن عفوه ورحمته ومغفرته بل حاجة العباد الى مغفرته ورحمته وعفوه كحاجتهم الى حفظه وكلاءته ورزقه فان لم يحفظهم هلكوا وان لم يرزقهم هلكوا وان لم يغفر لهم ويرحمهم هلكوا وخسروا ولهذا قال ابوهم ادم وامهم حواء عليهما السلام ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا انا لنكونن من الخاسرين وهذا شأن ولدهما من بعدهما قال ابن القيم رحمه الله والدعاء عبودية لله وافتقار اليه وتذلل بين يديه فكلما كثره العبد وطوله واعاده وابداه ونوع جمله كان ذلك ابلغ في عبوديته واظهار فقره وتذلله وحاجته وكان ذلك اقرب له من ربه واعظم لثوابه وهذا بخلاف المخلوق فانك كلما كثرت سؤاله وكررت حوائجك اليه ابرمته وثقلت عليه وهنت عليه وكلما تركت سؤاله كان اعظم عنده واحب اليه والله سبحانه كلما سألته كنت اقرب اليه واحب اليه وكلما الححت عليه في الدعاء احبك ومن لم يسأل الله يغضب عليه فالله يغضب ان تركت سؤاله وبني ادم حين يسأل يغضب ثمان هذا التعميم في هذا الاستغفار وهذا الشمول لتأتي التوبة متناولة لجميع ذنوب العبد ولا ريب ان هذا من النصح في التوبة المأمور به في قول الله تعالى يا ايها الذين امنوا توبوا الى الله توبة نصوحا عسى ربكم ان يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الانهار وقد بين ابن القيم رحمه الله ان النصح في التوبة يتضمن ثلاثة اشياء الاول تعميم جميع الذنوب واستغراقها بها. بحيث لا تدع ذنبا الا تناولته والثاني اجماع العزم والصدق بكليته عليها بحيث لا يبقى عنده تردد ولا تلوم ولا انتظار بل يجمع عليها كل ارادته وعزيمته مبادرا بها الثالث تخليصها من الشوائب والعلل القادحة في اخلاصها ووقوعها لمحض الخوف من الله وخشيته والرغبة فيما لديه والرهبة مما عنده لا كمن يتوب لحفظ جاهه وحرمته ومنصبه ورياسته ولحفظ حاله او لحفظ قوته وماله او استدعاء حمد الناس او الهرب من ذمهم او لئلا يتسلط عليه السفهاء او لقضاء نهمته من الدنيا او لافلاسه وعجزه ونحو ذلك من العلل التي تقدح في صحتها وخلوصها لله عز وجل فالاول يتعلق بما يتوب منه والثالث يتعلق بمن يتوب اليه والاوسط يتعلق بذات التائب ونفسه وبهذه الامور الثلاثة يكون العبد قد اتى باكمل ما يكون من التوبة والتوفيق بيد الله وحده قوله اللهم اغفر لي خطيئتي الخطيئة الذنب اي ما وقعت فيه من ذنب وتقصير في حقك وجهلي اي ما وقع مني من خطيئة بسبب الجهل وهو ضد العلم واسرافي في امري. الاسراف الافراط في كل شيء ومجاوزة الحد فيه اي تجاوزي عن حدي في امري اي في اموري كلها وما انت اعلم به مني اي تعلمه ولا اعلمه من المعاصي والسيئات والتقصيرات في الطاعة ففيه ان عند العبد ذنوب لا يعلمها ولا يذكرها يعلمها رب العالمين قوله اللهم اغفر لي جدي وهزلي الهزل ضد الجد وخطأ الانسان اما ان يكون عن جد او يكون عن هزل وهو المزاح اي ما وقع مني في الحالين قوله خطأي وعمدي اي ما وقعت فيه من الذنوب عن خطأ اي عن غير عمد وقصد وما وقعت فيه من الذنوب عن عمد اي عن تقصد فاغفر لي ذلك قوله وكل ذلك عندي اي جميع ما ذكر من الذنوب والعيوب عندي. اي موجود في وانا متصف بجميع هذه الاشياء فاغفرها لي وهذا الاعتراف المتنوع باصناف الذنوب الخطأ والعمد والاسراف والجهل الى اخره هذا بوابة التوبة وحسن الاقبال على الله ان يقر العبد بشدة تقصيره وتنوع خطاياه وتفريطه في جنب الله تبارك وتعالى قوله اللهم اغفر لي ما قدمت اي من الذنوب والاعمال السيئة او من التقصير في العمل قبل هذا الوقت وما اخرت اي وما يقع مني بعد ذلك على الفرض والتقدير وعبر عنه بالماضي لان المتوقع كالمتحقق قوله وما اسررت اي اخفيت. وما اعلنت اي اظهرت وما انت اعلم به مني يحتمل وجهين احدهما ما قد نسيته من الزلل والثاني ما هو خطأ عندك وانا لا اعلم انه خطأ انت المقدم وانت المؤخر انت المقدم الامر بيدك من شئت قدمته ورفعته الى عالي الدرجات ورفيع الرتب ومن شئت اخرته وهذا المعنى هو كقول الله عز وجل ومن يضلل الله فما له من هاد ومن يهد الله فما له من مضل وكقوله سبحانه افمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فان الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ان الله عليم بما يصنعون ومن هداه الله فهو المقدم ومن اضله فهو المؤخر. والامر بيده عز وجل وقد اوتي بهذين الاسمين هنا في هذا المقام توسلا الى الله عز وجل بهما ليقيل العبد من عثراته التي تؤخره وطلبا للرفعة بفعل الطاعات والعبادات والبعد عن الذنوب التي يحصل بها تقدم وهذا كله بيد الله تبارك وتعالى قوله وانت على كل شيء قدير اي فما شئت كان وما لم تشأ لم يكن ولا حول ولا قوة الا بالله وفي هذا المعنى يقول الامام الشافعي رحمه الله في ابيات الله ما شئت كان وان لم اشأ وما شئت ان لم تشأ لم يكن خلقت العباد على ما علمت ففي العلم يجري الفتى والمسن على ذا مننت هذا خذلت وذاك اعنت وذا لم تعن امنهم شقي ومنهم سعيد ومنهم قبيح ومنهم حسن الحاصل ان هذه الدعوة العظيمة المباركة التي هي في مقام الاستغفار فيها تنبيه للمسلم ان مقام الاستغفار من الذنوب يحتاج من العبد ان يلحظ انواع الذنوب التي عنده السر والعلن الخطأ والعمد الاسراف الى اخر ذلك يلحظ انواع الذنوب التي عنده ويتوجه الى الله عز وجل هذا التوجه العظيم المبارك يسأله سبحانه وتعالى ان يغفر له هذه الذنوب كلها وقد امر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستغفار في اية عديدة قال الله تعالى فاعلم انه لا اله الا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات وقال تعالى فاصبر ان وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والابكار وقال تعالى فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله فان العباد لابد لهم من الاستغفار اولهم واخرهم قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح يا ايها الناس توبوا الى ربكم فوالذي نفسي بيده اني لاستغفر الله واتوب اليه في اليوم اكثر من سبعين مرة وقال صلى الله عليه وسلم انه ليغان على قلبي واني لاستغفر الله واتوب اليه في اليوم مئة مرة وكان يقول صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي واسرافي في امري وما انت اعلم به من اللهم اغفر لي خطئي وعمدي وهزلي وجدي وكل ذلك عندي. اللهم اغفر لي ما قدمت وما اخرت وما اسررت وما اعلنت وما انت اعلم به مني انت المقدم وانت المؤخر وقد ذكر عن ادم ابي البشر انه استغفر ربه وتاب اليه فاجتباه ربه فتاب عليه وهداه وعن ابليس ابي الجن انه اصر متعلقا بالقدر فلعنه واقصاه فمن اذنب وتاب وندم فقد اشبه اباه ومن اشبه اباه فما ظلم وقال ابن القيم رحمه الله وحقيقة الامر ان العبد فقير الى الله من كل وجه وبكل اعتبار فهو فقير اليه من جهة ربوبيته له واحسانه اليه وقيامه بمصالحه وتدبيره له وفقير اليه من جهة الهيته وكونه معبوده والهه ومحبوبه الاعظم الذي لا صلاح له ولا فلاح ولا نعيم ولا سرور الا بان يكون احب شيء اليه فيكون احب اليه من نفسه واهله وماله وولده ووالده ومن الخلق كلهم وفقير اليه من جهة معافاته له من انواع البلاء فانه ان لم يعافه منها هلك ببعضها وفقير اليه من جهة عفوه عنه ومغفرته له فان لم يعفو عن العبد ويغفر له فلا سبيل الى نجاته فما نجى احد الا بعفو الله ولا دخل الجنة الا برحمة الله واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين انه سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته