بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد روى مسلم في صحيحه عن ابي هريرة رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم اصلح لي ديني الذي هو عصمة امري واصلح لي دنياي التي فيها معاشي واصلح لي اخرتي التي فيها معادي واجعل الحياة زيادة لي في كل خير. واجعل الموت راحة لي من كل شر هذا دعاء عظيم من الدعوات الجامعة ومن كوامل الدعاء وجوامعه جمع فيه عليه الصلاة والسلام خير الدنيا والاخرة وصلاح الدين والدنيا والاخرة والازدياد من الخيرات والاستكثار من الصالحات وان يكون موت الانسان انتهاء للشر وقدوما على الخير والسعادة قال الشوكاني رحمه الله هذا الحديث من جوامع الكلم لشموله لصلاح الدين والدنيا ووصف اصلاح الدين بانه عصمة امره لان صلاح الدين هو رأس مال العبد وغاية ما يطلبه ووصف اصلاح الدنيا بانها مكان معاشه الذي لا بد منه في حياته وسأله اصلاح اخرته التي هي المرجع وحولها يدندن العباد وقد استلزمها سؤال اصلاح الدين. لانه اذا اصلح الله دين الرجل فقد اصلح له اخرته التي هي دار معادن وسأله ان يجعل الحياة زيادة له في كل خير لان من زاده الله خيرا في حياته كانت حياته صلاحا وفلاحا وسأله ان يجعل له الموت راحة له من كل شر لانه اذا كان الموت دافعا للسرور قاطعا لها ففيه الخير الكثير للعبد ولكنه ينبغي ان يقول اللهم احيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني اذا كان الموت خيرا لي. كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فانه يشمل كل امر ومعلوم ان من لم يكن في حياته الا الوقوع في السرور فالموت خير له من الحياة وراحة له من محنها قوله اللهم اصلح لي ديني دعاء باصلاح الدين اي بان توفقني للقيام بواجباته وادابه ومقتضياته على الوجه الاكمل والاتم وذلك بان يوفق الله العبد للتمسك بالكتاب والسنة وفق هدي السلف الصالح من الصحابة والتابعين والائمة الصالحين في امور الاعتقاد والعبادات والدعوة الى الله تبارك وتعالى والاخلاق والاداب والسلوك وبدأ بصلاح الدين لانه الاساس الذي يبنى عليه ما بعده وقوله الذي هو عصمة امري اي ما اعتصم به في جميع اموري كما قال الله تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وفيه ان التمسك بالدين على المنهج الصحيح عصمة للعبد من مظلات الفتن ومن الوقوع في الانحرافات الاعتقادية والعملية وان اضاعة الدين به انفراط الامر وضياعه كما قال الله تعالى ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان امره فرطا وقوله واصلح لي دنياي دعاء باصلاح الدنيا اي باعطاء الكفاف بما يحتاج اليه وبان يكون حلالا ومعينا على طاعة الله تعالى وقوله التي فيها معاشي اي فيها مكان عيشي وزمان حياتي وفي هذا ان للانسان في هذه الحياة معاشا محدودا ورزقا مقدرا لن يموت المرء حتى يستتم وقوله واصلح لي اخرتي دعاء باصلاح الاخرة واصلاحها باللطف من الله سبحانه والتوفيق منه للاخلاص في الطاعة وحسن الخاتمة والفوز بالنعيم المقيم في الجنة وقوله واجعل الحياة زيادة لي في كل خير اي اجعل طول عمري فرصة وسببا لي في اتيان الخير من القول والعمل وفيه ان طول عمر العبد المسلم مدعاة للزيادة من اعمال البر والخير وقوله واجعل الموت راحة لي من كل شر اي واجعل موتي وخروجي من هذه الحياة الدنيا راحة لي من الفتن والمحن والابتلاء بالمعصية والغفلة وفيه ان الدنيا للصالحين دار نصب وتعب وان الراحة لا تكون الا بالموت على الصلاح والدين وان المؤمن يستريح غاية الراحة ويسلم كمال السلامة بلقاء ربه عز وجل حين يظفر بثوابه العظيم ونعيمه المقيم وقد سئل الامام احمد رحمه الله متى يجد العبد طعم الراحة قال عند اول قدم يضعها في الجنة. نسأل الله الكريم من فظله وقد اشتمل هذا الحديث العظيم والدعوة الجامعة على فوائد عظيمة جليلة القدر مما يؤكد ان هذه الدعوة المباركة ينبغي على كل مسلم ان يحفظها وان يحافظ عليها فمن فوائد هذه الدعوة ان العبد مفتقر الى الله تبارك وتعالى في كل شؤونه مفتقر اليه عز وجل في صلاح دينه وصلاح دنياه وصلاح اخراه ومحتاج الى الله تبارك وتعالى من كل وجه ولا يمكن ان يصلح له دين او دنيا او اخرة الا اذا اصلحه الله له فهو فقير الى الله غاية الفقر يا ايها الناس انتم الفقراء الى الله والله هو الغني الحميد وهذه الدعوة تهدي العبد الى شدة افتقاره الى الله سبحانه وتعالى في اموره الدينية والدنيوية والاخروية فلا يصلح منها شيء الا اذا اصلحه الله ومن فوائد هذه الدعوة المباركة ان الدين مقدم على غيره والاهتمام به مقدم على الاهتمام باي امر اخر ولهذا قدمه عليه الصلاة والسلام وبدأ به قال اللهم اصلح لي ديني فهذا فيه فائدة ان العبد يهتم بصلاح دينه اهتماما مقدما على صلاح دنياه وتكون عنايته بصلاح الدين الزم عليه بينما واقع كثير من الناس في هذا الباب اهتمامه في حياته باصلاح دنياه ودينه له الفضلة من الوقت والزائد منه اما جل وقته فمنصرف الى اصلاح دنياه فان بقي في وقته فضل شغله باصلاح دينه ثم ايظا تجده في اصلاح دنياه يعتني بالامر من كل جانب ومن كل حيثية. فاذا اراد مثلا ان يبني بيتا تجده لا يستعجل بل يتروى ويسأل اهل الخبرة والصنعة ويكثر من التحري والسؤال حتى يطمئن لسلامة العمل ودقته بينما اذا اراد ان يؤدي شيئا من امور الدين ومبانيه العظيمة اداه كيفما اتفق فاذا اراد مثلا ان يقوم بشيء من مباني الاسلام كأن يحج او ان يصوم يأتي بها كيفما اتفق بدون تحر او سؤال فهذا من ضعف الاهتمام بالدين وقوة الاهتمام بامر الدنيا فالحديث يرشدنا الى ان الاهتمام بالدين مقدم ولهذا بدأ به النبي عليه الصلاة والسلام ومن فوائد هذا الحديث العظيمة ان صلاح الدين عصمة الامر ولهذا قال اللهم اصلح لي ديني الذي هو عصمة امري فعصمة الامر اي سداده وسلامته والوقاية من الشرور والافات كل ذلك لا يستقيم الا بصلاح الدين فبصلاح الدين عصمة الامر وبضياع الدين انفراط الامر كما قال الله تعالى واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان امره فرطا ابدون الدين ينفرط الامر. وبالدين يكون للانسان العصمة في امره فعصمة امر الانسان وهو قراره وطمأنينته وسكونه واجتماع شمله وسكون قلبه الى غير ذلك كل ذلك انما يكون بصلاح الدين ومن فوائد الحديث ان الانسان لا ضير عليه ان يهتم بدنياه وان يكون عنده اهتمام بدنياه واصلاحها لا ضير في ذلك ولهذا قال واصلح لي دنياي التي فيها معاشي فلا ضير على العبد ان يهتم باصلاح دنياه. لكن المصيبة عندما يكون اصلاح الدنيا مقدما على اصلاح الدين والاهتمام بالدنيا اكبر من الاهتمام بالدين وتأمل هذا المعنى في الدعوة الاخرى التي كان يدعو بها عليه الصلاة والسلام قال اللهم لا تجعل الدنيا اكبر همي ولا مبلغ علمي فقوله اكبر همي فيه دليل على جواز الاهتمام بالدنيا وانما الاشكال يأتي اذا كانت الدنيا اكبر هم المرء بحيث تطرى الدنيا على الدين وتأمل قول الله تعالى قل ان كان اباؤكم وابناؤكم واخوانكم وازواجكم وعشيرتكم واموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها احب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بامره والله لا يهدي القوم الفاسقين فالاشكال هنا اذا كانت احب اليكم من الله ورسوله اما كون المرء يحب ما له وتجارته وعشيرته ونحو ذلك من المحاب فلا شيء في ذلك لكن اذا كانت هذه المحبة لها مقدمة عنده على محبة الله والدين او كان الاهتمام بها مقدما على الاهتمام بالدين فهذا موطن الاشكال فلك ان تهتم بدنياك وان تسعى في اصلاحها وتسعى في اطابتها بالوسائل المشروعة كل ذلك لا بأس به ولا ضير عليك فيه ما لم يبلغ الامر ان تكون الدنيا هي المقدمة او ان يكون الاهتمام بها هو المقدم ومن فوائد هذا الحديث في قوله فيها معاشي ان للمرء في هذه الدنيا معاسا محدودا وامدا معدودا له معاش لن يخرج من هذه الدنيا الا اذا استتم فلا تموت نفس حتى تستتم رزقها فلو بقي للمرء من الحياة شربة ماء لن يموت حتى يشربها وقد جاء في حديث ابن مسعود المعروف بحديث الصادق المصدوق قال فيه عليه الصلاة والسلام ثم يرسل اليه الملك ويؤمر بكتب اربع كلمات بكتب رزقه واجله وعمله وشقي هو او سعيد فالانسان له في هذه الحياة معاش مكتوب ولن يموت حتى يستوفي ما كتب له من الرزق والقصص في مثل هذا عجب يراها الناس تجد انسانا ينجو من الموت بتوفيق الله سبحانه وتعالى نجاة ما يظنها الناس ان تكون لانه لا يزال له عيش قد كتبه الله تبارك وتعالى له واخر على فراشي ليس به علة وليس به مرض لكنه استوفى معاشه ورزقه فيموت على فراشه صغيرا ليس به كبر صحيحا ليس به مرض ومن فوائد هذا الحديث ان خير الناس من طال عمره وحسن عمله وكان له في زيادة الايام كثرة الحسنات وزيادة الاجور وخطورة الامر اذا كان الانسان على الظد من ذلك قال ابن القيم رحمه الله فمن لم يورثه التعمير وطول البقاء اصلاح معائبه وتدارك فارقه واغتنام بقية انفاسه في عمل على حياة قلبه وحصول النعيم المقيم والا فلا خير له في حياته فان العبد على جناح سفر اما الى الجنة واما الى النار فاذا طال عمره وحسن عمله كان طول سفره زيادة له في حصول النعيم واللذة فانه كلما طال السفر اليها كانت الصبابة اجل وافضل واذا طال عمره وساء عمله كان طول سفره زيادة في المه وعذابه ونزولا له الى اسفل فالمسافر اما صاعد واما نازل وفي الحديث المرفوع خيركم من طال عمره وحسن عمله وشركم من طال عمره وقبح عمله. رواه الترمذي في السنن الحاصل ان هذا الدعاء مشتمل على خيرات عظيمة ومغانم جليلة فلا ينبغي ان يفوتها المسلم وعليه ان يكثر من الدعاء به قال القرطبي رحمه الله هذا دعاء عظيم جمع خيري الدارين الدنيا والدين فحق على كل سامع له ان يحفظه ويدعو به اناء الليل واطراف النهار ولعل الانسان يوافق ساعة اجابة فيحصل على خيري الدارين واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين انه سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته