بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد روى مسلم في صحيحه عن علي ابن ابي طالب رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قل اللهم اهدني وسددني واذكر بالهدى هدايتك الطريق والسداد سداد السهم وفي رواية اللهم اني اسألك الهدى والسداد يعد هذا الحديث من اجمع الادعية واخصرها واوجزها ففيه سؤال الله الهدى والسداد وهما اجل المطالب واشرفها واعظمها بل لا يحصل العبد سعادة الدنيا والاخرة الا بهما ولهذا ارشد النبي صلى الله عليه وسلم الى هذين المطلبين الجامعين للخير كله الهدى يراد به المعرفة بالحق تفصيلا واجمالا والتوفيق لاتباعه ظاهرا وباطنا والسداد يراد به اصابة الحق وموافقة هدي النبي الكريم عليه الصلاة والسلام والاستقامة على ذلك ومن كمال نصح النبي صلى الله عليه وسلم وحسن بيانه وتوجيهه جعل مع هذين المطلبين العظيمين ما يذكر بهما وبمدلولهما من الامور الحسية ليتحقق ذكر اللفظ وعدم نسيانه وفهم المعنى المراد واستحضاره وعدم اغفاله قوله اهدني اي الى الحق والخير والفلاح وثبتني على الهداية الى الصراط المستقيم الى الختام لان طلب الهداية يشمل امرين التثبيت على ما قد حصل والمزيد مما لم يحصل. كما قال الله عز وجل والذين اهتدوا زادهم هدى اتاهم تقواهم وقوله وسددني اي اجعلني على السداد وهو اصابة الحق ولزومه ومنه قوله تعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا قال ابن القيم رحمه الله المهتدي هو العالم بالحق المريد له وهي اعظم نعمة لله على العبد ولهذا امرنا سبحانه ان نسأله هداية الصراط المستقيم كل يوم وليلة في صلواتنا الخمس فان العبد محتاج الى معرفة الحق الذي يرضي الله في كل حركة ظاهرة وباطنة فاذا عرفها فهو محتاج الى من يلهمه قصد الحق فيجعل ارادته في قلبه ثم الى من يقدره على فعله ومعلوم ان ما يجهله العبد اضعاف اضعاف ما يعلمه وان كل ما يعلمه انه حق لا تطاوعه نفسه على ارادته ولو اراده لعجز عن كثير منه وهو مضطر كل وقت الى هداية تتعلق بالماضي وبالحال وبالمستقبل اما الماضي ومحتاج الى محاسبة نفسه عليه وهل وقع على السداد فيشكر الله عليه ويستديمه ام خرج فيه عن الحق فيتوب الى الله منه ويستغفره ويعزم على الا يعود واما الهداية في الحال فهي مطلوبة منه فانه ابن وقته فيحتاج ان يعلم حكم ما هو متلبس به من الافعال هل هو صواب ام خطأ واما المستقبل فحاجته فيه الى الهداية اظهر ليكون سيره على الطريق واذا كان هذا شأن الهداية علم ان العبد اشد شيء اضطرارا اليها وان ما يورده بعض الناس من السؤال الفاسد وهو انا اذا كنا مهتدين فاي حاجة بنا ان نسأل الله ان يهدينا وهل هذا الا تحصيل حاصل افسدوا سؤال وابعدوه عن الصواب وهو دليل على ان صاحبه لم يحصل معنى الهداية. ولا احاط علما بحقيقتها ومسماها فلذلك تكلف من تكلف الجواب عنه بان المعنى ثبتنا على الهداية وادمها لنا ومن احاط علما بحقيقة الهداية وحاجة العبد اليها علم ان الذي لم يحصل له منها اضعاف ما حصل له وانه كل وقت محتاج الى هداية متجددة. لا سيما والله تعالى خالق افعال القلوب والجوارح فهو كل وقت محتاج الى ان يخلق الله له هداية خاصة ثم ان لم تصرف عنه الموانع والصوارف التي تمنع موجب الهداية وتصرفها لم ينتفع بالهداية ولم يتم مقصودها له فان الحكم لا يكفي فيه وجود مقتضيه بل لا بد مع ذلك من عدم مانعه ومنافيه ومعلوم ان وساوس العبد وخواطره وشهوات الغي في قلبه كل منها مانع من وصول اثر الهداية اليه فان لم يصرفها الله عنه لم يهتد هدى تاما فحاجته الى هداية الله له مقرونة بانفاسه وهي اعظم حاجة للعبد وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله واما سؤال المؤمن من الله الهداية فان الهداية نوعان هداية مجملة وهي الهداية للاسلام والايمان وهي حاصلة للمؤمن وهداية مفصلة وهي هدايته الى معرفة تفاصيل اجزاء الايمان والاسلام واعانته على فعل ذلك وهذا يحتاج اليه كل مؤمن ليلا ونهارا ولهذا امر الله عباده ان يقرأوا في كل ركعة من صلاتهم قوله اهدنا الصراط المستقيم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه بالليل اهدني لما اختلف فيه من الحق باذنك انك تهدي من تشاء الى صراط مستقيم ولهذا يشمت العاطس فيقال له يرحمك الله فيقول يهديكم الله. كما جاءت السنة بذلك وقد امر النبي صلى الله عليه وسلم عليا ان يسأل الله السداد والهدى وعلم الحسن ان يقول في قنوت الوتر اللهم اهدني فيمن هديت وقوله واذكر بالهدى هدايتك الطريق والسداد سداد السهم هذا من باب ظرب المثال الذي يثبت للعبد حسن الاقبال على الله بهذا الدعاء العظيم لان الانسان عندما يتذكر الضال في الطريق الذي لا يدري اين الطريق ثم هدي الى الطريق او يتذكر الذي يرمي سهمه ولا يصيب الهدف وانما يذهب سهمه طائشا بعيدا عن الهدف فيذكر هاتين الحالتين ويتذكر ان اهتداء الضال في طريقه يعد سلامة وعافية وغنيمة وربحا عظيما ونجاة من لك وايضا سداد السهم يعد غنيمة عظيمة وتحصيلا للمقصود فاذكر في الهداية هداية الطريق وفي السداد سداد السهم وهداية الطريق الدلالة وسداد السهم اصابة الهدف والدين مبني على هذين الامرين. على مسائل ودلائل دلائل يهتدي اليها العبد يبني عليها دينه وهي قال الله قال رسوله ومسائل يعمل بها في حياته طاعة وتعبدا لله فيكون جامعا بين الهدى ودين الحق العلم النافع والعمل الصالح فكان هذا الدعاء من اجمع الدعاء وانفعه واشمله للخير كله الخطابي رحمه الله قوله واذكر بالهدى هدايتك الطريق معناه ان سالك الطريق والفلات انما يؤم سمت الطريق. ولا يكاد يفارق الجادة ولا يعدل عنها يمنة ويسرة خوفا من الضلال وبذلك يصيب الهداية وينال السلامة يقول اذا سألت الله الهدى فاخطر بقلبك هداية الطريق وسل الله الهدى والاستقامة كما تتحراه في هداية الطريق اذا سلكتها وقوله واذكر بالسداد تسديدك السهم معناه ان الرامي اذا رمى غرظا سدد بالسهم نحو الغرض ولم يعدل عنه يمينا ولا شمالا ليصيب الرمية فلا يطيش سهمه ولا يخفق سعيه يقول فاخطر المعنى بقلبك حين تسأل الله السداد ليكون ما تنويه من ذلك على شاكلة ما تستعمله في الرمي وقال النووي رحمه الله اي تذكر ذلك في حال دعائك بهذين اللفظين لان هذه الطريق لا يزيغ عنه ومسدد السهم يحرص على تقويمه ولا يستقيم رميه حتى يقومه وكذا الداعي ينبغي ان يحرص على تسديد علمه وتقويمه ولزوم السنة وقيل ليتذكر بهذا اللفظ السداد والهدى لان لا ينساه وقد تضمنت هذه الدعوة مضامين عديدة عظيمة فمن مضامين هذه الدعوة شدة فقر العبد الى الله وحاجته اليه جل في علاه فان العبد لن ينال هداية ولن يصيب سدادا الا اذا هداه الله جل وعلا وسدده وفي الحديث القدسي يقول الله تبارك وتعالى يا عبادي كلكم ضال الا من هديته فاستهدوني اهدكم فالهداية بيده وحده والسداد بيده وحده فما اعظم فقر العبد وحاجته الى الله بان يهديه وان يسدده وان يصلح له شأنه كله ومن مضامين هذه الدعوة كمال تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لامته وعظيم بيانه وجميل نصحه عليه الصلاة والسلام ومن ذلكم ان من طريقته في التعليم عليه الصلاة والسلام توضيح الامور المعنوية بالامور المحسوسة المشاهدة قال اذكر بالهداية هدايتك الطريق والسداد سداد السهم وعندما يحضر الداعي هذا المعنى في ذهنه ويتذكر حال شخص في فلاة لا يعرف اين السبيل ولا يهتدي الى الوجهة التي يريد كم هي حاجته حينئذ الى هاد خريج يدله طريقة ويرشده الى وجهته وكذلك من يصوب سهما نحو رمية. كم يدقق ويعتني عناية دقيقة بان يصيب سهمه الرمية فكذلك السائر الى الله تبارك وتعالى والطالب لرضاه سبحانه كم هو بحاجة الى ان يعنى هذه عناية وان يهتم هذا الاهتمام فبهذا المثل العظيم الذي ضربه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يتبين هذا المعنى ويتضح تماما الوضوح ومن مضامين هذه الدعوة ان اعمال العبد ليست كلها مقبولة وانما الذي يقبل منها ما اصاب فيه السداد ووافق فيه الهدى هدى النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه فما احوج السائر الى الله الى ان يعنى بان تكون اعماله موافقة للسنة مطابقة لهدي النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ومن مضامين هذه الدعوة حاجة الامة الى العلماء الناصحين والائمة المصلحين دعاة الحق والهدى ليبصروا الجاهل وينبهوا الغافل ويعلموا المسترشد ويهدوا باذن الله تبارك وتعالى الى طريق الحق والهدى قال الله تعالى وجعلنا منهم ائمة يهدون بامرنا لما صبروا وكانوا باياتنا يوقنون ومن مضامين هذه الدعوة اهمية التوسط والاعتدال وان دين الله جل وعلا وسط بين الغلو والجفاء والافراط والتفريط فان السداد هو اصابة الحق دون غلو او جفاء. ودون افراط او تفريط ومن مضامين هذه الدعوة العظيمة خطورة الضلال وخطورة الانحراف فان ضد الهداية الضلال وضد السداد الانحراف وهما اخطر ما يكون على العبد في هذه الحياة فيجب على العبد ان يتقي الله وان يحذر اشد الحذر من ان يضل عن سواء السبيل او ان ينحرف عن صراط الله المستقيم ومن مضامين هذه الدعوة ان الهداية والتوفيق بيد الله جل في علاه الا مهتدي ولا مستقيما الا من هداه الله جل وعلا ووفقه واعانه من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ومن مضامين هذه الدعوة ان المؤمن اذا رأى اخاه خالف طريق السداد عليه ان ينصحه ويعظه ويذكره. لا ان يزدري به وينتقصه ويحقره ويرى نفسه عليه وانه خير منه حتى وان كان عمل الانسان في الظاهر حسنا فقد يختم لذلك المنحرف عن الجادة بحسن العمل ويبلغ الامل وربما صار خيرا ممن ازدرى والتوفيق بيد الله وحده يهدي من يشاء الى صراط مستقيم ومن مضامين هذه الدعوة خطورة دعاة الضلال الذين يحرفون الناس عن سواء السبيل وكما ان الانسان اذا اضاع طريقه الحسي الى بلده او وجهته المعينة توفق في طريقه الى من يضله ولا يهديه الطريق كيف يكون امره في شدة الانحراف كما لو ان شخصا يريد بلدة معينة او وجهة معينة فلقيه رجل فسأله عن الطريق فدله الى غير وجهه. وهداه الى غير سبيل كم تكون حاله في مزيد انحراف وضياع وتوهان عن طريقه بينما اذا وفق الى ناصح امين وهاد خريت فانه باذن الله تبارك وتعالى يسلم من الضياع في طريقه باذن الله وكم في هذه الدعوة العظيمة من المعاني الجليلة وجوامع الخير فعلينا ان نعنى بها في جملة دعائنا وسؤالنا وتوجهنا الى ربنا مستحضرين ما جمعته من الخير العظيم والفضل العميم واسأل الله عز وجل لنا اجمعين الهدى والسداد وان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين انه سميع قريب مجيب. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته