بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول اللهم اني اعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم والمغرم ومن فتنة القبر وعذاب القبر ومن فتنة النار وعذاب النار ومن شر فتنة الغنى واعوذ بك من فتنة الفقر واعوذ بك من فتنة المسيح الدجال اللهم اغسل عني خطاياي بماء الثلج والبرد ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الابيض من الدنس وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب هذا من الدعوات العظيمة التي كان يدعو بها نبينا صلى الله عليه وسلم وهو مشتمل على الاستعاذة من احد عشر امرا والدعاء بثلاثة امور اخرى فاما الامور المستعاد منها فهي الاول قوله اللهم اني اعوذ بك من الكسل والمراد بالكسل عدم انبعاث النفس للخير مع كون المرء قادرا عليه الثاني قوله والهرم والمراد به الاستعاذة من الرد الى ارذل العمر كما جاء في الحديث الاخر وسبب ذلك ما فيه من الخرف واختلال العقل والحواس والظبط والفهم الثالث قوله والمأثم وهو ما يوجب الاثم ان يكون سببا للوقوع فيه الرابع قوله والمغرم وهو ما يقتضي الغرم وهو الدين اي ما يلزم الانسان اداؤه بسبب جناية او معاملة ونحوها والمأثم والمغرم يتظمنان الاشارة الى حق الله وحق العباد فالمأثم اشارة الى حق الله والمغرم اشارة الى حق العباد والمأثم يوجب خسارة الاخرة والمغرم يوجب خسارة الدنيا وفي الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم قيل له ما اكثر ما تستعيذ من المغرم فقال ان الرجل اذا غرم حدث فكذب ووعد فاخلف. رواه البخاري ومسلم وذلك ان من عليه دين وتأخر في السداد وطالت المدة وصار معسرا وليس عنده ما يسدد اذا اتاه اصحاب المال يطالبونه والحوا عليه في اعطائهم حقوقهم وربما هددوه وتوعدوه فقد يصل الى هذه المرحلة التي اشار اليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ان الرجل اذا غنم حدث فكذب ووعد فاخلف فيقول لمن اتاه والله ما عندي شيء وقد يكون عنده بعض الشيء ويعد ولا يفي. يقول امهلني شهرا ثم يمر الشهر والشهران والثلاثة ويفر منه ويحرص على الا يلقاه وربما اذا اتصل عليه في الهاتف لا يرد علي واذا طرق بابه لا يفتح له فالدين ارق وشدة وهم عظيم وقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم التعوذ من غلبة الدين ومن ضلع الدين وهي شدته وثقله بسبب تحمل العبد له وعدم قدرته على الوفاء به لقلة ذات يده والمسلم الذي يخاف الله عز وجل الدين ثقيل عليه يؤرقه ويؤلمه ولهذا جاء في المسند للامام احمد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تخيفوا انفسكم بعد امنها قالوا وما ذاك يا رسول الله؟ قال الدين فهو حمل ثقيل ولا ينبغي للمسلم ان يستدين الا اذا كان مضطرا ويعزم صادقا على الوفاء واذا علم الله سبحانه من عبده الصدق والنصح والحرص يسر له امره وقضى عنه دينه روى البخاري عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اخذ اموال الناس يريد اداءها ادى الله عنه ومن اخذها يريد اتلافها اتلفه الله وروى الامام احمد عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من عبد كانت له نية في اداء دينه الا كان له من الله عون وروى النسائي عن ميمونة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ما من احد يدان دينا فعلم الله منه انه يريد قضاءه الا اداه الله عنه في الدنيا الخامس قوله ومن فتنة القبر وهي سؤال الملكين في القبر فان الناس يمتحنون في قبورهم فيقال للرجل ما ربك وما دينك؟ ومن نبيك فيثبت الله الذين امنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة فيقول المؤمن ربي الله والاسلام ديني ومحمد صلى الله عليه وسلم نبيي واما المرتاب فيقول ها ها لا ادري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته فيضرب بمرزبة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل شيء الا الانسان ولو سمعها الانسان لصعق ثم بعد هذه الفتنة اما نعيم واما عذاب الى ان تقوم القيامة الكبرى فتعاد الارواح الى اجساد وتقوم القيامة التي اخبر الله بها في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم واجمع عليها المسلمون السادس قوله وعذاب القبر وهو ضرب وهو ظرب من لم يوفق للجواب بالمرزبة من الحديد وغير ذلك من العذاب الذي يكون فيه السابع قوله ومن فتنة النار وهي سؤال الخزنة على سبيل التوبيخ والتقريع واليه الاشارة بقوله تعالى كلما القي فيها فوج سألهم خزنتها الم يأتكم نذير الثامن قوله وعذاب النار اي نجني من عذابها واجرني من دخولها وقد اثنى الله تعالى على خاصته وهم اولوا الالباب بانهم سألوه ان يقيهم عذاب النار فقالوا ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار وقال صلى الله عليه وسلم لامي حبيبة رضي الله عنها لو سألت الله ان يعافيك من عذاب في النار وعذاب في القبر لكان خيرا لك وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ كثيرا من عذاب النار التاسع قوله ومن شر فتنة الغنى ومعناه ما يحصل بسببه من البقر والاشر والشح بما يجب اخراجه من واجبات المال ومندوباته العاشر قوله واعوذ بك من فتنة الفقر ويراد به الفقر المدقع الذي لا يصحبه خير ولا ورع حتى يتورط صاحبه بسببه فيما لا يليق باهل الدين والمروءة ولا يبالي بسبب فاقته على اي حرام وثب ولا في اي حالة تمرض وقيل فتنة الفقر ما يحصل بسببه من السخط والقنوط لمن لا صبر له يمنعه من ذلك ولا ايمان قويا يدفعه عن ذلك وقيل المراد بالفقر فقر النفس الذي لا يرده ملك الدنيا بحذافيرها واذا كان الغني شاكرا والفقير صابرا فاز كل منهما فيما فتن به لان الفقر فتنة والغنى فتنة والنجاة في فتنة الغنى هو الشكر والنجاة في فتنة الفقر هو الصبر قال النووي رحمه الله واما استعاذته صلى الله عليه وسلم من فتنة الغنى وفتنة الفقر فلانهما حالتان تخشى الفتنة فيهما بالتسخط وقلة الصبر والوقوع في حرام او شبهة للحاجة ويخاف في الغنى من الاسر والبطر والبخل بحقوق المال او انفاقه في اسراف وفي باطن او في مفاخر وقال ابن بطال رحمه الله واما فتنة الغناء فيخشى منها بطر المال وما يؤول من عواقب الاسراف في انفاقه وبذله فيما لا ينبغي ومنع حقوق الله فيه ففتنة الغنى متشعبة الى ما لا يحصى عده وكذلك فتنة الفقر يخشى منها قلة الصبر على الاقلال والتسخط له وتزيين الشيطان للمرء حال الغنى وما يؤول من عاقبة ذلك لضعف البشرية الحادي عشر قوله واعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وهو تعود بالله من فتنة المسيح الدجال وهي اعظم الفتن الكائنة في الدنيا كما في حديث ابي امامة رضي الله عنه قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه انه لم تكن فتنة في الارض منذ رأى الله ذريتي ادم اعظم من فتنة الدجال قال الشوكاني رحمه الله والمراد بفتنة المسيح الدجال هي ما يظهر على يده من الامور التي يضل بها من ضعف ايمانه كما اشتملت على ذلك الاحاديث المشتملة على ذكره وذكر خروجه وما يظهر للناس من تلك الامور واما الامور الثلاثة التي دعا بها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فهي اولا قوله اللهم اغسل عني خطاياي بماء الثلج والبرد لان ما غسل بماء الثلج والبرد انقى مما غسل بالماء وحده فسأل بان يطهره التطهير الاعلى الموجب لجنة المأوى قال ابن القيم رحمه الله وفي هذا الحديث من الفقه ان الداء يداوى بضده فان في الخطايا من الحرارة والحريق ما يضاده الثلج والبرد والماء البارد ولا يقال ان الماء الحار ابلغ في ازالة الوسخ لان في الماء البارد من تصليب الجسم وتقويته ما ليس في الحار والخطايا توجب اثرين التدنيس والارخاء فالمطلوب مداواتها بما ينظف القلب ويصلبه فذكر الماء البارد والثلج والبرد اشارة الى هذين الامرين وقال رحمه الله وسألت شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله عن معنى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الله اللهم طهرني من خطاياي بالماء والثلج والبرد كيف يطهر الخطايا بذلك؟ وما فائدة التخصيص بذلك وقوله في لفظ اخر والماء البارد والحار ابلغ في الانقاء فقال الخطايا توجب للقلب حرارة ونجاسة وضعفا فيرتخي القلب وتضطرم فيه نار الشهوة وتنجسه فان الخطايا والذنوب له بمنزلة الحطب الذي يمد النار ويوقدها ولهذا كلما كثرت الخطايا اشتد نار القلب وضعفه والماء يغسل الخبث ويطفئ النار فان كان باردا اورث الجسم صلابة وقوة فان كان معه ثلج وبرد كان اقوى في التبريد وصلابة الجسم وشدته فكان اذهب لاثر الخطايا ثانيا قوله ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الابيض من الدنس اي نظف قلبي من الذنوب كما نظفت الثوب الابيظ من الدنس شبه نظافة قلبه من الذنوب بنظافة الثوب الابيض من الدنس. لان زوال الدنس في الثوب الابيض اظهر. بخلاف سائر الالوان فانه ربما يبقى فيها اثر الدنس بعد الغسل ولم يظهر ذلك لمانع فيها بخلاف الابيض فانه يظهر كل اثر فيه والقصد من هذا التسبيح ان ينظف قلبه من الذنوب كنظافة الثوب الابيظ المنظف من الدنس فلم يبق فيه اثر ما ثالثا قوله وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب المراد بالمباعدة هنا محو ما حصل من الخطايا وترك المؤاخذة بها والوقاية مما لم يقع منها وشبه ذلك ببعد المشرق والمغرب مبالغة في البعد لانه لا يوجد في المشاهدات ابعد مما بين المشرق والمغرب ولان التقاء المشرق والمغرب مستحيل فكأنه اراد الا يبقى لها منه اقتراب بالكلية قال الكرماني رحمه الله يحتمل ان يكون في الدعوات الثلاث اشارة الى الازمنة الثلاثة فالمباعدة للمستقبل والتنقية للحال والغسل للماضي واسأل الله عز وجل ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين انه سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته