بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن انس بن مالك رضي الله عنه قال كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم اني اعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم واعوذ بك من فتنة المحيا والممات واعوذ بك من عذاب القبر هذا الدعاء العظيم المبارك يتعلق كله بالاستعاذة والاستعاذة هي طلب العود وهو لجوء من شيء يخافه الانسان ويحذر منه الى من يخلصه منه فالاستعاذة اعتصام والتجاء واستنصار وفرار الى الله سبحانه بان يخلص العبد مما يخشاه خافوا منه اما شيء واقع موجود فيطلب من الله بتعوده ان يرفعه ويبعده او شيء مفقود يخشى ان يقع او يحصل فيتعوذ بالله من وقوع ذلك الشيء فالتعود في الجملة يرجع الى هذين الامرين. اما تعود من شيء موجود او شيء مفقود وهي فرار الى الله والتجاء اليه وعبادة لا تصرف لغيره ومن صرف تعوده الى غير الله عز وجل صرفه الى ذل وهوان ولم يزده من صرف تعوده اليه الا رهقا وذلا. كما قال تعالى وانه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا فلا يحصل منفعة بل يهدم بذلك دينه والتعود هو من الدعاء لذا ترى في الاحاديث اللهم اني اعوذ بك لكنه دعاء مخصوص بطلب الخلاص من مخوف ومرهوب وشيء يخشى منه الانسان فيطلب من الله عز وجل ان يعيذه منه ولهذا يسمى المستعاذ به معاذا كما يسمى ملجأ ووزرا والمستعاذ به هو الله وحده. رب الفلق ورب الناس ملك الناس اله الناس الذي لا ينبغي الاستعاذة الا به ولا يستعاذ باحد من خلقه بل هو الذي يعيذ المستعيذين ويعصمهم ويمنعهم من شر ما استعاذوا من شره ولا ملجأ ولا نجاة الا بالفرار الى الله تفروا الى الله لهذا يجب على المسلم ان يحقق هذه العبودية العظيمة عبودية التعود ففي كل شيء يخافه ويخشاه لا يلجأ الا الى الله ولا يفر الا اليه طالبا نجاته وخلاصه مما يخشاه ويخافه منه وحده وقد جاءت السنة النبوية بانواع كثيرة مما يستعاذ منه بتفصيل في بعض المواطن واجمال في بعضها وقد عقد الامام النسائي رحمه الله في كتابه السنن كتابا عظيما اسماه الاستعاذة وساق فيه احاديث كثيرة كلها في هذا الباب وهو من احسن ما جمع في هذا الباب وايضا للامام ابن مفلح رحمه الله رسالة نافعة في هذا سماها الاستعاذة وهي مطبوعة هذا وقد اشتمل هذا الدعاء على الاستعاذة من سبعة امور احدها قوله اللهم اني اعوذ بك من العجز وهو تعود من العجز وهو ضد القدرة واصله التأخر عن الشيء مأخوذ من العجز وهو مؤخر الشيء وللزومه الضعف عن الاتيان بالشيء استعمل في مقابل القدرة فقيل هو ذهاب القدرة وشرعت الاستعاذة من العجز لان لا يعجز العبد عن القيام بمهمات العبادات الناشئ عن ارتكاب في الذنوب لانها توجب لمرتكبها توالي العوائق وتسابق الموانع اليه والثاني قوله والكسل وهو معطوف على العجز اي واعوذ بك من الكسل وفترة النفس والتثاقل عن صالح الاعمال مع القدرة عليها ايثارا لراحة البدن على التعب ويكون ذلك لعدم انبعاث النفس للخير وضعف الرغبة فيه قال ابن القيم رحمه الله والعجز والكسل قرينان فان تخلف مصلحة العبد وكماله ولذته وسروره عنه اما ان يكون مصدره عدم القدرة فهو العجز او يكون قادرا لكن تخلفه لعدم ارادته فهو الكسل وصاحبه يلام عليه ما لا يلام على العجز وقد يكون العجز ثمرة الكسل فيلام عليه ايضا فكثيرا ما يكسل المرء عن الشيء الذي هو قادر عليه وتضعف عنه ارادته فيفضي به الى العجز عنه وقال رحمه الله والانسان مندوب الى استعادته بالله تعالى من العجز والكسل فالعجز عدم القدرة على الحيلة النافعة. والكسل عدم الارادة لفعلها فالعاجز لا يستطيع الحيلة. والكسلان لا يريدها ومن لم يحتل وقد امكنته هذه الحيلة اضاع فرصته وفرط في مصالحه كما قيل اذا المرء لم يحتل وقد جده اضاع وقاسى امره وهو مدبر وفي هذا قال بعض السلف الامر امران امر فيه حيلة فلا يعجز عنه وامر لا حيلة فيه فلا يجزع منه وانما استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من العجز والكسل لانهما يمنعان العبد من اداء الحقوق الواجبة عليه ومن تحصيل مصالحه النافعة له ولو نظر الناظر في احوال الناس لوجد ان الفتور في الناس عن العبادة والطاعة سببه العجز والكسل لهذا ما احوج العبد الى ان يتعوذ كثيرا بالله منهما لانهما يعيقانه عن الطاعة والعبادة وعن الخيرات هذا وقد يخلط بعض الناس بين التوكل والعجز فيكون توكله عجزا وفرق شاسع بينهما وفي هذا يقول ابن القيم رحمه الله والفرق بين التوكل والعجز ان التوكل عمل القلب وعبوديته اعتمادا على الله وثقة به والتجاء اليه وتفويضا اليه ورضا بما يقضيه له لعلمه بكفايته سبحانه وحسن اختياره لعبده اذا فوض اليه مع قيامه بالاسباب المأمور بها واجتهاده في تحصيلها فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اعظم المتوكلين وكان يلبس لامته ودرعه بل ظاهر يوم احد بين درعين واختفى في الغار ثلاثا فكان متوكلا في السبب لا على السبب واما العجز فهو تعطيل الامرين او احدهما فاما ان يعطل السبب عجزا منه ويزعم ان ذلك توكل ولعمر الله انه لعجز وتفريط واما ان يقوم بالسبب ناظرا اليه معتمدا عليه غافلا عن المسبب معرضا عنه وان خطر بباله لم يثبت معه ذلك الخاطر ولم يعلق قلبه به تعلقا تاما بحيث يكون قلبه مع الله وبدنه مع السبب فهذا توكله عجز وعجزه توكل والثالث قوله والجبن اي واعوذ بك من الجبن وهو ضد الشجاعة اي المهابة للاشياء والتأخر عن فعلها وهو ناتج عن ضعف القلب وخشية النفس وهو من الخلال المذمومة التي لا تصلح ان تكون في المؤمن ويقرن معه في بعض النصوص التعود من البخل وهو منع الواجب او منع السائل عما يفضل عنده او الا يعطى شيئا وهو من الصفات المذمومة قال الله تعالى ولا يحسبن الذين يبخلون بما اتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والارض والله بما تعملون انا خبير قال ابن القيم رحمه الله والجبن والبخل قرينان فان الاحسان يفرح القلب ويشرح الصدر ويجلب النعم ويدفع النقم. وتركه يوجب الضيم والضيق ويمنع وصول النعم اليه الجبن ترك الاحسان بالبدن والبخل ترك الاحسان بالمال وقال ايضا فان الاحسان المتوقع من العبد اما بماله واما ببدنه فالبخيل مانع لنفع ماله والجبان مانع لنفع بدنه والرابع قوله والهرم اي واعوذ بك من الهرم وهو البلوغ في العمر الى سن تضعف فيه الحواس والقوى ويضطرب فيه الفهم والعقل وهو ارذل العمر الذي جاء التعوذ منه في قوله واعوذ بك من ان ارد الى ارذل العمر قال الشوكاني رحمه الله واما مجرد طول العمر مع سلامة الحواس وصحة الادراك فذلك ما ينبغي الدعاء به. لان بقاء المؤمن ممتعا بحواسه قائما بما يجب عليه متجنبا لما لا يحق فيه حصول الثواب وزيادة الخير وفي الحديث خير الناس من طال عمره وحسن عمله وشر الناس من طال عمره وساء عمله رواه احمد واعظم ما يعين على سلامة الحواس وصحة الادراك حال الكبر المحافظة على الطاعة والمواظبة على العبادة. وفي الحديث احفظ الله يحفظك وكذلك ذكر الله وتلاوة كتابه. قال عبدالملك ابن عمير رحمه الله ابقى الناس عقولا قرأت القرآن وقال الشعبي رحمه الله من قرأ القرآن لم يخرف والخامس قوله واعوذ بك من عذاب القبر. وعذاب القبر حق قد قال صلى الله عليه وسلم ايها الناس استعيذوا بالله من عذاب القبر فان عذاب القبر حق والناس يعذبون في قبورهم الا اهل الايمان والطاعة والعذاب في القبر يكون على الكفر وهو عذاب دائم مستمر النار يعرضون عليها غدوا وعشيا اي في قبورهم لقوله بعدها ويوم تقوم الساعة ادخلوا ال فرعون اشد العذاب وعذاب العصاة وهو نوع اخر فهو بقدر ذنوبهم كما في الحديث عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال انهما ليعذبان وما يعذبان في كبير اما احدهما فكان لا يستتر من البول واما الاخر فكان يمشي بالنميمة فاخذ جريدة رطبة فشقها نصفين فغرز في كل قبر واحدة فقالوا يا رسول الله لما فعلت هذا؟ قال لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا والسادس والسابع قوله واعوذ بك من فتنة المحيا والممات وهو تعود من فتنة الحياة وفتنة الموت قال ابن دقيق العيد وفتنة المحيا ما يتعرض له الانسان مدة حياته. من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات واشدها واعظمها والعياذ لا امر الخاتمة عند الموت وفتنة الممات يجوز ان يراد بها الفتنة عند الموت اضيفت الى الموت لقربها منه وتكون فتنة المحيا على هذا ما يقع قبل ذلك في مدة حياة الانسان وتصرفه في الدنيا فانما قاربا شيئا يعطى حكمه فحالة الموت تشبه الموت ولا تعد من الدنيا ويجوز ان يكون المراد بفتنة الممات فتنة القبر ولا يكونوا على هذا متكررا مع قوله واعوذ بك من عذاب القبر لان العذاب مركب لان العذاب مرتب على الفتنة. والسبب غير المسبب ولا يقال ان المقصود زوال عذاب القبر لان الفتنة نفسها امر عظيم وهو شديد يستعاذ بالله من شره وقال الحافظ ابن حجر واما فتنة المحيا والممات فقال ابن بطال هذه كلمة جامعة لمعاني كثيرة وينبغي للمرء ان يرغب الى ربه في جميع ذلك والشيطان احرص ما يكون على اغواء بني ادم وقت الموت لانه وقت الحاجة قد قال عليه الصلاة والسلام الاعمال بخواتيمها وعدو الله احرص ما يكون على الا يختم لعبد الله المؤمن بالخاتمة الحسنة الطيبة قال عبدالله ابن الامام احمد رحمهما الله لما حضرت ابي الوفاة جعل يقول لا بعد لا بعد فقلت يا ابتي اي شيء هذا؟ فقال ابليس قائم حذائي عاض على انامله يقول لي يا احمد فتني وانا اقول له لا بعد حتى اموت اعاذنا الله جميعا منه واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين انه سميع قريب مجيب الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته